الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جيجل - الجزائر -: احياء الذكرى الرابعة والستين 64 لمعركة بني صبيح السطارة -المنسية -

عزالدين معزة
كاتب

(Maza Azzeddine)

2022 / 4 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


خفف الوطء ما أظن أديم ارض جيجل إلا من أجساد شهداء الثورة التحريرية المباركة " ومعذرة لأبي العلاء ".
أعرف أن قراءة الماضي ليس هروبا من الحاضر، بل إدراك الماضي وفهمه يمثل قوة للحاضر والمستقبل، وهو كذلك سلاح قوي يسمح لنا بمواجهة واقعنا بشجاعة ويفتح أفاقا واسعة للأجيال، لا يستفيد من التاريخ من لا يقدر أهميته، ومن لا يضعه في الموضع الذي يستحقه في قائمة العلوم المفيدة، فإن دراسة التاريخ تربطنا بمقومات الأمة من الدين واللغة والأخلاق ورموزها من الرجال الذين صنعوا حريتنا واستقلالنا ومجدنا، فإذا لم تحفظ هذه الأشياء تكون الأمة عرضة لكل العواصف التي قد تعصف بها.
علينا ان نقرأ تاريخنا وندونه بعيدا عن الجهوية والروح الانتقامية والايديولوجيا الهدامة والانتقائية المقيتة.
جيجل، تستحضر ذكرياتها الخالدة لترسخ تاريخها في تواصل مع الأجيال، وتحتفي بأمجادها ومفاخرها التي تكتنزها ذاكرتها الوطنية، وتقف وقفات للتأمل والاستلهام من ماضيها وبطولات أبنائها الذين ساهموا مع جميع إخوانهم الجزائريين في تحرير الوطن مما يشد اللحمة الوطنية ويقوي عزمها ويبعث في الخلف روح السلف لبناء جزائر قوية موحدة بكل أبنائها وجهاتها ومناطقها.
قد اظهر سكان ولاية جيجل كلهم رجالا ونساء واطفالا وشيوخا، قمة التلاحم والتفاني في الانضمام للثورة التحريرية والإخلاص في حب الوطن وذروة المسؤولية والتحلي بالجرأة والإقدام التي زعزعت أركان أبشع استعماري استيطاني بغيض عرفته الجزائر، وحطمت كبرياءه على ارض جيجل المجاهدة، وتحققت بفضلها انتصارات سياسية وعسكرية ودعائية داخليا وخارجيا، لتكون كل قطرة دم طاهر من دماء شهداء تلك المعركة وغيرها من معارك جيش التحرير الوطني مصباحا منيرا يضيء طريق الحرية واسترجاع السيادة الوطنية.
عرفت ولاية جيجل التابعة للولاية التاريخية الثانية حدثان هامان في سنة 1958.
الحدث الأول: تحرير منطقة تاكسنة
يتمثل في تحرير أول منطقة على المستوى الوطني وهي منطقة تاكسنة وما جاورها من المناطق الجبلية المحيطة بها طيلة ثمانية أشهر كاملة، حيث رفع فيها المجاهدون الراية الوطنية، وحرم على الجنود الفرنسيين دخولها، وذلك من شهر افريل 1958 إلى غاية نهاية شهر نوفمبر من نفس السنة، أي بعد سقوط الجمهورية الفرنسية الرابعة ومجيء الجمهورية الفرنسية الخامسة برئاسة الجنرال شارل ديغول المجرم، الذي جاء باستراتيجية جديدة للقضاء على الثورة التحريرية مرتكبا في ذلك جرائم ضد الإنسانية، كما ارتكبها في مجازر 8 ماي 1945. ليضيف الى رصيده الاجرامي تلك الجرائم التي لا تزول بالتقادم.
الحدث الثاني: معركة بني صبيح السطارة 26 افريل 1958
في ربيع عام 1958، في عهد الجمهورية الرابعة الفرنسية، قامت هيئة الأركان العامة الفرنسية بعملية تفتيش عسكرية كبيرة في الشمال القسنطيني وبالضبط في منطقة جبال الميلية، التي كانت مركزا هاما للمجاهدين، بدأت هذه العملية في 26 أفريل وانتهت في 5 ماي.
تكبد خلالها الجيش الفرنسي أكبر هزيمة له خلال الثورة التحريرية، وذل في معركة بني صبيح السطارة. والتي كانت انعكاسات خطيرة على الجمهورية الفرنسية الرابعة، حيث كانت من احدى الأسباب الرئيسية في تمرد المستوطنون والجيش الفرنسي ضد سياستها تجاه الثورة التحريرية. مضافا إلى ما تكبده الجيش الفرنسي في جبال تاكسنة الوعرة ذات الطبيعة القاسية وقساوة سكانها على الاستعمار الفرنسي وجنوده.
بدأت معركة بني صبيح السطارة، في فجر يوم 26 افريل ودامت 36 ساعة على وجه الدقة ولم تنقطع ولو لدقيقة واحدة، وهي واحدة من أعظم معارك الثورة الجزائرية بين القوات الفرنسية ووحدة كبيرة من جيش التحرير الوطني على جبال شديدة الانحدار في منطقة الميلية.
اتجهت القوات العسكرية الفرنسية إلى جبال بلدية السطارة، " كاتينا " في وقت الاستعمار، تتميز هذه المنطقة بقمم جبلية عالية تتراوح من 700 إلى 800 متر، شديدة الانحدار مثلها مثل جبال تاكسنة، وهي منطقة معروفة بتمركز المجاهدين فيها من الولاية الثانية. وقعت المعركة على وجه التحديد في جبل دار الحدادة، على ارتفاع 805 م، حيث كانت بني صبيح الدوار، مكان تمركز مجاهدي جيش التحرير الوطني الذين جعلوه مقراً للمنطقة 2، وحفروا الخنادق والملاجئ. (مخابئ تحت الأرض) يمكن أن تكون بمثابة مأوى لهم في حالة مداهمات القوات الجوية الفرنسية. هذه المنطقة، الواقعة في الجزء الجنوبي من جبال القل، يصعب وصول جنود العدو اليها، في هذه المنطقة، كان الجيش الفرنسي قد أقام نقاط تفتيشية في قلب ما كان يسمى آنذاك بالمناطق التي تم تحريرها من قبل جيش التحرير الوطني، حيث شرع في بناء مدارج لهبوط وإقلاع طائرات الاستطلاع والمروحيات. لتوريد الذخيرة ونقل القوات. نظرًا لحجم الوسائل العسكرية التي بيد جيش العدو، تجاوزت قوات العدو 3000 عسكري، بينما واجههم على الجانب الجزائري 500 مجاهد فقط. لكن لم تكن تلك المعركة بالبساطة التي كان يتصورها العدو
حيث واجه مقاومة شديدة من قوات جيش التحرير الوطني، مما تسبب لهم في خسائر فادحة، مادية وبشرية وسياسية.
في بداية هذه المعركة، أثار انتباه العدو إلى الحركة المتواصلة لسكان المشاتي المجاورة باتجاه غابة بني صبيح حيث تم إنشاء سوق اسبوعي يتردد عليه أعضاء جيش التحرير الوطني. قررت قوات العدو القضاء على مركز المجاهدين هناك، ولتنفيذ هذا الهجوم، أرسلت قيادة العدو وحدات كبيرة من المدفعية والمشاة من الميلية وجيجل وقسنطينة وميلة والقل وسكيكدة، مدعومة بالدبابات المدرعة والطيران المكون من طائرات استطلاع وطائرات عمودية وقاذفات مقاتلة. لم يقتصر هذا النوع من العمليات على القضاء على المجاهدين فحسب، بل احتلال مساحتهم الحيوية، وخنق أي إمكانية للبقاء على قيد الحياة، ونقل السكان المدنيين الذين يعيشون في الدوار نحو المحتشدات بالقرب من ثكنات العدو وذلك بهدف فصل المدنيين عن جيش التحرير الوطني لقطع كل دعم له، لأنهم اعتُبروا دعمًا مؤكدًا.
يوم 26 أبريل 1958، عند الساعة الخامسة صباحًا بالضبط، بدأت عدة طوابير من الجنود الفرنسيين تنتشر في القرى والدواوير الأخرى الواقعة أسفل المنحدرات الشمالية والجنوبية لجبال كاتينا. من أجل إقامة حصار وتطويق مجاهدي جيش التحرير الوطني في المنطقة.
. لكن هذا الإجراء لم يمنع القوات الجوية المعادية من التحرك بقصف الأكواخ التي كانت تستخدم كمأوى لمجاهدي جيش التحرير الوطني، الذين سبق لهم أن دفعوا سكان هذه البلدة إلى الفرار إلى ملاجئ أكثر أمناً. انتشرت طائرات عمودية لنقل القوات في جميع أنحاء المنطقة وهبطت عدة وحدات من الجنود.
في الساعة التاسعة صباحًا، وصلت المعركة، التي استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة، إلى ذروتها. ورغم عدم تكافؤ القوات الموجودة إلا أن المجاهدين تمكنوا من صد الهجوم وتسببوا بخسائر كبيرة في صفوف الجنود الفرنسيين مما أجبرهم على التراجع من أجل إجلاء القتلى والجرحى وعلى الأقل إعادة التنظيم. لاستئناف الهجوم.
في حوالي الساعة 3 مساءً، وصلت تعزيزات من خمسين شاحنة محملة بالمظليين، وفي مقدمتهم مركبات مدرعة ومجهزة بأسلحة ثقيلة وبحلول الليل، بدأت طائرات الهليكوبتر في إلقاء الضوء على منطقة القتال.و في منتصف الليل كذلك، انطلقت وحدات معادية أخرى، من المظليين التابعين لـ REP الثاني (فوج المظليين المرتزقة من اللفيف الأجنبي) ليلة 26 أبريل 1958 من القاعدة العسكرية ب (سكيكدة) على متن مروحيات Banane ، وتم إسقاط واحدة منها ، قامت هذه الطائرات بإنزال المظليين وسط المجاهدين حيث جرت معارك بينهما بالأسلحة البيضاء ليواجهوا مقاومة شرسة. نظرًا لأن قوات جيش التحرير الوطني كانت أكثر تشددًا وتعاني من نيران كثيفة منهم، انسحبت القوات الفرنسية بعد 36 ساعة من القتال.
خسر الجيش الفرنسي خلال الاشتباكات المئات من جنوده وضباطه قد حددها المجاهدون ب 1100 قتيل مع اسقاط طائرتين مقاتلتين للعدو وتدمير 11 مركبة مصفحة، واستشهد 110 من المجاهدين، فيما قتل العدو 300 مدنيا بينهم نساء وشيوخ وأطفال. في نهاية المعركة قام العدو بنقل جثث جنوده وضباطه بينما ترك 33 جثة للحركى " الجزائريون الذين تعاونوا مع العدو ضد الثورة، لتنهشهم الذئاب والنسور والكلاب، نجح الناجون من المجاهدين في شق طريقهم عبر الحصار الذي أقامه العدو والوصول إلى منطقة محمية لإبعاد أنفسهم عن مرمى نيران العدو. كان لحجم الخسائر الفرنسية موجة صدمة كبيرة داخل هيئة الأركان الفرنسية، وعلى الجمهورية الفرنسية الرابعة.
إن جبال تاكسنة والميلية، قابعة في مكانها تروي هاته المعركة التي خاضها الشرفاء من أبناء هذا الوطن.
قراءة في السياق التاريخي والعسكري لمعركة بني صبيح السطارة أن هذه المعركة أصبحت بمثابة نموذج يدرس في الكليات والمعاهد العسكرية، كما أنه توقف عند دور البعد الروحي الصوفي لعقيدة الجندي الجزائري الذي تجلى في معركة بني صبيح السطارة وهذا راجع لإيمانه بالله والقدر، وهذا بالإضافة إلى جوانب نفسية تجعل الجزائري مرتبط بالأرض سياسيا واقتصاديا وحضاريا في ظل وجود عامل ذهني آخر والمتمثل في رفض الشعب الجزائري للفشل وتمجيد الانتصار دائما.
أثر معركة بني صبيح السطارة وتحرير منطقة تاكسنة لمدة ثمانية اشهر كاملة على مستقبل الثورة التحريرية أن ولاية جيجل كانت فاصلة ومفصلية في تاريخ الثورة المباركة ،حيث كان عدد جنود جيش التحرير الوطني 300 مجاهد في معركة بني صبيح السطارة ، التي تعد معركة الثبات والتي جرت في مرحلة حاسمة من الثورة ، لكن المجاهدين ثبتوا في هذه المعركة وانتصروا على 3000 عسكري من المستعمر الفرنسي من المشاة والمدفعية والطيران ويرجع الانتصار بفضل القيادة الحكيمة لقادة جيش التحرير الوطني في الميدان عبر الاحتماء بالطبيعة والجبال ذات التضاريس الوعرة .
وفي المكان الذي جرت فيه معركة بني صبيح السطارة، اقيمت مقبرة لشهدائنا الابرار الذين سقطوا في ميدان الشرف، مع بعض اسلحة العدو التي دمرها المجاهدون ومنها محرك الطائرتين اللتان اسقطهما المجاهدون.
هذه المعركة الكبيرة للأسف لا تذكرها كتب التاريخ الرسمية ولا تتكلم عنها وسائل اعلامنا، ويجهلها الكثير من الجزائريين.
أكّد الشعب الجزائري للعالم بأسره أنه شعب يتسم بالوحدة والتضامن والمحبة والتضحية بالنفس والنفيس من أجل سيادته وكرامته، وهكذا تنافس الجزائريون كلهم دون استثناء وتسابقوا للانضمام لصفوف جيش التحرير الوطني وصفوف جبهة التحرير الوطني للدفاع عن العرض والشرف وتحقيق الاستقلال الوطني.
الجزائريون يصنعون التاريخ ولا يحسنون التحدث عنه.
المجد والخلود لشهدائنا الابرار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اطفال الشطرة يرسمون لغزة


.. غانتس يهدد بانسحاب حزبه من حكومة الائتلاف ما لم يصادق نتانيا




.. مراسلتنا: استهداف موقع الرمثا الإسرائيلي في مزارع شبعا |#الظ


.. السعودية تشترط مسارا واضحا نحو إقامة دولة فلسطينية مقابل الت




.. الجيش الإسرائيلي يواصل تصعيده ضد محافظات رفح والوسطى وغزة وا