الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو سيغير البنية الأمنية لشمال أوروبا

محمد ناجي
(Muhammed Naji)

2022 / 5 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


ترجمة : محمد ناجي

تنويه من المترجم :
(( في هذه الأيام تتزايد وتيرة النقاش في السويد ، بين مؤيد ومعارض ومتحفظ ، حول الموقف من قضية العلاقة بين السويد وحلف الناتو . وبالرغم من الارتفاع الملحوظ في نسبة التأييد للانضمام للناتو 54% مقابل 24% معارض ، وهو آخر ما نشر يوم 30 نيسان-أبريل ، إلا أن الموقف لم يحسم بعد ، فالانقسام والاختلاف في الرأي ملحوظ في الشارع ولدى أصحاب الاختصاص وصنّاع الرأي والقرار .
بدأت بعرض ترجمة لرأي منظمة السلام السويدية المعارض ، وهذا رأي أخر مؤيد للانضمام للناتو )) .

****************************************

قبل أن يبدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غزوه لأوكرانيا ، كانت مسألة عضوية الناتو بالكاد جزءاً من النقاش السياسي في فنلندا والسويد . كلا البلدين يتمتع بتاريخ طويل من عدم الانحياز العسكري ، وعلى الرغم من أنهما سعيا بشكل تدريجي إلى تعاون وثيق مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي - وكان السياسيون في كلا البلدين قد دافعوا منذ فترة طويلة عن العضوية - لكن لم يُنظر إلى الانضمام إلى الناتو على أنه قضية ملحة .

غير غزو بوتين لأوكرانيا كل ذلك . ورداً على العدوان الروسي ، يعيد كلا البلدين تقييم سياساتهما الأمنية ، ويظهر السعي للحصول على عضوية الناتو سريعاً باعتباره الخيار الأكثر واقعية . استطلاعات الرأي الأخيرة تظهر أن الغالبية الواضحة والمتزايدة في كلا البلدين تدعم الانضمام إلى التحالف . بالإضافة إلى ذلك ، قام كلا البلدين بتسليم كميات كبيرة من الأسلحة إلى أوكرانيا ، بما في ذلك 10000 قطعة من الأسلحة المحمولة المضادة للدروع من السويد .

من خلال غزو أوكرانيا ، سعى بوتين ليس فقط لإعادة وضع تلك الدولة تحت نفوذه ، لكن أيضاً لتغيير النظام الأمني ​​في أوروبا ، وقد نجح فيما يتعلق بالنقطة الأخيرة ، لكن ليس بالطريقة التي أرادها على الأرجح . لقد وحد الهجوم الروسي الناتو وجعل توسعه أكثر احتمالا . إذا انضمت فنلندا والسويد إلى التحالف ، كما يبدو أنهما على استعداد للقيام بذلك ، وسوف تجلبان قدرات عسكرية جديدة كبيرة ، بما في ذلك القدرات الجوية والغواصات المتقدمة ، والتي ستغير البنية الأمنية لشمال أوروبا وتساعد في ردع المزيد من العدوان الروسي .

الحياد المسلح
تتشابه دول الشمال مع بعضها البعض في كثير من النواحي ، لكنها اتبعت سياسات أمنية مختلفة تماماً منذ الحرب العالمية الثانية . تعكس هذه الاختلافات إلى حد كبير تجارب الجيران المختلفة أثناء الحرب ، حيث سعت الدنمارك والنرويج إلى الحياد ، ولكن احتلتهما ألمانيا النازية في عام 1940 . بينما واجهت فنلندا في البداية الغزو السوفيتي في حرب الشتاء 1939-1940 ، وفي وقت لاحق ، وجدت نفسها تقاتل إلى جانب هتلر حتى تتمكن من إخراج نفسها من الحرب . السويد وحدها من بين بلدان الشمال الأوروبي نجت من ويلات الحرب والاحتلال بسياسة الحياد المصممة لضمان بقائها . يعود نجاح هذه السياسة إلى حد كبير إلى أن حسابات هتلر العسكرية لم تتطلب الاستيلاء على الأراضي السويدية ؛ ويمكنه تحقيق أهدافه في المنطقة بوسائل أخرى .
بعد الحرب ، فكرت السويد في تشكيل اتحاد دفاع لدول الشمال مع الدنمارك والنرويج . لكن المفاوضات انهارت ، ويرجع ذلك أساساً إلى أن النرويج كانت تعتقد أن التحالف مع القوى البحرية الأنجلو-سكسونية هو الوحيد الذي يمكن أن يضمن أمنها . لم تكن السويد مستعدة لمثل هذا التحالف ، ويرجع ذلك جزئياً إلى الوضع في فنلندا . بعد خروجها من الحرب ، كانت فنلندا - التي كانت دولة واحدة مع السويد لمدة ستة قرون حتى عام 1809 - في وضع غير مستقر ، فقد فقدت ثاني أكبر مدنها ، فيبورغ ، واضطرت لقبول معاهدة صداقة مع الاتحاد السوفيتي ، وكانت لديها قيود على قواتها المسلحة وقاعدة عسكرية سوفيتية تقع مباشرة إلى الغرب من العاصمة هلسنكي ، كما سيطر السوفييت أيضاً على لجنة مراقبة الحلفاء المكلفة بالإشراف على البلاد في سنوات ما بعد الحرب مباشرة .
بالنسبة للسويد ، كان ضمان عدم وقوع فنلندا تحت نير السوفييت مصلحة حيوية . اعتقد القادة السويديون أن أي تحرك نحو تحالف غربي أوسع سيجعل موقف فنلندا أكثر خطورة . وعلى الرغم من أنهم تجنبوا قول ذلك علناً ، إلا أن هذا الاعتبار كان السبب الرئيسي لسياسة الحياد المسلح التي انتهجتها السويد خلال الحرب الباردة .

لكن الحياد لا يعني إهمال القوات المسلحة . خلال الحرب الباردة ، حافظت السويد على قوات عسكرية قوية ، بما في ذلك القوة الجوية التي كانت تعتبر لبعض الوقت على أنها رابع أقوى قوة في العالم . كانت سياستها الرسمية سياسة عدم الانحياز العسكري الصارم ، لكنها قامت أيضاً باستعدادات خفية للتعاون مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في حالة الحرب ، وكان يُنظر إلى موقفها عموماً على أنه يتماشى والمصالح الأمنية الغربية في المنطقة .

زلزال سياسي
مع سقوط الاتحاد السوفياتي ، تغير الوضع الأمني ​​في شمال أوروبا بشكل دراماتيكي . فتمكنت فنلندا ، التي عززت تدريجياً موقعها كدولة ديمقراطية مستقلة في الشمال ، أن تتخلص الآن من القيود الأخيرة في فترة ما بعد الحرب . كانت دول البلطيق الثلاث - إستونيا ولاتفيا وليتوانيا - قد انفصلت عن الاتحاد السوفيتي حتى قبل زواله الرسمي . وفي عام 1995 ، انضمت فنلندا والسويد إلى الاتحاد الأوروبي ، وهي خطوة اعتبرها كلا البلدين في السابق مستحيلة بسبب سياساتهما الحيادية .

بالنسبة لهاتين الدولتين ، كان الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يعني التخلي عن مفهوم الحياد . لكن القيام بذلك لم يؤد على الفور إلى إثارة مناقشات حول الانضمام إلى الناتو . وقبلها في سنوات ميثاق باريس لعام 1989 ، الذي سعى إلى بناء نظام أمني أوروبي شمل روسيا ، والمؤتمرات التي أدت إلى إنشاء منظمة الأمن والتعاون في أوروبا . أعربت كل من فنلندا والسويد عن أملهما في أن تكونا قادرتين على تطوير علاقة أمنية بناءة مع روسيا ديمقراطية واصلاحية . وحتى بعد أن حصلت إستونيا ولاتفيا وليتوانيا على عضوية في الناتو والاتحاد الأوروبي بعد أكثر من عقد من الزمان ، كان هناك القليل من الجدل في السويد او فنلندا حول إعادة النظر في الوضع العسكري غير المنظم للأحلاف .

لكن ابتداءً من عام 2008 ، بدأت الأمور في موسكو تتغير بشكل ملحوظ . كشف الغزو الروسي لجورجيا في ذلك العام أن حد استخدام القوة العسكرية لتحقيق أهدافها السياسية كانت أقل بكثير مما كان يعتقد الكثيرون ، وبدأت نغمة تغييرات واضحة تتسلل إلى تصريحات سياسة موسكو . تسارعت هذه الاتجاهات بشكل كبير في عام 2014 ، عندما سعت روسيا إلى منع أوكرانيا من متابعة اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي وتفكيك البلاد من خلال العدوان العسكري .

أدى الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا هذا العام إلى تغيير جذري في المشهد الجيوسياسي مرة أخرى . ومع أن هدف بوتين الفوري هو إخضاع أوكرانيا ، لكنه يشن أيضاً حرباً ضد الغرب . لقد أوضح الرئيس الروسي ومعاونيه أنهم يرغبون في استبدال النظام الأمني ​​بعد عام 1989 في أوروبا بترتيبات تمس سيادة الدول الأخرى . ومثلما دفع انهيار الاتحاد السوفيتي السويد وفنلندا إلى إعادة النظر في علاقتهما بأوروبا ، دفعهما الزلزال السياسي الحالي إلى إعادة النظر في العناصر الأساسية لسياساتهما الأمنية ، بما في ذلك علاقاتهما بحلف الناتو .
لا تزال نتيجة الحرب في أوكرانيا غير معروفة . من المستحيل التنبؤ بنوع الدولة التي ستكون روسيا في العقود المقبلة ، لكن ما يرجح أن يظهر هو بلد أضعف من الناحيتين الاقتصادية والعسكرية وأكثر يأساً وخطورة من الناحية السياسية . ومن غير المرجح أن يتخلى نظام بوتين - سواء كان هو أو أحد شركائه في القيادة - عن طموحاته الإمبريالية طالما بقي في السلطة .

هذا الواقع يغير بشكل جذري الاعتبارات الأمنية لكل من هلسنكي وستوكهولم . من الواضح أن زيادة الإنفاق الدفاعي جزء من الرد على الوضع الأمني ​​الجديد . أعلنت كل من السويد والدنمارك أنهما ستزيدان إنفاقهما الدفاعي إلى 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي ، والسويد بحلول عام 2028 . النرويج وفنلندا ودول البلطيق الثلاث هناك بالفعل إلى حد ما . منذ عام 2014 ، وسعت فنلندا والسويد أيضاً تعاونهما العسكري بشكل كبير مع الناتو والولايات المتحدة والمملكة المتحدة ، مما أوجد أساساً لمزيد من الخطوات التعاونية . لأكثر من عقد من الزمان حتى الآن ، كانت القوات الجوية السويدية والفنلندية والنرويجية تتدرب معاً على أساس أسبوعي تقريباً .

لكن مجرد تعزيز القدرات الدفاعية لم يعد يُنظر إليه على أنه كافٍ ، ولهذا السبب أصبح الانضمام إلى الناتو حقيقة واقعة بسرعة . بحثت كل من فنلندا والسويد البدائل . بعثت الحكومتان برسالة إلى جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي الآخرين تذكرهم ببنود التضامن الواردة في الفقرة 42.7 من معاهدات الاتحاد الأوروبي ، والتي تشبه بند الدفاع الجماعي في المادة 5 من ميثاق الناتو . هناك مبادرات مهمة لتعزيز تكامل السياسة الدفاعية والأمنية في الاتحاد الأوروبي ، ولكن فيما يتعلق بالدفاع الإقليمي ، فإن تكرار المؤسسات والهياكل القيادية لحلف الناتو لن يكون له معنى ولن يحدث . وبالطبع ، لا يضم الاتحاد الأوروبي الدولتين الأكثر أهمية عسكرياً في شمال أوروبا - الولايات المتحدة ليست عضواً لأسباب واضحة ، والمملكة المتحدة ليست عضواً لأسباب مؤسفة .

من المرجح أن تستمر كل من السويد وفنلندا في متابعة الإجراءات التي من شأنها أن تجعل الاتحاد الأوروبي تحالفاً أمنياً أقوى ، ولكن عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن الأراضي ، لا يوجد بديل لحلف الناتو . كان هذا هو الاستنتاج الواضح للعمليات المستقلة التي اضطلعت بها هلسنكي وستوكهولم لتقييم البدائل .

كل من فنلندا والسويد يشيران إلى اهتمامهما بالانضمام إلى الحلف قبل وقت طويل من قمة الناتو في أواخر يونيو في مدريد . قال الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ إنه يتوقع عملية انضمام سريعة إلى حد ما في ضوء درجة التكامل العسكري العالية التي حققتها فنلندا والسويد بالفعل ، لكن التصديق من قبل جميع الدول الأعضاء الثلاثين سيستغرق وقتاً . يأمل كلا البلدين في أن يكون التصديق ، لا سيما في مجلس الشيوخ الأمريكي ، سريعاً إلى حد ما وأن أعضاء الناتو الحاليين سيكونون مستعدين بشكل مشترك لردع أي استفزازات روسية محتملة بين بدء عملية الانضمام والانتهاء المحتمل في عام 2023 .

مشهد متغير
عندما تنضم فنلندا والسويد إلى الناتو ، ستتغير البنية الأمنية لشمال أوروبا . تجلب كل دولة قدرات عسكرية كبيرة إلى التحالف : تحتفظ فنلندا بجيش به احتياطيات كبيرة للغاية ، والسويد لديها قوات جوية وبحرية قوية ، وخاصة قوات الغواصات . مع إضافة مقاتلات گريپن السويدية المتقدمة إلى طائرات F35 التي يتم طلبها الآن أو قيد التسليم إلى النرويج والدنمارك وفنلندا ، سيتوفر أكثر من 250 مقاتلة حديثة للغاية في المنطقة ككل . إذا عملوا معاً ، سيكونون قوة كبيرة .

إن السيطرة المتكاملة على المنطقة بأكملها ستجعل الدفاع عن إستونيا ولاتفيا وليتوانيا أسهل ، لأن الأراضي والمجال الجوي السويديين على وجه الخصوص مهمان لمثل هذه الجهود . سيؤدي ذلك إلى تعزيز الردع وتقليل احتمالية نشوب صراع هناك ، وفقاً للدراسات التي نشرتها كل من السويد وفنلندا . ولكن ربما تكون أهم نتيجة لانضمام فنلندا والسويد إلى الناتو هي زيادة القوة السياسية للحلف باعتباره ركيزة الدفاع عن أوروبا ومنطقة عبر الأطلسي . سيساعد كلا البلدين في تسهيل التنسيق الأعمق بين الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي ، وبالتالي المساهمة في تحسين تقاسم الأعباء عبر المحيط الأطلسي - وهو هدف ذو أهمية متزايدة في ضوء المطالب الأكبر التي تفرض على الولايات المتحدة بسبب الوضع الأمني ​​في شرق آسيا .

حتى مع انضمامهما إلى حلف الناتو ، فمن المرجح أن تحرص فنلندا والسويد على عدم استفزاز روسيا بشكل غير ملائم من خلال تهديد مخاوفها الأمنية طويلة المدى . يمكن للنرويج ، التي نجحت في الجمع بين التكامل العسكري القوي في الناتو وسياسة الطمأنينة تجاه روسيا ، أن تكون بمثابة نموذج . تعتبر القوات والمنشآت الروسية في شبه جزيرة كولا - في المنطقة المجاورة مباشرة لكل من الأراضي النرويجية والفنلندية - ذات أهمية أساسية للقدرات الروسية النووية الاستراتيجية للضربة الثانية ، وفنلندا ، بالطبع ، قريبة من المركز السكاني الرئيسي والمركز الصناعي سانت بطرسبرغ . لهذه الأسباب جزئياً ، من غير المرجح أن تسعى فنلندا ولا السويد إلى أي قاعدة دائمة لوحدات الناتو الرئيسية في أراضيها ، ومن المرجح أن يكون لكلاهما نفس التحفظات بشأن امتلاك أسلحة نووية كما أعربت الدنمارك والنرويج عندما انضمتا إلى الحلف .

مع اقتراب قمة الناتو في مدريد ، سيتعين على الحلف النظر في طلبات فنلندا والسويد للانضمام السريع . يجب أن يُنظر إلى هذا ليس فقط على أنه وسيلة لتعزيز الاستقرار في مناطق الشمال ودول البلطيق ولكن أيضاً كفرصة لتقوية الحلف ككل ، في وقت جعل العدوان العسكري الروسي ذلك أمراً ضرورياً .

كارل بيلدت - الرئيس المشارك للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ورئيس وزراء السويد والخارجية الأسبق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تخرج من قائمة أكثر 10 دول تفضيلاً لأصحاب الملايين |


.. قتلى فلسطينيون جراء قصف إسرائيلي على الطريق التجاري في رفح




.. كأس أمم أوروبا: فرنسا تفوز على النمسا بصعوبة وتخسر خدمات مبا


.. هوكستين يشدد على ضرورة إنهاء النزاع بين حزب الله وإسرائيل بط




.. ما الرسائل العسكرية من مشاهد حزب الله لمواقع عسكرية وبنى تحت