الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كنت في سجن صيدنايا 30/30

شكري شيخاني

2022 / 4 / 30
أوراق كتبت في وعن السجن


في الحلقة السابقة 29 تطرقت قليلا" الى الوضع النفسي للسجين وما يعانيه من مشاكل وعقد قد تصاحبه الى ما بعد خروجه من المعتقل.. وبمعنى اخر فقد يصبح انسانا" اخر . لهول ما يراه داخل افرع المخابرات والسجن ... والحياة في المعتقل تجربة كأيٍّ من تجارب الحياة الصعبة قد تغيّر تجربة الاعتقال الإنسان كلياً، ليخرج إنساناً آخر كما لم يعتد عليه أصدقاؤه وعائلته. فصديقي وزميلي الذي كان سريره بجانب سريري قال لي عن تجربته المريرة والتعامل الوحشي واللاإنساني من قبل عناصر المخابرات السورية . تم اعتقاله ووجهت له تهمة التظاهر وكتابة العبارات الثورية على اللافتات. وجلس فترة في المعتقل ليت بالقصيرة .. وتشاء الصدف ان التقي به وهو خارج السجن فقال لي بعد خروجه من المعتقل والتحولات التي طرأت على حياته، والتي غيّرت شخصيته إلى الأبد قائلا" : "لطالما كنت الابن الوحيد المدلل. اعتدت على الحياة المريحة منذ نعومة أظفاري حتى ساعة دخولي إلى المعتقل. لم نكن عائلةً غنيةً لكن لم يسبق لي أن حُرمت من أيّ شيءٍ رغبته في حياتي، فقد كان هناك من يلبي كلّ رغباتي دائماً. اختلف كلّ شيءٍ فجأةً، كأن الدنيا تريد أن تريني وجهها الآخر. مدّة اعتقالي، التي دامت ثلاثة أشهر، غيّرتني لما تبقى من حياتي. خيّل إليّ أن الحياة ترّد لي، داخل السجن، ما لم أعشه من الحرمان والعذاب دفعةً واحدة. فقدت كلّ شيء. كان كلّ محققٍ يعرف أني الابن الوحيد لأهلي يسخر مني، ويهديني المزيد من ساعات التعذيب. كلّ التفاصيل أصبحت فجأةً صعبةً ومزعجة. خلال النوم كان يلاصقني ثلاثة أشخاصٍ على الأقلّ، وسابقاً لم أقبل أن أنام بجوار أحد. التفكير في كلّ هذه المقارنات كان يدفعني إلى الجنون. لم يعد شيءٌ في حياتي كما كان؛ أصبحت أقدّر وجودي مع عائلتي ومع الفتاة التي أحب".
فالمعتقل بعد خروجه من السجن يقضي ساعاتٍ طويلةً في التفكير في أمورٍ لم يُعِرها الكثير من الاهتمام سابقاً. و عن ساعاتٍ طويلة من الهلوسة تشغل رأسه خلال ليل الزنزانة الطويل: و تلحّ عليّ نفسية المعتقل أبياتٌ من الشعر وآياتٌ قرآنيةٌ وأقوال لفلاسفة، ولا تعود إلى ذاكرة المعتقل إلا شذراتٌ مما عرف وعاش . واحيانا" تعود به الذاكرة فيرجع ويقول لنفسه وما فائدتها إن قدّر لي أن أبقى فقط لأيامٍ معدودةٍ في الحياة؟ فيعود إلى رأسه الحديث الشريف: "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلةٌ فليغرسها"، وكثيرا" ما يحدث نفسه متسائلا" عما يمكن أن يغرسه في زنزانة، فلا شيء يستطيع فعله إلا الصلاة. كان الدعاء أمراً ملحّاً يلجأ إليه كي لا يموت من القهر؛ مثلا" كان السجين يردّد دائماً: "اللهم أسعدني. يا ربّ اجعل نفسي آمنةً مطمئنّة"، وهذا ما حصل معي ومع اغلب السجناء أقوم إلى الصلاة وأصلّي لساعاتٍ لا أعرف عددها، ويفيض دمعي بلا سبب. كثيرٌ من الأدعية التي كنت أردّدها سابقاً نسيتها داخل الزنزانة، ولم يكن لديّ سوى أدعيةٌ ابتكرتها لتناسب ما أنا فيه. أتلو أدعيتي، ويتردّد في رأسي لحن أغنية "يا حيف"، فأتوقف عن الدعاء وأبتسم".
وستبقى الكثير والكثير من قصص المعتقلات والمعتقلين التي لا نعرفها حبيسة جدران الزنازين والمهاجع، فلا يزال الآلاف يعيشون أشدّ العذابات الإنسانية داخل معتقلات وأقبية فروع المخابرات وسجون النظام السوريّ، يسكنون العتمة ويحلمون بوطنٍ يستحقونه، ويراهنون على ثورةٍ لا تنسى معتقليها... ولكن ما وجدته بعد ذلك كان غريبا" وعجيبا".. سأتكلم عنه بالتفاصيل من خلال الحلقات القادمة من مذكرات سجن صيدنايا...استودعكم الله








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد: المجاعة تخيّم على غزة رغم عودة مخابز للعمل.. وانتظار ل


.. مع مادورو أكثر | المحكمة الدولية لحقوق الإنسان تطالب برفع ال




.. أزمات عديدة يعيشها -الداخل الإسرائيلي- قد تُجبر نتنياهو على


.. وسط الحرب.. حفل زفاف جماعي بخيام النازحين في غزة




.. مظاهرة وسط تونس تدعو لإجلاء المهاجرين من دول جنوب الصحراء