الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرغيف (قصة قصيرة)

مصطفى سامي
كاتب

(Mustafa Samy)

2022 / 4 / 23
الادب والفن


"مِش تفتّح!!"
تناولت صابحة رغيف الخبز الذي قفز من يدها بعد أن صدمها شابٌ بدراجته، نفضت عنه التراب، وأكملت في طريقها نحو المنزل حيث ينتظر طفلها الوحيد.
لم يأبه راكب الدراجة بما حدث وبما قالت، نظر أمامه وتابع السير وكأن شيئاً لم يكن. أما هي فشعرت ببعض الألم في ذراعها حيث اصطدم به مقبض الدراجة، لكنها حاولت نسيان ذلك الألم، والتفكير بدلاً منه في مازن، طفلها الجميل ذو السبع سنوات الذي أراد أبوه تسميته حنفي على إسم جده، لكنها عارضته وصممت أن يكون اسم وليدها كأسماء أولاد البندر.
شارعٌ طويل يبدو وكأنّه بلا نهاية، والأسوأ من طوله هو الزحام الذي لاينتهي. لاتعلم كيف يتحمل هذا الشارع الضيق كل صفوف السيارات والميكروباصات والتكاتك في الاتجاهين، بالإضافة للبشر!
كم اشتكت لمحمود -زوجها- من الزحام في بداية انتقالهما إلى القاهرة منذ عدة سنوات، لكنه كان يخبرها أنهم مضطرون للاحتمال من أجل لقمة العيش وأنها ستعتاد الأمر بمرور الوقت، إلا أنها لم تعتده أبداً. لازالت تحنّ لأيام الهدوء والسكينة في قريتها التي لم تعد تستطيع الرجوع لها بعد أن مات محمود واضطرت هي للعمل في البيوت أحياناً، وفي بيع الخضروات أو الفاكهة أحياناً أخرى لتكسب مايكفي لإعاشتها هي وطفلها الذي تحلم بيوم أن تراه طالباً في كلية الطب، وهي تسخر حياتها وطاقتها ورزقها لأجل ذلك الحلم وحده.
قبل أن تصل صابحة لمنزلها بعدة أمتار سألتها فتاةٌ تقف على جانب الطريق: بكام الرغيف الكبير ده؟ فأجابتها: بجنيه.
أحنت الفتاة رأسها نحو الأرض، وسارت مبتعدة. أكملت صابحة في طريقها، لكنها توقفت فجأة، وكأنه أتاها وحي ما، واستدارت نحو الفتاة.
"إستنّي"
انتبهت الفتاة ذات الرداء المليء بثقوبٍ تُظهر أسفلها ملابس أخرى ملئى بثقوبٍ أكثر، ونظرت نحوها بتعجبٍ تسألها بعينيها عن سبب النداء. سألتها صابحة إن كانت جائعةً فلم تنطق لكنها أجابتها بعينيها مجدداً وهما تكادان تبكيان من الخجل والجوع معاً.
"تعالي معايا"
سمعتها الفتاة فسارت بجانبها حتى وصلا معاً للمنزل، وصعدا لشقة صابحة في الدور الرابع. وجدا مازن يجلس منتظراً على كنبة في منتصف صالة الاستقبال، ولم يُبدِ أي رد فعل عند دخولها فقد اعتاد الأمر ولم يعد يبكي أو يخشى الجلوس وحيداً كالسابق، لكنه نظر باستغراب حين تبعتها في الدخول من الباب تلك الفتاة الغريبة التي يراها لأول مرة.
أحضرت صابحة طبقاً به جبن وآخر به عسل أسود، قطعت الرغيف لثلاثة أجزاء، أخذت أصغرهم، وأعطت لطفلها وللفتاة الجزئين الباقيَين. في أثناء تناولهم الطعام بدأت صابحة في طرح الأسئلة على الفتاة، بينما كان مازن يتابعهما بعينيه وأذنيه دون أن ينطق بأي شيء.
"إسمي سلوى وعندي حداشر سنة..."
بدأت الفتاة إجاباتها عن أسئلة صابحة بتعريف نفسها، ثم بتلقائيةٍ أكملت حكايتها التي أثارت استغراب الأم وطفلها معاً.
لاتعرف سلوى أباها أو أمها، لاتذكر شيئاً قبل ملجأ الأيتام الذي أودعت به منذ سن مبكرة، وهربت منه منذ ثلاث سنواتٍ بعد معاناتها من الضرب وسوء المعاملة.
سألتها صابحة إن كانت تمانع العمل معها، فوافقت والسعادة تملأ عينيها. سألتها عن مكان سكنها، فأخبرتها أنها تقضي يومها بين الشوارع، وفي الليل تنام في إحدى مداخل العمارات. عرضت عليها صابحة أن تبيت عندها في شقتها، فلم تصدق سلوى نفسها من الفرحة.
"من النهاردة انتي بنتي"
ابتسم مازن أخيراً بعد أن سمع كلمات أمه، وأدرك أنها قد أحضرت له أختاً للتو. أمسك القطعة المتبقية معه من الرغيف بعد أن أنهت سلوى الجزء الخاص بها فأعطاها لها، ثم قام متجهاً نحو غرفته ليحضر لها ألعابه لتراها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا