الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عنف في الظهيرة 1966(ناغيسا اوشيما):القاتل الوهمي

بلال سمير الصدّر

2022 / 5 / 4
الادب والفن


المخرج الياباني ناغيسا أوشيما والذي غالبا ما يطلق عليه بغودار الشرق،هو احد اكثر فناني السينما استفزازا في القرن العشرين،وتحدت اعماله عالم السينما وصدمتهم لعقود،وبعد صعوده الى مكانة بارزة،انطلق اوشيما لتاسيس شركة الانتاج الخاصه به Sozo-Sha في أوائل الستينات ،وكان هذا التحرك ايذانا بفترة غزيرة منحياته المهنية أدت الى ولادة الأفلام الخمسة الطليعية التي دعيت بافلام الكسوف،أو افلام الخارجين عن القانون،وهي على التوالي:
بهجة اللحم 1965
عنف في الظهيرة 1966
لنغني اغنية عن الجنس 1967
صيف ياباني:انتحار مزدوج 1967
ثلاثة مخمورين 1968
ومما لايثير الدهشة،ان هذا الاستوديو المنشق كان مفتونا بقصص الغرباء-القتلة المتسلسلون-المتعة المسعورة-وغير الأسوياء من فئة المنبوذين اجتماعيا الذين سنقابلهم في هذه الادخالات الجريئة.
مما يعني بحال من الأحوال،انفصال تام عن قواعد نظام الاستوديو الياباني بغرض صناعة افلام متداخلة التعقيد،تعتمد على كسر قواعد السرد وبالطبع كانت تخوض في عالم التابوو المفضل لدى ناغيسا أوشيما.
كنا قد تحدثنا سابقا عن فيلم (بهجة اللحم)،ورأينا فيه قصة منفصلة عن هموم أوشيما المحورية،على ان اسقاطاته كانت واضحة،بينما(لنغني اغنية عن الجنس) بدت قصة مرتبطة جدا بالهم السياسي الاجتماعي الخاص بالشبيبة اليابانية،على أن الفيلم حتما من الممكن استبعاد منه أي قيمة خلف القصة،والنظر الى القصة ببعدها الخاص جدا حتى من دون النظر او الانتباه لفكر باتاي الذي كان احيانا يقطر من بعض لقطات الفيلم.
فيلم عنف في الظهيرة 1966،هو فيلم طليعي من عدة نواحي،منها كسر قواعد السرد المألوفة،والانتقال العشوائي في الزمان بين ماضي وحاضر الفيلم،واعتماده على اللقطات المفردة،والتركيز المطول على الوجه-ثيمة بيرغمان المألوفة-وخلق ايضا سيمات خاصة مستقاة من علم النفس أو ربما تخدم علم النفس،واعتماده ايضا على حنكة المشاهد التي من خلالها ربما سيفهم مبررات جرائم (ايساكه) التي وصلت الى خمسة وثلاثين جريمة.
وعلى ان الفيلم هو قصة خاصة،بل خاصة جدا بعيدة نوعا ما عن هموم أوشيما المحورية الاجتماعية المتعلقة بالشبيبة اليابانية بالأساس،ولكن هذا لاينفي أن الفيلم محمل بالقيم الاصلية التي كانت مميزة لعالم أوشيما هذا المبدع الياباني الكبير،بل ويبدو أن جورج باتاي صاحب القيمة الفلسفية العليا في فكر أوشيما من حيث(بنيوية)مواضيعه واستلهاماتها الفكرية...
فكلمات على شاكلة (الموت والقتل والانتحار والجنس والحب والاغتصاب)،تختصر مواضيع مجردة هي محور هذا الفيلم،ومحور كل قصص أوشيما،كما ان عنف في الظهيرة هو فيلم الثيمة الاساسية عند جورج باتاي:الحب والموت،وهي التي سيعالجها اوشيما مطولا-كما نعرف-في امبراطورية الحواس.
في المشهد الأول من الفيلم يدخل ايساكا القاتل المتسلسل-الذي يدعوه اوشيما بالقاتل الوهمي- علما اننا رفضنا هذه الترجمة للجملة في البداية،ولكن بعد مراجعتنا لأكثر من مقال نقدي عن الفيلم وجدنا ان ترجمة(قاتل وهمي) صحيحة-حيث الخادمة شينو تعمل في المنزل والتي تقابل موجات العنف بالغناء،ومبدأيا لانعرف ما الذي يحدث،ولكن اللقطة التي اوحت أن العنف هو موجه بالأساس الى شينو سيتحرك متواريا مخادعا المشاهد نحو سيدة المنزل.
تعود لقطة في ذاكرة ايساكا(صامتة تماما) الى مشهد عن حالتين انتحار مشتركة لرجل وامرأة،والمرأة هي شينو بالتأكيد التي تقفز اللقطة لترينا ان ايساكا يقوم بتعريتها في مشهد الذاكرة.
اللقطة التي أمامنا توحي ايضا أن موضوع الاغتصاب هو شينو،ولكننا لاحقا سنعرف انه كان موجها لسيدة المنزل من قبل ايساكا.
عندما تعمد اللقطة لمثل هذا الاسترجاع،فهذا يعني ان لقطة الذاكرةهي لقطة أهم مما يحدث الآن،أو ربما هي السبب فيما يحدث حاليا.
فالواقع الآن مفضي تماما الى الماضي،لأن ايساكا يعمد الى اغتصاب فاشل هدفه محاكاة لقطة الذاكرة تماما،أي اللقطة التي يقوم فيها ايساكا بتعرية وتحسس جسم شينو في الماضي.
ومع هذا الاندفاع المخالف للمألوف في عملية السرد،يربط اوشيما الواقع الفيلمي بواقع آخر ماضي من واقع الفيلم نفسه،ويمشي بطريقة غير مألوفة ايضا لتوضيح أو لتفتيت عملية السرد غير المألوفة.
عندما نتساءل مع بداية الفيلم:
هل قتل ايساكا شينو حقا،وان كانت اللقطة قد اوحدت بذلك بشدة،لماذا سنكتشف ان القتل كان موجه لسيدة المنزل وليس شينو...الدافع هو غريب،واذا اردنا أن نفهمه لابد من الربط بين لقطتين الماضي والحاضر.
قلنا بأن هذا التداخل هو احد مفاتيح الابداع الفيلمي،فناغيسا يعالج قصة (ربما تكون تقليدية)،ولكن بطريقة مختلفة تماما،فالحكاية هي حكاية قاتل متسلسل يدعى في الفيلم بالقاتل الوهمي يقتل مرة أخرى بنفس الطريقة.
هنا تبدا مراسلات من نوع غريب بين شينو والسيدة كورا(ستسوكو)،وهذه الأخيرة هي زوجة ايساكا..,هذه المراسلات تستخدم العبارة المكتوبة التي تظهر على الشاشة:
عزيزتي السيدة كورا:زوجك قاتل وهمي(متسلسل) والضحية هي ستسوكو
بقلم:شينو زاكي...
من الواضح ان الضحية حسب ماتشير شينو هي ستسوكو اي السيدة كورا نفسها زوجة ايساكا
ومن ثم،نلاحظ أن ستسوكو تخاطب قبرا هو قبر غانجي المنتحر في لقطة الذاكرة،لتبدأ هذه اللقطة بسرد شذرات من الماضي،فمن هو غانجي وما علاقته شينو و ستسوكو به،وان كنا قد عرفنا ان ستسوكو هي زوجة ايساكا،فما علاقة ايساكا بشينو وغانجي...؟!
الفيلم هو التماس دليل للربط بين هذه الشخصيات،والأحداث المتداخلة مع بعضها البعض...
هناك طوفان في الماضي ومن الواضح ان غانجي كان هو القائد...
يقول ايساكا لغانجي:ليس لدي الأموال لأستثمارها،قبل ذلك جمعت أوساخ الخنازير،فكيف من الخطأ بيع الخنازير الميتة..؟!
على القارئ التركيز قليلا...أوشيما أراد ان يقول:ليس من الخطأ اغتصاب خنازير ميتة
وعليه-اي القارئ-ان يربط هذه الجملة بما هو قادم لاحقا
تقول ماتسوكو:تتحدث عن الحب كثيرا...يجب ان لاتتوقع مكافأة عندما تقع في الحب
يقول احدهم:عندما يقع المرء في الحب،يجب ان ينغمس في الحب...
ماتسوكو:بالضبط،اوافق،عندما تكون في حالة حب عليك ان تفعل الشيء الصحيح،لاينبغي للمرء ان يفكر في اي شيء آخر...هذا يسمى الحب بدون مكافاة.
هكذا تكتمل التابوهات...الحب والقتل...العلاقة المعقدة بين الجنس والموت
يظهر غانجي بشحمه ولحمه،وهي تناجيه في قبره وكانه يعاتبها عن اخطاء الماضي...عن مبادئ الماضي،وهذا ايضا اشكال سردي غير مألوف،إذا اردنا قياسه على اي شكل سردي مألوف...
تبدا الحبكة بالتفكك عندما يحضر ايساكا الى زوجته (ماتسوكو):
تطلب منه النوم معها...يرفض...تواجه بجملة: ألا تستطيع ان تنسى شينو
تبدأ علاقة ايساكا بشينو عندما يؤمن لها فرصة عمل معه في المزرعة،لأن شينو متزوجة من سكير يدعى ديماتسو...
شينو لازالت تراسل ماتسوكو مستخدمة نفس الاسلوب:العبارة المكتوبة التي تظهر على الشاشة
من الواضح ان ماتسوكو تحب غانجي الذي هو بالأساس يستغل حب شينو لأنه اقرضها مبلغا من المال واصبحا حديث القرية بينما ايساكا في نفس الوقت واقع في غرام شينو...
وتستكمل الاحداث بالتالي:غانجي يكره الحياة لسبب غير مشروح مطولا في حبكة الفيلم،فيهم الى الجبال لينتحرويطلب من شينو الانتحار معه:إذا كنت تحبيني فلابد لك من الموت معي...
ينتحر غانجي شنقا قبل لحظات من اعلانه رئيسا على القرية،تهم شينو بالانتحار،ولكن ايساكا الذي كان معها منذ بداية رحلتهما الى الجبال ينقذ شينو في اللحظات الاخيرة ويتوهم بانها ميتة(منتحرة)فيغتصبها.
عندما تعاتب شينو ايساكا عن فعلة الاغتصاب...يرد بالتالي:
لقد فعلتها لأنك كنت جثة ولست حية...انت مجرد جثة فما المشكلة...؟!
هنا نصل الى تحليل الدافع الجرمي عند ايساكا الغريب اتم الغرابة:
ايساكا واقع في غرام شينو،لكنه لايستطيع فعل الحب معها لأنها ترفضه والاغتصاب قبيح بالنسبة اليه،هذا من ناحية...كما انه مرتبط مع ماتسوكو بعلاقة زوجية مبنية على الاخلاص الداخلي حتى وان كان لايحبها.
بالنسبة لايساكا،ان ماتت شينو فلاخير في فعل الحب معها لأنها ليس أكثر من جثة،وبالتالي فهو يتخيل كل النساء بانهم شينو ومن ثم يغتصبهم بعد القتل...
ايساكا لايبرر فعل القتل،فالقتل بالنسبة اليه فعل خارجي لابد من حدوثه ليحقق الحب مع شينو،فالقتل هو الفعل غير الواعي من قبل هذا القاتل المهووس الذي بالنسبة اليه هو المبرر الوحيد لجماع شينو...ايساكا يبحث عن الموت نفسه...يتمنى تحقيق الموت نفسه لضحاياه وليس قتلهن...
ولكن،لماذا لايقتل ايساكا شينو ومن ثم يحقق معها فعل الحب المنشود مع كل هذا التكرار الجرمي...؟
ببساطة ايصا،لأنه يحب شينو ولايستطيع قتلها
هو يعيش في وهم من نوع غريب...هو يتمنى الموت لكل ضحاياه الذي يرى فيهن شينو،ولكن ان نظر بعين الحقيقة مرة واحدة فهو لايستطيع تحقيق الموت لشينو لأنه يحبها...
والسؤال ايضا،لماذا تحمي المرأتان-شينو وماتسوكو-هذا المجرم...؟
لأن كلتاهما تشعر باحساس الولاء المنحرف له،احداهما لأنه زوجها والأخرى لأنه انقذ حياتها...
الحبكة،على الرغم من عشوائيتها وامتدادها(جرائم القتل)،على ان هذا الامتداد،امتداد سطحي يحدث في منطقة ضيقة جدا ويتعلق باربعة شخصيات فقط:
ايساكا وشينو وماتسوكو وغانجي
ولكن،غذا اردت ان تربط الفيلم بهم اساسي أكبر،حاول ان تفسر لماذا دعى ناغيسا اوشيما قاتله بالقاتل الوهمي.
19/01/2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس


.. فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن




.. كريم السبكى: اشتغلنا على فيلم شقو 3 سنوات


.. رواية باسم خندقجي طلعت قدام عين إسرائيل ولم يعرفوها.. شقيقته




.. كلمة أخيرة - قصة نجاح سيدة مصرية.. شيرين قدرت تخطي صعوبات ال