الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هذا ما يجري في العراق كل يوم !!

حسام علي

2022 / 4 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


إذا نظرنا الى مملكة النمل، على سبيل المثال، فلسوف نرى تحركات غريزية تتملك هذه الحشرات البسيطة في الحجم، وهي تعمل دون تذمر يذكر ولا اختلاف أو تنازع بين عامليها يحصل، بل تؤدي وظائفها بشكل متقن جدا، تعجز كل المجتمعات البشرية والحشرية أن تقلد نظام عملها، مهما طالت الآماد أو مهما تعرضت بالمملكة عوائق استثنائية، طبيعية أو غير طبيعية، بشرية أغلب الأحوال، ربما تكاد تنبئ للناظر أنها ستغير من نظام العمل أو ما شابه.
لكن أيٍ من هذا وذاك سوف لن يتحقق أبداً، وستظل الملكة، ملكة للمملكة، والعاملون عاملون في خدمة الملكة، رغماً عن كل الظروف، لا يزعزع عرشها أي طارئ بيئي أو زماني ولو بعد ملايين ملايين السنين، لماذا؟ ذلك أن حشرات النمل وغيرها، مخلوقات لا تبحث عن التطور، فهي لا تشعر بذاتها أساساً، إنما تعمل وكأنما تؤدي واجباً فرض عليها، كالسجناء الذين ما عليهم سوى تكسير الأحجار الى أجل مؤبد.
عندما احتلت أمريكا العراق عام 2003، أدخلت معها من أرادت إدخالهم، من شخصيات، كانت أغلبها قد لاذت مشردة ومتسكعة سنوات طويلة بين عواصم معينة من العالم تحت مسمى "المقاومة" ولكن مع وقف التنفيذ، وكانت تلك الشخصيات تأمل بل وترجو من واشنطن أكثر من مرة، الاطاحة بنظام صدام حسين في أسرع وقت والعودة الى العراق لتبوء المناصب ونيل المكاسب، حسب شروط العقد المبرم بين الطرفين.
وفعلاً، بدأت حلقات السيناريو التمثيلي تجري تباعاً، حين انبرى الحاكم الإداري الامريكي بول برايمر بعد أسابيع معدودات من دخول قوات الاحتلال وإسقاطها بغداد، قائلاً: أنه من غير الممكن أن يتمتع العراق بما سماه "سيادة وطنية" في ظل الدستور العراقي لعام 1970، وعليه يجب وضع دستور عراقي جديد، ألحق برايمر قراره هذا، بقرار آخر دمر خلاله قوة العراق، معنوياً، التي عرف بها، ألا وهو حلّ الجيش العراقي، رغم أنه لم يكن هناك جيش منظم بمعنى الكلمة خاصة بعد غزو الكويت.
تبع حلّ الجيش العراقي، معنوياً، دعوة الحاكم الامريكي الى إيكال ما تسمى بمهمة خاصة للجنة لم تكن تتمتع بأساس علمي أكاديمي، تشريعي أو قضائي سابق، دعوتها لصياغة الدستور العراقي الجديد. وكانت لجنة الصياغة تتكون حينها من 71 عضواً، جلّهم ممن أدخلتهم أمريكا الى بغداد بعد سقوطها، كانت صفة الطائفية هي السائدة في حياتهم. وقد راجت في الشارع العراقي آنذاك، أن بول برايمر هو من كتب بنود ما سمي بالدستور العراقي وأقره حينها مجلس الحكم الانتقالي.
طبعاً لم يكتب برايمر بنود دستور العراق الجديد بعشوائية، إنما كتب ذلك طبقاً لأسس مدروسة ومخطط لها مسبقاً في أروقة السياسة الامريكية للشرق الاوسط، بحيث أوجدت تلك الأسس أرضيات خصبة لإثارة خلافات ونزاعات، همجية قبلية، بين كتل سياسية، سعت أمريكا الى إيجادها بداعي تكوين دولة فيدرالية، أضعفت هذه الأسس والخطط حال العراق والعراقيين، وجعلت منهم، لقمة سائغة للإرهاب والتفتت والتشتت، مع التنويه والتلميح بين الحين والآخر الى إحتمالية تقسيمه الى دويلات صغيرة، تكون متناحرة فيما بينها بدوافع مذهبية، وتحقيق إثر ذلك، مبتغى الاحتلال وما وراءه من نوايا اُخر، أكد متابعون ومتخصصون في الشأن العراقي، أنها ستؤدي بعدها، خدمة جليلة لأعداء العراق من عرب وغير عرب على وجه التحديد. وأهم ما في الأمر، هو عاملو مملكة النمل الذين لم تحرك أحاسيسهم أية أزمات ألمت بمجتمعهم، فلا الفساد الاداري ولا الفساد السياسي ولا الفساد الأخلاقي والحضاري، قد شكّل حافزاً حقيقياً لإشعال فتيل الرفض أو الاعتراض إزاء ما يجري يومياً، بل الأهم في ذهنيتهم، هو بقاء الملكة متربعة على عرشها تنعم بالطمأنينة والسخاء والبذخ، تأمر وتنهي فيستجاب لأمرها دون ملل أو كلل.
على هذا الأساس، نجد اليوم، الخلافات السياسية والاجتماعية مستمرة وسوف تظل مستمرة في العراق من شماله الى جنوبه، ومن شرقه الى غربه، خلافات لكتل يطلق عليها صفة كتل سياسية، وخلافات أخرى لشخصيات، لا تفقه غالبيتها بالسياسة وعلم السياسة، سوى أنها نُصِبَتْ في مناصب من الصعب أن يستوعب تنصيبها أي عقل، مهما كان مستواه الثقافي أو الاكاديمي أو التعليمي بشكل عام. لهذا، بات العراق ومنذ 2003 يشهد جرائم سرقات ممنهجة لثروات على مستويات لم يشهد لها التاريخ الحديث، كما لم يشهد ذات التاريخ تهريب الأموال بشكل خطير وخطير جداً، نتيجة الاستحواذ الكامل والشامل على كل منابع الثروات الطبيعية في العراق.
بل كان أول مخطط للسرقات الكبرى في العالم، قد حصل في نيسان ابريل 2003، عندما نفذته بنجاح باهر الرحلات المكوكية للسمتيات الامريكية من على سطح مبنى البنك المركزي العراقي ونقلها كل ما حوته آنذاك خزائن البنك من سبائك ذهب ورزم دولار بأرقام خيالية، وعملات اجنبية اخرى، وتحويلها الى واشنطن.
ناهيك عن فتح المجال امام عصابات متعددة الجهات والانتماءات، لنهب وسلب كل ما تقع عليه العين، دون حسيب أو رقيب، سرقات لدوائر دولة، مصارف حكومية وأهلية، محلات تجارية، اسواق استهلاكية بكاملها، مؤسسات اقتصادية ومالية، مخازن للمؤون تابعة للدولة، وغيرها. ما وضع حال العراق في خانة الفوضى اللامتناهية وعدم الاستقرار المقصود، خاصة خلال عام 2006 الذي تعتبر فترته من أسوء الفترات التي مرت بتاريخ العراق، حين بلغت عمليات الاغتيال على الهوية أوجها. وقد عنيت بكل دقة عمليات الاغتيال بالطبقات المثقفة، خاصة أساتذة الجامعات والمهندسين والاطباء.
فكانت عمليات السرقة بمثابة الصفحة الاولى، تلتها الصفحة الثانية والتي تمثلت بالاغتيالات، ثم الصفحة الثالثة من مؤامرة الاحتلال، وقد تمثلت بعمليات التفجير بالسيارات المفخخة وحاملي الاحزمة الناسفة وغيرها، ما جعل الشارع العراقي يشهد ايام رعب لا يمكن وصفها بسهولة. هذا بالاضافة الى تجول عربات الاحتلال الامريكي العسكرية خاصة الدبابات والهمرات في شوارع العاصمة بغداد وإطلاقها النار متى ما شاءت على أي هدف، يدخل في حسابات التهديد المباشر.
أما المحاصصة، فقد مثلت ديدن الاحتلال والوسيلة الذكية التي ما فتئت تمزق العراق وتدخله في أزمات تلو الأزمات، ولا يزال. عليه، وبعد حوالي 20 عاما على سقوط بغداد، لا يزال العراق يعاني عدة ازمات، أصبحت جزءا من حياته اليومية، أو بمعنى آخر، قد ضمنت أمريكا ومن معها، خلو الساحة العراقية من المتظاهرين الذين لو تحركوا بالاتجاه الصحيح، فأنه يمكنهم من إجراء التغيير السياسي في العراق، ولكن هيهات!!
فوضع مملكة النمل اليوم، وضعها مأساوي جداً ويكسر الخاطر، خصوصاً وأن المملكة تعيش فراغاً دستورياً، فراغا هو الآخر يشكل صفحة من صفحات المخطط الذي يمر به تأريخ العراق الحديث. وعدم الاستقرار على تعيين رئيس جمهورية جديد بالمواصفات المطلوبة لَهوَ موضوع يدعو للسخرية، بل هو نتاج ما خطط له ورسخه بول برايمر وصار متبعاً لضمان حالات عدم الاستقرار، بإن يشغل الاكراد منصب رئيس الجمهورية والسنة يتولون رئاسة البرلمان والشيعة لهم رئاسة الحكومة. وصح النوم يا مملكة النمل.
حسام علي//








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخاوف من استخدامه كـ-سلاح حرب-.. أول كلب آلي في العالم ينفث


.. تراجع شعبية حماس لدى سكان غزة والضفة الغربية.. صحيفة فايننشا




.. نشاط دبلوماسي مصري مكثف في ظل تراجع الدور القطري في الوساطة


.. كيف يمكن توصيف واقع جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة؟




.. زيلنسكي يشكر أمير دولة قطر على الوساطة الناجحة بين روسيا وأو