الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تظاهرات عيد العمال العالمي في تركيا (نظرة تحليلية)

حامد محمد طه السويداني

2022 / 4 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


يوم غد سيصادف الاول من ايار وهو يوم عيد العمال العالمي ووفق التقليد السنوي ستقام في ميدان تقسيم تظاهرات للعمال والنقابات والجمعيات مطالبة بحقوقها وانصاف الطبقة العملة في هذا البلد ولكن سوف يكون مصير هذه التظاهرة هو القمع وتفريق المتظاهرين بخراطيم المياه الممزوج بالفلفل الحار فضلا عن موجه من الاعتقالات سوف تطال المتظاهرين وبكل قسوة هذا الاسلوب القاسي مع الحريات يؤكد صحة مقولة (الشرق شرق والضرب غرب) بان ان العالم العربي له منظومة فكرية وسياسية واجتماعية نتيجة لمجموعة من المعتقدات الدينية والافكار الصناعية والمبادئ الاجتماعية والتي طورها المفكرين الاوربيين وتوصلوا الى تبني النظام الرأسمالي الذي كان متوافقا مع تاريخ وحركة اصلاحات قام بها الغرب من اجل التوصل الى منح الحريات السياسية والاجتماعية، اما الشرق فليس لديه المقومات التي تسمح له بتقليد الغرب نتيجة تأصل المفاهيم الدينية والمعتقدات والاعراف المتوارثة وعدم قدرة المجتمع الشرقي على الانصياع الى حركة التغير والتعامل مع المستجدات والاحتياجات الانسانية واود القول بانه عندما يريد الشرق ان يصبح غرب ستكون كارثة وكذلك العكس تركيا دولة شرقية تجاهلت موطنها وجغرافيتها المنغولية وديانتها الشرقية القديمة والحديثة واقحمت نفسها في ان تكون غريبة فاصيبت بالانفصام الاجتماعي والسياسي واصبحت تعاني من ازمة الهوية فضلا عن انها اوقعت نفسها في ازمات معقدة مثل ازمة الاقليات العرقية ولدينية وحقوق الحريات لشخصية وحقوق العمال بشكل خاص الذين يتعرضون للقمع والاعتقال في كل عام نتيجة الاحتفالات والتظاهر السلمي بمناسبة عيد العمال العالمي ان تركيا دائما تقوم باصلاحات متوافقة مع التوجيهات الرأسمالية الغربية من اجل حلمها الذي لن يتحقق في الانضمام الى الاتحاد الاوربي وهذه القوانين والاصلاحات جميلة جدا على الورق ولكن على ارض الواقع لا توجد قوانين فهي تسن مثلا قانون حق التظاهر العمالي ولكنها تقوم بالتعامل بقسوة وعنف ضد المتظاهرين هذا الامر يجعل الشرق شرق والغرب غرب فالعالم الرأسمالي ينظر الى العمال والنقابات العمالية وهي جزء من النظام الاشتراكي والشيوعي الذي تعوده الاتحاد السوفيتي السابق فرغم محاربته لهذا النظام لكنها استطاعت ان تحتوي العمال وتسن لهم حزمة من القوانين التي تبيح لهم حق التظاهر دون المساس بكرامتهم ولهذا نرى اليوم في العالم العربي تظاهرات في يوم عيد العمال العالمي وبشكل سلمي.
يرجع تاريخ ظهور الطبقة العاملة الى الثورة الصناعية في اوربا والتي استطاعت انهاء الرق والعبودية وتأسيس طبقة من العمال من مختلف الفئات الاجتماعية تعمل مقابل ما يكفي لسد الرمق وكان هؤلاء العمال يعيشون في اطراف المدن الصناعية في ظروف معيشية صعبة ولكن هذه الطبقة ادت دورا مهما في تغير مسار الحياة الاجتماعية والسياسية في اوربا وكانت (حقوق العمال) والتي ادت الى الغاء الملكية واعلان الجمهورية وقد اصبحت المنظومة الاشتراكية التي تأسست في ظل تلك الظروف هي الكابوس الذي يهدد النظام الرأسمالي الذي كان يخاف على نفسه مما دفعه الى التعامل مع هذا الامر باعطاء العمال المزيد من الحقوق وهذا ظهر في مفهوم الدولة الاجتماعية
اما في ما يخص تركيا ففي العهد العثماني لم تكن الدولةالعثمانية دولة صناعية لذلك كانت طبقة العمال والحركات العمالية اشياء طارئة على الدولة العثمانية وان علاقة الطبقة العاملة مع رب العمل مستوحاة من الاعراف والثقافة الاسلامية التركية التي اسست على اساس اخلاقي وديني وان الاسلام يقول بان البشر خلقوا في احتياج بعضهم لبعض وكان هناك نظام معين لتجديد عدد ساعات العمل وكانت من الصباح حتى المساء وتتخللها فترات من الراحة والصلاة وتناول الطعام ونص (قانون البلدية) الذي اصدره السلطان بايزيد الثاني على ان اجرة العمال تختلف في الصيف منها في الشتاء.
اما الاجراءات والتي تم اعتمادها في الدول الليبرالية الغربية في نهايات القرن التاسع عشر باعتبارها صمام امان لغرض القضاء على محاذير الرأسمالية والقضاء على خطر الاشتراكية ومنها هذه الاجراءات تاسيس النقابات العمالية وسن القوانين ولتي تعترف بحث الاضراب عن العمل وتعويضات الطرد من العمل وحق التقاعد وبعد حركة التنظيمات واكتشاف التقدم الاوربي توجهت الدولة العثمانية نحو الغرب وتعرفت على اولى الحركات العمالية التي كانت نتيجة ضرورية للنهضة الصناعية وكانت هذه الحركات تنبع من مقاومة العمال وذلك لانتشار الاعتماد على الالات ففي عام 1851 هجمت مجموعة من عمال النسيج معظمهم من النساء على الة النسيج التي تم تأسيسها في مدينة سماكوف والتي تقع اليوم في بلغاريا ولم يتراجع العمال حتى تلقوا وعودا بعدم استخدام تلك الالة وكانت هذه اول حركة عمالية في الاناضول.
وفي العام 1871 تم البدء بتأسيس جمعيات العمال الفقراء في الدولة العثمانية وتصادف الإضرابات العمالية اعتبارا من 1872 وكان اول اضراب عمالي في ترسانة بناء الشغب في استنبول وتتراوح عددهم بـــ (50) الف عامل الا ان هذه الإضرابات كانت حركات مقاومة ضد التاخر في دفع أجور العمال وفي العام 1894 تاسست مجموعة من العاملين في مصنع للمدافع نقابة عمالية سرية باسم (جمعية العمال العثمانية) الا ان السلطات اكتشفتها وتم حضرها وحلها.
وبعد تأسيس السلطة البرلمانية عام 1908 انتشرت الاضطرابات العمالية في جميع انحاء البلاد ولعدم إضافة رؤوس الأموال الأجنبية تم احتواء الموقف بإصدار قانون تنظيم ساعات العمل عام 1909 فيما بدأ تأسيس النقابات العمالية منذ العام 1912 الا ان جمعية تركيا القناة قامت بإلغاء جميع الحركات العمالية عام 1912 بذريعة انشغال الدولة العثمانية بحروب البلقان.
وقد تم الاحتفال الأول في عيد العمال في الدولة العثمانية في عام 1908 وهو في الأول من أيار من كل عام في مدينة سلانيل وفي الأول من أيار عام 1921 قامت (الفرقة الاشتراكية التركية) باضراب عام وتم تعطيل حركة القطارات وخطوط النقل في استانبول وتم قبول الأول من أيار من كل عام عيدا للعمال في كل انحاء دول العالم ويرجع سبب هذا التاريخ الى قيام عمال المحاجر في استراليا بتنظيم مظاهرة ومسيرة سلمية الى مقر البرلمان عام 1856 للمطالبة بجعل يوم العمل (8) ساعات فقط وقد تحول الاحتفال بعيد العمال في يومنا هذا الى استعراض لقوة الحركات اليسارية .
وبعد اعلان الجمهورية التركية عام 1923 وفي عهد الحزب الواحد (حزب الشعب الجمهوري) انتشرت الإضرابات العمالية في تركيا بصورة سريعة بسبب سوء الظروف الاقتصادية للدولة وفي العام 1933 وبدل ان تقوم الحكومة باجراءات تخفف من هذه الازمة الا انها قامت باغلاق وحظر الإضرابات والحركات العمالية وتم إقرار عقوبات شديدة على المخالفين كما تم أيضا الغاء الاحتفال بيوم عيد العمال في تركيا وهذا هو الأسلوب الشرقي الذي تكلمت عنه في بداية المقالة فكيف يمكن لتركيا وهي تطمح ان تكون دولة في الاتحاد الأوربي لكنها تتعامل بصورة لا تمت الى الديمقراطية والحريات.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية 1939-1945 ودخول تركيا مرحلة التعددية الحزبية بدأت الحياة الديمقراطية في تركيا في العام 1950 بدأ تحسن طفيف في موضوع حصول العمال على حقوقهم وفي العام 1961 اصبح بولندا اجويد الشخصية اليسارية المعروفة في تركيا وزيرا للعمل وقد بحث في حقوق العمال والنقابات وعمل على المطالبة بحقوقهم وساند التشريعان التقدمية وشرع قوانين تسمح للعمال بحق الاضراب وقد التزم اجويد بقضايا العمال ومنذ ذلك التاريخ بدأت المفاهيم الاشتراكية واليسارية تنمو سريعا في تركيا وتاسست أحزاب ونقابات وجمعيات يسارية في تركيا.
ولكن الذي يهمنا في هذه المقالة هو كيف يتعامل الحزب الحاكم في تركيا مع هذه التظاهرات المطالبة بحقوقهم فعلى سبيل المثال جرت احتفالات في عيد العمال في كل من استانبول وانقرة وسط إجراءات امنية مشددة وتقييد حركة السير حول الميادين الكبرى مع استمرار غلق ساحة ميدان تقسيم ذات الرمزية التاريخية للحركة العمالية ويذكر ان لساحة تقسيم رمزية للحركة العمالية وذلك بعد ان قتل في الساحة (34) عاملا في العام 1977 وذلك باطلاق نار من قبل اليمين المتطرف التركي على المتظاهرين وتم اغلاق الساحة امام الاحتفالات في عيد العمال في تركيا.
ومنذ تأسيس الجمهورية التركية 1923 ولحد هذه اللحظة تقوم الحكومة التركية باتباع اقسى درجات العنف ضد الطبقة العاملة واليسار التركي وبدلا من إيجاد الحلول تلجأ الى أساليب قد تعمق الهوة والازمة التي يعانيها الشعب التركي في ظل حكومات تركية متعاقبة متحالفة مع الراسمالية المتوحشة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ولهذا تبقى تركيا رهينة لمخططات الدول الرأسمالية التي تحارب المنظومة الاشتراكية التي تحاول تقليل الفوارق الطبقية بين افراد المجتمع الواحد.
وخلال رحلاتي المتكررة وفي العام 2009 صادف ان أكون في 1 أيار في تركيا وشهدت بنفسي الاحتجاجات والمظاهرات في ميدان تقسيم بمناسبة عيد العمال العالمي ورايت بنفسي الأساليب القمعية التي مورست تجاه المتظاهرين حتى اني تكلمت مع احد المتظاهرين وكان رجل كبير السن تبدو عليه ملامح الفقر وكان يحمل صورة لرئيس الوزراء التركي بولند اجويد ويذكر ان اجويد هو من يساند حقوق العمال وقام بتشريعات في دستور 1961 تضمن لهم حق التظاهر.
الذي اود قوله بان هذه الازمات في تركيا هي بسبب لحاق تركيا الوهمي بالمنظومة الرأسمالية الغربية ومحاولة تقليدها فمنذ تأسيسها وهي تراوح في مكانها وازمات تجر الى ازمات اعمق على تركيا ومفكريا اعادة توصيف مجتمعها وتاريخها ووضع الخطط والانظمة التي تتلائم وبيئتها وتحسم امرها في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماع وليس ان تبقى متغيرة تبحث كل يوم عن ثوب جديد وارى ان تركيا اذا ارادت ان تحل ازمتها عليها اعطاء الحريات وحقوق الاقليات وتحديدا عمل فيدرالية تركية كردية وهذا معمول به في العديد من الدول وهذه الفيدرالية ستحل العديد من المشاكل والتي ستساهم في بناء تركيا الجديدة غدا سيتم الاحتفال بيوم عيد العمال في تركيا وسنشاهد بانفسنا كيف ان وضع العمال اسوء بكثير عما كان عليه في السابق وذلك بسبب سياسة تركيا وازماتها في المنطقة وكذلك جائحة كورونا وتداعيات الحرب الروسية الاوكرانية وهذه الامور انعكست على حياة المواطن التركي واحتياجاته الاساسية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوضاع مقلقة لتونس في حرية الصحافة


.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين: ماذا حدث في جامعة كاليفورنيا الأ




.. احتجاجات طلابية مؤيدة للفلسطينيين: هل ألقت كلمة بايدن الزيت


.. بانتظار رد حماس.. استمرار ضغوط عائلات الرهائن على حكومة الحر




.. الإكوادور: غواياكيل مرتع المافيا • فرانس 24 / FRANCE 24