الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين المساواة والحرية

جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)

2022 / 4 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


د. جاسم الصفار
20-04-2022
منذ تولي الرئيس بايدن السلطة في البيت الأبيض، بدأت عملية صيرورة جديدة للهوية الثقافية والتاريخية والوطنية الامريكية. وأصبحت النخب الأمريكية تنخرط بوعي في صياغة معالم أيديولوجيا ليبرالية جديدة على أنقاض البناء القديم للأيديولوجيا الليبرالية التي سوقت لها الولايات المتحدة الأمريكية طيلة فترة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي.
لن أخوض في تاريخ ظهور حركة "لحياة السود أهمية" في الولايات المتحدة، فقد كتب الكثير بالفعل حول هذا الموضوع. لذا أقترح التركيز على ما يجري في الولايات المتحدة الان.
في خطاب أمام الكونجرس، صرح جو بايدن أن الولايات المتحدة هي فكرة، فكرة أن الجميع خلقوا متساوين. فور توليه منصبه، أصدر "أمرًا تنفيذيًا لتعزيز المساواة العرقية" لمكافحة عنصرية النظام و "بشكل إيجابي" لتعزيز المساواة والعدالة العرقية على المستوى الفيدرالي.
اقترحت وزارة التعليم في نفس الوقت أولويات تعليمية جديدة لتغيير "المواقف تجاه عنصرية النظام من خلال التأكيد على الحاجة الملحة لتحسين المساواة العرقية في جميع أنحاء المجتمع". استأنفت الإدارات الأمريكية والوكالات الفيدرالية تدريب الموظفين في دورات حول التحيز اللاواعي، والعدوان الدقيق، والعنصرية المنهجية.
تشمل أولويات وزارة التعليم أيضًا مشروع يهدف إلى إعادة التفكير في تاريخ الولايات المتحدة، حيث تشكل آثار العبودية ومساهمات الأمريكيين السود جزءًا كبيرًا. كل هذا قريب جدًا من النظرية العنصرية النقدية، التي يمثل الافتراض الرئيسي لها في أن العنصرية، وليس الحرية، هي القيمة الأساسية والرؤية الموجهة للمجتمع الأمريكي.
يشرح أستاذ القانون أندريه دوغلاس بوند كامينغز، أحد مؤيدي النظرية العنصرية النقدية، قائلاً: "تدعو النظرية العنصرية النقدية إلى التشكيك في شرعية المنظومة القانونية." "إن المعاملة المتساوية للأشخاص ذوي التاريخ المختلف، عندما كان بعضهم مضطهدًا تاريخيًا، يمكن أن يؤدي إلى نتائج غير عادلة". ويؤكد أستاذ قانون آخر، روبرت ويستلي، بأن العنصرية مترسخة في النظام القانوني الأمريكي والهياكل الاجتماعية في الولايات المتحدة الامريكية.
وهكذا فلكي يتم تفكيك نظام عنصري مترسخ، سعت النخبة الامريكية لتثبيت نظام عنصري مضاد. كتب إبرام زولاني كيندي ناشط مناهض للعنصرية ومؤرخ للسياسات العنصرية والتمييزية في أمريكا، ومدير مركز جامعة بوسطن لدراسات مناهضة العنصرية، أن "العلاج الوحيد للتمييز في الماضي هو التمييز في الوقت الحاضر. العلاج الوحيد للتمييز في الوقت الحاضر هو التمييز في المستقبل ".
بينما نتفق على أن هناك مزايا معينة في النظام السياسي الأمريكي، مثل استقلال سلطات الدولة أو العدد الهائل (الأكبر في العالم) من قوانين مكافحة الاحتكار التي تعزز تطوير الأعمال، لا يسع المرء إلا أن يعترف بأن الديمقراطية بصيغتها التقليدية والديمقراطية الأمريكية ليسا نظاما واحدا.
إن أمريكا الحرة والمزدهرة هي إلى حد كبير أسطورة فرضها على العالم مروجو الدعاية في الخارج. أسطورة تتبدد عند البحث في تفاصيلها. الولايات المتحدة دولة بوليسية ذات نظام طبي سيء للغاية، دولة تم فيها إعلان حقوق الإنسان ليس بهدف الوفاء والالتزام به. الطرفة الساخرة "لا تتجمعوا أكثر من ثلاثة" التي قرأناها في الادب الروسي في القرن التاسع عشر، لم تعد مجرد طرفة ساخرة، بل أصبحت قواعد تطبق في بعض الجمهوريات الأمريكية اليوم.
لا يوجد نظام طبي أسوأ من النظام الأمريكي في العالم كله. لهذا السبب، فإن الخوف الأكبر لدى الأمريكيين العاديين هو المرض، لأن معظم مواطني الولايات المتحدة لديهم الحد الأدنى من التأمين الصحي الذي لا يؤمن لهم سوى علاج الزكام. وحتى أصحاب أغلى بوليصات التأمين، لا يمكنهم الحصول على خدمات طبية مماثلة لتلك التي تلقاها المواطنون العاديون في الاتحاد السوفيتي في القرن الماضي، مع الاخذ في الاعتبار الفارق في المستوى التقني للمؤسسات الطبية آنذاك واليوم.
لعقود من الزمان، كان الشعب السوفيتي الشغوف بكل ما يحصل عليه من معلومات عن حياة الامريكان، يتخيل كيف هم يعانون في الاتحاد السوفيتي، وكيف "يضطهدهم" النظام ويمنعهم من عيش حياة طبيعية. فمع مميزات النظام الرأسمالي التي لا يمكن انكارها، كان الشعب السوفيتي مقتنعا بكل الاقاصيص والاوهام التي يروجها الاعلام الأمريكي. فهناك حيث الامريكان، كما أخبرتني صديقة روسية، توجد ديمقراطية حقيقية وحياة جميلة مترفة خالية من الأيديولوجيا والشعارات الكاذبة. كان عدد الناس الذين يؤمنون، للأسف، بالرأسمالية "الرائعة" والاشتراكية البائسة في تزايد مستمر في ثمانينات القرن الماضي في الاتحاد السوفيتي السابق.
هذا قبل ان تفوق تلك الشعوب من غيبوبتها الإعلامية لتدرك أن ليس كل شيء على ما يرام في الجنة الديمقراطية الامريكية. هناك يتم انتهاك حق الاقتراع بطريقة لم يحلم بها أبشع نظام شمولي. هناك، على الشبكات الاجتماعية، يمكنهم إغلاق فم أي معارضة، بما في ذلك الرئيس، وفقا لمشيئة أشخاص مبهمين في الدولة العميقة. هناك، يضطر الأشخاص من لون واحد إلى تقبيل أحذية الأشخاص من لون مختلف. هناك شيء ثالث غريب بين الجنسين، لا بل هناك بالفعل ثلاثة أجناس، ولا يوجد آباء وأمهات، لكن هناك عددًا من الآباء والأطفال. من رياض الأطفال، يتم غسل أدمغتهم بقصص عن المثليين والمتحولين جنسياً. هناك، يمكن لـ "هو" الملتحي أن يدخل مرحاض النساء، ورجل أسود طوله مترين يمكنه اقتحام غرفة خلع الملابس للفتيات في المدرسة. هناك، قد يُحرم الشخص من الحق في تربية طفل إذا لم يكن الوالد مثليًا، أو ليس أسودًا، أو ليس متحولًا جنسيًا.
كل ما يشاع عن الديمقراطية وحق الاقتراع العام وحقوق الإنسان لم تعد له أهمية تذكر في تطور الحضارة الانسانية. نجح الغرب في ابهارنا بتلك المفاهيم في القرن الماضي، أما الان، فلم يعد يسمح سيل المعلومات المنشورة في وسائل الاعلام المتاحة، وعلى رأسها في الأهمية الاعلام الالكتروني، من تمرير الأكاذيب على المتلقي الا إذا شاء المتلقي ذلك. هذا مع ان السماء هنا ليست بلا غيوم، فالإنترنت مع كونه مليء بالمعلومات والمقالات، ولكن حاول (على سبيل المثال، في أوكرانيا) فتح المواقع التي تنشر معلومات أو مقالات لا ترغب الدولة العميقة في أمريكا نشرها هناك.
لا توجد قيم في أمريكا غير المال. هناك أنانية واستعلاء فارغ، ورذائل بشرية صارت قيمًا. الانسان فيها مخلوق بلا مضمون انساني، مجهول الهوية بلا جنس، بلا مبادئ، بلا أخلاق، بدون إله ...
الديمقراطية الأمريكية في العالم الحديث هي أداة لإدارة الأشكال المهيكلة من أجل تحقيق الفوائد الاقتصادية. الديمقراطية هي ما يحبه الأمريكيون. ما لا يفيدهم يسمونه الاستبداد. وصف المجريون اللقاح الروسي بأنه الأفضل في العالم، ووقعوا اتفاقية مع شركة غازبروم، لذا فهم ليسوا ديمقراطيين! كل ما لا تحبه أمريكا ليس ديمقراطية. أصبحت صفة الديمقراطية تمنح فقط للدول التي تقع تحت السيطرة الكاملة للولايات المتحدة. ولا يهم بعدها كيف تعيش شعوب تلك الدول "الديمقراطية".
حان الوقت للتوقف عن اعتبار أي هراء يأتي من أوروبا والولايات المتحدة على أنه ديمقراطية! ما هو بالضبط مدرج في مفهوم الديمقراطية؟ لا فساد؟ لكن أليست سياسة الترغيب والترهيب المفروضة على الدول الأخرى "لتعديل" سياستها هي في الواقع شكل قانوني من أشكال الفساد. حرية سياسية؟ لكن في الولايات المتحدة الأمريكية، اندمجت الأعمال الصناعية الكبيرة مع رأس المال المالي، الذي تحت تصرفه المطبعة، ويسيطر على كل من السلطتين التنفيذية والتشريعية. حزبان ليبراليان متطرفان، مثل قطرتين من الماء، يدعيان فقط تنوع الآراء السياسية، بينهما وفي مثل تلك الظروف تتحدد الحريات السياسية.
ربما الانتخابات؟ ولكن كيف يمكن وصف الانتخابات الرئاسية الأخيرة في امريكا. الشيء المؤسف هو أن إرادة المواطنين الأمريكيين لم تعد العامل الرئيسي الذي يؤثر على نتيجة التصويت في الولايات المتحدة. تم تأكيد التزوير الواسع النطاق خلال الانتخابات الرئاسية الاخيرة، من قبل أنصار دونالد ترامب، الامر الذي نفاه أنصار جو بايدن. حتى الآن، تم إثبات تزوير الانتخابات في 7 ولايات. في نوفمبر 2020، بعد أن أعلن وزير المالية الإستوني مارتن هيلمي ووالده، وزير الداخلية مارت هيلمي، إن نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية تم تزويرها. أزيح هيلمي الأب من منصبه بعد ثلاثة أيام، وتعرض الأبن للمضايقة وطرد أيضًا في يناير 2021.
وأخيرا، من قال إن الديمقراطية لا يمكن أن تكون إلا ليبرالية؟ أن الجمع بين الديمقراطية (المساواة) والليبرالية (الحرية) هو هيكل هش للغاية يجب التعامل معه بحذر شديد. خاصة وأن الديمقراطيات غير الليبرالية كانت في تصاعد في الآونة الأخيرة. لقد أثبتت سنغافورة منذ فترة طويلة فوائد هذا الشكل من النظام، وتطرح الصين وروسيا أيضًا نماذج بديلة، معتقدين أنها أكثر تنافسية واستقرارًا من الناحية الأخلاقية، من الديمقراطية الليبرالية الامريكية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصر تعلن طرح وحدات سكنية في -رفح الجديدة-| #مراسلو_سكاي


.. طلاب جامعة نورث إيسترن الأمريكية يبدأون اعتصاما مفتوحا تضامن




.. وقفة لتأبين الصحفيين الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل


.. رجل في إسبانيا تنمو رموشه بطريقة غريبة




.. البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمقا