الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا النخبة المصرية المدنية، الحلقة الاضعف؟!.

سعيد علام
اعلامى مصرى وكاتب مستقل.

(Saeid Allam)

2022 / 5 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


هل هي بسبب جينات هذه النخبة؟!
هذا صحيح في جانب منه، طبقياً، هي محملة بصفات الطبقة البرجوازية الوسطى التي ولدت بعد 1952، وبها تشوه خلقي، بسبب عوامل تشكلها من اعلى بقرارات سلطوية فوقية، بعكس الطبقة البرجوازية الوسطى في الدول الصناعية التي لم تتشكل بقرارات سلطوية علوية، بل تشكلت من خلال نضالاتها ومعاركها التي خاضتها من اسفل، وانتزعت حقوقها بنضالاتها، وليس كعطايا من السلطة كما حدث في مصر 52، اتي جعلت الخنوع والرغبة في الاستقرار اياً كانت الاستغلال والقهر الذي ترغب في الاستقرار عليه!، فمثلاً، الاصلاح الزراعي، خلق طبقة وسطى جديدة ريفية ولائها للسلطة، والتأميم والتمصير، ادى الى حرمان الطبقة الوسطى المصرية، من كفاءات فنية وادارية من مصريين وجنسيات مختلفة، خاصة بعد هجرة الاجانب الذين كانوا يمثلوا شريحة هامة تقدمية للطبقة الوسطى المصرية، ومجانية التعليم، التي ادت الى انخفاض حاد في المنتوج التعليمي والبحثي، واي تميز كان في التعليم او في اي فروع اخرى، كان بفعل قانون "القصور الذاتي" للفترة الشبه ليبرالية السابقة على 52، هذه مجرد اطلالة سريعة، لان كل هذه المثالب للطبقة الوسطى المصرية، وغيرها، كان يمكن تداركها وتجاوزها، لو لم تحرص سلطة يوليو من اليوم الاول على وأد المجتمع المدني، الذي جزعه الطبقة الوسطى، الطبقة المناط بها ان تشكل القاطرة التي تدفع المجتمع الى الامام، لذا فان هذا هو العامل الاهم بما لا يقاس، وهو ما سنتناوله في السطور التالية .. اما تاريخياً، فكما جاء في الدراسة العلمية الفريدة للعالم المصري جمال حمدان "شخصية مصر"، بأن نشأة الدولة المصرية كانت من جيش ملحق به شعب ..


وبدون الاستغراق في الجانب التاريخي فبأختصار شديد، مع التطور الاجتماعي التاريخي للبشرية بـ"ثورات" متعاقبة في وسائل الانتاج، انتقلت البشرية من عصر الوحشية، الى عصر البربرية "العبودية"، الى عصر القنية "العبودية الزراعية"، ثم الى عصر الاقطاع، ومنه الى العصر الحديث الرأسمالية "عبودية العمل المأجور" ..



ما التأثيرات السلبية المختلفة، على فاعلية النخبة المدنية المصرية، الحالية؟!
عالمياً، خرجت دول اوروبا "الاستعمارية" من الحرب العالمية العالمية الثانية، منهكة مدمرة، حتى انها احتاجت الى "مشروع مارشال" لاعادة بنائها، وهو ما تولته الولايات المتحدة الامريكية الفتية، الخارجة من الحرب قوية منتصرة، كان من الطبيعي ان تسعى الى ان تحل محل الاستعمار القديم، وفي الشرق الاوسط طردت فرنسا وانجلترا من عدد من الدول منها مصر،وفي هذا السياق عمل الاستعمار الجديد على تشجيع عدد من الانقلابات العسكرية على الحكومات المرتبطة مع الاستعمار القديم، وكان من بينها مصر في بداية النصف الثاني من القرن الماضي، فبعد ان كان الاستعمار القديم يمارس النهب عن طريق الاستعمار العسكري، اعتمد الاستعمار الجديد فلسفة مؤداها لماذا نأتي بجيوشنا للبلد ما لاحتلالها، بينما توجد جيوش محلية يمكن ان تقوم بنفس الدور لصالحنا، على طريقة، "ان لم تسطع ان تأتي بالجبل لفلان، فلتأخذ فلان الى الجبل" - وهنا يكون من المناسب ان نعود للتاريخ القديم، ونتذكر دراسة العبقري جمال حمدان -، وفي نفس الوقت، يعود بنا هذا الى احد اسباب ضعف النخبة المدنية المصرية.


وحلت الولايات المتحدة محل انجلترا في رعاية ودعم والحرص علي استمرار قاعدة "التفوق العسكري والتكنلوجي" لاسرائيل كدولة وظيفية، كقائد اقليمي يميني قوي للمنطقة، دور وظيفي يتركز في اعاقة اي تنمية مستقلة لاياً من دول المنطقة، العدو الاول للاستعمار الامريكي الجديد، الاقتصادي/الثقافي، وفي سياق هذا الدور كان استخدام سلاح حرف النضال الوطني للاستقلال، الي صراع ديني، لم يكن صدفة اختيار زرع دولة دينية يهودية في محيط الغالبية العظمى من سكانه من المسلمين!، وبتشجيع ممنهج للتطرف الديني على الجانبين، امكن اغراق قوى النخبة الدينية المسلمة في الصراع الديني مع الدولة اليهودية، وبذا تم تحييد هذه القوى الهائلة من قضية الصراع الوطني، ولم يتبقى سوى القوى المدنية "العلمانية" التي تم اضعافها بشكل ممنهج.


ومجددا، لان نخبة المجتمع المدني ستكون العماد الاساسي لأي "تنمية مستقلة" كان احد الاهداف الاساسية للاستعمار الجديد "الديمقراطي الامريكي"، ولذراعها التنفيذي في المنطقة "الاسرائيل الديمقراطي"، ومن مصلحتها اعاقة النخبة المصرية من دور حقيقي في "التنمية المستقلة"، لما سمح للسلطة بالاسمرار في منهج وأد المجتمع المدني، وهذا هو جوهر موقف القوى الدولية من التغاضي عن تجاوزات السلطة المصرية في قضايا الحريات العامة والخاصة في المجتمع، ومن ناحية اخرى، هذا ما يفسر ايضاً، الندرة الشديدة جداً، التي تكاد تكون مجرد بضعة جمل خجولة، لا تتجاوز بضع كلمات قليلة في دراسة من الاف الكلمات!، لأي كتابات للنخب المصرية لفضح السياسات الاقتصادية الامبريالية لافقار الشعوب، السياسات الاقتصادية النيوليبرالية، وهو في نفس الوقت، ما يفسر مئات مليارات الدولارات التي تنفقها الشركات الكبرى الاحتكارية في تمويل المؤسسات الصحفية والاعلامية، ومراكز الابحاث والجامعات والمنظمات الاهلية، خاصة منظمات "حقوق الانسان" منها، وفي رعاية العديد من الانشطة الثقافية والفنية والرياضية .. الخ، وهو ما يعيدنا مباشرة لموضوعنا عن اسباب ضعف النخبة المدنية المصرية.


ولان ليس هناك استعمار اقتصادي بدون استعمار ثقافي، طعاً بخلاف القمع المواكب، لذا فقد عملت السلطة على وأد التشكيلات المدنية الاهلية المستقلة حتى في مجالات الثقافة والفنون والرياضة .. الخ، (من هنا فقط، يمكن فهم طبيعية المجزرتين اللذان تعرضا لهما، الاولتراس اهلاوي وزملكاوي، مجزرتان يفطران القلب،على الضحايا، وعلى قلوب امهاتهم واباؤهم واخوتهم واصدقائم واحباؤهم، على شباب في عمر الزهور لم يرتكبوا جريمة سوى حبهم وتشجيعهم لرياضة كرة القدم، هاتان الجريمتان، وغيرهما، التي راح ضحيتهما بشكل وحشي، مئات الشباب لم يتجاوز عمر بعضهم 14 عاماً، وبالطبع لم يلقى الجناه الحقيقيون الجزاء العادل، بل لتكتمل المأساة، حكم على بعض رفقاهم بالسجن!، للتضح حقيقة جريمتهم الحقيقية، انهم تجرؤا وانشاؤا وانضموا لـ"تنظيم مستقل" الاولتراس!، الم نقل الد اعداء نظام يوليو الممتد .. وبالمناسبة بحثت كثيراً عن فيديو اول دخول للاولتراس ميدان التحريري في نهار احد الايام الاولى لثورة 25 يناير، قادمين من شارع القصر العيني بأعداد هائلة منظمة، وقد خفق قلبي وقتها بشدة لاعتقادي انهم ربما قد يكونوا من "المواطنيين الشرفاء"، قادمين لعمل مجزرة للموجودين في ميدان التحرير من قوى الثورة، ومع اقترابهم من الميدان بدأ يتضح الشعار الذي كانوا يرددوهبحماس وشكل منظم – مرة اخرى، منظم – "ياللي بتسأل احنا مين، احنا اولتراس وطنيين"، عندها بكيت .. وهكذا الان وانا اكتب عنه .. هذه هي جريمة هؤلاء الشباب الصغير والاطفال المحبين لكرة القدم ولوطنهم، انهم كانوا منظمين في "تنظيم مستقل"، ومنضبطين ومتحمسين لهوايتهم ولتنظيمهم ولوطنهم، اعتقد ان في هذا التوقيت اتخذ القرار .. رجاء، ياريت لو اي احد من الاصدقاء يستطيع ان يحصل على نسخة من فيديو لاول دخول للاولتراس ميدن التحرير في الايام الاولى لثورة 25 يناير، ارجوه ان يرسل لنا نسخه منه، فهذا احتياج لوجدان شخصي، بخلاف كونه توثيق عام.).
وهذا ما يعيدنا الى اسباب ضعف النخبة المدنية المصرية.



"هزيمة 67"، كمحدد للسياسة المصرية، حتى الان، ولفترة قادمة!
وفي نفس السياق السابق، كانت هزيمة 67، كهزيمة لمشروع "التنمية المستقلة" لعبد الناصر، "تنمية مستقلة" ولكن بدون مجتمع مدني!،"كعب اخيل" سلطة يوليو الممتدة .. "التنمية المستقلة" العدو الاول للاستعمار الجديد، العولمة في نسختها الاحدث "النيوليبرالية" الاقتصادية/الثقافية، ومما فاقم من حجم الهزيمة واستمرار نتائجها حتى اليوم، ولفترة قادمة، هو مصادرة النظام الناصري "الديكتاتوري"، لكل السلطات، لكل ادوار المجتمع المدني المصري، الحامي الحقيقي لأي وطن، هذه المصادرة المستمرة حتى اليوم، التي وأدت القاده الاجتماعيين مفرخة القادة السياسيين، وهذا ما يعيدنا الى اهم اسباب ضعف النخبة المدنية المصرية.


وقد تم هذا بشكل ممنهج منذ 52، لان "الضباط الاحرار" قد وصلوا لحكم مصر عن طريق "التنظيم المستقل" السري، فهم عرفوا خطورة "التنظيم المستقل"، على مدى سبعة عقود استطاع تنظيم "الضباط الاحرار"، باحتكاره منفرداً بحق "التنظيم المستقل"، ان يشكل طبقة متميزة "اجتماعية/وظيفية"، تحكم سيطرتها على كل سلطات الدولة، وثرواتها. وتم العمل بشكل ممنهج وبأقصى قوة، على وأد المجتمع المدني، وقادته الاجتماعيين والسياسيين، خاصة، وبالطبع، من خلال "التنظيم المستقل"، النقابات العمالية والمهنية والاكاديمية والطلابية، ومنظمات المجتمع المدني المستقلة، الغير ممولة حكومياً او اجنبياً،(كما دور سرسوب الماء الرفيع فوق سن المخرطة، للتبريد، كذا، جوهر دور منظمات حقوق الانسان الممولة حكومياٌ او اجنبياٌ، لتبريد درجة حرارة الغليان الناجم عن الاستغلال والقمع، عند درجة ما قبل الانفجار، مع استمرار نفس نمط الاستغلال والقمع). وهذا ما يعيدنا مجدداً، الى اسباب ضعف النخبة المدنية المصرية.



الفرق الجوهري بين موقف السلطة من كلً من، النخبة المدنية، والنخبة الدينية!
لان "التنظيم المستقل" ذراع المجتمع المدني الفعال، ولان ليس هناك استعمار الاقتصادي بدون استعمار ثقافي، لذا يجب محو الثقافة القديمة لافساح المجال اما ثقافة "العولمة" اليمينية، وعل رأس جدول اعمال محو الثقافة، تأتي الافكار اليسارية، افكار قوى اليسار التى تتبنى فلسفة مناقضة جذرياً للفلسفة اليمينية التي تحمي الاستغلال والفساد بالقمع، السائدة، بعكس قوى الاسلام السياسي اليمينية، التي لا يتناقضجووهر فلسفتها الاقتصادية للقوى اليمينية العالمية او الاقليمية او المحلية، فبالرغم من الضربات الامنية البشعة خارج نطاق القانون التي توجهها سلطة يوليو لجماعات الاسلام السياسي، الا ان هذه الضربات رغم كل قسوتها اللاانسانية، يظل هدفها الاصيل، هو ضبط ايقاع هذه الجماعات الدينية اليمينية في اداء دورها الذي تحدده لها السلطة، حسب المراحل المختلفة، هذا الدور الذي يتلخص اساساً في دورين، الدور الاول، كفزاعة "بعبع"، للمجتمع المدني المحلي، وللمجتع الغربي من بعض الجوانب. اما الدور الثاني، فيتلخص في دور الملطف "المبرد" او دور الكوبري "المحلل"، في بعض الازمات السياسية او الجماهيرية، كملطف "مبرد" بأعطاؤه "كوتة" في بعض المجالس التمثيلية، تحت السيطرة، وبالاتفاق مع، المؤسسه الامنية، او بلعب دور الكوبري "المحلل الشرعي" في حالات الطلاق البائن بالـ"18"، (25 يناير – 12 فبراير 2011)، للالتفاف على الثورة كما حدث في الفترة من 25 يناير 2011 الى 3 يوليو 2013، ان السلطة تعامل هذا التيار، وتعلم انه منافس على كرسي الحكم ليس اكثر، فهو لا يختلف جذريا مع الفلسفة اليمينية الحاكمة، الا في بعض التفاصيل الشكلية، خاصة في مجال الفساد المالي، والتي لا تخترق جوهر السياسات الطبقية اليمينية السائدة، جوهر كل استغلال وفساد، المحميان بالقمع المفرط، ليظل خلافها الجوهري مع سلطة يوليو، خلاف على كرسي الحكم، فحتى سلطة يوليو توظف الدين الاسلامي ليل نهار، لتحيق اهداف سياسية، بما لا يقل، بل يزيد، عن توظيف جماعات الاسلام السياسي للدين الاسلامي لتحقيق اهداف سياسية، الا ان ادعياء العلمانية لا يرون ذلك، او لا يريديون ان يروا هذه الحقيقية الساطعة كالشمس، بحكم مصالحهم الحقيرة الفاسدة كرشاوي تافهة، فيعيقون عن حق وبكل همة ونشاط وافتخار، بناء مصر المدنية، التي يدعون زيفاً انهم يعملون من اجلها، وفي نفس الوقت يشوهون سمعة العلمانية في اذهان الناس. انهم الجزء العطن من النخبة المدنية الذي يجب فضحه دون هوادة. الاخطر دائماً، ليس العدو المكشوف، انما الطابور الخامس. وهذا ما يعيدنا مجدداً، الى واحد من اهم اسباب ضعف النخبة المدنية المصرية.


بدون منازع اعظم نجاحات سلطة يوليو هو زرع الشك والفرقة بين عناصر معارضتها، خاصة تلك العناصر التي تمثل خطر حقيقي على سلطتها المنفردة الممتدة. حيث يكفي ان عشره من عملائها المباشرين، او الغير مباشرين الممولين، ان يطلقوا اشاعة عن هذه العناصر الشريفة، حتى يتكفل "المغفلين الشرفاء" بترديدها ونشرها بكل شرف، نشرها سراٌ طبعاٌ، "النميمة"، فهم لم يتعودوا على الشجاعة، بمواجة مباشرة من يغتابونهم، يفعلون ذلك وهم يرددون بكل فخر دفاعهم عن الحرية والعدل!، وهم يرددون، كأي مغفل، الدعاية السوداء ضد شرفاء، لكن هذا امر منطقي وطبيعي، فلو تحققوا من الاشاعات، لم يكن لهم ان يتشرفوا بجادرة صفة "المغفلين الشرفاء".وهذا يعيدنا، مرة اخرى، الى اسباب ضعف النخبة المدنية المصرية. وهذا ايضاً، يعيدنا الى واحد من اهم اسباب ضعف النخبة المدنية المصرية.



مصر دولة عسكرية دينية بأمتياز!
المصيبة، ان يعاني مجتمع من دولة عسكرية، والكارثة، ان يعاني مجتمع من دولة عسكرية دينية، في آن. بدءاً من 52، مصر دولة عسكرية دينية، بدءاً من عبد الناصر الذي ضاعف عدد المؤسسات الدينية الاسلامية، والمؤسسات التعليمية الدينية الاسلامية التابعة للدولة، الى عشرات الالاف، والتي لا تقبل سوى الطلبه المسلمين، والتي يتم التخرج منها بأعتباره طبيب او مهندس او مدرس اداب اللغات او رياضيات، مسلم!، والتي ميزانيتها من الميزانية العامة للدولة، اموال دافعي الضرائب في دولة مفترض انها ليست دولة دينية، دافعي الضرائب من المسلمين والمسيحيين ومن غير المسلمين، والادينيين. ومن الحكايات الطريفة في هذا السياق، على اساس ان شر البلية ما يضحك .. "هى كانت فى الاصل في الدستور، "مصر حكمها مدنى"، وجدناها بعد حفل عشاء الجيش، "مصر حكومتها مدنيه"!"، هكذا كانت شهادة د. محمد ابو الغار(1) عضو لجنة الخمسين لوضع دستور 2014، المعدل فى 2019، والمحتوى على نفس التعديل "حكومتها مدنيه"!.. اعضاء لجنة الخمسين، اتعشوا وصفقوا ورحلوا!..

وقد جاء فى ديباجة دستور 2014 المعدل في 2019.(2)
".. نحن الآن نكتب دستوراً يستكمل بناء دولة ديمقراطية حديثة، حكومتها مدنية."
كيف دولة ديمقراطية حديثة، وهى دولة ليست مدنية، ولكن احدى سلطاتها "حكومتها" فقط هى المدنية؟!، فكيف تكون السلطة التنفيذية مدنية، عندما تكون السلطتان التشريعية والقضائية غير مدنيتين؟!، انها ستنفذ لتشريعات التي تصدرها السلطة التشريعية الغير مدنية، وتنفذ احكام السلطة القضائية الغير مدنية ايضاً، انه مآزق نص الدستور على ان "الشريعة الاسلامية، المصدر الرئيسي للتشريع"!، وعلى رأي المثل "جاه يكحلها عماها"!.
وكل هذا بالطبع لا ينفي المسئولية الذاتية للنخب المصرية المدنية في اسباب الضعف، وفي مقدمتها اليسارية منها.



النظام المصري و"المحرمان" الدوليان، اسرائيل والتنمية المستقلة!
عبد الناصر لم يأتي منذ يوليو 52، على ذكر قضية فلسطين، في اياً من برامج "الثورة" المكتوبة او الشفهية، وكان او ذكر له للقضية الفلسطينية، عندما ناداه احد الحضور في احدى مؤتمراته الجماهيرية "فلسطين يا ريس"، وبغض النظر عما اذا كان الموضوع مدبر، فقد قال بعض الجمل القليلة في الموضوع، اي المقصود انه لم يأتي على ذكرها من قبل – انني مازلت اتذكر هذه الواقعة عندما استمعت اليها بنفسي في الراديو وانا صغير، ولم انساها من يومها، لانها كانت ملفتة جداً .. وكان هذا قبل هزيمة 67، بسنوات قليلة، لا اتذكر كم بالضبط، وقد فشلت في ايجاد نسخة لها على الانترنت بالبحث عنها اكثر من مرة.


بعد هزيمة 67، فهم عبد الناصر جيداً، وبالطريقة الاصعب والاكثر ايلاماً، طريقة الهزيمة العسكرية الساحقة، واحتلال جزء هام من ارض مصر، بوابة مصر الشرقية، الاستراتيجية، ومرة اخرى بالعودة الى حمدان، ان البوابة الشرقية لمصر هي خط الدفاع الاول عنها، باختراقها تم استعمار مصر تاريخياً، كما فهم عبد الناصر بنفس الطريقة الصعبة والمؤلمة، الهزيمة السياسية التاريخية، لهزيمة 67، التي لم تكن اكثر ما تعني، أعلان وفاة مشروعه "القومية العربية" الناصري، وكان هذا يعني انه قد فهم، وبنفس الطريقة الاصعب والاكثر ايلاماً، امران اساسيان "محرمان": الامر الـ"محرم" الاول، ان الاستعمار الجديد لن يقبل ابداً بهزيمة ذراعه التنفيذي، القائد الاقليمي اليميني القوي في المنطقة، الدولة الوظيفية، اسرائيل. كما فهم ايضاً، ان الامر الـ"محرم" الثاني، ان التنمية المستقلة هي العدو الاول لسياسات الاستعمار الجديد الاقتصادية/الثقافية، للتحالف الحاكم لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، الشركات الكبرى الاحتكارية في عصر "الشركاتية"، وعلى رأسها الشركات الكبرى الاحتكارية الامريكية، الذي لا يمكن لها تسمح بـ"تنمية مستقلة" ابداً، أنها تنسف جوهر فلسفة السياسات الاستعمارية الجديدة، النيوليبرالية الاقتصادية/الثقافية، والثقافية على رأسها الافكار اليسارية.


فكانت الخطة السياسية الشاملة التي تبناها عبد الناصر بناء على هزيمته الكاسحة العسكرية والسياسية، (بعيدا عن مسئوليته الشخصية، ومسئولية الطبقة الحاكمة الجديدة، عن هذه الهزيمة)، فبعد قصة التنحي والعودة، كانت الخطة في جانبها العسكري استرداد - ولو بعض من - الكرامة العسكرية المهدورة، تحت الشعار المتواضع "ازالة أثار العدوان"، مجرد ازالة الأثار فقط!، فكانت حرب الاستزاف، وبناء حائط الصواريخ، واعادة بناء القوات المسلحة استعداداً لمعركة الثأر، بعد محاكمات 68، الهزيلة والمخجلة، والتى كانت بداية للعودة المؤقتة للحركة الطلابية والعمالية المستقلة، بعد مصادرها منذ 52، (والتي عادت بشكل مؤقت ايضاً، في الفترة من 25 يناير2011، الى 3 يوليو 2013.)، اما الجانب السياسي والاقتصادي لخطته الشاملة، فكان فيما يتعلق بالـ"محرم" الاول، اسرائيل، فقد اعترف لاول مرة بدولة اسرائيل، بقبوله بمبادرة روجرز، والقرار 242، والاخطر، القرار الكاشف، باختياره للسادات نائباً للرئيس دوناً عن كل اعضاء "مجلس قيادة الثورة"، وما يعنيه هذا الاختيار من اتفاق ضمني، وهو ما يمكن ان نطلق عليه "اتفاق الاختيار"، وطبعاً، ايضاً، لا يمكن لعاقل ان يعتقد بسذاجة عبد الناصر في الاختيار، او ان هناك من اشربه شراباً اصفراً.


السادات هذا الداهية السياسية، احد ابرز اعضاء مجلس الثورة خبرة سياسية، ودراية بالسياسة الامريكية ومتتطلباتها، لقد فهم السادات دون اي لبس، مغزى اختيار عبد الناصر له نائباً له، دوناً عن كل اعضاء "مجلس قيادة الثورة"، فهم مضمون "اتفاق الاختيار"، وما هو مطلوب منه حقاً، بعيداً عن البروباجندا القومية والوطنية، التي سقطت مع وفاة عبد الناصر سياسياً وايديلوجياً في 67، ليثبت السادات حقاً، بشعاره الوطني "مصر اولاً"، ان "الوطنية هى اخر ملاذ للأوغاد".(3)


لقد شرع السادات بعد ثورة السادات في 15 مايو 71، "ثورة التصحيح"، باستبعاد كل رجال الرئيس، السابق، شرع في العمل من اجل ان يمرر سياساته اليمينية الجديدة، بتقديم رشوة للتيار الديني اليميني، وفي نفس الوقت، تمرير تعديل مادة في الدستور تتيح لهوهو مطمئن تماما، بان يغير الدفة الى الاتجاه المعاكس، اتجاه اليمين العالمي والاقليمي والمحلي، وانجاز المهمة التي كان يعتقد الكثيرون انها مستحيلة، بتغيير الاتجاه الذي تسبب في تثبيته عبد الناصر قبل هزيمة 67، وفي نفس الوقت، ولم تكن هذه المادة الدستورية المطمئنة، ما هي سوى مادة في الدستور تتيح له ان يحكم طوال حياته، على طريقة "فرح جنب طهور"، وكانت الرشوة لتيار الاسلام السياسي اليميني، الذي عمل على تقويته ليواجه به التيار اليساري والقومي، العائق الاساسي الداخلي امام تحولاته نحو اليمين العالمي بقيادة امريكية، عالمياً، واسرائيل اليمينية القوية، اقليمياً، تنفيذاً للشق السياسي والاقتصادي للتكليف الضمني،"اتفاق الاختيار"، الغير معلن، كتابة ولا شفاهة، تكليف اختياره بالذات من عبد الناصر الذي يعرفه معرفة وثيقة على مدى اكثر من ربع قرن، والواضح تماماً لكل من ليس لديه غرض يمنعه من رؤية ما هو واضح ووقائعي، وليس تخميناً، او افتراءاً، فكما يقال "الغرض مرض"!، كانت الرشوة تعديل نص مادة في الدستور من "الشريعة الاسلامية، مصدر رئيسي للتشريع" باضافة "الف ولام" لتصبح "الشريعة الاسلامية، المصدر الرئيسي للتشريع"!، ومعروف طبعا، انه لم يتمتع بهذا التعديل بعد ان اغتاله يوم 6 اكتوبر، يوم فرحه ووسط حراسه، على ايدي واحد ممن قدم لهم هذه الرشوة!.

قام السادات بتنفيذ الشق السياسي/الاقتصادي، للاتفاق الضمني، "اتفاق الاختيار"، ولان الحرب هي امتداد للسياسة بأدوات عنيفة، فكانت حرب 73 الجانب العسكري من الخطة السياسية الشاملة، التي قد تبناها السادات ومهد لها علانية .. 99% من اوراق اللعبة في يد امريكا، طرد الخبراء الروس الحليف الاساسي للنظام الناصري، انقلاب 15 مايو 71، والاطاحة بكل رموز النظام الناصري، فتح السجون لتيار الاسلام السياسي اليميني للعمل في الداخل لمواجهة التيار الفتي اليساري والقومي، وفتح الحدود للهجرة لدول الرجعية اليمينية النفطية .. الخ، ولم تمر حرب 73، الا وكان السادات قد فتح ثغرة كبرى فيها!، ومجدداً يقد المجتمع المدني المصري، ابناؤه من جنود وضباط القوات المسلحة، والشرطة، ومن العمال والمهندسين والاطباء والمثقفين، حياتهم فداءً للوطن، ليثب انه الحامي الحقيقي للوطن بلا منازع .. ولكن للاسف، بعد كل هذه التضحيات الجسام، بأقل من ستة اشهر في عام 74، كان اعلان السادات عن الجانب الاقتصادي من الخطة السياسية الشاملة "الانفتاح الاقتصادي"، الاسم المصري للنيوليبرالية الاقتصادية، سياسات افقار الشعب، الذي دوماً يقدم التضحيات، ليتلقى في المقابل، المكافأة، مزيد من التعاسة والبؤس! .. وعندما اراد السادات في 17 يناير 77، تطبيق نسختها الكاملة "العلاج بالصدمة الاقتصادية"، كانت انتفاضة 18 و19 يناير من الاسكندرية الى اسوان، فعاد ادراجة للتطبيق التدريجي السابق لنفس السياسات النيوليبرالية، لتتحقق نفس الشروط ولكن بشكل تدريجي، للناطق باسم حكام عالم اليوم "صندوق النقد" .. خصخصة بعض الشركات العامة، انخفاض قيمة الجنيه، ارتفاع الاسعار، تخفيض الدعم، ارتفاع البطالة .. الخ."


انتبهوا، المطلوب تفجير مصر من الداخل! .. لا تقفزوا في الظلام !
السؤال المسكوت عنه: ماذا بعد رحيل نظام السيسي؟!
هل تدمير سوريا كان بسبب طبيعة الشعب السوري، ام بسبب طبيعة النظام السوري؟!
وهل طبيعة الشعب المصري مثل طبيعة الشعب السوري؟!
وهل طبيعة النظام المصري مثل طبيعة النظام السوري؟!
هذه الاسئلة حاولت الاجابه عليها في 12 نوفمبر 2016، تحت عنوان:
مصر مثل سوريا، مصر مثل مصر!(4)


الهدف الاستراتيجي تقسيم مصر!(5)
عاشت مصر حره موحدة، غير مقسمة.



هام جداً
الاصدقاء الاعزاء
نود ان نبلغ جميع الاصدقاء، ان التفاعل على الفيسبوك، انتقل من صفحة سعيد علام،واصبح حصراً عبر جروب "حوار بدون رقابة"، الرجاء الانتقال الى الجروب، تفاعلكم يهمنا جداً، برجاء التكرم بالتفاعل عبر جروب "حوار بدون رقابه"، حيث ان الحوار على صفحة سعيد علام قد توقف وانتقل الى الجروب، تحياتى.
لينك جروب "حوار بدون رقابه"
https://www.facebook.com/groups/1253804171445824


المصادر:
(1) بالفيديو.. حقيقة ما قاله أبو الغار عن "عك" الدستور أثناء "عشاء الجيش".
https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=17122013&id=90635fd5-96ea-4046-9620-02519f87c947&fbclid=IwAR1uKnoUbKBH0rSH0NldtGBcsjD-H9TZ6zsmhX4ZVMi_-oKoeuwxKidb8Pk
(2)دستور 2014، العدل في 2019.
https://manshurat.org/node/14675
(3) الوطنية هي الملاذ الأخير للأوغاد

صمويل جونسون شاعر وناقد وكاتب بريطاني من مواليد إنجلترا ليشفيلد بمقاطعة ستارفورد ، مواليد عام 1784 ودرس في جامعة أكسفورد…
(4) مصر مثل سوريا، مصر مثل مصر!
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=537757
(5) أحترسوا: ليس فشل او سوء ادارة، انه مستهدف ومخطط له! الكارثة امام الباب. لو كان فشل او سوء اداره، فعلاجه امر مختلف كلياً، عماً لو كان مستهدف ومخطط له.
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=753989&fbclid=IwAR2CS9ZWnuTVWi3yaz7Gcf_6NAzJjDJFXUZqgTCkaL1zeP8T_yrHRMBF5z8








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون يعلن البدء ببناء ميناء مؤقت في غزة لإستقبال المساع


.. أم تعثر على جثة نجلها في مقبرة جماعية بمجمع ناصر | إذاعة بي




.. جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ


.. ما تأثير حراك طلاب الجامعات الأمريكية المناهض لحرب غزة؟ | بي




.. ريادة الأعمال مغامرة محسوبة | #جلستنا