الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عودة روسيا إلى الركح العالمي 1

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

2022 / 4 / 23
السياسة والعلاقات الدولية


تتطلع روسيا بشكل متزايد إلى إفريقيا لإظهار القوة والنفوذ. يمثل هذا تحديًا حيث تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز الديمقراطية والسلام والازدهار.
بعد عقود من الغياب، عادت روسيا للظهور مرة أخرى في القارة الأفريقية. لتحقيق هذه العودة بعد غياب، يعتمد بوتين على مجموعة متنوعة من أدوات وأساليب تزعج الرأي العام الدولي وتثير مخاوف متصاعد باعتبارها تعلن جهرة موجة جديدة من منافسة القوى العظمى في إفريقيا، بل وعلى الصعيد العالمي. هذا في وقت ظل فيه صناع القرار في الولايات المتحدة ينادون بضرورة مواجهة النفوذ الروسي في القارة السوداء، سيما وأن موسكو غالبًا ما تستخدم وسائل قسرية سرية لمحاولة التأثير على الدول ذات السيادة ، بما في ذلك شركائها في المجالين الأمني والاقتصادي.
ويبدو إلى حد الآن أن النجاحات الروسية في القارة السوداء محدودة للغاية، إذ لم يتعلق الأمر إلا بحفنة من الدول ذات أنظمة غير شعبية وأهمية استراتيجية محدودة ومعزولة عن الغرب، كما أنها لا تحظى باهتمام كبير في عيون المجتمع الدولي.
ومع ذلك، تنظر روسيا بشكل متزايد إلى إفريقيا كمنطقة يمكنها فيها إظهار القوة والنفوذ. وهذا في وقت تقلص فيه كثيرا اهتمام السياسات الغربية بإفريقيا في السنوات الأخيرة. وربما هذا ما يمنح الكرملين فرصة لكسب ود النخب والشعوب في القارة. ومن الواضح أن انتهاز الفرصة هو الطي دفع استراتيجية روسيا - المنخفضة التكلفة والمخاطر نسبيًا - لمحاولة تعزيز نفوذها وإزعاج الغرب في إفريقيا ، تمامًا كما هو الحال في أوروبا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط.
منذ سنة 2014 ، عندما أدى ضم روسيا غير القانوني لشبه جزيرة القرم إلى قلب النظام الأمني بعد الحرب الباردة ، شهدت صورة الكرملين على الركح العالمي تحولًا ملحوظا. وكان يُنظر إلى روسيا في السابق على أنها قوة عظمى غير حاضرة وفي حالة شبه انسحاب ، كما كانت طموحها ونفوذها محصورين إلى حد كبير في محيطها المباشر ، حيث لم يتم الشعور بحضورها، على الركح العالمي، منذ ذروة الحرب الباردة. وأدى التدخل العسكري الروسي في سوريا سنة 2015 إلى تغيير جذري في مسار الحرب الأهلية فيها وقدرة موسكو على إبراز قوتها في الشرق الأوسط الكبير. وتمّ التعامل مع التدخل الروسي في السياسات الداخلية للولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا على أنه مثال واضح على التهديد الذي تشكل الكرملين على الديمقراطيات الغربية. آنذاك كان المسؤولون الروس منشغلين بقضية استعادة العلاقات القديمة وإقامة روابط جديدة حول العالم.
ومنذ مدة، لم تخل التقارير الأمريكية من الإشارة إلى تحول روسيا من قوة "إقليمية" إلى قوة "عظمى" ، تسعى جاهدة لتأكيد نفوذها عالميًا – هذا ما ورد في استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة لسنة 2017 واستراتيجية الدفاع الوطني لسنة 2018- فكلتا الوثيقتين تقرّان بعودة المنافسة الاستراتيجية طويلة الأمد بين الدول .
لقد أنجزت روسيا الكثير من أجل تحسين موقها على الصعيد العالمي، لكن مع رغبة واضحة في تجنب التورط في صراعات طويلة الأمد ، والحرص على الاستعانة بمصادر خارجية لمغامرات محفوفة بالمخاطر أو مكلفة لجهات فاعلة غير حكومية ، والاستخدام الاقتصادي للموارد في السعي وراء الفرص عند ظهورها.
وتجلى هذا الموقف بشكل أكثر وضوحًا في محاولات روسيا للعودة إلى إفريقيا - وهي ساحة تخلت عنها قبل ثلاثة عقود ، عندما أصبح عبء الطموحات العالمية أكبر من أن يتحمله الاقتصاد السوفييتي المنهار. وقد تمتع الاتحاد السوفيتي، سابقا، بعلاقات واسعة عبر إفريقيا لعقود من الزمن من خلال دعمه لحركات التحرر الوطني في أنغولا أو موزمبيق أو غينيا بيساو ، ومشاركته في صراعات الكونغو ، ومغازلة النظام اليساري الإثيوبي. لكن توقفت هذه العلاقات بشكل مفاجئ. كانت تكلفة الحفاظ عليها غير قابلة للاستمرار على الإطلاق بالنسبة لروسيا ما بعد الاتحاد السوفياتي التي كانت تحاول، آنذاك، التغلب على التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكارثية التي كانت تتخبط فيها.
على امتداد أكثر من عقدين بعد ذلك ، كان النشاط الروسي في إفريقيا مهملاً ، بصرف النظر عن المحاولات المتقطعة من قبل تجار الأسلحة البلطجية مثل "فيكتور بوت" ورجلا الأعمال "أوليج ديريباسكا" و"فيكتور فيكسيلبيرج".
وتدريجيًا ، مع استقرار الاقتصاد والسياسة الداخلية ، وتوسع آفاق السياسة الخارجية للكرملين ، بدأت روسيا في إعادة تأسيس موطئ قدم في إفريقيا. وكانت تأمل في شركاء لدعم رؤيتها حول عالم متعدد الأقطاب. ثم وسعت روسيا أنشطتها، وقوّت مشاركتها في عمليات حفظ السلام الأفريقية والمشاركة في فرقة العمل الدولية لمكافحة القرصنة بقبالة سواحل الصومال. وبتفعيل جميع الأدوات - السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والدبلوماسية والمعلوماتية - سعت روسيا إلى إعادة بناء العلاقات القديمة وتطوير روابط جديدة.
وقد مثّل القرن الأفريقي فرصة لروسيا لتأمين نقطة انطلاق لإبراز قوتها في البحر الأحمر وخليج عدن والخليج العربي. وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ، انصبت أولويتها على استغلال الفرص التجارية الجديدة وتأمين الدعم الدبلوماسي لمواقفها في المؤسسات المتعددة الأطراف.
من نواحٍ عديدة، تعتبر عودة روسيا في إفريقيا، محاولة أكيدة لاستئناف العلاقات حيث تُركت عندما غادر الاتحاد السوفيتي المسرح الأفريقي. فقد كان الاتحاد السوفيتي جهة فاعلة ومؤثرة في إفريقيا خلال معظم فترات الحرب الباردة. وذلك في نطاق مواجهته الأيديولوجية مع الغرب ، إذ دعم حركات الاستقلال ما بعد الاستعمار وسعى إلى استغلال الإرث الاستعماري لتقويض النفوذ الغربي في القارة وخارجها. كما رعى الاتحاد السوفيتي برامج تبادل عسكري وثقافي وتعليمي واسعة النطاق عبر إفريقيا، وأقام علاقات مع النخب السياسية والاقتصادية والأكاديمية.
وقتئذ، اعتمدت موسكو بشكل كبير على العلاقات الأمنية والاستخباراتية الوثيقة مع قادة حركات الاستقلال والتحرير الإفريقية . وكان قد خضع رئيسان لجنوب إفريقيا بعد الفصل العنصري - ثابو مبيكي وجاكوب زوما - إلى تدريب عسكري في الاتحاد السوفيتي كسبيل للتواصل مع المؤتمر الوطني الأفريقي. وتشير اجتماعات – زوما- المتكررة مع – بوتين- إلى أن موسكو حاولت بشغف إحياء تلك العلاقات التي تعود إلى حقبة الحرب الباردة.
وكانت روابط الاتحاد السوفيتي بأفريقيا بعيدة كل البعد عن علاقات روسيا الحديثة. قدم السوفييت مساعدة اقتصادية كبيرة ، بما في ذلك البنية التحتية والتنمية الزراعية والتعاون الأمني والتعاون في قطاع الصحة و المساعدة الأمنية لجيوش ما بعد الاستعمار في إفريقيا ، بما في ذلك توفير الأسلحة والمعدات والتدريب والمستشارين ، فضلاً عن تطوير العلاقات الاستخباراتية ، وخلق إرث طويل الأمد من المعدات السوفيتية والثقافة العملياتية في جميع أنحاء إفريقيا. بعض هذه العلاقات قد تجاوزت فترة الحرب الباردة. وتسعى روسيا اليوم إلى إحياء تلك العلاقات القديمة والارتكاز عليه لاستعادة موطئ قدم في إفريقيا.
خلال الحرب الباردة ، فتح الاتحاد السوفيتي أبواب جامعاته للطلاب الأفارقة ، ووسع نطاق الدائرة التعليمية، بجانب التكوين الأكاديمي المحض تمت برمجة التكوين الأيديولوجي بتلقين الماركسية - اللينينية. وكانت جامعة - باتريس لومومبا - في موسكو ، التي سميت على اسم أول رئيس وزراء في زائير والناقد الصريح للغرب - الذي قُتل في انقلاب مدعوم من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية - نموذجًا للقوة الناعمة السوفيتية لعالم ما بعد الاستعمار.
ورغم أن جاذبية الماركسية اللينينية قد تلاشت، إلا أن سجل الدعم لحركات التحرر الوطني ظل محسوبا لفائدة موسكو وشكل ميزة لا تزال روسيا تتمتع بها في التعامل مع العديد من الشركاء الأفارقة. بجانب ذلك، ظل الروس يقدمون الولايات المتحدة التي تسعى لتعزيز الديمقراطية، كشكل من أشكال الاستعمار الجديد . وهذا الخطاب من الخطابات التي تجذب السياسيين والأنظمة الاستبدادية حيث لا يزال الحكم الديمقراطي هشًا أو يتعرض للهجوم الشرس.
تشكل هذه الروابط الاقتصادية والسياسية والتاريخية والتعليمية والعسكرية والأمنية نقطة انطلاق لإعادة بناء العلاقات مع الدول الأفريقية. ومع أن إرث هذا التواصل السوفييتي لأفريقيا مهم، إلا أنه يذهب إلى حد بعيد. فمع تعثر اقتصادها ، افتقرت روسيا إلى استثمارات في الخارج. كما ظل اهتمام المستثمرين الروس بأفريقيا محدود للغاية ، حيث يركز بشكل أساسي على استخراج الموارد الطبيعية. أما العلاقات الثقافية بين الروس والأفارقة ظلت نادرة.
تعتبر روسيا إفريقيا، اليوم، أداة يمكن من خلالها إضعاف هيمنة الغرب على الحوكمة العالمية ، والعثور على شركاء لرؤيتها لما بعد هيمنة الولايات المتحدة - عالم متعدد الأقطاب - و سبيل لإيجاد فرص اقتصادية للشركات الروسية ، ولا سيما تلك المغلقة أمامها الأسواق الغربية جراء العقوبات.
أما بخصوص الدبلوماسية الروسية، فإن الانتهازية هي سمتها المميزة، وسلوكها في إفريقيا ليس استثناءً. تم تسهيل عودة روسيا إلى إفريقيا في السنوات الأخيرة جزئيًا من خلال تراجع اهتمام الولايات المتحدة بالقارة في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب. ومن المعلوم أن - جون بولتون- سبق له أن عرض استراتيجية واسعة النطاق لأفريقيا في إحدى خطاباته- تتماشى مع التركيز في استراتيجية الأمن القومي واستراتيجية الدفاع الوطني على منافسة القوى العظمى ، وسلط الضوء على أهمية احتواء التأثيرات الصينية والروسية في القارة السوداء. – يتبع -








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيتزا المنسف-.. صيحة أردنية جديدة


.. تفاصيل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل وأوكرانيا




.. سيلين ديون عن مرضها -لم أنتصر عليه بعد


.. معلومات عن الأسلحة التي ستقدمها واشنطن لكييف




.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE