الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيام من عمر ي في دمشق

سيامند إبراهيم

2006 / 9 / 13
سيرة ذاتية


في الستينات من القرن الماضي هاجرنا إلى دمشق بعد أن ضرب الجدب مواسم الجزيرة لعدة سنوات، لم يكن هدف رحيلنا إلى دمشق بسبب السياحة أو زيارة الأضرحة المقدسة كما كان يفعل البعض من أكراد الجزيرة, مع أن جدي سكن في دمشق منذ الأربعينيات من القرن الماضي, إلا أن حنينه إلى الجزيرة كانت أقوى من سكنه في شام شريف, ومع أن والدي اشترى لنا منزلاً في الخمسينيات من القرن الماضي, إلاّ أن الفقر هي إحدى أسباب الهجرة وكانت الجزيرة تئن تحت وطأة القمع الذي أصاب كل شيء في العهد الناصري المشئوم، أيام وسنين مضت وما زالت أحتفظ بذاكرة قوية لتلك الأحداث الأليمة، كانت مباحث السراج تجول المدن والقرى تبحث عن كل شيء اسمه كردي, عن دواوين الشاعر جكرخوين, عن نشرات البارتي, كانت تنانير الخبز تنبش لبحث عن المحظوران الكردية, كانت عنابر الحنطة الصغيرة تفتح بحثاً عن أشياء كردية, الويل ثم الويل لمن يستمع إلى إذاعة صوت الثورة الكردية, كان كل شيء في هذه الجزيرة مدعاة للمراقبة من قبل جلاوزة عبد الناصر, امتلأت السجون بالشيوعيين, وبالبارتي, أذيب المناضل فرج الله الحلو بالأسيد, يا لذاك النظام الجبان؟! هذا في الجزيرة أما في دمشق الفيحاء قد كانت المراقبة أخف وطئاً من الجزيرة,
في دمشق المدينة الموغلة في أعماق التاريخ, مدينة حط رحال الملوك والأباطرة إلى رحاب ربوتها وقلبها يبثون عن نبش ذاكرة التاريخ لعصورٍ كانت كل شيء تبعث في جوانبها الحيوية, لقد زارها إمبراطور ألمانيا غليوم الثاني في نهاية القرن الثامن عشر, وأعجب بها إعجاباً شديداً وقال:" لم أر مدينة أعظم و أجمل من دمشق", وقد جاء بقفص من خشب الأبنوس الغالي, ووضع بجانب قبر صلاح الدين الأيوبي إعجاباً بهذا البطل العظيم, كانت الحياة فيها جميلة جداً لم يكن أهلها ذو نزعة عنصرية ما هو الحال لدى بدو الجزيرة والبعض من عشائرها في دمشق حيث المدنية بادية للعيان بشكل واضح, لأول مرة رأيت نهراً نظفياً اسمه يزيد في حي الأكراد, وكان الناس يشربون منه ويغسلون ملابسهم من مياهه, في مدرسة جرير تعلمت حروف الهجاء العربية كم كان الموت يقترب من روحي عندما كانت معلمتي (مديحة حمودة ) تقول لي أقرأ وكيف لطفل لم ير العرب في قريته, و يتكلم اللغة الكردية, وكان التلعثم هو سمته طوال العام الدراسي, فرأت أمي أن تعلمي آيات قصار من القرآن الكريم, وبالفعل تحسنت لغتي العربية نوع ما, وأصبحت في الصف الرابع حتى تفوقت على الطلاب العرب وكان معلماتي يقول للطلاب العرب أنظروا إلى هذا الكردي الذي هو أشطر منكم في كل شيء, وكانت البعض من معلماتي الشاميات يجبرنني على أن أغني لهن باللغة الكردية فكنت أغن مقاطع من الأغنيات التي حفظتها من أترابي أطفال الجزيرة.
في المرحلة الإعدادية, تخطينا إلى مراحل أخرى من النضج الثقافي فلقد أسس مدرس اللغة العربية مكتبة صغيرة, ولأول مرة ولجا عالم نزار قباني, وقرأنا له طفولة نهد, ودخلنا بيادر ميخائيل نعيمة, وأيام طه حسين, وماجدولين المنفلوطي, وروايات المبدع نجيب محفوظ, لقد بهرنا بلغته الرائعة ودقة الأحداث ومجرياتها في رواياته, قرأنا زقاق المدق, ميرامار, خان الخليلي, وأولاد حارتنا التي لم تكن ممنوعة, وهنا أود أن أسجل حادثة طريفي وهي كيف وصلت هذه الرواية إلى قلبي, كان لي صديق وهو أيضاً مولع بالرياضة والقراءة واسمه عباس العلي من ديريك, فلقد جاء بهذه الرواية وأعارني أياه وبعد مدة من قراءتها و إرجاعها إلى مكتبته فإذ بوالده الصف ضابط في الجيش السوري يراني وأنا أسلمه الرواية ولما وجد العنوان (أولاد حارتنا) وبخنا توبيخاً شديداً وقال ما هذه التفا هات التي تقرأونها ألم تشبع لعب من الحارات وذهبت وخرجت من منزله لشهور عدة. لكن المازني كان لكتاباته وقع خاص على قلبي وخاصة (صندوق الدنيا) قد ٌرأتها أثر من 60 مرة ولا أشبع من قراءتها, هذا الكاتب دعاني إلى البحث عن المزيد والمزيد عن كل تفاصيل مسيرة حياته الشخصية والأدبية. يتبع












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وثائقي -آشلي آند ماديسون-: ماذا حدث بعد قرصنة موقع المواعدة


.. كاليدونيا الجديدة: السلطات الفرنسية تبدأ -عملية كبيرة- للسيط




.. المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هاغاري يعلن مقتل جنديين


.. مقطع مؤثر لأب يتحدث مع طفله الذي استشهد بقصف مدفعي على مخيم




.. واصف عريقات: الجندي الإسرائيلي لا يقاتل بل يستخدم المدفعيات