الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحولات الرأي العام.. وخيار الديمقراطية

حسن الشامي

2022 / 4 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


تعد دراسة تحولات الرأي العام من أهم المؤشرات التي تقود إلى صنع السياسات الشعبية في البلدان الديمقراطية، ولذلك يُطلق على الحكومات الديمقراطية بأنها "Responsive Government"، أي أنها تستجيب للرأي العام، وتأخذ بالاعتبار تحولاته وآراءه ومواقفه.

ولذلك يعد "المؤشر العربي" الذي يصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات من أهم الأدوات البحثية التي على السياسيين العرب والغربيين الاعتماد عليها عند صياغتهم السياسات على المستويين، العربي والدولي.

وأصبح "المؤشر العربي" بمثابة تقليد سنوي، وهذا ما يعظم فائدته وأهميته، فهو يعطيك "الداتا" الدقيقة للمقارنة والاعتماد على الأرقام، وهو ما يدفع بتحويل السياسات إلى فعل مبني على العقلانية السياسية، وليس بناءً على ردة فعل، أو انطباعاتٍ تقود إلى سياساتٍ غير عقلانية، دفعت المجتمعات العربية ثمنها كبيراً، بسبب تهور السياسات، واعتمادها على المستبد الفرد الذي تحرّكه نزواته ودوافعه الخاصة، بدل أن تكون المصلحة العامة المحرّك الرئيسي لسياسات الدولة وقراراتها.

يذكر المؤشر العربي 2017/ 2018، في بدايته، أن أحد أهدافه "معرفة مدى قبول المواطنين النظامَ السياسي الديمقراطي؛ من خلال قياس اتجاهات الرأي العامّ في المنطقة العربية نحو مجموعة من المتغيرات". ومع تعمق فشل عملية التحول الديمقراطي في المنطقة العربية بعد التفاؤل الكبير الذي أحدثه الربيع العربي عام 2011، وتصاعد التفجيرات الإرهابية في معظم العواصم العربية، وانتشار الجماعات المسلحة مثل حزب الله وداعش وغيرهما من الجماعات التي أصبحت متغلبة على الدولة ومؤسساتها، يُلاحظ أنه على الرغم من ذلك كله ثمة تزايدٌ في تأييد الفكرة الديمقراطية في المنطقة العربية".. وأظهر المؤشر العربي ذلك.

وخلصت "نتائج الاستطلاع أنّ الأغلبية الكبرى من مواطني المنطقة العربية قادرةٌ على تقديم تعريفٍ ذي دلالة لمفهوم الدّيمقراطية؛ إذ قدّم 87 % من المستجيبين إجابةً ذات محتوى ودلالة عند سؤالهم عن أهمّ شرط يجب توفره في بلدٍ ما، حتّى يُعدّ بلدًا ديمقراطيًّا. أمّا الذين أجابوا بـ "لا أعرف"، أو رفضوا الإجابة، فكانت نسبتهم 13 % من المستجيبين. وإنّ تحليل أكثر من 16 ألف إجابة أوردها المستجيبون شروطاً يجب توفرها، وتصنيفها، يفيد أنّ المواطنين العرب يفهمون الديمقراطية، من خلال ضمان الحريات والحقوق المدنية والسياسية وتحقيق العدل والمساواة وإقامة نظام حكم ديمقراطي، وتحسين الواقع.

و"خلصت "نتائج الاستطلاع إلى أنّ الأغلبية الكبرى من مواطني المنطقة العربية قادرةٌ على تقديم تعريفٍ ذي دلالة لمفهوم الدّيمقراطية"، والأمن الاقتصادي للمواطنين، وضمان الأمن والاستقرار.

وقدّم 87 % من المستجيبين تعريفاً ذا محتوى للفكرة الديمقراطية مقابل 89 % العام الماضي، كما أيّد النظام الديمقراطي نحو ثلاثة أرباع المستجيبين (74 % )، في حين كانت النسبة 72 % في العام الماضي، مقارنةً بــ 17 % فقط عارضوها. ولا شك أنّ هذا "يعبّر بوضوح عن انحياز مواطني المنطقة العربية إلى النظام الديمقراطي، وضعف التيار الذي صرّح بمعارضته فكرةَ أنّ النظام الديمقراطي أفضل من غيره"، كما يوضح المؤشر في خلاصته.

وكانت النسب كالتالي : 88 % من مستجيبي الأردن، و84 % في تونس، و78 % في مصر.
وكانت أقلّ نسبة تأييد للنظام الديمقراطي في السعودية، حيث عبّر عن ذلك 53 %، مقابل معارضة 17 %، في حين رفض الإجابة أو قال "لا أعرف" 30 % من المستجيبين.

ولما كان الاستطلاع يجرى سنويا، ويكرّر نفس الأسئلة تقريباً، فإنه يعطينا فرصة نادرة لمقارنة تأييد الرأي العام العربي الفكرة الديمقراطية، مع تغير الظروف السياسية والأمنية المحيطة بكل بلد من هذه البلدان.

ويُلاحظ أن التأييد الأكبر للفكرة الديمقراطية كان عام 2013 (68 % )، على الرغم من بداية التدهور في مراحل الانتقال في كل من سورية وليبيا. وارتفع أيضاً في العام 2016، حيث وصل إلى 72 %، على الرغم من ظهور تنظيمات إرهابية، مثل داعش الذي استغل الفراغ الأمني في سورية والعراق.

وبذلك يمكن القول إن الإيمان العربي بالفكرة الديمقراطية هو الأعلى، وإن كل محاولات الأنظمة السياسية التسلطية تشويه هذه الفكرة عبر الإعلام، أم عبر الممارسات السياسية، منيت بالهزيمة، فما زال العرب يطمحون إلى العيش في ظل نظام سياسي ديمقراطي، وهو ما يضع مسؤوليةً أكبر على الديمقراطيين العرب، لتقديم سياسات اقتصادية وأمنية، تتجاوب مع الأمل العربي في الديمقراطية، ولا تمثل انتكاسة لها.

ولم يعد من المهم كثيراً إذا كانت السياسة الأمريكية تدعم الفكرة الديمقراطية أم لا. وبالتأكيد، لا تمثل هذه السياسة أولوية بالنسبة لإدارة الرئيس دونالد ترامب، لكن الرأي العام العربي قادر على الدفع بالفكرة الديمقراطية. ويمثل نجاح التجربة التونسية في الانتقال الديمقراطي إحدى ثمار النضج الديمقراطي الذي عكسه هذا الاستطلاع للرأي العام العربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليبيا: ماذا وراء لقاء رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني


.. صفاقس التونسية: ما المسكوت عنه في أزمة الهجرة غير النظامية؟




.. تونس: ما رد فعل الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي بعد فتح تحقيق


.. تبون: -لاتنازل ولا مساومة- في ملف الذاكرة مع فرنسا




.. ما حقيقة فيديو لنزوح هائل من رفح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24