الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إقليمي الوسط و الجنوب المزمع إقامتهما في العراق

علي ماضي

2006 / 9 / 14
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


يبدو أن العد التنازلي لطرح مشروع إقليمي الوسط والجنوب، الذي تنادي به كتلة الائتلاف الموحد، قد بدأ،تطبيقا لدستور العراق الذي يجيز إنشاء أقاليم في العراق الاتحادي الديموقراطي الجديد.
إن المعطيات الإحصائية لمختلف دول العالم، في جنوب الكرة الأرضية، وشمالها، وشرقها وغربها، يشير إلى أن النظام الاتحادي، هو من انجح ألأنظمة السياسية، وأكثرها استقرارا من بين كل تلك الأنظمة التي جربها الإنسان، لكون المناخ الاتحادي يقطع الطريق على إقامة الأنظمة الديكتاتورية، ويقلص دور الدولة المركزي، حيث انه يعطي صلاحيات واسعة إلى حكومات الأقاليم، لا بل أنّ تلك الدول لم تنهض اقتصاديا واجتماعيا، ولم تتطور إلا بعد ولادة النظام الاتحادي على أراضيها، لأنه يثير روح التنافس بين الأقاليم، وينشط الوعي الرقابي العام(رقابة الفرد على السلطة)، ويرتقي بوعي الفرد إلى مساءلة السياسيين عن أسباب التخلف عن باقي الأقاليم الأخرى، كالسؤال الذي طرحه الشارع في محافظات الجنوب، عن سبب عدم بدء حركة ألأعمار في الجنوب، في حين أن حركة الأعمار قائمة على قدم وساق في المحافظات الشّمالية؟
على الرغم أن هذا التساؤل لم يكن مبني على معطيات إحصائية، ولكن أهميته تكمن في القدرة على طرح مثل هكذا الأسئلة، مبنية على المقارنة المُنتَجة من تحسس الاختلاف، والذي سيقود في المستقبل إلى أجوبة صحيحة، تُشَخِصُ عجزاً ما هنا وسوء إدارة هناك، فيما لو توفرت صحافة حرّة غيرُ مُسَيّسَة، ومراكز بحوث ودراسات، تضع بين يدي الفرد بيانات إحصائية تمكنه من المقارنة وبالتالي اتخاذ القرارات الصائبة.
إذا كانت كل هذه الايجابيات تنطوي تحت لواء النظام الاتحادي، ما المانع من إقامة إقليمي الوسط والجنوب أذن ؟
وكلنا يعلم من أن أهل الوسط والجنوب يملكون المقومات الأولية لإنجاح ألإقليم، من تجانس مذهبي، ولغة موحدة، ...الخ
ولكن المتتبع للوضع السياسي العراقي يستطيع أن يُشَخِصُ أن هناك مخاوف، من إقليم الجنوب المزمع أقامته في العراق، يحق لنا أن نتساءل عن سبب هذه المخاوف؟ هل هي نابعة لأصل فكرة إنشاء هذين الإقليم؟! أم أن المخاوف سببها نظام الحكم الذي سيدير هذين الإقليم؟
من خلال متابع ردود الأفعال الدولية والإقليمية، والمحلية ، أرى أنّ المخاوف تكمن في النقاط التالية:
1. مخاوف دولية:
• كنت قد أشرت في مقال سابق(العولمة) 1 إلى أن العالم يسعى للتخلص من الأفكار العنصرية ،(ويضعون على راس القائمة الأفكار الأصولية )2،للتخفيف من شدة صدام الحضارات تمهيدا لامتزاجها ،وتشكيل ثقافة أممية واحدة،هذه هي الإستراتيجية الغربية عموما،والأمريكية خصوصا ،في مشروع التغير نحو شرق أوسط كبير(جديد)، لذا ليس من المعقول أن الولايات المتحدة ،و قوّات التحالف ،عبرت المحيطات ،بترسانتها العسكرية الضخمة ،وأنفقت ما أنفقت من اجل ،إقامة إقليم في الجنوب ،يحكمه الإسلام السياسي ،فهذا يعد عبثا ،وفقا للمنظور السياسي ألأمريكي ،وتراجعا ،بحسب مفاهيم العولمة.
• مخاوف أمريكية عكسها خطاب رئيس الأمريكي جورج بوش( كان واضحا في شرح الاستراتيجية المستقبلية حيال مصير العراق فقد صرح الرئيس بوش قائلا: (( الرحيل قبل إنجاز مهمتنا سيؤدي إلى قيام دولة إرهابية في قلب الشرق الأوسط، دولة تمتلك احتياطيا ضخما من النفط )) والجهة المقصودة في كلام بوش التي أراد إرسال رسالة لها معروفة، فالثروة النفطية توجد ضمن المنطقة الجغرافية للأحزاب الشيعية، والتنظيمات التي تتصادم مع المشروع الأمريكي أيديولوجيا وسياسيا هي التنظيمات الشيعية التي هي بنظر أمريكا تنظيمات إرهابية حليفة لدولة إرهابية هي إيران ) 3

2. مخاوف إقليمية:
• كلنا يتذكر تحذيرات ملك الأردن حول ما اسماه بالهلال الشيعي، ومن ثم تبعتها تصريحات الرئيس مبارك، التي أشار فيها إلى تبعية الشيعة في العراق إلى إيران، والتي أثارت موجة من الاستنكارات، وسواء كان مبارك، وعبد الله محقين أم لا فهذان التصريحان يشكلان تعبيرا لا لبس فيه عن وجهة نظر إقليمية، وليست شخصية.
3. مخاوف محلية
• احتمالات شبه مؤكدة من أنّ تناحراً على السلطة سيندلع بين المليشيات الدينة المسلحة التابعة لرجال الدين، وخصوصا أن هؤلاء الناس لا يعرفون معنى السياسة، إذ إنهم، يتبنون سياسة ألإقصاء، و لا يقيمون وزنا للرأي الآخر، لأنهم يبجلون قادتهم حدّ التقديس، والعصمة، وهناك الكثير من الشواهد أخرها، ما قامت به مليشيا حزب الفضيلة من مهاجمة مكاتب حزب الإتحاد لأن جريدة التآخي تعرضت بالنقد لمرشدهم الروحي اليعقوبي.
• مخاوف(دولية، محلية) من إنشاء دستور ذو طابع إسلامي متشدد، يقيد الكثير من الحريات الشخصية، منها حرية المرأة، وحرية إبداء الرأي، وحرية الصّحافة، وغيرها من الحريات ألأخر.
• مخاوف سُنيّة من أن تكون الأقاليم هي الخطوة الأولى إلى تقسيم العراق إلى دويلات، يحظى القسم الجنوبي منها، والقسم الشمالي بمعظم ثروات البلد، في حين تخرج المناطق السّنيّة بخُفي حنين كما يقول المثل الشائع، فالصراع القائم الآن بين السّنة والشّيعة هو صراع على الثروات ليس أكثر، ولو كان أهل السنة هم من يملكون الثروات لانقلبت أطراف المعادلة تماما، حيث (سيأخذ السّنة الوطن، وأدواته المعهودة السّلطة، والجيش، ولأخذ الشّيعة الوطنية مع أدواتها المعهودة المقاومة، والسجون) 4
إن عدم الترحيب هذا سيشكل عائقا واضحا، في نمو هذا الإقليم اقتصاديا، وربّما سيعاني من عزلة سياسية تجعله يرتمي بين أحضان إيران لأنها ستكون مآله الوحيد، وكلنا يدرك ما تعانيه إيران من عزلة وعدم قبول دوليين إذ أنها تصنف على إنّها من الدّول الرّاعية للإرهاب.
ومن هذا أستطيع أن اخلص إلى أنه ليست لدى العالم أية مخاوف من إقليمي الوسط والجنوب لأن هذا حق كفله الدستور العراقي، وأقرته الأعراف الدولية، ولكن المخاوف تكمن من أن يقود هذين الإقليمين، الإسلام السياسي .
لماذا يصرّ الائتلاف على عدم تأجيل موضوع الأقاليم؟
من ضمن الأفكار المطروحة هو تأجيل مشروع إقامة الأقاليم، إلى فترة زمنية معينة، بعد أن يسترد المواطن العراقي أنفاسه، ويستعيد توازنه، ويخرج من دوامة الإرباك التي تحيط به، ويميز الغث من السمين، ويستوعب حجم التغير الذي المّ به، بشكل مفاجئ وغير مخطط له، إلا أن كتلة الائتلاف تُصرُّ على إقامته بأسرع وقت، بحجة مظلومية الشّيعة في الجنوب، وبحجة انه ضربة قاضية لدكتاتورية المركز، وغيرها من كلمات الحق التي يُراد منها باطلا، والحقيقة أن سبب العجلة الائتلافية، هي أنهم يريدون اغتنام الفرصة، واستغلال سذاجة الشيعة في الجنوب، الذين تتحكم فيهم المرجعيات الدينية، والذين هم غير مؤهلين تماما لاتخاذ، ابسط القرارات، ناهيك عن اتخاذ مثل هكذا قرارات مصيرية.
والخلاصة إنّ لإقليمي الوسط والجنوب منافع فيما لو أقيما تحت نظام حكم علماني ديموقراطي، لا يثير حساسية المنطقة ولا يقيد الحريات الدنية ويحترم باقي الأثنييات، والأديان والمذاهب ولكن اثمهما سيكون أكبر، بالنسبة إلى العراق والعراقيين عامة، وبالنسبة إلى أهل الجنوب خاصة، فيما لو كان نظام الحكم فيهما يديره الإسلام السياسي، فمصيره سينتهي كما انتهى مصير الحكومة الفلسطينية التي شكلتها حماس، حيث عانت من عزلة سياسية، أدت إلى أزمة اقتصادية خانقة وصلت إلى حد العجز عن دفع رواتب موظفي الدولة ،الذين خرجوا بتظاهرات أدت إلى إسقاطها،وهكذا ضاع قرابة العام من زمن كلّ شيء في فلسطين ،وحسب ظني انه ما عاد في زمن العراق بقية لتضيع .

علي ماضي
13/9/2006


1. العولمة مقال منشور على الحوار المتمدن تحت هذا الرابط http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=44050
2. كل فكر يدعي أن قضاياه حقائق إلهية مطلقة لا تقبل الجدل أو النقاش
3. سلام فاضل عليhttp://www.kitabat.com/i19040.htm
4. حسن علوي العراق الأمريكي ص24








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العراق: السجن 15 عاما للمثليين والمتحولين جنسيا بموجب قانون


.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. هل تنهي مفاوضات تل أبيب ما عجزت




.. رئيس إقليم كردستان يصل بغداد لبحث ملفات عدة شائكة مع الحكومة


.. ما أبرز المشكلات التي يعاني منها المواطنون في شمال قطاع غزة؟




.. كيف تحولت الضربات في البحر الأحمر لأزمة وضغط على التجارة بال