الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقصلة سلطة النص: آدم سميث نموذجاً

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2022 / 4 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


حوار أجراه فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن مع مصعب قاسم عزاوي.

فريق دار الأكاديمية: ما هو رأيك بمسألة سلطة النص، وإشكالية الاجتزاء منه؟
مصعب قاسم عزاوي: لا بد في المقام الأول في سياق أي مقاربة معرفية تحليلية أو استنباطية من إقصاء كل المؤثرات التي يمكن أن تعطل أو تقيد قدرات العقل الفاعل على التكشف الموضوعي للحقائق، والوصول إلى الاستخلاصات بشكل غير خاضع لتأثير المعطيات المسبقة التي قد تُصَعِّبُ إمكانية تحقق شرط «الموضوعية اللازمة» في أي جهد فكري حقيقي ذي معنى يترفع عن التحول إلى نموذج من الدعاية السوداء أو الترديد الببغائي لمن سبقه بغض النظر عن النوايا الوجدانية والعقلية المؤسسة لذلك الفعل، والتي قد تكون حسنة في كثير من الأحيان، دون أن تكون مفيدة في ما تفضي إليه.
وبشكل أكثر تكثيفاً فإن القبول بسلطة النص سواء ذلك المقدس منها، أو ذلك الذي أنجزه المجتهدون في عصور غابرة أو حتى المعاصرون منهم لا يتسق ولا يستقيم في حالة «العمل الفكري الموضوعي» الذي يقتضي الالتزام اللصيق باستخدام أدوات العقلانية والرشاد والسبر المعرفي دون قيود مسبقة يفرضها «التسليم الافتراضي بصحة ما أتى به أي كان»، إذ أن الحقيقة الثابتة في الميدان المعرفي هو أن كل نتاج معرفي سالف هو أطروحة تستحق النظر إليها موضوعياً بأدوات البحث العلمي الرصين لإثبات صحتها أو نفي ذلك، وهو ما يعني أن النتاج المعرفي «الصالح لكل زمان ومكان» هو «وهم تلفيقي» لا يستقيم التسليم بصحته أبداً في سياق أي جهد بحثي موضوعي يتحلى بأبسط أدوات العمل المعرفي المنضبط.
وذلك النسق التوصيفي الأخير يستدعي عملياً النظر النقدي إلى كل ما قد يتم استخدامه من أدوات وتوثيقات وإسناد لدعم أطروحة ما بشكل لا يقبل التغاير في ثباته الراسخ حول أن «الحقيقة» هدف سام يسعى للوصول إليه كل باحث ومجتهد حق، ولا يستقيم احتكاره سواء من قبل أي «مقدس» أو «دنيوي» أو «وضعي» بغض النظر عن مكانته في خلد ووجدان وعقل المعتقد به.
وفيما يخص الاجتزاء بالاتكاء على سلطة النص، فهو أسلوب رخيص وشائع لأجل لي عنق الحقيقة، عبر الاستفادة المخاتلة من عدم معرفة المتلقي الدقيقة لما قيل هنا أو هناك في «النص أو مقول الشخص» الذي يُعتقد به سواء كان ذلك «قدسياً أو بشرياً». وهو نموذج شائع يتم اللعب عليه من قبل كل المتحذلقين العاملين في «حيز تزييف الحقائق»، والتي غالباً ما تأتي صناعتها في سياق الهدف الجوهري الأسمى لها والمتمثل في توطيد هيمنة «الأقوياء الأثرياء على المستضعفين المفقرين».
ويتخذ التوصيف الأخير صوراً مخزية في كثير من الأحيان، قد يكون المثال المبسط لتوصيفها هو حال الاتكاء الذي لا ينقطع في الفكر الغربي المعاصر المسوق «لفضائل العولمة» موثقاً صدقية ذلك بما قاله خير السلف الصالح ممثلاً بمؤسس علم الاقتصاد السياسي، وأعني هنا الاسكتلندي آدم سميث، الذي يستند أولئك المؤدلجون من فئة «خبراء الدعاية السوداء» على كتابه «ثروة الأمم» الصادر في العام 1776، ورأي آدم سميث فيه عن «ازدرائه للنظام التجاري والاستعماري البريطاني» لتفارقه عن مبدأ التجارة الحرة، وهو اجتزاء عامد متعمد من مقول آدم سميث الذي برر ازدراءه السالف الذكر تنظيرياً وعلمياً بأن تلك «السياسات البريطانية التجارية والاستعمارية كانت قد آذت عموم الشعب البريطاني، وتنفع منها بشكل شبه حصري التجار والصناعيون البريطانيون»، وهم الذين سماهم سميث في غير موضع من كتابه «بمهندسي صناعة السياسة البريطانية». وذلك التوصيف الأخير يعني بشكل لا مواربة فيه تحليلاً «للصراع الطبقي» بين «المفقرين من عموم الشعب الذين لا بد لهم من دفع تكاليف الحروب الاستعمارية التي تخاض باسمهم، وبين الطبقات المهيمنة التي تحصد نتائج تلك الحروب الاستعمارية كليانياً». وهو ذلك التوصيف الجنيني الثاقب لبديهيات الصراع الطبقي بين «الفئات المهيمنة وتلك المستغلة المنهوبة»، موضوع لا يتم التطرق إليه على الإطلاق في جل الأدبيات في العالم الغربي التي لا يبارح ذكر آدم سميث سطورها في كل حين وزمان في اجتزاء يقصد منه «لي عنق الحقيقة»، والاتكاء على المكانة «التاريخية والمعرفية الاستثنائية» لعالم طليعي مثل آدم سميث لسبغ سمة من «الصدقية العابرة للتاريخ» تخفي الأهداف المضمرة من ذلك الاجتزاء، والمتمثلة في غالب الأحايين بالعمل الوظيفي في نسق «صناعة الوعي الزائف بحقائق خلبية» لأجل توطيد هيمنة الأقوياء الأثرياء على المستضعفين المفقرين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة القميص بين المغرب والجزائر


.. شمال غزة إلى واجهة الحرب مجددا مع بدء عمليات إخلاء جديدة




.. غضب في تل أبيب من تسريب واشنطن بأن إسرائيل تقف وراء ضربة أصف


.. نائب الأمين العام للجهاد الإسلامي: بعد 200 يوم إسرائيل فشلت




.. قوات الاحتلال تتعمد منع مرابطين من دخول الأقصى