الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المكان في قصة -سر حكاية القدس- للأسير الكاتب زكريا مروان البكري

رائد الحواري

2022 / 4 / 23
الادب والفن


رائد الحواري| فلسطين
العمل الأدبي الجيد لا يخص فئة بعينها، ولا يخضع لشكل معين، ولا يأتي من خلال لغة عالية/ معجمية، بل يأتي من خلال بساطته وسهولته، وإقناع المتلقي بما يقدم له، وشعوره بأنه أمام عمل كُتب بلغة كاتبه، وبأسلوبه وطريقته هو، وليس تقليدا للآخرين، أعتقد أن هذا الأمر ينطبق على قصة "سر حكاية القدس" للأسير المقدسي زكريا البكري، فهناك شيء خاص فيها، يميزها عن غيرها من القصص، إذ تبدو موجهة للفتيان، لكنها ممتعة للشباب وللشيوخ، تجمع اللغة المحكية بالفصحى، وتقدم المعلومة/ الحدث بطريقة مقنعة، بحيث لا يشعر المتلقي أنه أمام توجيه سياسي مباشر، فكل الأحداث جاءت من خلال القص الأدبي، وهذا ما يحسب لها وللقاص الذي أحسن الجمع بين شكل التقديم وقيمة المضمون/ الفكرة التي تحملها القصة.
يتجه الكتّاب/ الأدباء عادة إلى الابتعاد عن العنوان المباشر/ الفاقع، حتى أننا وجدنا بعض الروايات أخذت عنوانا شعريا، وهذا يعود إلى الاهتمام والتركيز على الشكل الأدبي أكثر من المضمون، وهذا يحسب للحركة الأدبية التي تعي أهمية الشكل وانعكاسه على المضمون/ الفكرة.
لكن في قصة "سر حكاية القدس" نجد العنوان مباشراً، لكن طريقة التقديم سلسلة وناعمة، وتوصل الفكرة بطريقة لافتة، فهناك العديد من الأحداث الواقعية يتناولها "معتز" ويقدمها ل"عمر" الفلسطيني القادم من كندا لزيارة مدينة القدس وقبر والده الذي استشهد وهو طفل.
إذن نحن أمام قصة حقيقية، تناولت ما جرى في القدس من بداية احتلالها عام 1967 وحتى عام 2020، حيث يقنعنا "معتز" بطريقة القص وتناوله للأحداث التي جرت، ويبدأ بالحديث عن التغييرات في المكان، فالسر يمكن فيه، في القدس، فهل هناك سر في المكان، أم أنه جاء فقط لتبيان تعلق القاص به، والإشارة إلى أنه معتقل لكي نتعاطف مع قصته؟
تبدأ القصة بالحديث عن التغييرات التي جرت في القدس، من خلال الشيخ الذي يبحث عن المستشفى في مكان/ فندق: "فندق مين يا ولد؟ هذا طول عمره مستشفى... بس بعد 67 واحتلال القدس حولوه لفندق" ص8 و9، أعتقد أن تناول المكان من خلال "الختيار"/ العجوز أراد به القاص الإشارة إلى وجود ناس/ أهل لهذا المكان، وإلا ما بدأ القصة به، وما
إتباع/ إلحاق "عمر" الشاب القادم من كندا بالشيخ/ العجوز إلا تأكيد لتعلق أهل القدس بها، وأنهم ينتمون لها.
من هنا نقول إن القاص لا يتحدث عن مكان مجرد، أو عن أهميته فقط، بل يقرنه بالناس الذين عمروه وبنوه وجعلوه بهذه القدسية، وما التغييرات الجغرافية/ المكانية والإجرائية/ البشرية التي يقوم بها المحتل إلا محاوله منه لسيطرة على المكان وشطب/ محو ما فيه من تاريخ وحضارة وثقافة، من هنا نجد شرطة الاحتلال تحول دون حرية العبادة: "وإذا بشرطيين بلباسهم الأزرق الداكن المشهور، وبنادقهم ال(16m ) المشهورة بسرعتها في القتل، وأعينهم المليئة بالحقد، يسألنا أحدهم: "ممنوع الدخول من غير هوية" ص15 و16، بهذا الشكل قدم القاص صورة عن واقع المدينة وما يتعرض له أهلها وزائروها من مضايقات تحد من حريتهم وتمنعهم من القيام بأبسط الحقوق، العبادة.
فتناول مكان مقدس، يعني أن هناك ناسا/ مجتمعاً يقوم بواجباتهم تجاهه، أثناء قيام معتز بتعريف عمر على المسجد الأقصى يسأله عن المنبر وهنا يسهب معتز في الحديث عن حرقه من قبل أحد المتطرفين الصهاينة، وكيف أن قوات الاحتلال قطعت المياه عن المسجد لتعيق إطفاء الحريق.
بعدها يذهبان إلى المتحف، وهناك يشاهد "عمر" قميص والده الشهيد: "هذا قميص أبوي" ص31، نلاحظ أن القاص يستخدم اللهجة المحكية، وكأنه بها يريد لتأكيد على خصوصية أهل القدس، وعلى تعلقهم/ ارتباطهم بالمكان، وهنا يربط القاص المكان بأهله، وبالناس الذين كانوا وما زالوا فيه.
إذا ما توقفنا عند ما قدمه القاص سنجد أن هناك أذى تعرض له المكان والناس معا، فهو يقرن الأذى المكاني بالسكاني، فالعدو لا يتوانى عن استخدام أي شيء للتخلص من معالم المكان التاريخية ومحوها، وتهجير/ قتل السكان بصرف النظر عن أعمارهم أو جنسهم، يقدم القاص هذا الأمر من خلال سؤال "عمر" عن الطفل الضائع وعن أمه: "ـليش كل هالقد خايفة على ابنها؟!" ص37، هنا يجيب "معتز" متناولا إجرام المحتل من خلال تناوله لإحراق الطفل "محمد أبو خضير" على يد مجموعة من المستوطنين: "كان هنا طفل اسمه (محمد أبو خضير)، يجلس بين عائلته، يتناول السحور قبل آذان الفجر، خرج من البيت للصلاة في
الجامع، وإذ بسيارة مستوطنين يخطفوه ويضعوه داخل السيارة، بعد صلاة الفجر بساعة، لم يعد محمد إلى بيته، ... تم قتل ابنه على يد المستوطنين... الذين تبين أنه تم قتله بحقد ووحشية، لقد قاموا بإسقائه البنزين غصبا عنه وملأوا جميع جسده به، ثم أحرقوه حيا" ص38-40، جريمة المحتل لم تتوقف عند جريمة المستوطنين فقط، بل طالت أيضا القضاء في الكيان الصهيوني: "اللي بقهر أكثر! أنه بعد سنة قاموا بالإفراج عن المستوطنين" ص42، بهذا الشكل يكون القاص قد بين أن دولة الاحتلال تعمل ضمن نهج متكامل ومتحد لتصفية الفلسطيني وتهويد فلسطين، وما الشكل الديمقراطي إلا صورة خادعة، خلفها حقيقة بشعة "كصورة دوران جراي" تماما.
يتحدث "معتز" عن البوابات الإلكترونية وكيف استطاع أهل القدس إجبار حكومة الاحتلال على إزالتها، وكيف أن الفلسطيني لا يهتم لدين أو لطائفة عندما يتعرض المكان للخطر: "في تلك الأيام رأينا كيف أن شاب مسيحي جاء ليتضامن من إخوته المسلمين وبدأ يصلي صلاته على أبواب المسجد الأقصى" ص54، وهنا يستنتج "معتز": "أن الأديان تختلف، ولكن قضيتنا لا تختلف" ص54، هذه الفكرة الاجتماعية/ الوطنية الجامعة للكل الفلسطيني هي ما نحتاجه لضمان انتصارنا، فهي غير مقتصرة على الأديان فحسب، بل يمكن أخذها إلى الأحزاب/ التنظيمات التي قسمت الوطن وحولته إلى دول الطوائف وممالك المدن.
ومن جرائم الاحتلال يقص علينا مقتل: "إياد الحلاق ... يعاني من إعاقة عقلية وجسدية... برميه بالرصاص وإعدامه بدم بارد" ص67، نلاحظ أن القاص يركز على الأحداث كما يركز على المكان، مبينا عمليات القتل والتضييق على سكان القدس، وكأنه بهذا التقديم يريد/ يدعونا نحن في فلسطين وفي خارجها للعمل لتخليصها وأهلها من هم فيه من ويلات وجرائم تحصل يوميا.
الحدث الجميل في القصة زيارة "عمر" لقبر أبيه، ووصف المشاعر الإنسانية التي واكبت الزيارة، لكن الأجمل كان طلب عمر من "معتز": "أن تضع الأزهار على قبر والدي، فرب زهرة تلقيها على ضريح منسي من سنين قد تقوم بإسعاده وهو نائم تحت التراب" ص75، أعتقد أن هذه ذروة الروحانية، فالفلسطيني لا يعترف بالموت، رغم حدوثه، ويصر على فكرة أن الميت حي/ يشعر/ يحس لهذا نجد معتز يتعامل مع والده كشخص موجود، كشخص حي.
يمر "عمر" على حي الشيخ جراح، ويحدثه "معتز" عما جرى ويجري فيه، ويتأكد أن الفلسطيني والمكان الفلسطيني يتعرضان لهجمة مجرمة من المحتل، وعندما تنتهي رحلته ويحين موعد عودته يقول هذه الحكمة من القصة: "أتيت إلى القدس سياحة، وها أنا أشعر وكأنني عشت فيها سنين طويلة ولم أغادرها" ص98، يردّ عليه "معتز": "لقد عرفت السر الآن يا عمر، هذا هو سر حكايتنا، إنها قصة حية. عابرة للزمان والمكان والإنسان، عليك أن ترويها لتبقى حية، ارو الحكاية يا عمر، فإنها أمانة" ص97، الجميل في هذه الدعوة أن ظاهرها موجه لعمر، لكن في باطنها موجهة للقارئ الذي عرف وفهم ما يجري في القدس ولأهلها على يد المحتل.
هناك ملاحظة فنية على القصة جاءت في صفحتي 59 و60: " أنهيت القصة، وقد اكتشفت بأني أرويها لأحد للمرة الأولى، راودني شعور بنشوة الانتصار. طن هاتفي الخلوي، وقطع حديثنا." ص60، أعتقد أن المقطع الثاني الذي جاء مباشرة بعد الأول يتناقض معه، وكان يمكن إيجاد طريقة أخرى من القاص ليحدثنا عن أخيه الذي سيخرج من المعتقل بعد يومين.
هناك ملاحظة معرفية عندما تحدث القاص عن الشرطيين من الدروز، في الصفحة 15، فكان الأولى أن لا يتناول طائفتهما، لأن ذلك يتناقض مع وحدة المجتمع الفلسطيني، ولا يخدم الفكرة الاجتماعية التي تناولتها القصة عندما تحدثت عن الشاب المسيحي أمام بوابة الأقصى.
طباعة القصة 2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حياة كريمة.. مهمة تغيير ثقافة العمل الأهلى في مصر


.. شابة يمنية تتحدى الحرب واللجوء بالموسيقى




.. انتظروا مسابقة #فنى_مبتكر أكبر مسابقة في مصر لطلاب المدارس ا


.. الفيلم الأردني -إن شاء الله ولد-.. قصة حقيقية!| #الصباح




.. انتظروا الموسم الرابع لمسابقة -فنى مبتكر- أكبر مسابقة في مصر