الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صورتان في عالمنا لا تتغيران - الشرق والغرب-

حسام علي

2022 / 5 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


بداية، أعتقد أن أصحاب العقل والمنطق يتفقون بالرأي معي أن أي مجتمع يخلو أفراده من طرح التساؤلات وإيجاد مساحات كافية لائقة من النقاشات والجدالات في أية مسألة كانت، لهو مجتمع خامل الذهن وعديم التفكير، بحيث يصبح هكذا مجتمع ووجوده، هماً تاريخياً، لا يملك إزاء تخلفه ما يعينه على القدرة على التوجيه والبناء حيثما وكيفما يشاء، ولو فتحت له أبواب السماء على مصراعيها.
إن ما تتصف به مجتمعات الشرق من قلة الفاعلية والتأثير في مجريات حياتها وإثبات وجودها الحقيقي، من أجل مواكبة التطورات الحاصلة في العالم، ونتيجة ما وقعت فيه وأوقعتها بها، جملة من العادات والتقاليد بعضها يخضع لسنن فرضت تسلطها وثبتّت حالة الخنوع والخضوع لها دون نقاش مسموح به، لا بل أنه وحين التقيد بها، أي العادات والتقاليد، يشعر غالبية أفراد المجتمعات الشرقية بنشوى تسنمها مقاليد ثقافاتهم وسابقاتهم التاريخية، كما والمفاخرة بها أسوة بالمجتمعات الغربية.
لهذا، ولعدة أسباب أخرى طويلة وعريضة، قد غاب الفكر التوعوي عن دائرة فكر المجتمعات الشرقية، الذي هو برأيي الكثيرين، يعد المفتاح الأساسي في تفسير ما انحدرت اليه هذه المجتمعات من مزالق ومهاوي، فأوصدت على نفسها طرق الخروج من أوضاع الانحطاط والتأزم الفكري الذي غيّب بوادر النهوض للتوصل الى بارقة ولادة انسان مستقل وحرّ من شأنه أن يومض نحو حياة عقلانية لا تعرف الاستسلام ولا التبعية.
نعم، توجد هناك أقلام تكتب وتوجد بعض الآراء التي تطرح هنا وهناك، لكن حضورها الخجول لا يمثل دافعاً قوياً يمكن أن يساهم في إزاحة أو إزالة مسميات، طالما أعطت بل نقشت لنفسها صفات وسمات كانت استعمارية، تغلغلت فشكلت، بقوالبها المتلونة بين الحين والآخر وحسبما تشتهي السَفَنُ، عوارض وعقبات أجمع عقلاء أنها بمثابة أدوات حتمية لإحكام السيطرة، وذلك لتسيير مقتضيات وشعارات اجتماعية واسعة وعميقة في تأثيراتها، أسست حقائق قائمة على استغلال عقول البشرية في الشرق وإحاطتها بهالات حدّت من إمكانية فرارها أو تخلفها عن لحظات الإنصات أو التسليم، منذ الولادة وحتى الممات.
إن إحدى أخطر المشاكل الفكرية التي تشكو منها المجتمعات الشرقية، هي حالة الافتقاد الصحيح والادراك الدقيق لمبادئ الفكر والتفكر، بما في ذلك ما يرتبط بالمجالات السياسية وغير السياسية. وهذا ما يمكن أن نطلق عليه بالغفلة التاريخية التي ألمت ولا زالت تلم بمجتمعاتنا للأسف. فالفرد الشرقي سيظل يظن أنه القدوة الحسنى قياساً الى الأفراد في المجتمعات الغربية، ثقافياً وحضارياً بكل المعايير. لأنه لا يزال يعيش على أطلالات الماضي وذكرياتها التي خلفها الاجداد. متناسياً دون أدنى شك، أن تقدم الأمم لا يتم إلا بالتخالف والتنازع في الأفكار وطرح الجديد منها، مواكبةً مع ما يحصل من تطورات علمية وتكنولوجية وتطورات في طبيعة العلاقات المجتمعية في العالم أجمع.
ولو شهدنا ارتباطات معينة بين مجتمع شرقي وآخر غربي، فهي ارتباطات من باب العلاقات السطحية ذات التبادلات المنفعية المؤقتة التي بنيت أساسا من طرف واحد، لترويج نتاجات غربية وتسويقها الى مجتمعات الشرق، ليس إلا. ما يكشف في ذات الوقت، أن المجتمعات الشرقية تعاني الاضطراب النفسي الاجتماعي، فهي مقادة ومسلمة أمورها بيد حضارات الغرب التي عرفت واكتشفت منذ آماد، أن التخطيط والمواجهة طبقاً للإمكانيات المتاحة، هما من الضروريات التكليفية التي تستوجب التغيير إزاءها وإعلان الثورة على أنماطها السلوكية البالية، حتى وإن كانت مصادرها، نابعة عن دساتير، مثلت حينها وللآن، قوانين، عصي على أحد، مناقشتها أبداً.
عليه، فأن بذل الجهود دون خجل أو وجل، هو أمر ضروري للتعرف على ثقافة الغرب وحضارته، وكيف بنيت، وعلى أية أسس تطورت، بل أنه يعدّ واجب وتكليف فكري حضاري تاريخي في نفس الوقت. ولما نؤيد أو ندعو الى كشف الغطاء عن أسباب تطور الحضارة الغربية، يجب أن نضع في الاعتبار، أن هناك فريقان، فريق يقرّ ويعترف بأن الحضارة الغربية هي المثل الأعلى، وفريق لا يرى سوى أن هناك مواجهة فكرية عليه التصدي لها، والأمر سيان، لا يختلف عليه إثنان، أي أن المهم، هو الولوج الى عالم، أثبتت كل المجالات التي خاضها ويخوضها اليوم، أنه يتفوق بكل المعارف والأمور الحياتية، سواء شئنا أم أبينا.
خاصة، وأن الغرب قد وقف طويلاً بمحاولات علمائه وأدبائه ومفكريه، وساساته ومسؤوليه، وقف متأملاً في شؤون الانسان وكيفية تطوير هذا المخلوق الضعيف، بل وكيفية المحافظة على حقوقه وعدم سلبه خصوصياته، الفكرية على وجه التحديد. ما حدا بهذا الانسان، أن يصبح الهدف الأسمى الذي لم تعد تسمح قوانين الغرب إزاءه، أن يفقد نصيبه أو ألا ينال مما سعت إليه جهات رسمية وغير رسمية، لأن يكون في مصاف الدرجات العليا الراقية التي يشار إليها بالاحترام والتقدير أينما حل وارتحل.
وربّ قائل يقول، إن الشرق يمتلك من علماء وأدباء ومفكرين عديدون، لماذا لا نهتدي بهديهم ونقتدي بآرائهم؟ والجواب بسيط للغاية، ألا وهو: أنه عندما يعجز مجتمع عن تنفيذ أو تحقيق قانون أو مبدأ ما، بحيث يخلف معارف نافعة معينة، اجتماعية مثلا، على أرض الواقع، عليه ولا ريب في ذلك، أن يسعى هذا المجتمع الى الاطلاع والحصول على معارف أخرى، قد تكون أفضل، وآراء ربما تكون أعم وأشمل في فوائدها وانعكاساتها.
ففرصة البحث والاستعراض في أكبر قدر ممكن من القوانين أو الأسس الإنسانية التي جاءت على لسان فلاسفة ومفكرين غربيين، وأبدع في ترجمتها الى واقع الحال، معنيين من إداريين وسياسيين وغيرهم، ساهموا في توطين سبل تحقيق كل معاني الانسانية وقيمها النبيلة، كفيلة لوحدها بأن تجعلنا نأخذ على عاتقنا منذ اللحظة، تبني كل الأساليب والطرق التي أدت الى نهضة الأمم في الغرب، مثلما أدت الى نهضة فكر الفرد الغربي وعدم خضوعه لجلسات تعليمية تغييبية طويلة ومحسوبة، أمسكت بخيوط تفكره ومنعتها من التحرك أو التقصي، منذ طفولته في البيت او في المدرسة وحتى بلوغه ودخوله ساحات حياة الكبار في السن، الصغار في التفكير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ


.. سائق بن غفير يتجاوز إشارة حمراء ما تسبب بحادث أدى إلى إصابة




.. قراءة عسكرية.. المنطقة الوسطى من قطاع غزة تتعرض لأحزمة نارية


.. السيارات الكهربائية تفجر حربا جديدة بين الصين والغرب




.. طلاب أميركيون للعربية: نحن هنا لدعم فلسطين وغزة