الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعر الكوني محمد الفيتوري في ذكرى رحيله

محمد الرحالي
باحث في الترجمة والأدب والسينما

(Mohammed Rahali)

2022 / 4 / 24
الادب والفن


في مثل هذا اليوم رحل واحد من طينة العظماء، شاعر السودان العظيم مسلما الروح لربه قبل سنوات من الآن ، وبالضبط يوم الجمعة 24 أبريل 2015 مسلما روحه الطيبة لربها ،ووري جثمانه في الرباط العاصمة، صوت إفريقيا المسموع وشاعر الإنسانية ، عصفور إفريقيا الذي غرد للحرية والعدالة والقيم الإنسانية النبيلة ، وترافع في شعره ومسرحه الشعري عن قضايا إفريقيا فاكتسب أدبه زنجية متميزة كخاصية طبعت ترافعه عن قضايا إفريقيا العادلة ، شاعرنا الأبي الباقي في ذاكرتنا رغم رحيله لدار الخلد والبقاء، واحده من القامات الشعريةالكبيرة التي بقي ذكرها شائعا لعراقة وأصالة كتابتها، تأبينا لروحه الكريمة واستحضارا لرحلته الشعرية والمسرح الشعري الذي تركه نخلد ذكراه البوم بملف يتناول في عشرين حلقة بعض الأعمال التي تركها شاعرنا بالتحليل والدراسة ، يقول شاعرنا في قصيدته"طفل الحجارة"
:ليس طفلا ذلك القادم في أزمنة
الموتى الهىّ الإشارة
ليس طفلاً وحجاره
ليس بوقاً من نحاس ورماد
ليس طوقاً حول أعناق الطواويس محّلى بالسواد
يبقى العنوان دائما مؤشرا مهما في قراءة الشعر، فشاعرنا اختار لقصيدته عنوان طفل الحجارة فتأطير العلاقة بين الكلمتين المضافتين المشكلتين للعنوان انتساب، ويبين العنوان انتساب الطفل الى الحجارة بالانتصاب بعد الانتساب انتصابا لطفل لا يحمل إلا الحجارة دفاعا عن وطنه و تعبيرا عن رفضه للجلاد الذي استأصل وجوده ويخطط لمسحه من الوجود، إنه الاحتلال البغيض الذي يرسم ويخطط لمأساة شعب بأكمله، نعم إنه الاحتلال الصهيوني وما طفل الحجارة إلا تعبير عن المقاومة الفذة إذ يرى شاعرنا وينفي أن يكون هذا الطفل حجارة فقط أو بوقا من نحاس ورماد يعيد أصواتا قديمة متبالية ومتخاذلة، بل إنه فيما سيأتي من الأبيات تعبير عن إنسانية تعيش المأساة، تلك المأساة التي امتدت من مآسي إفريقيا لتعبر عن قضايا الإنسان في كل قطر بل في كل مكان من هذه الأرض الممزوجةبالمأساة منذ وجدت و خلقت، يقول بعد ذلك :
إنه طقس حضارة
إنه العصر يغطى عريه فى ظل موسيقى الحداد
وبالتالي فطفل الحجارة ليس مجرد تعبير عن الرفض ، إنه سلوك حضاري انتهجه كل مظلوم في وجه جلاده وكل شعب في وجه محتله الغاشم الذي يستنزف وجوده ويرسم لمسحه عرقيا، نعم طفل الحجارة ينبعث في شعر الفيتوري في هذه القصيدةرمزا حضاريا هو تعبير عن انتماء لوطن ، بل عن وجوده عن كيانه ووحدته واستقلاله في وجه محتل غاشم ، لا يعرف إلا القتل والتشريد في حق من كان طفلا وامرأة، في حق الإنسان كيفما كان تجليه .
نعم ولكنه أيضا يبن هذا الطفل ينزف بل الحضارة هي التي تنزف لأنها تخلت عن جزء كبير من القيم السامية التي كانت تدعيها وهو عصر بأكمله يحاول تغطية عريه الذي كان يواريه في ظل موسيقى لم تكن موسيقى جميلة بل إنها أغاني أخرى من المأساة أغاني حداد لا يمكن إلا أن تعبر عن حداد أمة بأكملها في وجه جلاد انكشف وجهه وسقط عنه القناع ، انكشفت حقيقته والموسيقى لابد أنها ستكون من قلب المأساة يستطيع الإنسان صنع أفراحه ومن خلال تماطل الحضارة الذي جلاه لنا طفل الحجارة يمكن أن نصنع صروح الحضارة.

ليس طفلاً ذلك الخارج من قبعة الحاخام
من قوس الهزائم
إنه العدل الذي يكبر في صمت الجرائم
إنه التاريخ مسقوفاً بإزهار الجماجم
إنه روح فلسطين المقاوم
ومن قوس الهزائم ومن قبعة الحاخام كما عبر شاعرنا إنه تصوير للمعاناة التي يعيشها شعب فلسطين في وجه المأساة التراجيدية التي يصنعها المحتل ينبعث من قوس الهزائم التي يريدها الاحتلال بأكمله ينبعث طفل الحجارة بصوته بقوته بوقفته المهيبة أمام دبابات الاحتلال الضعيفة لا يخاف وميضها ولا قذائفها، طفل وقف بتلقائيته لأنه صاحب حق إمام من ليس له حق ، أمام جلاده بحجارة في وجه عدوان ونيران "إنه العدل يكبر في صمت الجرائم" جرائم الاحتلال ومجازره التي لا تنتهي ينبعث طفل الحجارة منها ليصنع تاريخا مسقوفا بإزهار أزهار العدل ، إنه الصوت المقاوم بعدما أسقط الاحتلال الجماجم بعد تطهير العرق والجرائم هذا الطفل هو الروح-فلسطين وروح المقاومة يقف في وجه جلاده ليقول بصوت مسموع متكامل غير متخاذل أنا طفل الحجارة أنا صوت الحضارة أنا صاحب الحق ومن سيطرد الجلاد ويصنع له من نيرانه طوقا للفناء وسيكون له حظا من الجلاء في تعبير عن المأساة التراجيدية يصور لنا الشاعر انبعاثا لأمة بأكملها هي صاحبة حق.
إنها الأرض التي لم تخن الأرض
وخانتها الطرابيش
وخانتها العمائم
إنه الحق الذى لم يخن الحق
وخانته الحكومات
وخانته المحاكم
ولعل قصيدة شاعرنا تستمر في تصوير التخاذل الذي عانى منه طفل الحجارة ومعه قضيه بأكملها ولكنه تخاذل ربما لن ينهي عزيمته فرغم الماسات ورغم تخاذل الجميع في علاج القضية والمسألة يبقى للقضية صوتها الحاسم في الميدان طفل الحجارة الصغير الذي يكبر وستكبر معه أصوات يقول لا وألف لا للجلاد كما لمن لا يختم القضية بعدله هنا تعبير عن تخاذل يزيد المأساة مأساة والتراجيدية تراجيدية، لكنه يؤمن بأن هذا الصوت الصغير قادر على تغيير الكثير في قضية أمة بأكملها نعم لأنه قادر على أن يوصل صوته ويغير كل شيء في الميدان. طفل الحجارة إذن يبقى هو أمل الانبعاث بالنسبة لقضية باتت محسومة في الميدان فقط لشعب لم يكن للأرض خائنا بل صائنا، لم تعرف الخيانة للأرض لأرض الإباء والصمود سلاحا في وجه نيران محتل غاشم لا يعرف الإنسانية ولا يعرف الحق أبدا.
فانتزع نفسك من نفسك
وأشعل أيها الزيت الفلسطيني أقمارك
وأحضن ذاتك الكبرى وقاوم
وأضيء نافذة البحر على البحر
وقل للموج ان الموج قادم
بعد ذلك شاعرنا الفيتوري بصوت مسموع على أن القادم أجمل لأن القادم سيقاوم سيقف في وجه جلاده بصوت واحد وبصوت لا يمكن معه الا سماع صوت الحق ينادي ويسمع له الصدى، إنها الذات الكبرى التي تضيء على نافذة البحر لتنبعث موجا عاتيا يأتي على الأخضر واليابس موج سيحطم مراسي الاحتلال التي منها بنى وهم انتسابه للأرض التي لا زالت ترفض الخيانة، بل تعرف المقاومة فشاعرنا يخبر الموجة من قبل الموج والبحر من طرف البحر وهي ثنائية التناقض التي تبعث المعنى الحقيقي للهزيمة النكراء التي سيلحقها طفل الحجارة بالمحتل.
ليس طفلاً ذلك القادم
في عاصفة الثلج وأمواج الضباب
ليس طفلاً قط في هذا العذاب
صدئت نجمة هذا الوطن المحتل في مسراك
من باب لباب
مثل شحاذ تقوست طويلاً في أقاليم الضباب
وكزنجي من الماضي تسمرت وراء الليل
وهنا يصور شاعرنا هذا الطفل البطل هذا الجندي الشجاع الذي يتحدى صعوبة المسألة وقداسة المهمة التي أنيطت به من قبل الوطن في ظروف العاصفة الهوجاء التي لا يعرف فيها أحد ولا يرى فيها إلا الثلج والضباب، يأتي هذا الطفل مقوس الظهر بعد معارك طويلة خاضها مثل شحاذ أو مثل شيخ يطلب الناس تقوس ظهره بفعل عاديات الزمان، يأتي من باب لباب من باب الانبعاث رغم إن نجم الوطن خبا لكثرة مآسيه على يد المحتل، والتي تعصف به.
ونظرا لكثرة تلك المآسي يتذكر شاعرنا أحزان إفريقيا التي تناولها في شعره غير ما مرة معبرا عن تلك النزعة الإنسانية يصور طفل الحجارة كزنجي يدافع عن حقوقه في وجه جلاده في وجه أولئك الذين يقيمون العنصرية ضد ذات الزنجي وطفل الحجارة فيعيشان ماساه سببها جلاد وإن اختلف الجلاد هنا فالمأساة واحدة، توحد نضالهما ضد من ينتزع الحقوق من الإنسان فالطفل هنا يقول للاحتلال لا والزنجي يقول لمن يسلب حقه لا هو صوت إنسان رغم اختلاف الانتماء هو صوت الإنسانية يتوحد بين الزنجي وطفل الحجارة يقول لجلاده لا قف هنا عند حدودك فقد أتى وقت الانفراج والانبعاث ّ، يقول:
مثقوب الحجاب
ليس طفلاً يتلهى عابثاً
في لعبة الكون المحطّم
أنت في سنبلة النار وفى البرق الملثم
كان مقدوراً لأزهار ك وجه الأعمدة
ولأغصانك سقف الأمم المتحدة
ولأحجارك بهو الأوجه المرتعدة
***
ليس طفلاً
هكذا تولد في العصر اليهودي وتستغرق
في الحلم أمامهْ
عاريا إلا من القدس ومن زيتونة
الأقصى وناقوس القيامة
شفقياً وشفيفاً كغمامة
واحتفالياً كأكفان شهيد
وفدائياً من الجرح البعيد
ولقد تصلبك النازية السوداء في
أقبية العصر الجديد
فعلى من غرسوا عينيه بالقضبان أن
لا يتألم
وعلى من شهد المأساةَ
أن لا يتكلم
فطفل الحجارة العاري من كل دعم ومن كل إنسانية لا تنتهي مآسيه وهو العاري منم كل دعم ومرافعات تقف جنبه إلا من القدس وزيتون فلسطين ، يرى شاعرنا أن انتصاره أبدي وحتمي لأنه صاحب الحق رغم أنه في لعبة الكون مأساة مستمرة ونزيف مستمر ، هكذا بصم الشاعر الكوني محمد الفيتوري في مساره على الانتصار للقضايا العادلة ، وختاما رحل الفيتوري جسدا وبقي روحا كونية تناهض المحتل والمعتدي الجلاد ، منتصرا لقضايا انتمائه العربي والإفريقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد


.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا




.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس


.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام




.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد