الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرحية الجدار

طلال حسن عبد الرحمن

2022 / 5 / 5
الادب والفن


مسرحية من ثلاثة فصول






الجدار







طلال حسن







الفصل الأول


فاطمة امرأة في السبعين ، ترتب أثاث
الردهة ، يدخل نبيل ، شاب في الخامسة
والعشرين ، فاطمة تنظر إليه ، وتتأمله
في حب وفرح

نبيل : صباح الخير ، مازلتِ تستيقظين قبل
الديكة ، ماذا تفعلين منذ الآن ؟
فاطمة : صباح النور ، إنني أرتب الردهة ، يبدو
أن ماما لم تستيقظ بعد .
نبيل : لم أسمع صوتها .
فاطمة : إنها تستيقظ عادة في الفجر .
نبيل :" يطوقها بذراعيه " فاطمة ، تعال
معي.
فاطمة : إلى أين ؟
نبيل : نرى الصبح في الشوارع .
فاطمة : " في عتاب " نبيل .
نبيل : إن شوارع بغداد جميلة في الصباح .
فاطمة : تناول فطورك أولاً .
نبيل : لستُ جائعاً .
فاطمة : لكنك لم تتناول عشاءك أمس .
نبيل : تناولت عشائي في النادي .
فاطمة : لقد انتظرتك حتى ساعة متأخرة ، نبيل
ابقَ معنا .
نبيل : إنني مشتاق إلى بغداد ، دعيني أشبع
منها أولاً .
فاطمة : نحن أيضاً مشتاقون إليك ؟
نبيل : سأمكث بينكم حتى تشبعون مني .
فاطمة : لن أشبع منك أبداً " تقبله " إن الغربة
قد أنحفتك ، كان جسمك ممتلئاً قبل أن
تذهب إلى .. ماذا يُسمونها ؟ إنني أنسى
اسمها دائماً .
نبيل : لندن .
فاطمة : نعم ، لندا ؟؟
نبيل : " يضحك " لند .. ن ؟
فاطمة : لندا ..
نبيل : " يضحك " ....
فاطمة : لن أتعام اسمها ، لكني أحببتها ، لأنك
كنت تعيش فيها ، لو تعلم كم اشتقتُ إليك
، كنت أخشى أن أموت قبل أن أراك
ثانية .
نبيل : لكنكِ كنت دائماً معي .
فاطمة : لم تنسني إذن .
نبيل : وكيف أنساك ؟
فاطمة : نبيل ، تناول فطورك اليوم معنا .
تبيل : " يبتسم " ....
فاطمة : ماذا تقول ؟
نبيل : ماذا تريديني أن أقول ؟
فاطمة : لا تقل لا ، من أجلي .
نبيل : لا .
فاطمة : " بخوف " نبيل .
نبيل : لن أقول لا .
فاطمة : " بفرح " ليحفظك الله ، لقد أفرحتني .

يُسمع وقع أقدام ، يفتح الباب ،
وتدخل الأم ، امرأة في حوالي الخمسين

الأم : " لفاطمة " هل أعددت الفطور ؟
فاطمة : الشاي أوشك أن يغلي ، وقد اشتريت
الخبز ، و ..
الأم : : تقاطعها بجفاء " من يقول أن الشاي لم
يغل ِ ، ويفسد الطباخ ، مادمتِ تثرثرين
هنا ، منذ ساعة .
فاطمة : لقد دخلتُ منذ لحظة لأرتب الردهة ؟
الأم : اذهبي إلى المطبخ .
فاطمة : " تتجه إلى الداخل " حاضر .
الأم : والحليب ، هل غليته ؟
فاطمة : سأغليه الآن " تخرج "

الأم تلتفت إلى نبيل ، وتحدق فيه ،
يبدو التأثر والانزعاج عليه

الأم : لا تبدو مرتاحاً ، هل نمت جيداً ؟
نبيل : نعم .
الأم : إن وجهك شاحب .
نبيل : هكذا خلقتُ .
الأم : ليس من السهر إذن " صمت " لقد
تأخرت البارحة أيضاً .
نبيل : كنت مع صديق ، لم أره منذ فترة
طويلة .
الأم : وقبل البارحة ، وقبلها ، وقبلها ,
نبيل : ماذا يضيرك تأخري ؟
الأم : إنني أمك ؟
نبيل : لم أعد طفلاً .
الأم : نبيل ، أنظر إليّ ، لماذا تبعد عينيك عني
دائماً ؟ ماذا جرى ؟ أنظر إليّ .
نبيل : " يرفع عينيه إليها " ....
الأم : " تنظر في عينيه " ....
نبيل : " يرخي عينيه ، ويطرق " ....
الأم : لا أدري لماذا أشعر ، أن في عينيك شيئاً
لا أفهمه ، ترى ما الذي غيرك ؟ لندن ؟
لا أعتقد " صمت " لم تحدثني عن أبي
نزار .
نبيل : ذهبتُ إليه البارحة .
الأم : حسناً .
نبيل : وكالعادة ، قال لي ، انتظر .
الأم : سأتلفن له ثانية .
نبيل : لا داعي .
الأم : لكن الرجل لم يدخر وسعاً .
نبيل : هناك وظائف كثيرة في الجزائر .
الأم : أعتقد أنك تعرف رأيي في هذا الأمر .
نبيل : لقد مللتُ البطالة ، إن الفراغ هنا يقتلني.
الأم : لن تغادر العراق ثانية ، ستبقى هنا ،
وتعيش معي .
نبيل : " يصمت " ....
قاطمة : " تدخل " الفطور جاهز .
الأم : هل غليتِ الحليب ؟
فاطمة : " تضطرب " يا إلهي ، لقد .. نسيت .
الأم : لا أدري ماذا دهى عقلك هذه الأيام .
فاطمة : سأغليه حالاً .
الأم : رتبي الردهة ، سأعد الفطور بنفسي .
فاطمة : لكني أعددته ..
الأم : لا تثرثري ، رتبي الردهة .

الأم تخرج ، نبيل ينظر إلى
فاطمة ، فاطمة تحاول أن تتشاغل

نبيل : فاطمة .
فاطمة : سأرتب الردهة .
نبيل : لكنك رتبتها .
فاطمة : لم أنتهِ بعد .
نبيل : فاطمة " يحتضنها " إنني أحبك .
فاطمة : " ترفع عينيها إلى نبيل " نبيل ..نبيل : لا تهتمي لشيء .
فاطمة : لن أهتم مادمتُ معك .
نبيل : أنتِ أمي ، وحبيبتي .
فاطمة : لو تعرف كم عانيتُ في غيابك ..
نبيل :إنني معك الآن .
فاطمة : لكنني من أجلك صبرت .
نبيل : ابتسمي .
فاطمة : ليس لي في الدنيا أحد غيرك .
نبيل : أرني ابتسامتك الحلوة .
فاطمة : أنت ابني ، ابني .
نبيل : ابتسمي لابنك إذن .

فاطمة تبتسم ، نبيل
يحتضنها ، يدق جرس الباب

نبيل : سأفتحه عنك .
فاطمة : لا ، هذا وتجبي .
نبيل : لكني ابنك .
فاطمة : ولهذا يجب أن تطيعني .
نبيل : " يبتسم " لقد غلبتني " تخرج "

بعد قليل ، تدخل ليلى ، نبيل ينظر
إليها في دهشة وفرح ، ليلى تبتسم
وهي تتأمل نبيل

نبيل : ليلى !
ليلى : صباح الخير .
نبيل : ليلى ..
ليلى : " تبتسم " أنت تخيفني .
نبيل : ماذا حلّ بليلى ؟
ليلى : المسكينة ، لقد كبرت .
نبيل : هكذا بسرعة ؟
ليلى : ست سنوات ، ست سنوات طويلة ، كان
عمر ليلى وقتها ثلاث عشرة سنة ، هل
تحب عمليات الجمع ؟
نبيل : ليس كثيراً .
ليلى : إنها تخيفني .
نبيل : أعطني الحقيبة ، هل أنت وحدك ؟
ليلى : لا ، لقد جاءت أمي معي .
نبيل : عمتي ؟ لقد شغلتني عنها .
ليلى : ليس هذا ذنبي .
نبيل : ذنب من إذن ؟
ليلى : ربما كان ذنب السنوات الست .
نبيل : : يبتسم " ربما ..

تدخل أم فارس ، فاطمة تدخل وراءها ،
حاملة الحقيبة ، نبيل يهرع إلى أم فارس

فارس : عمتي .
أم فارس : نبيل ، كيف حالك ؟ أرجو أن تكون
بخير .
نبيل : أشكرك ، وأنتِ ؟ تبدو صحتك جيدة ؟
أم فارس : الحمد لله .
نبيل : لقد مرت فترة طويلة ، منذ أن رأيتك
آخر مرة .
ليلى : ست سنوات .
أم فارس : ربما أكثر .
نبيل : كانت أياماً جميلة .
ليلى : ستأتي أيام أجمل .
أم فارس : من يدري .
نبيل : لم تحدثاني عن فارس " صمت حزين
" لقد سمعت أنه في ..
أم فارس : " تدمع عيناها " نبيل ..
نبيل : آسف .
أم فارس : إنني أراه فيك ، أرى أخي ، رائحته
العذبة تفوح منك ، إن أخي لم يمت ، إنه
حيّ يعيش فيك .
ليلى : " في تأثر " ماما .
أم فارس : أنظري ، يا ليلى ، لقد أصبح نبيل رجلاً
، إنه الآن بطول فارس .
ليلى : ماما ، أرجوك .
أم فارس : أتعرف إذن أين هو ؟
نبيل : فارس رجل ..
أم فارس : نعم ، إنه ابني .
نبيل : " بعد فترة صمت " لا أدري قي
الحقيقة ، من أعاتب ، كان عليكما أن
تشعراني بقدومكما .
ليلى : لكني كتبت لك رسالة .
نبيل : لم تصلني .
ليلى : لقد أرسلتها قبل أكثر من أسبوع .
نبيل : " لفاطمة " هل وصلتني رسالة خلال
هذه المدة ؟
فاطمة : نعم .
نبيل : متى ؟
فاطمة : قبل يومين .
نبيل : لم تعطيني إياها .
فاطمة : أعطيتها لماما .
نبيل : ماما .
فاطمة : لم تكن وقتها في البيت .

يُفتح الباب ، وتدخل الأم ،
يسود الجميع صمت متوتر

الأم : يدهشني أنكم لم تنسوا بيتنا بعد .
ليلى : كيف حالك ، يا أم نبيل ؟
الأم : " تلتفت إليها " ليلى .
ليلى : نعم .
الأم : لقد كبرتِ ، مازلتِ في المدرسة ؟
ليلى : إنني طالبة في كلية العلوم .
الأم : آ .
ليلى : في الصف الثاني .
الأم : يبدو أنك لست مع فارس " صمت " هل
أنت معه ؟

صمت ثقيل ، الأم تلتفت إلى
أم فارس ، وتشير إلى نبيل

الأم : نبيل ، ابني ، لقد أرسلته إلى لندن
للدراسة " في تهكم " هل مازلت
تعرفينه؟
أم فارس : " بحدة " نبيل يعرف أنني عمته .
الأم : " بحدة " نبيل ، خذ ليلى إلى الداخل .
نبيل : ماما ، أم فارس متعبة الآن ..
الأم : ألم تسمعني ؟
نبيل : دعيها ترتح قليلاً .
الأم : " بحزم " نبيل .
أم فارس : أرجوك ، خذ ليلى ، أريد أن أتحدث إلى
أمك على انفراد .
ليلى : نبيل ، فلندخل لحظة " صمت " هيا
أرجوك .

نبيل يندفع بانزعاج إلى الداخل ،
ليلى تحمل حقيبتها ، وتمضي وراءه

الأم : " لفاطمة " اذهبي إلى المطبخ .
فاطمة : الحقائب ، هل أحملها إلى الداخل ؟
الأم : دعيها هنا ، اذهبي الآن إلى عملك .
فاطمة : " وهي تخرج " حاضر .
الأم : يبدو أن الموضوع مهم ، مادمت قد
شرفتنا .
أم فارس : نعم .
الأم : فارس .
أم فارس : نعم ، ابني .
الأم : لم أكن أعتقد أنك ستأتين إليّ يوماً من
أجل ابنك فارس .
أم فارس : لكني أتيت .
الأم : لماذا ؟
أم فارس : في وسعك أن تفعلي الكثير .
الأم : " في تهكم " صحيح .
أم فارس : إذا أردتِ .
الأم : ومن قال لكِ إني أريد ؟
أم فارس : ابني قد يواجه الحكم بالموت .
الأم : إنني أعرفك ، أعرفك جيداً ، فلا تعتقدي
إنني لا أعرف أهدافك .
أم فارس : ليس لي هدف سوى إنقاذ ابني .
الأم : أنت لم تأتي إليّ ، فأنت تعرفين إنني لن
أتدخل من أجل فارس ، لقد أتيتِ إلى نبيل
، ولكن هيهات ، لن تلعبي بهذه الورقة ،
نبيل ابني ، ولن أسمح له أن يتدخل في
هذه القضية ، ولهذا فإني أنصحك أن
تبحثي عن شخص آخر ، بعيداً عن هذا
البيت .

يدخل نبيل ، فيحس بتوتر الجو ، ينظر
إلى أم قيس ، فيلمح دموعاً في عينيها

نبيل : ماذا جرى ؟ " صمت " أخبراني ، ماذا
جرى ؟
أم فارس : أرجوك ، نادِ ليلى .
نبيل : لكن لماذا ؟
أم فارس : أرجوك ، يا نبيل ، نادها ، يجب أن
نذهب .
تبيل : لن تذهبا الآن .
أم فارس : لدينا مهمة عاجلة .
نبيل : تناولا الفطور أولاً ، وسآخذكما بسيارتي
حيثما تريدان .
أم فارس : لا أرجوك ، لا أريد أن تتعب نفسك معنا
، يمكننا أن نذهب وحدنا إلى المحامي ،
الذي وكلناه للدفاع عن فارس .
نبيل : لكن المحامي لن يكون في محله الآن ،
سآخذكم إليه عصراً .
أم فارس : نبيل ، أرجوك .
نبيل : لا يمكن ، تفضلي الآن ، الفطور جاهز.


نبيل يأخذ بيد أم فارس ،
ويسير بها إلى الداخل

الأم : " بحدة " نبيل .
نبيل : " يلتفت إلى أمه " ....
الأم : ابقَ لحظة ، أريد أن أكلمك .
نبيل : ليس الآن .
الأم : بل الآن .
نبيل : " لأم فارس " تفضلي ، سألحق بك
حالاً .
أم فارس : " تخرج " ....
الأم : " تحدجه بنظرة طويلة غاضبة " ....
نبيل : " يرفع عينيه إلى أمه " قبل يومين
وصلتني رسالة .
الأم : من عمتك .
نبيل : لم تعطني إياها .
الأم : أردتُ مفاجأتك .
نبيل : يبدو أنك فتحتها .
الأم : هذا واجبي .
نبيل : واجبكِ !
الأم : لم أفتح رسالة لك من قبل ،أما هذه الرسالة ، فقد رأيت أن من واجبي أن
أفتحها ، لأني لا أريد أن تتعامل معك هذه المرأة من وراء ظهري .
نبيل : لكن هذه المرأة .. عمتي ، وهي لا تتعامل معي بما يسيء إليك .
الأم : بالعكس .
نبيل : ولكن هذا ..
الأم : " تصيح " إنني لا أريد أن تتعامل معها ، لا أريد أن تكون لها علاقة بنا ، يجب عليها أن تفهم ، أن كل شيء بيننا فد انتهى وإلى الأبد " صمت " نبيل ، أنت لم تعصني من قبل ، وأريد ألا تعصني هذا اليوم .
نبيل : " بانزعاج " ماذا تريديني أن أفعل ؟ هل تريديني أن أطردها ؟
الأم : قبل قليل ، قلت لها ، إنك ستأخذها إلى المحامي بسيارتك .
نبيل : وماذا في الأمر ؟
الأم : ابقَ بعيداً عن هذه القضية ، لن أسمح لك مطلقاً أن تتخل فيها ، هل سمعت ؟
نبيل : " يحدجها بغضب " ....
الأم : " تصيح " قل نعم .
نبيل : " يبقى صامتاً " ....

يُفتح الباب ، وتدخل فاطمة ، الأم
تحدجها بغضب ، نبيل يمضي إلى الداخل

فاطمة : " تنظر إلى الأم خائفة " الفطور جاهز.
الأم : " تبقى صامتة " ....
فاطمة : لقد غليتُ الحليب ثانية ..
الأم : لن أشربه اليوم .

فاطمة تنتظر لحظة ، ثم تنسحب في
هدوء ، وتغلق الباب ، الأم تبقى وحدها
بينما يُسدل
الستار





الفصل الثاني




نفس منظر الفصل الأول ، الوقت
ليل،فاطمة ترتب أثاث الردهة،يأتي
نبيل من الداخل ، ويحضن فاطمة

نبيل : قلتُ لك ألف مرة ، لا أريد أن أرى
حبيبتي بثوب أسود ، أين قطعة القماش
التي جلبتها لكِ ..
فاطمة : من لندا ؟
نبيل : " يبتسم " نعم ، من لندا .
فاطمة : لم أفصلها بعد ، إن لونها لا يناسبني .
نبيل : لا يناسبك ! أنت مازلتِ شابة .
فاطمة : شابة في الخامسة والسبعين .
نبيل : وماذا يعني ؟ إن المرأة في لندا تتزوج
في هذا العمر .
فاطمة : تتزوج ! لا يمكن .

يفتح الباب بهدوء ،
وتخل ليلى

ليلى : هل لي مكان بينكم ؟
فاطمة : ليلى ، أصدقيني .
ليلى : " مازحة " لا تأخذي الصدق إلا مني .
فاطمة : هل صحيح أن المرأة في لندا ..
ليلى : أين !
نبيل : " يضحك " لندن .
ليلى : آ .
فاطمة : هل صحيح أنها تتزوج في السبعين ؟
ليلى : لابد أن نبيل هو الذي أخبرك بذلك .
فاطمة : نعم .
ليلى : إذن صحيح .
فاطمة : تتزوج في السبعين ؟
ليلى : إذا كنتِ لا تصدقين ، فاذهبي إلى
هناك .
فاطمة : لكني أريد أن أذهب إلى الحج .
ليلى : اذهبي إلى لندا أولاً .
فاطمة : " تبتسم " ملعونة ، مثلي لا تذهب إلى
لندا .
ليلى : ليس هناك حل آخر ، إن المرأة لا
تتزوج هنا بعد السبعين .

نبيل يكتم ضحكته ، ليلى تطلق
ضحكة مرحة عذبة ، فاطمة تبتسم

نبيل : هل تذوقتِ القهوة التي تعدها فاطمة ؟
فاطمة : أتمزح ؟
نبيل : أبداً .
فاطمة : سأعد لك إذن فنجاناً من القهوة ، لم
تتذوقي مثله من قبل .
ليلى : أشكركِ .
فاطمة : " وهي تخرج " وسأعدها حلوة مثلك .
ليلى : " تبتسم " شكراً .
نبيل : يبدو أن عمتي مازالت نائمة .
ليلى : البارحة لم تنم لحظة واحدة .
نبيل : من الصعب أن ينام المرء في القطار .
ليلى : كانت تفكر فيه ، لم تتحدث عنه ، لكني
أعرف أنها كانت تفكر فيه ، كنت إلى
جانبها ، لكنها لم تحس بوجودي ، وظلت
عيناها ثابتتين طوال الليل .
نبيل : " يمسك يدها " ليلى .
ليلى : إنني خائفة ، يا نبيل .
نبيل : لا داعي للخوف ، إنها ظروف طارئة .
ليلى : أخشى أن يدينوه .
نبيل : بماذا يدينونه ؟ لا تصغي إلى هراء
المحامي .
ليلى : لقد أدانوا معظم رفاقه .
نبيل : لكن ليس ثمة دليل ضده .
ليلى : إنهم لا يبحثون عن أدلة لإدانته ، يكفي
انتماؤه " تسحب يدها " أسمع وقع أقدام .
نبيل : إنها فاطمة .
ليلى : " تبتسم " المسكينة .
نبيل : لقد استعدت للامتحان .
ليلى : سأنجّحها .
فاطمة : " تدخل حاملة القهوة " لقد أعددتها
حلوة مثلك .
نبيل : هذه رشوة .
فاطمة : تنسمي رائحتها ، إنه عذبة ..
نبيل : دعيها تحكم بنفسها .
فاطمة : تذوقي قهوتي ، وادعي لي .
ليلى : " تتذوق القهوة " الله .
فاطمة : جيدة طبعاً .
ليلى : جداً ، عاشت يدكِ .
فاطمة : " لنبيل " أرأيت ؟
نبيل : أحس أنها تجاملك .
فاطمة : " لليلى " صحيح ؟ أصدقيني .
ليلى : إن كلمة جيدة لا تكفي ، إنها رائعة .
فاطمة : رائعة " لنبيل " لن أعد القهوة لك ثانية
، إذا لم تقل ، إنها رائعة .
نبيل : مهما تكن قهوتك رائعة ، فأنت أروع .
فاطمة : لقد غلبتني ، من الأفضل أن أذهب ، هل
تريدان شيئاً آخر .
ليلى : لا ، شكراً .
نبيل : اذهبي إلى فراشك ، فأنت متعبة .
فاطمة : نادياني إذا احتجتما إلى شيء .
ليلى : تصبحين على خير .
فاطمة : أشكرك ، يا ابنتي ، ليسعدك الله "
تخرج " .
نبيل : " يتأمل ليلى " حدثيني عن نفسك .
ليلى : " تبتسم " اسمي ليلى ، عمري .. ،
هل هو مهم ؟
نبيل : إنه محرج أحياناً .
ليلى : نتركه إذن ، طالبة في كلية العلوم .
نبيل : وبعد .
ليلى : لا بعد مع الأسف ، وأنت ؟
نبيل : " يبتسم " اسمي ..
ليلى : أعرفه .
نبيل : عمري ..
ليلى : أعرفه .
نبيل : درست ..
ليلى : هندسة النفط في لندن .
نبيل : بعد ؟
ليلى : هناك بعد لا أعرفه ، حدثني عنه .
سأنتظر ، ولن أيأس " يتأملها " يبدو
أنك تبحث فيّ عن شيء .
نبيل : إنني أبحث فيك عن فارس .
فاطمة : أرجو أن تكون قد وجدته .
نبيل : لقد وجدته فعلاً .
ليلى : ماذا وجدت مثلاً ؟
نبيل : لا أدري بالضبط ، ولكن فيك
الشيء الكثير منه .
ليلى : فارس أخي .
نبيل : وأستاذك .
لبلى : وأستاذي .
نبيل : إنني أحسدك ، أخبريني ، ماذا تعلمت
منه ؟
ليلى : أشياء كثيرة .
نبيل : مثلاً .
ليلى : تعلمت أن أواجه الحياة ، وأعمل على
اغنائها .
نبيل : هل عرفت الآن لماذا أحسدك ؟
ليلى : ولكنك درست في دولة متقدمة ، ولابد
أنك تعلمت أشياء كثيرة هناك .
نبيل : لم أتعلم هناك ما علمكِ إياه فارس ؟
ليلى : " تضحك " لا تقل لي ، أنك أضعت
وقتك كله في دراسة هندسة النفط .
نبيل : للأسف هذا ما فعلته .
ليلى : " تضحك ثانية " لن أصدق طالباً درس
في لندن .
نبيل : " يتأملها " أتعرفين ماذا بقي من ليلى
؟
ليلى : الصغيرة ؟
نبيل : ضحكتها ..
ليلى : آ .
نبيل إن ضحكتك الطلقة ، المليئة بالحياة ،
تذكرني بأيام الصيف التي كنت أقضيها معكم أحياناً .
ليلى : لقد مرّ على ذلك وقت طويل .
نبيل : نعم ، لكن ضحكتك مازالت هي ، لم
تتغير ، يبدو أن هناك أشياء كثيرة ، لا
يستطيع المرء أن يتعلمها في جامعات
أوربا " يبتسم " مرة ، تذكرتك وأنا في
أحد مسارح لندن ، كنت أشاهد مسرحية
كوميدية ، فسمعت ورائي فتاة تضحك ،
وبصورة لا إرادية التفت إليها ، كانت
لندنية شقراء ، لم تكن تشبهك طبعاً .
ليلى : " تبتسم بمكر " الحقيقة ، لم أكن أعلم
أن فتاة لندنية شقراء ، تذكرك بي .
نبيل : " يبتسم " ....
ليلى : ترى ألم تذكرك بي فتاة سمراء ؟
نبيل : من الصعب أن يجد المرء في لندن فتاة
سمراء تشبهك .
ليلى : مع أن شعوب العالم كلها تلتقي هناك ،
إنني لا أعتقد أن هندسة النفط تمنع المرء
من التعرف على مزايا الشعوب .
نبيل : هندسة النفط ، لو تعلمين ، لا تترك
للمرء فرصة إلا للتعرف على خصائص
التربة ، ومزايا النفط في الشرق الأوسط .
ليلى : من الصعب أن يصدق المرء عائداً من
لندن ، ولكن مع ذلك سأصدقك إذا
أصدقتني ، هل تعدني ؟
نبيل : " يبتسم " نعم .
ليلى : لماذا لم تكتب لنا ؟
نبيل : الحقيقة .. آ ..
فاطمة : الحقيقة ، ماذا ؟
نبيل : لن تصدقيني إذا قلتُ لك ، إن الدراسة
تملأ معظم وقتي .
ليلى : والباقي ؟
نبيل : كان يملؤه الضباب والسأم .
ليلى : وبعد ..
نبيل : ليس هناك بعد .
ليلى : ولكن مع هذا كنت تكتب لوالديك .
نبيل : " يبتسم متردداً " أحياناً .
ليلى : ترى عمّ كنت تكتب إليهما أحياناً .
نبيل : عن بك بن وهايدبارك والضباب فوق
لندن .
ليلى : وفتاتك الشقراء ، ألم تحدثهما عنها ؟
نبيل : " يهز رأسه " ....
ليلى : يا للأسف ، كنت أتمنى أن تكتب لي ،وتحدثني على الأقل ، عن فتاتك الشقراء ، التي تشبهني ، ترى آلم تخطىء في
موقعها الجغرافي منك ؟ ألا يحتمل أنها
كانت عن يسارك ؟
نبيل : كلا ، كانت ورائي ، ولم تكن تشبهك .
ليلى : لا أدري لماذا أعتقد أنها كانت عن
يمينك .
نبيل : " يبتسم " ....
ليلى : على كل حال ، كان المسرح مظلماً ،
ولابد أنك نسيت ملامحها الآن .



يفتح الباب الداخلي ،
وتدخل أم فارس

أم فارس : أرجو أن لا أكون قد قطعت حديثكما .
نبيل : أبداً .
ليلى : " تصيح " ماما ، آه لو كنت معنا .
أم فارس :يبدو أن الحديث كان شيقاً .
نبيل : ألا تجلسين ؟ تفضلي هنا ,
أم فارس : شكراً ، إنني مرتاحة هكذا .
ليلى : ماما .
أم فارس : ماذا بك ؟ الناس نيام .
ليلى : " بصوت خافت " لندن ، يا ماما .
أم فارس : لندن ! ما لها ؟
ليلى : لم تعد فقط عاصمة بريطانيا .
أم فارس : " لنبيل " احذر هذه الملعونة ، وخاصة
عندما تتكلم هكذا .
ليلى : تصوري ، يا ماما ، إن نسختي الشقراء
، ترتاد هناك المسرحيات الضاحكة .
أم فارس : كفى ، كفى ، لا تتوقعي أن أفهم اليوم
نسختك الشقراء .
ليلى : قال غاليلو ، إن الأرض كروية ، لكن
أحداً لم يصدقه .
نبيل : " يبتسم " للأسف .
ليلى : ولكن مع ذلك ، إن الأرض كروية .

أم فارس تتأمل الصور المثبتة على
الجدران ، وتتوقف عند صورة نبيل

أم فارس : هذه الصورة جميلة ، تبدو هنا فتى ،
متى أخذتها ؟
نبيل : قبل أن أسافر إلى لندن .
ليلى : ياه ، كم غيرتك لندن هذه .
نبيل : صحيح ؟
ليلى : لعل الضباب هو السبب .
نبيل : " يبتسم " يمكن .
أم فارس : وهذه الصورة لجدك ، كان رجلاً طيباً .
نبيل : إنني لا أكاد أذكره ، فقد توفي وأنا
صغير .
أم فارس : لو تعرف كم كان يحب والدك ،
ويحترمه " صمت " وهذه أمك ..
نبيل : نعم .
أم فارس : تبدو هنا أصغر من عمرها .
نبيل : لقد أخذتها منذ فترة قريبة .
أم فارس : أتعرف أنها أكبر من أبيك ؟
نبيل : ربما بسنتين أو ثلاثة .
أم فارس : بل أكثر بكثير ، إنها في عمري تقريباً
" صمت " نبيل ، تأمل هذه الصور ،
تأملها جيداً ، هذا الحائط مليء بالصور ،
لكني لا أجد صورة واحدة لأبيك ، إنه
أبوك ، يا نبيل ، لكنه لم يجد له مكاناً بينكم
، حتى على الحائط " صمت ثقيل " إنني
آسفة .
نبيل : هذه الصور لم أعلقها أنا ..
أم فارس : سامحني ، لم أقصد إيلامك .
نبيل : لقد وجدتها هنا ، عند عودتي من لندن ،
يبدو أن أمي هي التي علقتها .
أم فارس : إنني لا ألومها ، فهذا بيتها .
ليلى : ماما .
أم فارس : نبيل ، لا تلمني لأني أقمت مأتمه في
بيتنا ، فهذا البيت لم يكن بيته ، لقد كان
غريباً هنا ، كنت أنتظره ، وكنت أعرف
أنه سيعود ، وقد عاد إليّ فعلاً ، لكنه عاد
ميتاً .

صمت حزين ، تخل الأم ،
يسود الجميع صمت ثقيل متوتر

الأم : يبدو أنك لا تشبعين من نهش الآخرين .
ليلى : أم نبيل ، نحن لم نكن ..
الأم : أخبريني ، متى تكفين عن النهش ؟
أم فارس : ليس هذا من عادتي .
الأم : إن من ينهش مرة ومرتين لا يشبع أبداً .
نبيل : ماما .
الأم : لا يمكن ، بعد هذا العمر ، أن أخطىء
فهمك .
نبيل : كفى ، يا ماما .
الأم : كانت تمضغ لحمي ..
نبيل : كلا .
الأم : كانت تلطخني ..
نبيل : كلا ، كلا .
الأم : كانت تمسخني ، وأنت صامت .
ليلى : أم نبيل ، ثقي ..
الأم : " لأم فارس " لا تتعبي نفسك ، لن
تجدي هنا ما تبحثين عنه .
ليلى : أم نبيل ، أرجوك .
الأم : لم يعد لك هنا أحد ، هل فهمتِ ؟
أم فارس :أنت واهمة ، لي نبيل .
الأم : نبيل ابني ، ابني وحدي ، ولن أسمح
لأحد ، أياً كان ، أن ..
ليلى : أرجوك ، يا أم نبيل ..
الأم : " تصيح بليلى " ابتعدي ..
ليلى : إن أخي في مأزق .
الأم : أصغي إليّ جيداً .
ليلى : أم نبيل .
الأم : كان لك هنا خال ، لكنه الآن لم يعد
موجوداً ..
نبيل : ماما .
الأم : لقد مات .
نبيل : ماذا تقولين !
الأم : " تصيح " لقد مات .. مات .. مات .
نبيل : " يمسك يدها " كفى .

الأم تسحب يدها من يد نبيل ، ثم
تصفعه بشدة ، ينظر أحدهما إلى
الآخر في ذهول ، الأم تخرج وهي
تتعثر ، نبيل ينهار على إحدى الأرائك ،
ويدفن وجهه بين يديه ، أم فارس تدنو
منه ، وتنحني عليه

أم فارس : سامحني ، يا نبيل ، سامحني ، سنذهب
غداً ، وقد لا أراك ثانية ، تكلم ، يا نبيل ،
قل شيئاً ، إن صمتك يقتلني .
ليلى : ماما .
أم فارس : فارس في السجن ، ليبقَ في السجن ،
ليبقَ ، نبيل ..
ليلى : ماما رجوك .
أم فارس : لقد أخذوا مني ابني ، أخذوا فارس ،
أنت يا نبيل فارس ، أنت ابني..
نبيل : " ينشج " ....
أم فارس : أتبكي ، يا نبيل ؟ أتبكي ؟ " تقبله وهي
تنشج " دع دموعك إذن تختلط بدموعي .
ليلى : كفى ، يا ماما ، كفى ، أنت مريضة .
أم فارس : دعيني ، يا ليلى .
ليلى : يجب أن ترتاحي ، هيا يا ماما .
أم فارس : كيف أرتاح ؟ كيف ؟
ليلى : " تأخذ بيد أمها " هيا أرجوك ، هيا .
أم فارس : " تنهض " ليلى ، أبقي هنا ، لا تتركي
نبيل وحده .
ليلى : دعيني أوصلك .
أم فارس : كلا ، سأذهب وحدي .

تخرج أم فارس ، ليلى تنظر إلى
نبيل ، صمت ، نبيل يرفع عينيه
الدامعتين إلى ليلى ، فتجثو أمامه

ليلى : نبيل ، قل شيئاً ، يا نبيل .
نبيل : ماذا بقي ليقال .
ليلى : نحن لم نقل شيئاً بعد .
نبيل : أنظري إليّ ، إنني أمامك الآن على
حقيقتي ..
ليلى : نبيل .
نبيل : فماذا بعد ؟
ليلى : إنني أعرفك ، يا نبيل .
نبيل : ....
ليلى : أعرفك على حقيقتك ..
نبيل : لعلي كنتُ ..
ليلى : إنني أعرفك كما أعرف نفسي ..
نبيل : أنت لا تقولين الحقيقة .
ليلى : أنظر في عينيّ إذن ، واشهد الحقيقة .
نبيل : " ينظر في عينيها " ليلى ..
ليلى : ماذا رأيت ؟
نبيل : أصدقيني ، أرجوكِ .
ليلى : إنني صادقة معك ، لأني صادقة مع
نفسي .
نبيل : ليلى .
ليلى : لم أنسك أبداً ، وعندما التقيتك اليوم ،
والتقت عيناي بعينيك ، أدركت أنني كنت
معك دائماً ، نبيل نحن لا نستطيع أن
نخفي ..
نبيل : ليلى ؟
ليلى : ولماذا نخفيه ؟ إن الحياة لنا ، وعلينا أن
نكون جديرين بها .
فاطمة : " تدخل " نبيل ..
نبيل : " يلتفت إليها " ....
فاطمة : ماما تريد أن تراك ، إنها في غرفتها
تنتظرك .
نبيل : " لا يجيب " ....
فاطمة : هيا يا نبيل .
نبيل : لا أريد أن أراها .
فاطمة : " في ذهول " نبيل .
نبيل : أخبريها بما قلته لك " لليلى " أعطني
يدك .

ليلى تضع يدها في يد نبيل ، ويتجهان
إلى الداخل ، نبيل يقف قرب الباب ،
ويلتفت إلى فاطمة

نبيل : تصبحين على خير .
فاطمة : " تتمتم " نبيل .
ليلى : تصبحين على خير .
فاطمة : تصبحان على خير .

نبيل يشد على يد ليلى ، ويغادران
الردهة ، فاطمة تبقى وحدها ، ثم
تتجه إلى الداخل
بينما يسدل
الستار
















الفصل الثالث



نفس المنظر السابق ، مساء
اليوم التالي ، نبيل قرب الشباك
يحدق في عتمة الحديقة ، تدخل
فاطمة تحل بمشقة حقيبة ثقيلة

نبيل : " يلتفت إليها " إنها ثقيلة ، هذه الحقيبة
" يهرع إليها " دعيني أحملها عنكِ .
فاطمة : لا ، أرجوك .
نبيل : دعيني أساعدك إذن .
فاطمة : " بصوت تخنقه الدموع " كلا ، إنني
مازلت قادرة على حمل حقيبة .
نبيل : مالك ؟
فاطمة : لماذا لم تذهب البارحة إلى ماما ؟ ألا
تعرفها ؟ " صمت " إنها تريدك الآن .
ليلى : " تدخل " فاطمة ، ماما تريك .
فاطمة : لحظة ، سأحمل الحقيبة إلى الخارج .
ليلى : دعيها هنا الآن .
فاطمة : " وهي تخرج " نبيل ، لا تنسَ ، يا
عزيزي ، ماما تنتظرك .
نبيل : أرجو أن تكونوا قد فرغتم من إعداد
الحقائب .
ليلى : لم تبقَ سوى حقيبة واحدة .
نبيل : لقد أزف الوقت .
ليلى : كم بقي على تحرك القطار ؟
نبيل : ساعة تقريباً .
ليلى : ستفرغ ماما حالاً .
نبيل : " يحمل الحقيبة " من الأفضل أن
نضع الحقائب في السيارة .
ليلى : نبيل " يقف " لقد استدعيت تاكسي .
نبيل : تاكسي !
ليلى : لقد تلفنت إلى محل قريب .
نبيل : لكن لماذا ؟
ليلى : ألا يكفي ما جرى ؟
نبيل : ليلى .
ليلى : لقد فعلت الكثير من أجلنا ، ونحن
ممتنون لك .
نبيل : " يطرق بحزن " ....
ليلى : نبيل ، ستعود اليوم إلى الموصل ، وقد
لا نراك بفترة طويلة ، فلا تودعنا هكذا .

نبيل يرفع عينيه إلى ليلى ، ويتطلع
إليها بصمت ، ليلى تشد على يده وهي
تبتسم ، تدخل أم فارس ، ثم تدخل
فاطمة ، تحمل بين يديها حقيبة ثقيلة

أم فارس : ليلى .
ليلى : نعم ماما .
أم فارس : " تنظر إلى نبيل " ساعدي فاطمة .
ليلى : " تهرع إلى فاطمة " دعيني أساعدك .
قاطمة : كلا ، كلا ، ليست ثقيلة .
ليلى : دعيها إذن هنا ، ريثما تأتي السيارة .
أم فارس : نبيل ، عمت مساء .
نبيل : أهلاً عمتي .
أم فارس : كيف حالك ؟
نبيل : أشكرك .
أم فارس : " صمت " يبدو أننا تأخرنا .
ليلى : مازال أمامنا متسع من الوقت .
أم فارس : من الأفضل أن نسرع ، تلفني للتاكسي
مرة أخرى .
ليلى : لقد تلفتن منذ دقائق .
أم فارس :أخشى أن يفوتنا القطار .
ليلى : لن نستغرق في الطريق أكثر من عشر
دقائق .
فاطمة : سأنقل الحقائب إلى الخارج .
أم فارس : هذا أفضل ، ليلى .
ليلى : لتأتِ السيارة أولاً .
أم فارس : هيا يا ليلى ، يجب أن لا نتأخر أكثر .

أم فارس تنحني لتحمل الحقيبة ، نبيل
يدنو منها ، ويضع يده على الحقيبة ،
أم فارس تنظر إليه بصمت

أم فارس : نبيل .
نبيل : دعيها لي .
أم فارس : لا تكلف نفسك ، أرجوك .
نبيل : تبقي أنتِ هنا ريثما تأتي السيارة "
لفاطمة " هيا .

نبيل وليلى وفاطمة يتجهون إلى الخارج
وهم يحملون الحقائب ، بعد قليل يُسمع
صوت السيارة تقف بالباب ، يدخل نبيل

نبيل : لقد وصلت السيارة .
أم فارس : " تدنو منه " نبيل ، لا أدري كيف
أشكرك .
نبيل : تشكرينني ؟ على ماذا ؟
أم فارس : على كل شيء .
نبيل : لكني لم أفعل شيئاً .
أم فارس : لقد أعدت لي أخي .
نبيل : " في تأثر " عمتي ..
أم فارس : أهذا قليل ! " تعانقه " نبيل ، نحن
وحدنا ، يا نبيل ، فلا تنسنا .
نبيل : كيف أنساكم ؟
أم فارس : فارس في السجن ، وقد يبقى هناك فترة
طويلة .
نبيل : أنا فارس ..
أم فارس : " في تأثر " نبيل .
نبيل : أنا أيضاً ابنك .
أم فارس : " تقبله " استودعك الله .
نبيل : مع السلامة .

أم فارس تفتح الباب وتخرج ،
تدخل ليلى ، نبيل وليلى ينظر
أحدهما إلى الآخر ، نظرة ملؤها
الحنان واللهفة ، ليلى تندفع إلى نبيل
ليلى : نبيل .
نبيل : " يمد يديه نحوها " ليلى .
ليلى : عزيزي .
نبيل : ليلى .
ليلى : لقد انتظرتك طويلاً .
نبيل : كنت معي دائماً .
ليلى : نبيل ، إنني ..

يرتفع من الخارج صوت منبه السيارة
ليلى ترفع وجهها إلى نبيل وتقبله ، ثم
تتجه تحو الخارج مسرعة

نبيل : ليلى .
ليلى : " تلتفت " ....
نبيل : انتظريني ، يا ليلى .
ليلى : " تبتسم في فرح " سأنتظرك مدى
العمر .

يرتفع صوت منبه السيارة ثانية ،
ليلى تلوح بيدها ، ثم تهرع إلى الخارج تدخل فاطمة ، السيارة تتحرك ،
ويتلاشى صوتها شيئاً فشيئاً ، يُسمع
وقع أقدام ، فاطمة تصغي بخوف

فاطمة : نبيل .
نبيل : مالك ؟
فاطمة : " بصوت مرتعش " ماما .
نبيل : ولمَ الخوف ؟
فاطمة : يا إلهي ، ستعنفني ثانية .
نبيل : لن أسمح لها .
فاطمة : كان من الأفضل أن تذهب إليها .

يُفتح الباب ، وتدخل الأم ، فاطمة
تسترق النظر إليها بخوف ، الأم
تحدجها بنظرة قاسية

الأم : هكذا تنفذين ما أطلبه منك ِ ؟
فاطمة : " في حرج " أم نبيل .
الأم : " تقاطعها " ماذا قلت لك ؟
فاطمة : " تنظر إلى نبيل " ....
نبيل : لقد أخبرتني .
فاطمة : والله ..
الأم : أخبرتك !
نبيل : نعم .
الأم : ولم تأتِ " صمت " فاطمة ، اذهبي إلى
الداخل .
فاطمة : " حاضر " تخرج .
الأم : يبدو أنها ذهبت .
نبيل : .....
الأم : أتعرف لماذا جاءت ؟
نبيل : لقد قالت ذلك .
الأم : وطبعاً صدقتها .
نبيل : من الواضح أنك لم تصدقيها .
الأم : هل صدقت أنها جاءت من أجل ابنها ؟
نبيل : لماذا جاءت إذن ؟
الأم : جاءت لتدوسني ، وقد داستني فعلاً ،
ولكن بقدمك ، إنني لا ألومها ، فأنا أعرف
موقفها مني منذ البداية ، لكني ألومك أنت
، فأنت ابني " صمت " قبل قليل أرسلت
فاطمة إليك ، فلم تأتِ أيضاً ، لماذا ؟
نبيل : كنتُ متعباً .
الأم : متعباً ! لم تكن مشغولاً بعمتك وابنتها
إذن ؟ " بحدة " كنت تسهر معهما هنا ،
بينما كنت وحيدة في غرفتي ، أنتظرك .
نبيل : لتصفعيني ثانية ؟
الأم : نبيل .
نبيل : تصبحين على خير .

نبيل يتجه إلى الداخل ،
فتصيح به الأم في التياع

الأم : نبيل .
نبيل : " لا يجيب " ....
الأم : " بصوت أعلى " نبيل .
نبيل : " يتوقف " ....
الأم : لحظة .
نبيل : ماذا ؟
الأم : أريد أن أتحدث إليك .
نبيل : إنني متعب .
الأم : يجب أن أتحدث إليك .
نبيل : ليس الآن .
الأم : بل الآن ، فمنذ أيام وأنا أنتظر فرصة
لأحدثك .
نبيل : سنتحدث غداً .
الأم : كلا ، الآن .
نبيل : " صامتاً ينتظر " ....
الأم : منذ أن عدت من لندن ، وأنت تتهرب
مني ، أصدقني ، ماذا جرى ؟
نبيل : " لا يجيب " ....
الأم : عندما كنت معي ، لم تكن هكذا أبداً ، إن
أقوالك وتصرفاتك تحيرني ، لم تعد نبيل
الذي أعرفه ، إنني لم أعد أفهمك ، فماذا
جرى ؟ أخبرني ، ماذا جرى ؟
نبيل : " لا يجيب " ...
الأم : في رسائلك التي كانت تصلني من لندن
، أنغام لم أفهمها في حينها ، لكنها بعثت
في قلبي الخوف والقلق ، وقد عزيت ذلك
إلى الغربة والوحدة ، كنت أنتظرك بلهفة
، لنحيا كما في الماضي ، لكنك عدت نبيل
آخر ، فماذا جرى ؟ أخبرني .
نبيل : لقد وصلتني رسالة من أبي .
الأم : " بعد صمت " متى ؟
نبيل : قبل وفاته بأسابيع قليلة .
الأم : لم تخبرني بأنه كان يكتب إليك .
نبيل : لقد كتب لي رسالة واحدة .
الأم : يبدو أن أباك لم يكتفِ بالحديث عن حبه
لك .
نبيل : لقد قتلناه .
الأم : نبيل !
نبيل : أنا وأنت ، قتلناه .
الأم : هل جننت ؟
نبيل : لقد قتلتِه بالحقد والكره والإهمال .
الأم : كفى .
نبيل : إن القتل لا يحتاج دائماً إلى خنجر أو
مسدس .
الأم : أنت تهذي .
نبيل : لقد تركته يحترق في عزلته ، وجرعته
الموت قطرة قطرة .
الأم " كفى ، كفى .
نبيل : " بعد صمت " لم أفهم أبي هنا ، لم
أفهمه إلا في لندن ، من خلال رسالته
الأولى والأخيرة لي ، كان ظلك هنا
يحاصرني ، ويعميني ، لقد أقفلتِ عالمي
في وجهه ، وتركته يحترق في غربته
بيننا ، حين أفكر في موقفك منه ، تمزقني
الحيرة ، فما هو خطؤه ؟ ما هي جريمته ؟
لقد قتلته بلا مبرر ، ولوثت يديّ إلى الأبد
بدمائه .
الأم : نبيل ، أنت ابني ، وينبغي أن تفهمني ،
لقد حرصت منذ البداية على أن أبعدك
عن هذا الموضوع ، لكن مادامت الأمور
قد تطورت بهذا الاتجاه ، فأود أن
أصارحك بالحقيقة .
نبيل : أية حقيقة ؟
الأم : إنني لم أقتنع لحظة واحدة بأبيك .
نبيل : لكنك تعرفينه .
الأم : نعم ، أعرفه .
نبيل : كان عليك أن لا توافقي على الزواج
منه .
الأم : هذا خطئي ، وقد دفعت ثمنه غالياً ،
ولكن مع ذلك كانت لي ظروفي ، كنت
وحيدة عندما تقدم أبوك لخطبتي ، كان
أبي ضابطاً متقاعداً ، وكان أبوك يمت
بقرابة بعيدة إليه ، فرفضت أول الأمر ،
لكن أبي أقنعني بالزواج منه ، فقد توفيت
أمي منذ فترة ، وكان أبي نفسه على شفا
الموت ، وبعد الزواج حاولت جهدي أن
أقتنع به ، لكني لم أستطع .
نبيل : كان بإمكانك أن تطلبي الطلاق منه .
الأم : لقد فكرت في ذلك ، لكن أبي كان قد
مات ، وكنت حاملاً بك ، لقد أسقط في
يدي ، فماذا أفعل ؟ وحين ولدت وجدت
خلاصي فيك " صمت " نبيل أنت ابني ،
وأنت تكفيني ، لم أكن بحاجة إلى أحد ،
ولست بحاجة إلى أحد غيرك .
نبيل : وأبي ؟
الأم : " بامتعاض " لقد مات .
نبيل : إن أبي لم يمت منذ سنتين ، بل كان ميتاً
بالنسبة إليك منذ البداية ، وكان جسده
يتعذب وحيداً بيننا ، ولكن يبدو أن أبي
سيبقى بيني وبينك ، وستبقى أشلاؤه
المعذبة كالجدار تفصلني عنك .
الأم : " بالتياع " نبيل .
نبيل : إن أحدنا لن يستطيع العبور إلى الآخر
بعد الآن .

يُسمع صوت قطار يتحرك في البعيد
، الأم تنظر مشدوهة إلى نبيل

نبيل : " ينظر إلى أمه " لقد ذهبت اليوم إلى
السفارة الجزائرية .
الأم : " تصيح " نبيل .
نبيل : سأذهب قريباً .
الأم : " بصوت متحشرج " وأنا ؟
نبيل : " وهو يخرج " تصبحين على خير .
الأم : " بصوت ملتاع " نبيل .

نبيل يغلق الباب وراءه ، يرتفع
صوت القطار ، وهو يمرّ بسرعة
، الأم تبقى جامدة في مكانها ،يخفت
صوت القطار بالتدريج ، بينما يُسدل

الستار


نشرت هذه المسرحية في مجلة
الأقلام ، في العدد الخاص
بالمسرح العربي عام " 1980"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرح يوسف مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير خرج بشكل عالمى وقدم


.. أول حكم ضد ترمب بقضية الممثلة الإباحية بالمحكمة الجنائية في




.. الممثل الباكستاني إحسان خان يدعم فلسطين بفعالية للأزياء


.. كلمة أخيرة - سامي مغاوري يروي ذكرياته وبداياته الفنية | اللق




.. -مندوب الليل-..حياة الليل في الرياض كما لم تظهر من قبل على ش