الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا تغير في الواقع دون تغيير في الوعي

حسام علي

2022 / 4 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


أن تعيش الحياة، فأنه يتعين عليك أن تتقن فن الحركة والتغيير، بالحركة تتحسس وجودك ووجود العالم، وبالتغيير تتكشف لك أسرار الحياة التي لا تنتهي أبداً، وكلما تقادمت بالبشرية السنين وشهدت تطورات تلو تطورات، ستظل الحياة بمواجهة الاسرار وإمكانية حلّ رموزها أو عقدها التي يتقبلها البعض ويحاول أن يبني على أساسها حياةً أفضل وأرقى والتخلص من القيود القديمة، التي جلّها كان من صنع البشرية ذاتها. وقد لا يتقبلها البعض الآخر، إما سذاجة منهم، أو تماهياً مع غزوات فكرية لجماعات أسست لنفسها صروحاً حالت بها دون فرار منتسبيها منها، لئلا يتأملون ولو من زوايا ضيقة الى ما يمكن أن ينجم أو يشكل برأيها، مخاطر كبرى أو آثام، عند تكشّف أسرار ومعارف، قد تكون مقبولة منذ الوهلة الاولى.
والفكر الحر، عندما يجد (نفسه) محاطاً بوابل من قيود متوارثة أخذت رؤوس خاوية على عاتقها، مسؤولية ترسيخها، وكتبت لافتة عريضة حولها (القيود).. ممنوع اللمس والتغيير، نراه (الفكر الحر) حينها وقد أطلق العنان لـــ (نفسه) وشمّر عن ساعديه، ليقول كلمته الفصل للبشرية، ذلك أنه، حرّ، ويمتلك خاصية التمتع بروحية إثبات وجوده وتأكيد ولعه في كشف الحقائق حسبما يُدر عليه من تجارب وخبرات تصطف بانتظام حضاري الى جانب الضمير الفطري الذي أوحي إليه أن يصب في بوتقة الاستكشاف لا الركون ضمن خانة السذج والبلهاء.
فكل انسان، هو بحاجة دائمة الى التغيير، وربّ تغيير يغير ما بك وما بالعالم أجمع!! وهنا نستذكر العبقري شابلن وهو يقول: لا شيء دائم في هذا العالم، حتى مشاكلنا. والديكتاتوريون يحررون أنفسهم لكنهم يستعبدون الناس. السذج منهم بطبيعة الحال. وأهم ما ينشده الانسان في التغيير هو إثبات وجوده، دون إرادة منه بكل تأكيد. وما دام البحث والاثبات بلا إرادة تذكر، فهو سيكون أمام طريقين، إما طريق إثبات الوجود بما يؤسس لنفسه مملكته ويمنحها شكلاً مميزاً وصفة مستقلة، وأما يكون عاجزا عن إثبات وجوده الحقيقي، لنواقص مادية ومعنوية ونفسية، فأنه سوف يقبل رسم وجوده بالصورة التي يريدها له غيره، ويغدق عليه بالتعويض المادي الذي لا يغني ولا يسمن.
فالانسان الاول حين ينجح في إثبات وجوده الحقيقي، سيكون بمواجهة الانسان الثاني الذي فشل في إثبات الوجود الحقيقي، بل حقق وجوداً مزوراً إنحرافياً. وهنا ستتولد احتمالية نشوب نزاع فكري بين الاثنين، حين يطرح الاول فكرة معينة، سيرفضها الثاني بالتأكيد، بناءً على المفاهيم التي لقنها له من أغدق عليه بالوسائل المادية لسد نواقصه في الحياة، النواقص التي اُوْجِدَتْ لأمثاله وترعرعت نبتتها الاولى فيه إبان صباه.
إن الأفكار موجودة، في كل زمان ومكان. ولكن ما يثير حفيظة البعض من طرحها بحرية هو المكان بالدرجة الاولى. ولو لم تكن العملية مثيرة للسخرية ومؤججة للجدل بشكل يزعزع بالمقامات، لسارع أولئك أصحاب المقامات الى كتابة يافطة صريحة وبالقلم العريض: الرجاء، لا تطرح أفكارك هنا. اذهب الى الضفة الاخرى وقل ما شئت. لكن الحقيقة الغائبة عن أذهانهم هؤلاء، أنه بالتنازع والاختلاف في الآراء تتطور الأمم. بعد حين، سيكون مؤكداً ألا يجوز إلا الاعتراف بأن التنازع كان تلاقحاً مع الآخر وليس إقصاءا له. ومقولة ديكارت الشهيرة: أنا أفكر إذن أنا موجود، تأتي لتثبيت دور حرية طرح الافكار في كسب حياة أفضل والتمتع بكل ما يميز الانسان عن الحيوان. وأهم ما يميزه، هو خروجه عن دوائر الاستعباد والاستبداد والإجبار والإكراه، بل تربعه على عرش الملوكية في الاستقلال الفكري للإفصاح عن مكنوناته الطبيعية التي ما فتئت أن تضع الانسان في ميزان الإبداع والتقصي والشك، والشك هنا ليس من أجل الشك، إنما الشك من أجل الوصول الى اليقين.
ولما انبرى ميكافيلي وصرح بأن الغاية تبرر الوسيلة، أي، ما دام أن الهدف قد تحقق وجاء بأفضل النتائج، فليس من المهم أن تكون الوسيلة مقبولة أم لا. استغل هذه الفكرة السياسيون وانطلقوا في تحقير الشعوب وممارسة كل سبل الطغيان والعنف والتخويف إزاءهم، معللين ذلك بغايات من شأنها أن تصب في مصلحة الوطن. هنا لابد من التنويه أن الغاية يجب ألا تكون غير إنسانية. في البداية، تم نشر كتابي ميكافيلي، "المطارحات". "الأمير"، في عامي 1531 و 1532 بعدما أباحت الكنيسة النشر، لكنها عادت وحظرت جميع مؤلفاته، بسبب مزاجات مقامات البابا حينها، وقد وردت بعض الروايات التي أشارت الى نفي ميكافيلي أواخر عمره.
إذن، فما دام أن الفكرة تحتاج الى وسيلة لتحقيق الهدف، فأنها بكل تأكيد سوف تواجَه إما برفض أو بقبول من قبل المجتمع حين يتم تحديد تلك الوسائل، ما يعني، إن إصرار صاحب أية فكرة على تبني فكرته مقابل إصرار آخر، مجتمعي، لرفض هذه الفكرة ووسائلها، فأننا نتوقع هنا بروز حالة أشبه بالاستغناء. أما استغناء الفرد عن الجماعة، أو استغناء الجماعة عن الفرد.
إن الحركة والتغيير، أمران ضروريان لديمومة الحياة، فباختلاف حركة القدمين، يتمكن الانسان من المسير والتقدم. كذلك الافكار والآراء. فلو ظلت ذات الأفكار وذات الآراء هي السائدة دون تغييرات تذكر، فسيبقى المجتمع راكداً لا يتطور، كمن ربطت قدماه، فظل واقفاً دون حراك.
نعم، نحن نعلم أنه في كل الأحوال لا يمكن لأية فكرة تراود أي انسان أن تعم وتشمل أو تنال رضا الجميع. فرضا الناس غاية لا تنال، لأن الافكار بنظر الجميع ليست كلها صحيحة، وهي تتبع الواقع الذي يتقبل الفكرة ويحاور في مصداقيتها أو لا يحاور. لكن متى ما أخذت الفكرة حيز التطبيق في ظروف معينة ومتزامنة من لدن جماعات معينة أيضا، سنرى فجأة أنها أصبحت فكرة مقبولة من قبل المجتمع وربما تصبح فكرة مرموقة. لماذا؟
لأن الكثير من العادات والتقاليد، في أي مجتمع، يكون لها تأثير مباشر على الافكار وطريقة طرحها أو انتشارها. وبما أن الانسان العربي معروف عنه تمسكه الشديد بالعادات والتقاليد مقارنة بدول شرق آسيا وأوروبا وغيرها، بل ويعتبرها موروثاً أصيلاً يصعب التنازل عنها، لذا ستواجه عملية تجديد الأفكار مطبات وسدوداً منيعة، لا يقوى أي مفكر على الاختراق والنفود الى الجهة الأخرى التي ربما ستمثل في لحظة غير محسوبة، برّ الأمان أو ناصية التألق والإبداع للمجتمع إن تم توظيف الامكانيات المتاحة أفضل توظيف، وهنا يأتي دور وأهمية طرح أفكار تجددية تدعو للتغيير حتى وإن مست بعض من العادات والتقاليد. كل الذي ذكرناه هو من جانب اعتبار الأفكار المرفوضة مسبقاً وغير القابلة للنقاش، والمتأتية من لدن أفراد ليسوا في محل يؤهلهم أو يسمح لهم بالإدلاء أو طرح الأفكار.
لكن من جانب آخر وهو الخطير اليوم، عندما تطرح أفكار جديدة، لو فرضنا أنها تخالف الواقع، بل وتخالف حتى بعض العادات والتقاليد الموروثة من أصالة وحضارة المجتمع، لكنها تعود لشخصيات تنتمي لتلك الجماعات أصحاب الصروح السلطوية، فهي دون شك سوف تنال الاعجاب وتدخل القلوب والعقول دون استئذان، ولن ينالها أي تنازع أو تحدٍ. إذن، مناهضة الآخر ومحاولة تحطيمه لمجرد طرحه فكرة ما، سوف تزول وتتلاشى أمام طرح الافكار في هذه الحالة، ما يعني، أن درجة الوعي التي يتحلى بها الأفراد في أي مجتمع، تكون هي الفيصل في قبول الفكرة أو رفضها، تبعاً لمصدرها. وعليه، تعتبر عملية غسيل الأدمغة والتحول الفكري عملية سهلة ومضمونة في هكذا مجتمعات. بحيث يتم خلالها سلب الفرد هويته الأصلية واستبدالها بأخرى بشكل ممنهج وقسري، تؤدي بهكذا فرد أن يعتقد اعتقاداً راسخاً بأن كل ما يتلى عليه هو مقدس، بل وينفذ كل ما يؤتمر به، دون نقاش، مثلما أطاع ذاك الفرد أوامر الـــ سي اي اي واغتال الرئيس كندي من الشرفة المطلة على موكب الرئيس، وفي ذهنه أنه واجب وطني.
رغم هذا وذاك، هل يمكن أن نرى اثنان يتحاوران دون خلاف؟ أنا اقول: نعم يمكن. لكن هذا يتوقف على مدى الثقافة التي يتحلى بها الطرفين. ولو أخلف أحدهما أو خرق شروط الحوار المتمدن، فسوف تحبط حالة النقاش والحوار، بل وربما تصاب الفكرة قبل ولادتها بالإجهاض، بل سوف يسارع اصحاب الصروح، الى وأد كل ذي فكرة تكون مخالفة في الاساس لأفكارهم ومهددة لكيانهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دعوات دولية لحماس لإطلاق سراح الرهائن والحركة تشترط وقف الحر


.. بيان مشترك يدعو إلى الإفراج الفوري عن المحتجزين في قطاع غزة.




.. غزيون يبحثون عن الأمان والراحة على شاطئ دير البلح وسط الحرب


.. صحيفة إسرائيلية: اقتراح وقف إطلاق النار يستجيب لمطالب حماس ب




.. البنتاغون: بدأنا بناء رصيف بحري في غزة لتوفير المساعدات