الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعليقاً حول التطورات السياسية والأمنية في السودان

سعد محمد عبدالله
- شاعر وكاتب سياسي

2022 / 4 / 28
الصحافة والاعلام


(رأي خاص)

يشهد فضاء السودان علي "مدار الساعة" تطورات سياسية وأمنية جديدة في مختلف الجبهات والإتجاهات؛ فقد شاهدنا بأسف أحداث عنف دامية وقعت بدارفور خلال الأيام السالفة، وراح ضحيت تلك المعارك العبثية مئات الأبرياء ممن طالتهم "بنادق الموت" قتلاً وتشريداً أدمى قلوب السودانيين جميعاً؛ فمن يشاهد الصور المنتشرة علي الأسافير يشعر بعمق الكارثة الإنسانية الناتجة عن تلك المحارق، ويصاب المرء حين يفكر في مآلات الحروب بـ"نؤبة مميتة" تجعله مشلولاً تماما خاصةً عندما يبصر مشاهد النساء وكبار السن والأطفال الذين دفعوا الثمن الباهظ إزاء هذه الكارثة الإنسانية المُدانة بأشد العبارات، وقد أصدرت الرفيقة سلوى آدم بنية - الأمين العام للحركة الشعبية بياناً إستنكرت فيه هذه المجزرة، و أوضحت من خلال بيانها موقف الحركة الشعبية تجاه دعم القضايا الحقوقية والإنسانية الأساسية للمجتمع، وأثبتت أن الدولة مسؤلة عن حماية جميع المدنيين عبر تطبيق القانون، كما أكدت إرتباط إستدامة السلام بحل قضايا الأرض والموارد الطبيعية لصالح ملايين الفقراء من أصحاب الحقوق الأصلية الأصيلة، وبينت ضرورة عمل الجميع من أجل رتق النسيج الإجتماعي وتأمين السلامة للإنسان سواء كان بدارفور أو السودان ككل.

إذا تحدثنا عن قضايا السلام في السودان فاننا بالطبع نحتاج لشجاعة تمكنا من كشف شح الإرادة عند البعض لجعل سلام السودان حقيقة مُشّاعة ومُعاشّة بين الناس، وهؤلاء يقومون بعملية "إستثمار سياسي من أجل مصالح ضيقة" بينما تحتاج أرياف بلادنا المترامية بعد سنوات طويلة من الحروب لتوليفة جديدة تعيدها لسابق عهدها؛ حيث كان السلام والتسامح من أعظم سمات وملامح ريف السودان المنتج والمبدع في عكس نموذج إدارة فريدة لكل أشكال تنوع الثقافات والإثنيات علي مدار التاريخ، ولكن المُلاحظ أن بعض المجموعات الإنكفائية لا تريد السلام لشعب السودان، وقد قال شعبنا كلمته بشعار ثورة ديسمبر المجيدة "حرية سلام وعدالة، والشعب يريد بناء سودان جديد"، وهذه المجموعة لا تقل فاشيةً وإستبداداً عن النظام الإنقاذي الذي صنع من قسوته وظلمه وإظلام سياساته "ماركة حروب الريف المسجلة باسم نظام عمر البشير"، وتابعنا علي الأسافير أحاديث متناثرة ومقرونةً بتصريحات صحفية لقادة "قوى الظلام" تتحدث عن إتجاه للمطالبة بإلغاء إتفاقية جوبا لسلام السودان، وليست المرة الأولى التي يتم فيها نقض العهود والمواثيق إلا أن الإتفاقية الأخيرة محصنة لحد كبير وتحرسها إرادة طيف واسع من السودانيين، ولكن ليت تلك الأحاديث من نسج خيال عابر وليست جزء من إستراتيجية تفخيخ الطريق إلي السلام أو ليتهم الآن يخرجون بتوضيح يكذب هذا الإتجاه، وهذا حديث غير أنه ساذج للغاية يعبر عن ضحالة الفكر وقصر البصر وشح البصيرة إن صح إنتهاجه؛ فلا يمكن أن يتحقق سلام آخر غداً ونحن لم نخرج نصوص سلام اليوم من تحت الورق لنجرب تطبيقها علي أرض الواقع كيما نتحدث عن النتائج طبقاً لحيثيات حقيقية، وكل ما تم تطبيقه رغم بطء التنفيذ إلا أنه وجد الرضى من شعوب الريف وجميع عقلاء السودان.

نحن حتى اللحظة نتكلم عن ضرر تجنيب القضايا الرئيسية المرتبطة بالأمن والإستقرار والإهتمام بمعاش الناس، ونتحدث عن الحاجة الملحة جداً لإنهاء ظاهرة تعدد الجيوش، وضرورة جمع السلاح المنتشر خارج سلطة الدولة، وتفكيك المليشيات، وتكوين جيش وطني ومهني ومتنوع بعقيدة جديدة، وبناء شرطة صديقة للشعب مهامها حفظ الأمن والإستقرار وحماية حياة الإنسان دون فرز، وكذلك نحتاج لبرنامج تحرير وهيكلة المؤسسات القضائية والمدنية وإنجاز القوانيين الخاصة بنظام الحكم والإدارة خاصةً في أقاليم "الحكم الذاتي" كونها تعتبر من المناطق الأكثر تضرراً بسبب الحروب، وقد حدث هذا في إجتماع مجلس وزراء إقليم النيل الأزرق يوم أمس الأول في إطار طرح القوانيين المنظمة لحكومة الإقليم وفقاً لنصوص إتفاقية السلام "قيد التنفيذ"، ولكن قبل هذه الترتيبات المهمة يجب أن نقبل جميعاً كسودانيين فكرة السلام نفسها ثم نعمل لتنفيذها بأرادة متحررة من قيود السودان القديم، ويجب أن يتوقف أولئك الرادكاليين عن إنتاج خطاب الكراهية ونقض السلام للتفكيير فيما يخدم السودان؛ فلا يعقل البتة أن نبني دولة جديدة دون المرور بجسر السلام الذي يعني مروراً عبر ثورة ديسمبر إلي سودان جديد يسع الجميع، ونحن ندعوا الذين لم يتوصلوا بعد لإتفاق سلام أن يضعوا هذا الأمر في مقدمة أجندتهم، ونأمل عودة جميع السودانيين الذين ما زالوا خارج البلاد لنعمل معاً في تأسيس دولة السلام والديمقراطية والمواطنة بلا تمييز.

إن قضايا السودان السياسية والإقتصادية والأمنية لا يمكن أن تجد الحل المناسب لها إلا عبر حوار السودانيين مع بعضهم البعض دون تشنج أو إقصاء لأحد، وهذا يتطلب الإستعداد التام لسماع كافة الأراء بعقول وقلوب مؤمنة بقيمة السلام والديمقراطية التشاركية، ومن أجل هذه القيمة الجبهة الثورية مستمرة في لقاءاتها التنويرية لشرح بمبادرتها المتكاملة لحل الأزمة الوطنية القائمة والعبور إلي المستقبل، ويجب أن يعمل الجميع في هذا الإتجاه بغية تجنيب السودان مخاطر الإنزلاق إلي مأزق الإنهيار "أكثر فأكثر" مما هو الحال حالياً؛ خاصةً بعد أن بدأ شبح الحروب يعود من جديد محلقاً فوق سماء بلادنا، والأزمة الإقتصادية تتعمق من وقت لآخر دون أن تجد حظها من نقاشات السياسيين الذين يعملون علي المسرح الآن، وكل هذه المشكلات تحتاج لوضع شعار "السودان أولاً" علي قمم أجندة المكونات السياسية والإجتماعية عبر إدارة حوار عميق يناقش جذور تلك المشكلات ويضع برنامج وطني متكامل من أجل تحقيق الإصلاح السياسي والأمني والإقتصادي.

يمثّل المؤتمر الصحفي الذي أقامته الآلية الثلاثية ممثلة في "الأمم المتحدة ومنظمة الإيقاد والإتحاد الافريقي" تنويراً في مسار الموقف السياسي السوداني الراهن والخطوات المتبعة لإيجاد وسيلة تفتح عملية سياسية جديدة لإخراج السودان من هذه الأزمة السياسية المستعرة والمستمرة نحو الأسوء والأمر، ومما يشجع علي توقع قرب الإنفراج حديث "الآلية الثلاثية" عن فتح الحوار المباشر خلال شهر مايو القادم؛ كما أن تقدم إجراءات "بناء الثقة" بين السودانيين في "مرحلتها الأولى" يمثّل دافع جيد نحو حوار فعال ومثمر للسودانيين؛ فقد تم إطلاق سراح المعتقليين السياسيين تمهيداً لمرحلة جديدة، ويجب أن يتبع ذلك الأمر إلغاء حالة الطوارئ، كما لا بد من بحث أنجع الوسائل المتاحة لإيقاف العنف المسلح في جميع أرض السودان، وأيضاً يجب العمل بجدية علي مسألة تجديد الخطاب السياسي من قبل جميع الأطراف، ويجب أن يعمل شركاء وأصدقاء السودان من الأمم المتحدة والإتحاد الافريقي ومنظمة الإيقاد لدعم الحوار السوداني المرتقب بكل ما يلزم لإنهاء هذه الأزمة السياسية المزمنة، ومن ثم ذهاب السودانيين جميعاً إلي مرحلة إصلاح الأوضاع الإقتصادية والأمنية المتراكمة عبر السنوات، والعمل علي إقامة مؤتمرات للمصالحة الإجتماعية في العاصمة والولايات/اقاليم لتخليص المجتمع من رواسب السودان القديم، وتهيئة المناخ لإنعقاد المؤتمر القومي الدستوري، وتكوين جميع المفوضيات وصولاً لإجراء إنتخابات حرة ونزيهة يختار فيها الشعب من يريده لحكم السودان.

28 أبريل - 2022م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السيسي يحذر من خطورة عمليات إسرائيل في رفح| #مراسلو_سكاي


.. حزب الله يسقط أكبر وأغلى مسيرة إسرائيلية جنوبي لبنان




.. أمير الكويت يعيّن وليا للعهد


.. وزير الدفاع التركي: لن نسحب قواتنا من شمال سوريا إلا بعد ضما




.. كيف ستتعامل حماس مع المقترح الذي أعلن عنه بايدن في خطابه؟