الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


االعشاء 1998(ايتوري سكولا):انه يقتنص الحياة

بلال سمير الصدّر

2022 / 5 / 3
الادب والفن


هو من آخر الأعمال في مسيرة ايتوري سكولا،وهو الآن في أوخر عمره السينمائي حيث سيعتزل الاخراج في عام 2003،يتعاون فيه مع الممثل فيتوريو غاسمان الذي يعد الممثل الأثير في مسيرة هذا المخرج
بالاضافة الى أسماء ايطالية لامعة مثل:
Giancarlo Giannini
Maria Gillain
مع الممثلة الفرنسية فاني أردنت
العشاء هو من تلك النوعية من الأفلام التي يصعب الكتابة عنها،لأنها ببساطة من تلك الأفلام-وللوهلة الأولى-لاتقول اي شيء،ولاتتحدث عن اي شيء محدد ،ولاتحتوي على أي عقدة او حبكة مركزية...هذا كما قلنا للوهلة الأولى....
ولكن مع نظرة أخرى للفيلم أكثر عمقا،نجد أن الفيلم يحتوي على العديد من الحبكات المركزية التي يلقيها ايتوري سكولا كشذرات من الممكن التقاطها ومعالجة كل منها على حدة....
فلورا(فاني أردنت) تمتلك مطعما صغيرا في أحد ضواحي ايطاليا،وتبدا الفيلم بشرائها حذاءا أحمر يشير الى ان الحياة لابد ان تتلون بلون الحب،وفيتوريو غاسمان،بروفيسور يرتاد هذا المطعم منذ أكثر من ثمانية عشر عاما....
ومن هنا،يبدا ايتوري سكولا بالتقاط شذرات من الحياة من خلال التقاء أكثر من شخص على طاولة المطعم...ولكن ماذا يقتنص سكولا بالضبط؟
إنه يقتنص الحياة...
هناك رجل في أواخر اواسط العمر،يلتقي كما هو واضح بعشيقته الشابة التي يدعي بأنها ابنته،والعلاقة بينهما تحمل اضطراب طبيعي تقليدي من نوع معين...
ولولا،التي ايضا تمتلك العديد من العشاق حتى يصل الرقم الى أربعة،يلتقو جميعا وعلى التوالي ليجتمعو على نفس الطاولة،ويدور بينهم جميعا حوارا كوميديا حول مميزات كل شخص فيهم التي جعلت من لولا تقع في غرامه...طبعا،نحن نعرف من خلال طبيعة واجواء الفيلم أننا لسنا في خضم فيلم على شاكلة فيلم حريمها لماركو فيريري.
ثم هناك حوار بين ام وابنتها التي تعيش في مدرسة داخلية،والحوار ايضا حول مواضيع طبيعية تقليدية من الممكن بسهولة التنبؤ بها في خضم عجلة الحياة.
فبعكس الأم،تبدو البنت غير منفتحة على الحياة،وتعاني شيئا من الكآبة حتى انها لا تملك اي صديق
ايتوري سكولا يلقي تلميحا واضحا،بل أكثر من واضح...نحن نستطيع ان نقتنص من هذه اللحظات كل شيء.
الحوارات التي تدور تلفت أنظار بعضهم البعض،فخلف الطاولات هناك حياة كاملة مختفية،ونحن نشاهد ونلاحظ شذرات من الواضح أنها مهمة،ولكن من الممكن أيضا ان تكون هامشية.
فمثلا،نحن نشاهد علاقة اشبه (بلوليتا) معكوسة،بين استاذ في في الفلسفة وفتاة تقريبا طفلة...أنها طفلة في غرام الشيخوخة...هل هة حب افتراضي...مادي،ولكن لازالت الشذرة الواضحة هي المهمة...تسليط الضوء على نوع معين من طبيعة العلاقة بين شخصين أو أكثر.
هناك علاقة ايضا بين رجلين في أواسط العمر تقريبا...
أحدهما يتكلم كثيرا،والآخر فقط يستمع...يتحدثان عن دوستيوفسكي الأخوة كارامازوف تحديدا
من الممكن ان ايتوري سكولا يقتبس قصة همنغواي القصيرة (الفردوس المفقود)،وان كان هناك تقريبا مثلها تماما إلا أنها تنتهي الى محور آخر بعيد عن الحكاية السابقة.
كل قصة تحدث أمامنا...كل شذرة،من الممكن أن يتمخض عنها عدد كبير من القصص،ومن الممكن ان يتمخض عنها-ايضا-حبكات مركزية لنفس القصة الواحدة.
وكأن الموضوع يخص ميلان كونديرا...رواية الخلود
الشاب منشغل بحواره مع أولغا حول ان كانت حامل أم لا-الفردوس المفقود-حول اهتمامها الأوحد ان كانت حامل أم لا،وفي الوقت نفسه منشغل بنظرات متبادلة مع امرأة اربعينية.
انه فيلم ميلان كونديرا عن الحفر المختفي خلف اي قصة...عن ميشيل فوكو والحفر المعرفي...انه فيلم ببساطة،عن تشابك علاقات الحياة ولكن كل ذلك يروى ببساطة شديدة.
بالنسبة لقصة لوليتا المعكوسة النهاية هي الانفصال...هذه هي الحياة،عبارة عن ارتباطات متعددة وانفصالات متعددة اخرها الانفصال عن الحياة نفسها...الذكريات...الحب...كل شيء سينتهي ومن النادر ان يدوم شيء في هذه الحياة،والنهاية تقود دوما الى النقيضين...اما الى البكاء أو الى الضحك وكل شيء آخر هومجرد مفاهيم متعلقة بهذين المفهومين.
التعاسة والفرح...الخ...السعادة والضيق...الخ
كلها مجرد مفاهيم للمثنوية الأزلية...هل من الممكن ان تزول هذه المثنوية في العالم الآخر...؟
ماما...يجب ان اذهب يجب ان الحق بالقطار...ان ما يحدث هنا هو المقياس الحقيقي الطبيعي للعلاقات البشرية،فايتوري سكولا لن يفاجأك بأي شيء خارج عن المألوف.
في الفيلم هناك الأدب الذي لايستطيع ان يبني علاقة ايجابية بين اثنين...وهناك الفيلسوف الذي لايستطيع ذاتيا تقبل علاقته مع طفلة.
وكأن العلاقات في هذا الفيلم تسير في مؤشر طبيعي للانحدار على ان هذا المؤشر الطبيعي لايشي بالغرابة.
فالأم مشغولة بالعالم وببقايا جمالها،ومن الطبيعي أن تنفصل عن ابنتها الخجولة،وفلورا ايضا تبكي قصة من الماضي وتعيش حياة اقرب الى الانفصال عن زوجها...علاقة انفصال هادئة.
تبدو المسارات كلها ف الحياة أقرب الى التعاسة منها الى السعادة في كل المعطيات،ولايوجد مؤشر واحد منطقي يشي بغير ذلك،ومن هذه المسارات والمؤشرات ربما ينطق الأدب والفلسفة وحتى المسيح نفسه...
ألم يأتي المسيح للبشرية لتحقيق السعادة البشرية...
ونهاية الفيلم،هي تلك النهايات الحميمة المألوفة لأيتوري سكولا،وكانه يستكمل مسيرة انتونيوني بأن الحياة مستمرة ولن يتغير اي شيء...الحياة مستمرة مهما كان شكلها...
19/02/2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس


.. فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن




.. كريم السبكى: اشتغلنا على فيلم شقو 3 سنوات


.. رواية باسم خندقجي طلعت قدام عين إسرائيل ولم يعرفوها.. شقيقته




.. كلمة أخيرة - قصة نجاح سيدة مصرية.. شيرين قدرت تخطي صعوبات ال