الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اتجاهات الرواية المصرية منذ الحرب العالمية الثانية إلي سنة 1967

عطا درغام

2022 / 5 / 7
الادب والفن


منذ العقد الأول من هذا القرن بدا فن الرواية في مصر يشق طريقه إلي الوجود،وأخذ بعض الأدباء يصوغ تجاربه الفنية في شكل روائي إيمانًا منه بأن الرواية شكل من أشكال التعبير الأدبي ينبغي أن ياخذ حظه من اهتمام الكتاب القراء، ثم تتابع ظهور بعض الأعمال الروائية من حين لآخر، وأضاف ذلك ملامح جديدة إلي كيان هذا الفن الذي أدت إلي تثبيت أقدامه في الحياة الأدبية. إلا أن الازدهار الحقيقي الذي شهده فن الرواية كان في الفترة التي أعقبت قيام الحرب العالمية الثانية؛إذ تكاثرت الأعمال الروائية، وتنوعت تجاربها وغنيت بأساليب فنية جديدة نتيجة تزايد وعي الكتاب بأصول الفن ، واطلاعهم علي نماذجه الرفيعة في الآداب الأجنبية، كما بدا تأثر بعض الكتاب بهذا المذهب الأدبي أو ذاك في زاوية الرؤية وطريقة التناول.
وهناك دراسة الدكتور شفيع السيد بعنوان:( اتجاهات الرواية المصرية منذ الحرب العالمية الثانية إلي سنة 1967 ).ويذكر الكاتب أنه محاولة لتقييم هذا الفن واستكشاف مساراته المتعددة وسماته الفنية الجديدة خلال ربع قرن من الزمان تقريبًا، وهو بهذا الاعتبار يُعد امتدادًا لبحثين جامعيين سبقاه في هذا المضمار، وتوقف صاحباهما عند النقطة التي بدأت منها هذه الدراسة.
اولهما: البحث الذي قام به الدكتور عبد المحسن طه بدر بعنوان"تطور الرواية العربية في مصر(1870-1938 )"، والبحصث الآخر كتبه الدكتور أحمد هيكل بعنوان"الأدب القصصي والمسرحي في مصر في أعقاب ثورة 1919 إلي الحرب الكبري الثانية".
ويشير إلي أن الأساس العلمي الذي استند إليه في اتخاذ الحرب العالمية الثانية بداية للبحث، واتخذه الدكتوران عبد المحسن بدر، والدكتور أحمد هيكل نقطة انتهاء لبحثيهما قد اتضح بعد ازدهار فن الرواية وخصوبة عطائه، وتأثره بمذاهب فنية مختلفة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.وربما اختلف الأمر بعض الشيء لنقطة النهاية.
وتناول الكاتب إشكالية نقطة النهاية، حيث ذكر أنه يصعب عليه أن يتبين مدي التغير الذي أصاب فنًا طويل النفس بطيء الميلاد كفن الرواية بتأثير الحدث الرهيب الذي مُني به الوطن سنة 1967، علي نحو يُمكن اعتباره لمرحلة جديدة.
ومن المؤكد أن هذا الحدث صدم المشاعر الوطنية صدمة أليمة، وولَّد في النفوس إحساسًا مخيفًا بالقهر والانكسار، لم نفق منه إلا غداة النصر العظيم في أكتوبر 1973.
واعتمد الكاتب في دراسته علي مواجهة النص الروائي ومعايشته وحده حتي تتسني له فرصة استبطانه، وتحليله واستخراج مافيه من عناصر فنية بعيدًا عن أصوات الآخرين، ثم يورد ماكتبه النقاد والباحثون عن الروايات ، مُضيفًا أن اختلاف وجهات النظر وتباين مسالك البحث يُثري الموضوع، ويُضيء جوانبه المتعددة.
ويُشير إلي أن ما كُتب عن أعمال نجيب محفوظ الروائية يبلغ أضعاف ما كُتب عن غيره من روائيي هذه الفترة لما له من مكانة كبيرة في الرواية العربية.
جاءت الدراسة في ستة فصول، وتمهيد تناول فيه مسيرة الرواية العربية بدايةً من رواية"زينب"، حيث انتقلت الرواية من طور الترفيه والتسلية أو التهذيب الخلقي إلي التعبير عن تجربة إنسانية صميمة، ومن أسلوب المقامة الذي يعتمد علي التأنق والصنعة إلي النثر العادي الذي يخلو من التكلف، وقد شهدت الحياة الأدبية التي أعقبت ثورة 1919 وامتدت إلي قيام الحرب العالمية الثانية ظهور عدد كبير من الأعمال الروائية، بعضها لكتاب يُعدون روادًا في تأصيل الفني القصصي بعامة في مصر أمثال محمود تيمور ، وطاهر لاشين، وعيسي عبيد وشقيقه شحاته عبيد، وبعضهما الآخر يُعدون أعلامًا في تاريخ الأدب العربي الحديث أمثال الدكتور طه حسين، وعباس محمود العقاد، وإبراهيم المازني، وتوفيق الحكيم.
ويمكن القول بأن النتاج الروائي الذي ظهر في تلك الفترة لهؤلاء الكتاب جميعًا يمثل مرحلة هامة في مسار فن الرواية المصرية.
وتناول الكاتب التغيرات السياسية والتحولات الاجتماعية التي مرت بها مصر وأثرت علي مسار الرواية المصرية منذ ظهورها بمعناها الحقيقي منذ رواية "زينب" وحتي هزيمة يونيو 1967 ،وهذا ماجعل الروايات التي صدرت في تلك الفترة أن تعبر عن تجارب فنية متعددة، وقد تتفق في أسلوب المعالجة أو تختلف، فقد حدا ذلك الكاتب ان يقوم بتصنيف الروايات حسب المضمون العام الذي يكمن وراء السياق الروائي في كل منها والخصائص الفنية التي شكَّلت بناءها.
وجاءت الدراسة في ستة فصول مقسمة علي التصنيف الروائي الذي وضعه صاحب الدراسة.
فجاء الفصل الأول بعنوان): الرواية التاريخية):ويُشير في هذا الفصل إلي نضوج الرواية التاريخية علي يد عادل كامل، ونجيب محفوظ، و علي أحمد باكثير، ومحمد فريد أبو حديد، إذ استطاع كل منهم ان يوائم بين اختيار موضوعه التاريخي وقضايا الحاضر الذي يكتنفه، بحيث لم يصبح الماضي في أيديهم قطعة جامدة وإنما بعثوا فيه الحياة فانعكست عليه ظلال الحاضر، واكتسب بذلك قيمة فنية.
ويوجه نقده إلي محمد سعيد العريان، وعبد الحميد جوده السحار، وعلي الجارم، فيؤكد أنهم لم يستطيعوا أن يحلقوا في سماء هذا الفن لفجاجة الربط بين الماضي والحاضر عند السحار، وافتقاده تمامًا عند العريان والجارم.
وتنوعت منابع الإلهام في الرواية التاريخية لتلك الفترة، وامتدت من تاريخ العرب قبل الإسلام إلي عصر المماليك، وأن كلًا من هؤلاء الروائيين استمالته حقبة بعينها أو شخصية بذاتها من الماضي، لدوافع فكرية ونفسية تختلف من واحد إلي آخر. لكن انصراف معظمهم إلي التاريخ بعامة خلال الأربعينيات بالذات هي فترة بين القوي الوطنية والاستعمار البريطاني يمكن تفسيره أحيانًا لرغبة الأدباء في إحياء صفحة من أمجاد الماضي العريق، تستثير الهمم وتشحذ العزائم وتبعث الأمل. ويمكن تفسيره في أحيان أخري بالرغبة في الهرب من الحاضر ومشكلاته إلي الماضي، كذا وجود المادة التاريخية التي توفر علي الكاتب كثيرًا من جهد الخلق والإبداع.
ويتناول في الفصل الثاني الذي يحمل عنوان (الرواية الأسطورية)من خلال روايتي "أحلام شهرزاد" لطه حسين، و"آلام جحا " لمحمد فريد أبو حديد
ونجح الدكتور طه حسين في استغلال القالب الأسطوري لتناول قضيتين خطيرتين كانتا تشغلان المجتمع في الفترة التي كتب فيها روايته، وهما قضية الحرب والسلام، وقضية الديمقراطية. وقد وجد الدكتور طه حسين في هذا القالب الاسطوري منفذًا لشجب الأوضاع القائمة وانتقادها من داخل الحدث الروائي، وفي سياقه بعيدًا عن الاتهام المباشر الذي قد يؤدي به إلي مالا تُحمد عقباه
وفي الرواية الثانية "آلام جحا" يذكر الكاتب بأن محمد فريد أبو حديد لم يصب كثيرًا من التوفيق في استخدام القالب الأسطوري في روايته، فإلي جانب تباين الصورتين اللتين ظهر فيهما جحا في قسميها كان القسم الأول مفككا من داخله؛إذ اكتفي في بناء جحا ورسم معالم شخصيته علي مجموعة من النوادر والأقوال المأثورة في التراث الشعبي دون أن يُضفي عليها طابع التماسك والترابط، ثم إنه لم ينفذ هذا الإطار إلي ما يضطرب به الحاضر من مشكلات وآلام علي نحوما فعل الدكتور طه حسين.
ويأتي الفصل الثالث ( الرواية الوجدانية التحليلية) التي يمثلها محمد عبد الحليم عبد الله، وتتكشف رؤيته لطبيعة الذات البشرية من خلال التحليل الروائي لأعماله الروائية، فهي باستثناء روايته التاريخية"الباحث عن الحقيقة" و"للزمن بقية" تقوم علي استبطان الذات، والنفاذ إلي صميم الوجدان الإنساني، وتحليل مشاعر الفرد وأحاسيسه في مواجهة المواقف والأحداث التي تشكل نسيج حياته، وهي بهذا تنصرف إلي الاهتمام بالشعور الفردي دون الشعور الجماعي وإلي تصوير الفرد في همومه وعلاقاته الخاصة لا إلي تصوير المجتمع أو إحدي طبقاته وقد طحنتها الأزمات.
واتكأ عبد الحليم عبد الله علي أزمة الإنسان الفرد بوجوهها المتعددة والنفاذ منها إلي تحليل أحاسيسه ومشاعره، وقد تتمثل هذه الأزمة في معاناة لتجربة حب، وقد تنجو عن ظروف معينة داخل إطار الأسرة، وقد يكون منشؤها خطيئة أخلاقية تردت فيها الشخصية في لحظة من لحظات الضعف البشري كما في روايات :"بعد الغروب" و"شجرة اللبلاب" و"الوشاح الأبيض"و"من أجل ولدي"و"سكون العاصفة"و"البيت الصامت".
ويتطرق الكاتب إلي تناول ملامح البناء الروائي عند محمد عبد الحليم عبد الله، ويشير الكاتب إلي أن البناء الروائي عنده بناء تقليدي ، يقوم علي عنصر الزمن؛ إذ تبدأ أحداث الرواية تنمو وتتعقد، ثم تأتي إلي النهاية، وكل ذلك داخل إطار الزمن المتتابع الحلقات. والأزمة التي توضع فيها الشخصية أزمة نبعت من ظروف هذه الشخصية الذاتية البحتة،دون أن يكون للأوضاع الاجتماعية المحيطة بها أثر فيها. وقد تراوح المؤلف في عملية السرد بين استخدام ضمير المتكلم وضمير الغائب، بمعني أنه في الحالة الأولي لم يكن مجرد راوٍ للأحداث؛وإنما هو راوٍ لها وبطلها في الوقت نفسه.
وفي الفصل الثالث ( الرواية الاجتماعية) يتطرق فيه إلي تناول الرواية الاجتماعية عند نجيب محفوظ من خلال روايات :" القاهرة الجديدة" و" خان الخليلي" و" زقاق المدق" و"بداية ونهاية" والثلاثية("بين القصرين"و"قصر الشوق" و" السكرية").
والدارس للرواية الاجتماعية عند نجيب محفوظ يلمح عدة ظواهر تتراءي متشابكة متداخلة، لكنها جميعًا تشكل خيوطًا بارزة في النسيج الاجتماعي للمجتمع المصري من خلال الفترة الممتدة من أواخر الحرب العالمية الأولي إلي نهاية الحرب العالمية الثانية، وأول هذه الظواهر ظاهرة الانتماء السياسي والعقائدي، ونجدها في "الثلاثية"و"القاهرة الجديدة" .والظاهرة الثانية ظاهرة الفقر والحرمان ،ونجد هذين النموذجين في روايتي" القاهرة الجديدة" و"بداية ونهاية".
والظاهرة الثالثة: ظاهرة السقوط الجنسي، وقد غصَّت به روايات نجيب محفوظ، وبدا في جزء منه مرتبطًًا بالظاهرة السابقة ارتباط المقدمة بالنتيجة؛ بمعني أن هذه الممارسة غير المشروعة للجنس عند بعض الفتيات كانت وسيلة للكسب والارتزاق، وأداة لمغالبة آلام الفقر والحرمان، وبدا في جزئه الآخر ضربًا من إشباع الغريزة .ثم يتناول الشكل الفني في روايات نجيب محفوظ، واللغة عنده
وفي الجزء الثاني من الفصل يتناول الرواية الاجتماعية عند عبد الرحمن الشرقاوي من خلال روايات "الأرض"و" قلوب خالية" و" الفلاح" وقدم فيها واقع القرية المصرية في الثلاثينيات إبان تولي إسماعيل صدقي رئاسة والوزراء.
وينصرف الشرقاوي في واقعيته إلي تصوير الصراع بين الطبقات في القرية المصرية وخاصة بين طبقة ذوي النفوذ من الإقطاعيين ورجال الحكم قبل الثورة ومن حل محله من الرجعيين والانتهازيين الذين يعادون النظام من الاشتراكي من جهة، وبين طبقة صغار المزارعين والمعدمين من جهة أخري .
وكذا تناول الرؤية الاجتماعية في رواية "الحرام"ل يوسف إدريس، وهي من ضمن الروايات التي اهتمت بحياة الريف، كما هو الحال في روايات عبد الرحمن الشرقاوي، بيد أن هذه الرواية تختلف عن روايات الشرقاوي في أنها تصور مأساة يمكن أن نُطلق عليها "طبقة القاع" في الريف المصري، وهي طبقة عمال الزراعة الاجراء أو "الترحيلة" كما كانت تسمي.
و(رواية النضال الوطني)في الفصل الخامس، وقد برزت بعد ثورة يولية 1952 ، إذ قام بعض الروائيين بتصوير مظاهر الكفاح الوطني التي خاضها الشعب ضد الاحتلال البريطاني وعملائه، ومن هؤلاء عبد الرحمن الشرقاوي في" الشوارع الخلفية" ويوسف إدريس في" قصة حب" وإحسان عبد القدوس في روايته"في بيتنا رجل".
وظهر هذا الاتجاه بعد الثورة ؛يعني الرغبة في تأكيد الذات الوطنية وإبراز روح النضال الوطني في أعماقها، والإيحاء بأن تفجر هذه الثورة جاء تتويجًا لمعارك قاسية خاضتها القوي الوطنية في مرحلة سابقة، وليس من قبيل المصادفة أن تتفق الروايات الثلاث في اختيار مجال مكاني يكاد يكون موحدًا او متقاربًا يجري فيه تيار الأحداث الأساسي، هو حي السيدة زينب وما جاوره، أو كان قريبا منه كالحلمية الجديدة والمنيرة والدرب الاحمر، ولعل السر أن هذه المناطق وما شاكلها من أحياء مصر القديمة تحمل نبض الشعب المصري الأصيل وتتردد خفقات وجدانه، فهي أنسب الأماكن لصوغ أحداث الكفاح الوطني.
وفي الفصل السادس( الرواية التعبيرية) ويتناول في هذا النموذج بالدراسة ، روايات "اللص والكلاب"و" السمان والخريف" والطريق"و الشحاذ" وثرثرة فوق النيل" و"ميرامار"، وكلها لنجيب محفوظ.
والإحساس العام الذي يجتاح الشخصيات الرئيسية في الروايات الأربع، هو الإحساس بالقلق والمطاردة والغربة النفسية، وافتقاد الأمان والاستقار، وإن اختلفت البواعث والملابسات في كل منها.
واتخذ نجيب محفوظ من الحلم وسيلة فنية اتكأ عليها في النفاذ إلي باطن الشخصية الروائية، وتكثيف أعمق خواطرها النفسية الكامنة في اللا وعي، كذا استخدم تيار الوعي وتمكن به من تعرية أعماق الشخصية وإبراز أحاديثها الصامتة الدائرة في مستوي ماقبل الكلام من خلال الشخصية نفسها ودون تدخل منه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي