الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثالوث غيرَ المقدّس

دلور ميقري

2006 / 9 / 13
ملف مفتوح بمناسبة الذكرى الخامسة لاحداث 11 سبتمبر 2001


عشية الذكرى الخامسة لهجمات 11 سبتمبر ، كنتُ ضيفاً لدى أحد الأصدقاء مشدوداً لجهاز التلفاز ، أنتظرُ مشوقاً برنامج " سري للغاية " ، على قناة " الجزيرة " ؛ حالي في ذلك ، ربما ، حال الملايين من المشاهدين . من الوهلة الاولى لمقالي هذا ، سأعترف للقاريء بحقيقةٍ مامن حاجة بي للمداورة عليها ؛ ألا وهيَ تجنبي لكل ما يمت بصلة لتلك القناة ، القطرية ، وإلى حدّ مقاطعتي لها . فأنا شخصياً أرى فيها ، على الأقل ، قناة ً إخبارية غير محايدة ، محرضة على العنف وداعية له تحت مسمى " المقاومة " ، علاوة على ممارستها ما يمكن وسمه بـ " غسيل الدماغ " الأصولي ، المنظم ، لمشاهديها . هذا وعلى الرغم من حقيقة اخرى ، أبثها لقارئي بكل إمتعاض : أنّ " الجزيرة " ، بالذات ، هي القناة الإخبارية ، الوحيدة ، الموجودة لديّ ؛ بما أنّ شركة الإتصالات في مدينتي ، السويدية ، لم تجدَ غيرها في زحمة فضائياتنا ، العربية . وهذا لعمري ، من مفارقات حياتنا هنا في الغرب الأوروبي ، المستنفر ضد الإرهاب إعلاماً وتمويلاً ، وليسَ فقط تنظيماً وخلايا نائمة أو فاعلة . على أنه للإنصاف ، أوضحُ من فوري ؛ أنّ شركة الإتصالات تلك ، قد أجابت على تساؤلي ، الموسوم آنفاً ، بأنها قد سبق وأجرت نوعاً من الإستفتاء لآراء المشتركين لديها ـ فيما يخصّ القنوات الأجنبية ، بطبيعة الحال ـ وأنّ قناتنا القطرية ، العتيدة ، هيَ من نال الحظوة لديهم .

سرّ تشوقي لمتابعة برنامج " سرّي للغاية " ، مرجعه ما أحيط به من دعاية طوال الإسبوع المنصرم ؛ خاصة ً تلك الصور المفصحة بجلاءٍ ، لا لبْس فيه ، عن كون سورية الأسد ، تحديداً ، هيَ موئل وملاذ من دعاهم مراسلُ البرنامج بـ " المجاهدين " ؛ كما أنّ حدودها هيَ الممرّ الآمن ، الوحيد ، لتسللهم إلى العراق . وإذاً ، خطوة فخطوة ينقلنا المراسل إلى أجواء الحدث ، منطلقاً من عاصمة الضباب ، أولاً . ثمة في لندن ، سيلتقي بإبن من وصفه : " المجاهد المعتدل ، الشهيد عبد الله عزام ، الذي كان إبن لادن تلميذاً له " . لم يوفق ، على رأيي ، مراسلنا بوصف ذلك المعلم بالإعتدال ، وقد ألحقه بتلميذٍ على شاكلة زعيم تنظيم " القاعدة " : أم أنها إشارة أولى ، خبيثة ، لمرامي البرنامج في تبرئة ذلك التنظيم ، الإرهابيّ ، وتقديمه للمشاهدين كمفخرة للجهاد والتضحية في سبيل الله ؟ هذا بالضبط ما ذهبَ إليه المراسلُ ، وبلا أيّ مواربة ؛ هوَ من كان طوال وقت الحلقة الاولى لبرنامجه ، يُشيد بتنظيم " القاعدة " وكيف نقلت ثقل عملياتها من أفغانستان إلى أرض الرافدين ؛ علاوة ً على بثه أنشودة تتغنى بإبن لادن ، زعيم التنظيم ، خلال الرحلة التي ضمته ومجاهديه عبر الحدود السورية العراقية . لا حاجة بنا لعلامة تعجّب ، مادامت ثقة تلك التنظيمات الإرهابية ، الأخطبوطية ، بمراسلنا هذا قد تناهتْ إلى درجة السماح له بالتواجد في مقراتها ، المختلفة ، وتصوير قياداتها وعناصرها هنا وهناك . بيْدَ أنّ كيدَ مراسل " الجزيرة " ما أجداه دوماً ، فيما يتعلق بتسويق بضاعة " الجهاد " على الجمهور : فأيّ مجاهدٍ هذا ، الذي قدموه لنا على أنه " القائد العسكري للجيش الإسلامي في العراق " ، وهوَ في كامل هندامه الأنيق ، ( حتى أنه لم ينسَ ربطة عنقه ! ) ، وخلفه مكتبة لا تقل أناقة .. ؛ وأيّ مجاهدٍ هذا الرجل ، نفسه ، وهوَ لا يحفظ آية واحدة من كتاب الله ، أو حتى حديثاً نبوياً واحداً ، فيتلجلج في عبارته ويهرب إلى إجترار جمل مطوفة على طول وعرض بث الفضائيات إياها ، عن الإحتلال الأمريكي للعراق والمقاومة والمجاهدة ؟؟

قلنا أنّ مهمة المراسل ، الجهادية ، قد أوصلته إلى سورية ، والتي من المفترض أن " يتسلل " عبر حدودها الشمالية الشرقية بإتجاه الأراضي العراقية . على أنه وهو في طريقه ذاك ، شمالاً ، إذا به ينعطف دورة كاملة ، معاكسة ، فيتجه شرقاً نحو وسط البلاد الشامية . حجّة المراسل ، عما أسماه " سريّة المهمة " ، المسوّقة لتبرير تلك الإنعطافة ؛ هكذا حجّة ، لم تنطل على المشاهد ، المتبصّر ، المتيقن أنها كانت بمثابة ذريعة للقيام بجولة من " السياحة الإرهابية " في سورية الأسد ، للدعاية لنظامها بين الجماهير المهتكة بالترويع والتجويع ، وتصويره كقلعةٍ ـ كذا ـ للصمود والممانعة والمقاومة . في جولته ، الموسومة ، سيأخذنا المراسلُ إلى مقام سيف الإسلام ، خالد بن الوليد ، الواقع في مدينة " حمص " ، مردداً صدىً من كلماته عن الجهاد والشهادة ، مماهياً إياها ـ ويا للمهزلة ـ مع كلمات أبي مصعب الزرقاوي ؛ هذا الذي إتشحَتْ يومَ مصرعه قناة ُ " الجزيرة " بالسواد مذيعين ومذيعات ، مشايخ ومشيخات ! خلال البرنامج ، وعلى مرأى ومسمع من جماهيرنا نفسها ، الممرغة بالفقر والجهل والفاقة ، سينبري مفتي الديار السورية للإشادة بـ " المقاومة " في العراق ، بوصفها فعلاً جهادياً يصل المؤمن بربه . ولكي تكتمل المهزلة ، كان لا بدّ لوزير الثقافة السوريّ ، أيضاً ، أن يتحفنا بمماحكات نظرية وفلسفية تبريراً لمسلك نظامه المستبد ، الشاذ ، إقليمياً ودولياً . ودونما أن ينسى وزيرنا هذا ، صفة نظامه المتسوّل عطف الدول الغربية ، وخصوصاً أمريكا ؛ في تذكيرها الدائب بمدى تعاونه مع مخابراتها في قضايا الإرهاب .

الجزيرة والبعث والقاعدة ؛ أركان الثالوث غير المقدس ، الذين تجلى تحالفهم على أوضح صورة وبأفصح عبارة ، في هذه الحلقة ، الموصوفة ، من برنامج " سري للغاية " . سيبقى أركان هذا الثالوث ، الموسوم ، في مأمن من العقاب ، العادل ، ما فتئتْ الدول العربية ، المعتدلة ، تكيدُ لبعضها البعض وتتعامل وسائل إعلامها بإسلوب الكيْل بأكثر من مكيال : فوفق إسلوبها ، نجدُ وسائل الإعلام تلك ، من فضائيات وغيرها ، تعتبرُ ما يصيب أيا من دولها " إرهاباً " ، فيما تسمي ما يُصيب الآخرين ـ وخصوصاً العراق ـ تارة كأعمال " مقاومة " ، و تارة اخرى كأعمال " جهادية ". يقيناً ، إن تلك الحلقة من برنامج " سرّي للغاية " ، والمسترسلة أيضاً في حلقات متواصلة ، لجديرة بكونها الدليل القانونيّ ، الدامغ ، الذي يدين نظام الإستبداد البعثيّ في دمشق بتهمة تصدير الإرهاب إلى دول الجوار . فضلاً عن كونها دليلاً آخر ، يضاف إلى ما سبق من أدلة ، على تورط " الجزيرة " ، القطرية ، بالدعاية للإرهاب وتسويقه وحتى بدعمه لوجستياً ومالياً . إنّ قمة الأثافي في مسلك هذه القناة الفضائية ، جعلها لمراسليها ومصوريها ضحايا لسياسة مسؤوليها ، الطائشة أو الخبيثة ، على حدّ سواء . لنتذكر مأساة تيسير علوني ، بشكل خاص : ألا يقوم مراسل " سرّي للغاية " بمثل ما قام به زميله ذاك ، المعتقل في إسبانية بتهمة الإرهاب ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سوليفان في السعودية اليوم وفي إسرائيل غدا.. هل اقتربت الصفقة


.. مستشار الأمن القومي الأميركي يزور السعودية




.. حلمي النمنم: جماعة حسن البنا انتهت إلى الأبد| #حديث_العرب


.. بدء تسيير سفن مساعدات من قبرص إلى غزة بعد انطلاق الجسر الأمي




.. السعودية وإسرائيل.. نتنياهو يعرقل مسار التطبيع بسبب رفضه حل