الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السرد المدهش في رواية حدائق شائكة، لصبحي فحماوي.

رائد الحواري

2022 / 4 / 25
الادب والفن


المتلقي العربي يميل للشخصية البطل، لما يجد فيه من تعويض عن حالة (العجز/اليأس) التي يمر بها، كما أن التراث الثقافي لعب دورا في الانحياز للأبطال وأعمالهم، وإذا أضفنا المتعة التي يشعر بها المتلقي عندما يتألق البطل ويتجاوز الصعب ويحقق الأهداف، فإن هذا يترك أثرا إيجابيا في القارئ الذي يستمتع بما يقرأ والذي سيسعى لاحقا ليقتدي بالبطل.
وإذا علمنا ان البطل غالبا ما تحوم النساء حوله ساعيات لنيل رضاه والتقرب منه، نعلم حجم المغريات التي تجذب القارئ في مثل هذا الأعمال.
إذن نحن أمام شخصية متميزة “المهندس جبريل عرسال” الذي يبدأ عمله ببداية متواضعة، لكنه يتقدم متجاوز الصعاب والمعيقات، حتى يصل إلى مركز أهم مصمم حدائق في “إرم ذات العماد”، حيث تسعى أهم المؤسسات والشخصيات المقتدرة ليصمم حدائقها، وأثناء سرده لمسيرته المهنية يتناول واقع المجتمع (الثري) وما فيه من فساد أخلاقي وسياسي يصل حد الخيانة، كما أن تنقله بين دول العالم يكشف حجم الظلم الواقع على العربي عامة والفلسطيني خاصة، وكيف أنه ضحية الدول الغربية المتعجرفة، التي تحارب كل ما هو عربي، حتى انجازاته التاريخية والحضارية تعمل على انكارها أو تهميشها.
السرد
الرواية تبدأت بصيغة السارد العليم الذي يروي خمس صفحات في بداية الرواية، ثم ينسحب بهذه الطريقة: “وما دام المهندس جبريل عرسال قد ظهر إلى حيز الوجود، فسوف أخرج أنا ـ الراوي العليم ببواطن الأمور ـ من دائرة السرد، وأتركه يكمل سرده بنفسه، فهو المطلع أكثر على سرديته، ليقول واصفا ما حصل:” ص13، تاركا المجال أمام “جبريل عرسال” ليتحدث بحرية مطلقة، فبعد هذا المقطع لم نعد نسمع/نقرأ أي تدخل من السارد العليم في مجريات الأحداث، وهذا الانتصار للسارد يتماثل مع انتقاله من حالة اقتصادية اجتماعية هامشية إلى حالة اقتصادية اجتماعية فعالة ومؤثرة، فبدا خروج السارد العليم من الرواية وكأنه انتصار ل”جبريل عرسال” على واقعه وعلى المحيطين به من ذوي المراكز العالية والمتنفذة.
وبما أن الرواية رواية (سيرة) فقد عمل السارد على كسر وتيرة السرد أكثر من مرة: “ولتحسين طاولتي وكرسي في المكتب، اشتريت طاولة وكرسي مكتب مستعملين من جاري عبد الودود، صاحب المكتبة المقابلة لمحلي التجاري، في مدخل العمارة، والذي سأحدثك لاحقا عن شخصيته الغريبة” ص31، نلاحظ أن السارد يستخدم اسلوب التشويق، فهو يعمل على (ربط) القارئ بالرواية من خلال حديثه عن فكرة/شخصية دون أن يعطي عنها أي تفاصيل، جاعلا القارئ في حالة ترقب/انتظار لما سيأتي عن هذه الشخصية.
وهناك شكل آخر في (الخروج) عن خط السرد المتعارف عليه، مستخدما الأسئلة: “… ذهلت عندما سمعت أن هذا المهندس الخريج منذر الطوباوي قد أصبح رئيسا لبلدية إرم ذات العماد.. رئيس مرة واحدة! كيف؟ وبناء على ماذا تم ذلك، ومن هو عراب التعيين؟ هل هي أموال أمه وكيلة الشركات، أم رئاستها لجمعية الإنرويل .. ربما جمعيات أعمق من ذلك بكثير، كالماسونية مثلا؟ أم هو رضى الوالي؟ هل تعرف أنت؟ أنا لا أعرف!” ص34،
السارد هنا يدخل القارئ في الحوار من خلال أثارة موضوع التعينات في المراكز الكبيرة والحساسة، ومن خلال التساؤل الذي هو أقرب إلى استنكار وإدانة لما يحصل، وأيضا يخدم جمالية السرد الذي خرج عن المألوف، فالسارد من خلال هذا الخروج عن سرد الأحداث إلى مخاطبة القارئ مباشرة، يعطي اشارة إلى القارئ أن هناك أحداثا لا يمكن المرور عنها دون التوقف عندها، فهي مهمة ويجب إثارتها والتحدث بها وعنها، لأنها تمسنا وتمس الوطن، وبهذا يكون “جبريل عرسال” قد مارس التحريض بصورة غير مباشرة، وأكد على أن التمرد/الخروج عما هو سائد أمر جميل ومحمود ومطلوب.
ولم تقتصر الأسئلة على المواقف/الشخصيات الداخلية/المحلية بل تعدتها إلى حال المواطن العربي في الدول الغربية، وحال المواطن الغربي في الدول العربية: “وخلال أسبوع من المطاردات بين الدوائر الرسمية والمكاتب المخصصة للسفر، حصلت على تأشيرة دخول إلى هولندا… شعرت بالغيرة على وطني، ونحن نخضع لشروط استجداءات كثيرة أمام السفارات وتقديم شهادات شركات مهنية وأرصدة حسابات بنكية وبطاقات صراف آلي ذوات أرصدة مالية جيدة، وتأمينات صحية وتأمينات على الحياة، وشهادات خلو من الأمراض، ليسمحو لنا بالدخول إلى بلادهم، ولزمن قصير محدد، على أن ندفع فيه أجور الفنادق خلال أيام السفر المطلوبة، وتذاكر السفر المؤكدة، وذلك قبل التقدم للحصول على تأشيرة الدخول إلى “بلادهم المقدسة” … بينما هم يأتون إلى بلادنا فجأة، ويدفشون أبوابنا الحدودية بأرجلهم، ويدخلون من غير إحم أو دستور.. كيف تسمح لهم حكوماتنا العربية بذلك، ولا تطالبهم بالمعاملة بالمثل، وذلك حفاظا على كرامة شعوبهم، أنا لا أعرف، هل أنت تعرف؟ هل أنت تعرفين، أنا لا أعرف!” ص39، اللافت في هذا الخطاب أنه منطقي، وقد بسطه السارد بطريقة سلسة وسهلة، بحيث يقتنع القارئ بأن هناك ظلم وازدواجية معايير في التعامل مع المواطن العربي، فحكوماتنا في المناطق العربية لا تقوم بواجبها تجاه المواطن لتحقيق كرامته، من خلال مسؤوليتها عنه، فواجبها أن تُخضع أي زائر غربي لعين الطريقة التي يُعامل بها في الغرب.
واعتقد أن استخدامه اللغة المحكية “ويدفشون أبوابنا من غير إحم أو دستور” يمثل مخاطبة الجمهور باللغة التي يفهما والطريقة التي يتأثر بها، فالسارد هنا يمارس تعليم الجماهير وتثقيفهم وتثوريهم باللغة التي يفهمونا وبالطريقة التي تثيرهم.
كما بدأ السارد الرواية بالخروج عما هو متداول روائيا، ختمها بعين الطريق: “ولهذا لم استطع إنهاء الرواية، فكتبت عليها:
(الرواية لم تتم)
وسأرسلها فورا إلى الناشر” ص175،
بهذا الشكل استطاع السارد أن يقدم سرد روائي جديد، وهذا يخدم فنية الرواية، وأيضا قدم فكرة تقدمية تتمثل في ضرورة التمرد/الثورة على ما هو (عادي/سائد)، فالخروج عن خط سرد الرواية يتماثل مع الخروج من القطيع ومواجهة الظلم والظلام بصرف النظر عن جنسيتهم، إن كانوا محليين/وطنيين، أم غربيين/أعداء، وبهذا يكون السرد الروائي قد مهد وخدم فكرة التمرد وعدم القبول بما هو حاصل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حياة كريمة.. مهمة تغيير ثقافة العمل الأهلى في مصر


.. شابة يمنية تتحدى الحرب واللجوء بالموسيقى




.. انتظروا مسابقة #فنى_مبتكر أكبر مسابقة في مصر لطلاب المدارس ا


.. الفيلم الأردني -إن شاء الله ولد-.. قصة حقيقية!| #الصباح




.. انتظروا الموسم الرابع لمسابقة -فنى مبتكر- أكبر مسابقة في مصر