الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعد أسبوع على فوزه بالرئاسة: هل سينجح ماكرون في الوفاء بوعوده؟

سعيد هادف
(Said Hadef)

2022 / 5 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


منذ أسبوع، اختار الناخبون الفرنسيون إيمانويل ماكرون رئيسا للبلاد لولاية ثانية تمتد لخمسة أعوام. وتم انتخاب مرشح "الجمهورية إلى الأمام" بـ58,54 بالمئة من الأصوات، في خضم معركة ترمي إلى قطع الطريق أمام مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان.
وُصف هذا الإنجاز بالتاريخي، باعتبار أن ماكرون هو أول رئيس يفوز بعهدة ثانية في ظل وضع فرنسي وأممي استثنائي. وفي خطاب الفوز أمام أنصاره، أقر ماكرون بعدم رضاه عن فترته الأولى، وقال إنه سيسعى للتغيير، فيما تحولت الأنظار إلى الانتخابات البرلمانية التي تجري في يونيو/حزيران.
والنسبة التي فاز بها في هذه الانتخابات، هي أقل مما حققه في 2017 حين تغلب على لوبان بنحو 66,1 بالمئة في أول مواجهة انتخابية بينهما، كما أن النسبة بعيدة جدا عن 82 بالمئة التي فاز بها الرئيس الراحل جاك شيراك في عام 2002 عندما احتشدت معظم فرنسا خلفه، بعد وصول مرشح اليمين المتطرف حينها جان ماري لوبان إلى الجولة الثانية من السباق الرئاسي.

الطيف السياسية الفرنسي اليوم، وفق المعطيات المتوفرة، يمثله ثلاثة ألوان: اليمين اللوباني واليسار المالونشي والماكرونية. ورغم السمعة السيئة التي لاحقت حزب مارين لوبان، إلا أنها منذ أن أمسكت بزمامه، وعلى مدى عقد من الزمن، أحرزت تقدما أثار الكثير من الجدل وقد يخلط أوراق السياسة الفرنسية ويجبرها على ابتكار ورقة طريق قد تكون منطلقا جديدا للاتحاد الأوروبي من جهة، وللعلاقة الأوروبية الأمريكية.

جذور اليمين المتطرف في فرنسا ــــــــــــــــــــــــــــــ
ظهر مصطلحا "يسار" و"يمين" خلال الثورة الفرنسية عام 1789 عندما انقسم أعضاء الجمعية الوطنية إلى أنصار الملك على يمين الرئيس وأنصار الثورة على يساره.
عندما تم استبدال الجمعية الوطنية في عام 1791 بمجلس تشريعي يضم أعضاء جددا بالكامل ، استمرت الانقسامات. جلس "المبتكرون" على اليسار، وتجمع "المعتدلون" في الوسط ، بينما، جلس على اليمين "المدافعون عن الدستور والريجيم القديم. من هنا أصبحت كلمة "اليمين" ترمز إلى السياسة المحافظة، وأصبح "اليمين المتطرف" رمزا للعنصرية والاستبداد.
1889- وتعود جذور اليمين المتطرف في فرنسا إلى الجمهورية الفرنسية الثالثة رجوعًا إلى البولنجية وقضية دريفوس. نشأ «اليمين المتطرف» الحديث أو اليمين الراديكالي جرّاء حدثين منفصلين في عام 1889: الانشقاق ضمن منظمة الأممية الاشتراكية من قِبل أولئك الذين اختاروا الأمّة وبلوغ «قضية بولانجر» حدّ الذروة، إذ ناصرت هذه القضية مطالب وزير الحرب السابق الجنرال جورج بولانجر. قدّمت قضية دريفوس أحد خطوط التقسيم السياسي في فرنسا. قبل قضية دريفوس كانت القومية مدنية جمهورية (Nation civique)، ثم أصبحت بعد ذلك نزعة أيديولوجية عنصرية في تيار اليمين فضلاً عن اليمين المتطرف. نشأ تيار يميني جديد، وأُعيد مواءمة القوميّة من قِبَل اليمين المتطرف الذي حولها إلى شكل من أشكال القوميّة الإثنية (Nation Ethnique) الممزوجة بمعاداة السامية وكره الأجانب ومعاداة البروتستانتية ومعاداة الماسونية. كان الفعل الفرنسي (Action française) التي تأسست في البداية كمجلة بمثابة مصفوفة النمط الجديد من تيار اليمين المناهض للثورة، وما زالت قائمة حتى يومنا هذا.
1918- خلال فترة ما بين الحربين العالميتين، نشطت حركة "الفعل الفرنسي" وميليشيا الشباب التابعة لها كمنظمة (Camelots du Roi) ونظمت رابطات اليمين المتطرف أعمال شغب.
1961- نشأت (لواس)، منظمة الجيش السري (Organisation armée secrète)، وهي منظمة مسلحة تأسست في مدريد على يد الجيش الفرنسي المعارض لاستقلال الجزائر. انحلت عام 1962، غير أن عناصرها واصلوا أنشطتهم في تنظيمات أخرى.
1964- تأسست حركة "غرب" (Occident) عام 1964 وهي حركة من أقصى اليمين تم حلها عام 1968. وانبثق منها تيارات أخرى من ضمنها النظام الجديد (Ordre nouveau) عام 1969 ونشط إلى غاية 1973.
1966- في 21 مارس 1964، ورغبة منهم في الحفاظ على تماسك المؤيدين السابقين للجزائر الفرنسية (Algérie française)، قرر أعضاء من حركة "غرب"، منح حركتهم هدفًا سياسيًا أوروبيًا، وليس هدفًا قوميًا فرنسيا بحتًا. أمسك بزمام المبادرة فرنسي من أصل جزائري هو مارك فريدريكسن (Marc Fredriksen)، وهو من قاد الحركة الجديدة.
أنشأ الناشط مارك فريدريكسن في أبريل 1966 جماعة يمينية متطرفة وصفت بالنازية الجديدة، وهي منظمة (FANE) فدرالية الفعل القومي الأوروبي (Fédération d action nationaliste et européenne).
1972- أسس جان ماري لوبان حزب الجبهة الوطنية في عام 1972. وهو حزب ذو ثقافة قومية معادية للأجانب وذو نزعة عنصرية متصلبة تجاه المهاجرين. في عام 1978، انفصل عن الحزب الأعضاء النازيون الجدد التابعون لفدرالية الفعل القومي الأوروبي (GNR-FANE). وخلال ثمانينيات القرن العشرين، تمكن حزب الجبهة الوطنية من حشد أكثر تيارات اليمين المتطرف تنافسًا في فرنسا تحت قيادة جان ماري لوبان بعد سلسلة من الانقسامات والتحالفات مع أحزاب ثانوية أخرى خلال سبعينيات القرن. وأصبح هذا الحزب اليوم تحت قيادة مارين يمثل قوة صاعدة في المشهد السياسي الفرنسي.
2011- منذ يناير 2011، حلت مارين محل والدها على رأس الحزب، وكانت ترافق والدها، جان ماري لوبان، منذ سن مبكرة في تنقلاته وحملاته الانتخابية، وانخرطت في الحزب رسميا عام 1986. في عام 1998، حصلت لأول مرة على مقعد مجلس مقاطعة نوربادكالي، ثم أصبحت عام 2000 عضوة في المكتب السياسي للحزب.
في العام نفسه، ترأست جمعية "أجيال لوبان" التي أسسها زوج أختها، صامويل ماريشال، من أجل "تحسين" صورة الحزب في الإعلام والمجتمع. وقد بدأت فكرة "تحسين" صورة الحزب تترسخ بين الأعضاء والأنصار، وتمكنت مارين لوبان في انتخابات المقاطعات عام 2002 من الحصول على نسبة 24.24 في المئة من الأصوات بمدينة لانس، في الدور الأول، وحصلت على 32.30 في المئة من الأصوات في الدور الثاني. وعلى الرغم من خسارتها في الانتخابات، فإن مارين لوبان اكتسبت شهرة كبيرة في انتخابات 2002، وأصبحت "شخصية سياسية صاعدة". وبدأ منحاها السياسي داخل حزب الجبهة الوطنية يتميز عن مواقف والدها منذ 2003، عندما تحدثت لأول مرة عن "ضرورة إيجاد إسلام فرنسي، لأن إسلام فرنسا، له مفهوم إقليمي". وفي عام 2004 انتخبت في البرلمان الأوروبي، وصوتت على 42 في المئة من القوانين مع أغلبية النواب الفرنسيين.
وجمدت مارين لوبان عضويتها في هيئات الحزب عام 2005 بعد تصريح أدلى به والدها يقول فيه إن "الاحتلال الألماني لفرنسا لم يكن بالبشاعة التي يتصورها الناس، على الرغم من الأخطاء التي يستحيل تفاديها في بلد كبير مثل فرنسا". ومنذ ذلك التاريخ، يقول المؤرخون إنها سعت جاهدة لخلافة والدها، والترويج لرؤيتها الجديدة داخل الحزب وفي وسائل الإعلام. بعد إعلان والدها التنحي عن قيادة الحزب عام 2010، أصبح الباب مفتوحا أمام مارين لتزعم الجبهة الوطنية، وهو ما حصل عام 2011.
تفكيرها في تغيير اسم الحزب عام 2014 أثار جدلا بين مؤيد ورافض، وفي عام 2018 أعلنت تسمية جديدة للحزب هو (Rassemblement national) (التجمع القومي) فيما تم تجريد والدها جان ماري لوبان المؤسس التاريخي للحزب من الرئاسة الفخرية.

فرنسا بين قيم الثورة والقوى المضادة للثورة ــــــــــــــــــــــــــ
هل صعود اليمين المتطرف في فرنسا يؤشر على تقهقر قيم الثورة وعودة الثقافة المعادية للعلمانيا والعيش المشترك؟ هل اليمين المتطرف ممثلا في لوبان وزمور وحده يهدد قيم العيش المشترك؟ أم أن المهاجرين والفرنسيين ذوي الأصول الأجنبية حملوا معهم ثقافة تشكل خطرا على قيم الثورة؟ الوضع يحتاج إلى جهد سوسيولوجي من منطلق أن ثقافة الأمة الفرنسية ككل ثقافة تحمل الشيء ونقيضه، وأن النزوع القومي المتطرف المعادي للمهاجرين يقابله نزوع قومي لدى نخب المهاجرين المعادين للعلمانيا ولاسيما المغاربيون الإسلامويون واليهود التوراتيون. غير أن هذا التطرف من هذه الجهة ومن تلك ما دام تحت التحكم السياسي والقانوني والحقوقي وتحت الضوء الإعلامي حتما سينتقل من وضعية الصدام إلى وضعية الحوار والمراجعات الضرورية التي تقود الطرفين المتطرفين إلى توسيع المساحات المشتركة وتقليص مساحات الصدام في إطار قيم الثورة والأمة المدنية المنبثقة عنها، وقوانين الجمهورية ودولتها العلمانية.

مارين لوبان، ومنذ أن تزعمت الحزب، وفق متابعين للشأن الفرنسي، عملت على تطوير حزبها خطابا وممارسة، حتى أنها بدأت تنسحب تدريجيا من خطابها المتطرف، وقد تركت موضوع الهوية والهجرة والإسلام إلى إيريك زمور مركزة على القضايا التي تهم كل الأمة الفرنسية.
هذا التطور المصحوب بكسب ثقة الفرنسيين، قد ساهم في حصولها على أكثر من أربعين بالمئة من الأصوات في الدور الثاني. لكن ما يهمنا، هو كيف تساهم النخب المغاربية في جودة الثقافة الاندماجية في المجتمع الفرنسي، من خلال خطاب لا يعاني من أمراض الهوية والذاكرة التي أصبحت مصدر تلاعب جماعات المصالح. لأن ما يحدث في فرنسا سينعكس على بلداننا المغاربية، وكلما تعمقت ثقافة السلام والعيش المشترك والشفافية في فرنسا ولاسيما لدى الفرنسيين ذوي الأصول المغاربية انعكس ذلك إيجابا على البلدان المغاربية.

من باب الأمانة والموضوعية، يمكن القول أن اليمين المتطرف تغذى على ثقافة الانغلاق التي روجت لها النخب الإسلاموية والانتهازية ذات الأصول غير الفرنسية المقيمة في فرنسا. لقد استثمر الإسلام السياسي وسماسرة القضايا في جهل الجاليات المغاربية، وبالموازاة استثمر اليمين الفرنسي المتطرف في هذا "التطرف الجاهل" الوافد من البلدان المغاربية. لقد كانت الجالية المغاربية لقمة سائغة لدى عدة أطراف: الإسلام السياسي، سماسرة القضايا، والمتطرفون الفرنسيون وجهات أخرى على غرار شبكات التهجير السري...

الرهانات والتحديات ــــــــــــــــــــــــــــ
يجمع المراقبون للوضع الفرنسي أنه لا يمكن لماكرون التراجع عن طموحه في تنفيذ خطط الإصلاح، لكن عليه أولا أن يعلن عن التشكيلة الحكومية التي ستكون من أولوياتها تأمين غالبية برلمانية في الانتخابات التشريعية المقبلة. ولعل من أبرز التحديات التي تواجه ماكرون في العهدة الثانية، كسب ثقة الجبهة الداخلية: القدرة الشرائية، قوانين التقاعد، معايير منحة العاطلين عن العمل فضلا عن إصلاحات ستمس قطاعي الصحة والتعليم.
في برنامجها الانتخابي، خصصت مرشحة حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف مارين لوبان لموضوع الهجرة ملفا مؤلفا من حوالي 40 صفحة تحت عنوان "السيطرة على الهجرة"، انتقدت فيه سياسات الهجرة الحالية ووضعت مقترحات من شأنها "الدفاع عن هوية وتراث فرنسا".
أما ماكرون، وتحت عنوان "جمهورية الحقوق والواجبات"، تناول موضوع "التحكّم" بالهجرة بشكل أفضل، لافتا إلى أن "العيش في فرنسا يعني أن نعيش جميعا في أمّة، بغض النظر عن الأصل أو الدين أو التوجه الجنسي أو المظهر، فنحن متساوون في القانون".
النقطة الأكثر تقاربا بين المرشحين في ملف الهجرة هي إجراءات ترحيل المهاجرين، إذ يريد كلا المرشحين إزالة "جميع العقبات التي تحد أو تمنع طرد الأجانب المدانين بجرائم أو جنح خطيرة أو أولئك الذين يشكلون خطرا على النظام العام"

على صعيد الداخل الأوروبي، يرتكز برنامج ماكرون في السياسة الخارجية على تحقيق السيادة الأوروبية والتعاون في قطاعي الفضاء والشرائح الإلكترونية. ودفعت أزمة أوكرانيا ماكرون للاهتمام أكثر بتقوية الاتحاد الأوروبي؛ حيث أكد أن وجود اتحاد أوروبي قوي لا يتعارض مع وجود الناتو، وأن بناء اتحاد متماسك سيحافظ على الهوية الأوروبية ويجعل فرنسا صوتا مسموعا في العالم.
ومنذ عام 2018، دعا ماكرون لإنشاء جيش أوروبي للدفاع عن القارة إزاء أمريكا وروسيا والصين. وفي قمة فرساي، مارس الماضي، أنجز بحصوله على موافقة كل الدول لتخصيص 2 بالمئة من ميزانيتها للجانب الدفاعي في 2024 لتأسيس جيش أوروبي خارج الناتو.
فعلى من، وعلى ماذا يراهن ماكرون في مواجهة هذه التحديات؟ وهل يمتلك "الخيال السياسي" الذي يسد به الثغرات التي ستترتب عن التشكيلة البرلمانية القادمة؟ أم أنه سيلجأ إلى التنازل عن بعض الملفات لقوة من القوى المعارضة؟ أم ثمة عهد جديد سيفرض نفسه على فرنسا في غمار التحديات الداخلية والخارجية؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فرنسا: هل ستلفظ الجمهورية الخامسة أنفاسها؟
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=753427#








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم


.. على رأسها أمريكا.. 18 دولة تدعو للإفراج الفوري عن جميع المحت




.. مستوطنون يقتحمون موقعا أثريا ببلدة سبسطية في مدينة نابلس


.. مراسل الجزيرة: معارك ضارية بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال




.. بعد استقالة -غريط- بسبب تصدير الأسلحة لإسرائيل.. باتيل: نواص