الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اقتحامات المسجد الاقصي وآليات الاستعمار

معاذ محمد

2022 / 5 / 5
القضية الفلسطينية


" لا خلاص إلا بالخلاص من كامب ديفيد . العودة إلي العرب والحرب . حرب أبدية والويل لعملاء التطبيع " (1)
في أول زيارة لرئيس وزراء إسرائيلي لمصر منذ عشر سنوات اجتمع عبد الفتاح السيسي ونفتالي بينيت بمدينة شرم الشيخ ، بعد عدة أسابيع هبطت أول رحلة لشركة مصر للطيران في مطار بن غوريون بتل أبيب . وفي شهر أبريل الماضي أقلعت أول رحلة طيران مباشرة من مدينة تل أبيب إلي شرم الشيخ المصرية ، وقد تم الاتفاق علي المسار الجديد للرحلات الجوية وتقرر في الأصل افتتاحه خلال أيام عيد الفصح اليهودي.
منذ عدة أيام جاء تقرير لصحيفة " هرتز " وضح فيه الكاتب الفوائد الاقتصادية للرحلات الجوية المباشرة من إسرائيل إلي مصر مع فقدان السياح الروس والأوكرانيين بسبب الحرب ، ويقول أن توسع أصداء الصدمة من الحرب طال المحلات والمطاعم التي تحمل اللافتات الروسية في خليج نعمة بشرم الشيخ . كما يشير إلي ترحيب التجار والسائقين بالزوار الإسرائيليين لمواجهة رحيل السائح الروسي ، كحدث يرتبط بارتفاع أسعار المعيشة في مصر والأزمة الاقتصادية التي تواجهها الدولة في مسألة الدين الخارجي .
" الأمم مثل الروايات تفقد جذورها في خضم الزمان وأساطيره ، ولا تستعيد أفقها إلا في الخيال " (2)

قام الحاخام جوشوا بيرمان الأستاذ بجامعة بار إيلان بتنظيم جولات من السياحة الدينية " اليهودية " في مصر يناير 2022 ، حاول من خلالها ربط المعتقدات التوراتية بأدلة أثرية من مصرالقديمة تشير إلي الخروج خصوصاً وإلي فاعلية الإله اليهودي في التاريخ عموماً . الحاخام الذي يخطط لرحلتين قادمتين في الشتاء يقول : " قبل 3000 عام كان اليهود عبيداً لفرعون مصر ، في ليلة عيد الفصح الآن يمكننا الاحتفال بالتحرر من الاضطهاد المصري "
" القول بوجود أمة يهودية هو بمثابة حض ليهود العالم علي عدم التمثل والانصهار في المجتمع الحديث " (3)

لرؤية تلك الأحداث داخل إطار نظرة عامة منفتحة علي تقبل أنماط سلوك الكيان الصهيوني متعددة الأشكال والأنماط ، ينبغي الإشارة إلي الوجه الآخر/ الباطني لذلك التوسع الخارجي في العلاقات مع الدولة المصرية . خلال أيام عيد الفصح شهد المسجد الأقصي اقتحامات متتالية للقوات الإسرائيلية لتأمين جولات الجماعات الدينية اليهودية " جماعات الهيكل " داخل المسجد الأقصي ، تلك المساعي للتوسع الاستيطاني " الداخلي " في مدينة القدس ومحاولات إظهار السيادة الفعلية علي المسجد الأقصي والأماكن الفلسطينية المقدسة " كنيسة القيامة " ، تأتي تحت غطاء خطاب يتخيل سردية تربط التاريخ وعلم الآثار الحديث بالروايات التوراتية ويتذرع بالجماعات المتطرفة والسياحة التهويدية كقوة تنفيذية لتحقيق مخططات الدولة الصهيونية في إسكات التاريخ الفلسطيني عبر آليات إنكار الزمان والمكان وطمس المعالم الإسلاميّة والتاريخيّة.
كتبت راشيل فيلدمان مقالاً في مجلة " الدراسات الاستعمارية الاستيطانية " بعنوان : ( الحج إلي جبل الهيكل باسم حقوق الإنسان ) أشارت فيه إلي استخدام الدولة الإسرائيلية للممارسات الدينية وطقوس التقوي اليهودية في الحرم القدسي لتأطير الغزو بلغة الدولة الليبرالية ، وتغييب السلوك الإستعماري الاستيطاني بخطاب ليبرالي يدعو إلي حقوق الإنسان والحرية الدينية. تعالج تلك الرؤية الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى من قبل الجماعات الدينية اليهودية ، كوسيلة استراتيجية للمشروع الاستعماري الذي تتشكل عناصره الأساسية من الحجاج / المتطرفين اليهود و المؤسسات العلمانية للدولة الصهيونية ، لفرض السيطرة علي مدينة القدس والمحافظة علي الوضع القائم . تقول المؤلفة : " إن الخطاب الحقوقي لليهود بتقديم ذاتهم كضحايا لحالة الفصل العنصري في المسجد الأقصي الذي يحتله الفلسطينيون ، وسيلةٍ لتنفيذ سياسات دولة الاحتلال ومنحها هامشاً للمناورة . تحتمي الأخيرة بهذه الجماعات، بصفتها شعبيّةً قاعديّة ولا تمثّل سياساتها الرسميّة ". (4)
" الأمم ذاتها هي سرد روائي . القدرة علي سرد الروايات ، أو إعاقة سرد روايات أخري بديلة ومنعها من التشكل والظهور عامل مهم جداً بالنسبة للثقافة الإمبريالية " (5)
تشكل خطاب الدراسات التوراتية التقليدية [ تحت تأثير الظروف السياسية – الاجتماعية لأوروبا في العصر الحديث ] داخل إطار الثقافة الأوروبية ونزعتها الإمبريالية وتصوراتها عن الدولة القومية الحديثة. وذلك من أجل الربط بين الماضي الإسرائيلي القديم – الذي تم تضخيمه والمبالغة في إعادة إنتاجه بوصفه تاريخ شامل وعام لفلسطين التاريخية - والدولة الإسرائيلية الحديثة التي أسستها الحركة الصهيونية علي شاكلة الدولة القومية في أوروبا منذ الثورة الصناعية.
"واستمر خطاب الدراسات التوراتية في إنكار المكان والزمان علي التاريخ الفلسطيني ، فقد أعطي هذا الخطاب الزمان وخاصة - من العصر البرونزي المتأخر إلي العصر الحديدي - ، وكذلك المكان الجغرافي – فلسطين التاريخية - لإسرائيل فقط "(6) أما الكنعانيون والفلستيون والفئات المحلية الأخري من سكان البلاد الأصليين ، فقد منحها الخطاب التوراتي التقليدي إمكانية الوجود في هذا المكان والزمان ، حسب الشروط التي تمليها إسرائيل .
كما ظل تاريخ فلسطين وخاصة من القرن الثالث ق.م حتي القرن الثاني الميلادي ، لا وجود له عمليا إلا كخلفية لتواريخ إسرائيل ويهودا أو فترة الهيكل الثاني اليهودية . وفي مقابل هذا التهميش وعدم السماح للتاريخ الفلسطيني القديم بالوجود ، تم اختراع " إسرائيل القديمة " من خلال الدراسات التوراتية التي سيطرت عليها فكرة أن فهم تاريخ إسرائيل القديمة جوهري لفهم التوراة العبرية .
المصادر:
1- نجيب محفوظ – يوم قتل الزعيم
2- كتاب : الأمة والسرد ، هومي بابا . ص 11
3- لينين والمسألة اليهودية ، جورج طرابيشي
4- اقتحامات المسجد الأقصي : الشعائر الدينية وحقوق الانسان كأدوات لسيطرة الاحتلال . رشيل فيلدمان ، ترجمة آيات عفيفي
5- ادوارد سعيد ، الثقافة والإمبريالية
6- كتاب : اختلاق إسرائيل القديمة ، كيث وايتلام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بهجمات متبادلة.. تضرر مصفاة نفط روسية ومنشآت طاقة أوكرانية|


.. الأردن يجدد رفضه محاولات الزج به في الصراع بين إسرائيل وإيرا




.. كيف يعيش ربع سكان -الشرق الأوسط- تحت سيطرة المليشيات المسلحة


.. “قتل في بث مباشر-.. جريمة صادمة لطفل تُثير الجدل والخوف في م




.. تأجيل زيارة أردوغان إلى واشنطن.. ما الأسباب الفعلية لهذه الخ