الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البراجماتية بدلالاتها النافية للموقف الأخلاقي

فؤاد الصلاحي
استاذ علم الاجتماع السياسي

(Fuad Alsalahi)

2022 / 4 / 29
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


معنى ذلك الإشارة إلى أسلوب العمل واتخاذ القرارات ونمط العلاقات والتفاعلات بين الدول والحكومات او بين الافراد .. فالبراجماتية pragmatism في مضمونها الفلسفي تسعى الى تحقيق الأهداف بدون النظر في الأسلوب والمنهج ومعنى ذلك اننا ممارسة سياسية لا تحكمها قيم ولا مبادئ بل مصالح " النفعية " وهذا الامر جيد في صورته العامة لكن التحليل في مضمونه ودلالاته يكشف لنا أمور أخرى ..فالمصالح المراد تحقيقها قد تكون مضرة بحقوق ومصالح اخرين ، او يتم اعتماد أسلوب غير قانوني في تحقيقها ..ومن ذلك مصالح الشركات العالمية النفطية وبيع الأسلحة وغيرها قد تتحقق ضدا من حقوق الانسان بل تصمت إزاء الانتهاكات من بلد او جماعة طالما ان مصالح تلك الشركات والحكومات تتحقق في موارد وارباح ضمن منافسات لامحدودة .
السؤال هل يتعامل الفرد مع الاخرين بمنطق المصلحة والانانية.. ام هناك مبادئ وقيم وكذلك الدول او العلاقات السياسية.. والواقع ان سلوك الدول وخطابها تنعكس على الافراد والمجتمعات ..واذا كان الأصل ان تتأسس الممارسة السياسية وفق قاعدة ثقافية وحقوقية فان الواقع يعكس هذا القول الى ان السياسة تنفصل عن الثقافة والقيم وتعتمد مبدا المنفعة والمصلحة أولا وأخيرا .. وغالبا ما تذهب الحكومات الى تقديم مبررات أخلاقية ودينية ووطنية تجاه ممارساتها وعلاقاتها الخارجية او تجاه مواقف محددة تحدث في مجتمعاتها ... وهو امر يصبح مكشوف للعامة والخاصة ..
الإنسان موقف أخلاقي وكذلك الدولة ، واذا تخلت هذه الاخيرة عن موقفها الأخلاقي (قيم المواطنة والحرية وروح الدستور والقانون كما نصوصهما) تحولت الي عصابة او جماعة مليشياوية .. وكذلك الانسان - الفرد - اذا تخلى عن القيم والمبدأ الأخلاقي تحول إلى انتهازي او كائن دون صفته النوعية كإنسان سوى.
وقد ساد في الثقافة العامة كما في دوائر المال والاعمال مقولة ان الغاية تبرر الوسيلة ..وهي مقولة تاريخية صكه صاحب كتاب الأمير ونقصد به الإيطالي " نيقولا ميكافيللي" مع العلم ان صاحبها وان قصد بها هدف سياسي تمثل في توحيد إيطاليا خدمة للنزعة الوطنية ومصالح الرأسمالية الصاعدة آنذاك الا ان استعمال المقولة تجاوز نفعيتها الانية نحو مسار جعل منها مبررا لكل سلوك سيئ وكل علاقات مشبوهة ولكل ممارسة انتهازية وهنا يستوى الامر في سلوك وممارسات الحكومات او الافراد . وبجانب صاحبنا ميكافيللي هناك فلاسفة اعتمدوا مبدأ المنفعة واللذة كمعيار للمصلحة وللنشاط الاقتصادي منهم جيرمي بنتام وجون ستيورات مل ..
لكن الرأسمالية العالمية والثقافة الكولونيالية تشكلت معها براجماتية تعزز من التوجه العملاني اكثر من القيم والمبادئ وتاريخ الرأسمالية يكشف ممارسات لا أخلاقية ولا انسانية تجاه الافراد في المؤسسات الصناعية وفي المدن وتجاه المستهلك وتجاه مرحلة الاستعمار التي تم تبريرها بأكاذيب خلافا للواقع الذي اصبح معروفا للجميع . وهذه الأكاذيب التي تخفي نفعية وانتهازية مرحلة الاستعمار لاتزال قائمة حتى اليوم في السلوك الأمريكي وتبريراته تجاه غزو أفغانستان والعراق وتدخلاتها المكشوفة ضد الحركات الاجتماعية التي استهدفت التغيير السياسي في كثير من دول الشرق الأوسط مع العلم ان هذه الأكاذيب التي اخفت سلوكا براجماتيا نفعيا وانتهازيا تم فضحه من داخل المجتمع الغربي –الرأسمالي ذاته من خلال الصحفة وقيادات حكومية مسؤولة .
اليوم نشهد تحولات في المواقف السياسية للدول التي ارتفع جدار الخصومة بينها عاليا ومعه ارتفع صوت الاعلام فاضحا ومنددا ومهددا .. ويتم تبرير ذلك بالسياسة البراحماتية التي لاتعرف المبادئ .( يقصدون التشدد تجاه التمسك المبادئ ) واعتماد مرونة سياسية تتطلبها مصالح الدول والحقيقة عكس ذلك ، صحيح ان المرونة مطلوبة خاصة إذا كانت العلاقات السياسية تلبي مصالح الشعوب والمجتمعات وتعزز التكامل والتنسيق التنموي والسياسي وغيره ودرء المخاطر ..
لكن اذا كانت المرونة من اجل مصالح نخب سياسية وحزبية ضدا من مصالح الشعوب فهنا نكون ازاء انتهازية فاضحة يتم التعبير عنها بالبراجماتية السياسية.. ولهذا نجد التحولات في علاقات الدول لا تعكس مواقفها من حقوق الانسان التي يتم اهمالها.. ومن ينظر للدور الامريكي والاوربي يدرك هذا الأمر ..وكذلك من ينظر لتحولات المواقف في منطقة الشرق الأوسط يجد تحول من القطيعة والتعبير بالعداء إلى الحوار وتبرير ذلك بمصالح الامة كلها وهذا ما يقال في التحول نحو الحوار مع أيران وتركيا ( احداث قطيعة بين كل من السعودية ومصر والامارات مع تركيا ومثلها مع ايران ) ثم ووفق محادثات سرية تم الكشف عنها تحولت المحادثات الى علنية وترافق معها زيارات لوفود رسمية وتم التعبير الإعلامي بالقول ان هذا التحول يعكس الحكمة ومصالح الامة .
مع العلم ان هؤلاء لم يخبرون الى ذهبت مصالح الامة أيام القطيعة ورفع نبرة العداء والتخوين .
والغريب في الامر بل المثير للسخرية حتى مفهوم العدو صاحبه تحول وتغير كبيرين فلم تعد إسرائيل العدو الأول للعرب ولم تعد قضية فلسطين المركزية للعرب لأننا شهدنا تطبيع دول عربية تزايد عددها وتغير خطابها السياسي وقيل ان هذا التحول انما هو خدمة لمصلحة العرب وقضيتهم المركزية .
هنا لا تظهر البراجماتية من اجل مصالح عامة بل مصالح خاصة بالنخب او صُناع القرار السياسي.. وللعلم جميع الدول العربية تشهد علاقات براجماتية بمعناها السلبي اي الانتهازية في اتخاذ مواقف وعلاقات.. والا .. ما مبرر الصراعات بين مختلف الدول العربية واستدامتها من عدة عقود سابقة.. وجميعها تبرر غياب الديمقراطية وسوء واقع حقوق الانسان بتعبيرات المصلحة الأمنية العلياء وحماية السيادة وغير ذلك .

الخطير في الأمر أن هذه العلاقات وفق سلوك براجماتي بطابعه الانتهازي انتقلت الى الافراد داخل نخب ثقافية واعلامية وكثير من العامة.. واصبحت الفهلوة والشطارة والتنطط نحو مراكز القوى والتملق نمط حياة وأسلوب للكثيرين نراهم ونرى ممارساتهم ، وهنا نكون أمام اهتزاز منظومة القيم الاجتماعية والدينية كما اهتزاز منظومة القيم والمبادئ الإنسانية والوطنية للدول والحكومات..
أمريكا ومعها حلفائها لم نرى لهم موقفا واحدا مع مصالح الشعوب في الحرية والاستقلال والتغيير ولا مع مطالبهم بالديمقراطية .. وكذلك الدول الاوسطية لم تدعم اي توجه شعبي نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان بل العكس من ذلك.. وهنا ازدهرت ثقافة براجماتية تعزز الأنانية كتعبير عن فردانية مقيتة لامجال معها للإنسان بموقفه الأخلاقي ولا الدولة وموقفها الداعم لمواطنيها وحقوقهم ..
من سنوات عدة ترجع الى منتصف القرن الماضي كتب اهم مفكري المدرسة النقدية كتابا هاما بعنوان "الانسان ذو البعد الواحد " وهو يشير به الى تعزيز التوجه نحو الماديات والاستهلاك دونما القيم والأخلاق والفنون وهو تجسيد لمقولة صاحب كتاب راس المال في ان الرأسمالية انما تراكم الأرباح كهدف رئيسي في سبيل ذلك تعمل على تشيئ الانسان وسلعنته بل وتدفعه الى حالة من الاغتراب عن واقعه ومجتمعه ونظامه السياسي .
فالثقافة الرأسمالية التي تعزز من توجهاتها نحو الاستهلاك والفردانية وسلعنة الانسان هي ذاتها التي تعزز من السلوك العملاني تجاع النفعية والانتهازية وتغييب الموقف الأخلاقي من سلوك وممارسات الافراد والدول في آن واحد وفي مجتمعاتنا الشرق أوسطية يتم تقبل هذه الثقافة من النخب السياسية كما قطاعات واسعة من العامة..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس الوزراء الاسرائيلي يستبق رد حماس على مقترح الهدنة | الأ


.. فرنسا : أي علاقة بين الأطفال والشاشات • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد مقتل -أم فهد-.. جدل حول مصير البلوغرز في العراق | #منصات


.. كيف تصف علاقتك بـمأكولات -الديلفري- وتطبيقات طلبات الطعام؟




.. الصين والولايات المتحدة.. مقارنة بين الجيشين| #التاسعة