الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الدين و السياسة

خليل قانصوه
طبيب متقاعد

(Khalil Kansou)

2022 / 5 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


يقدر طول المسافة إلى مدينة سان تياغو في اسبانيا ، حيث كاتدرائية سان جاك دي كامبوستال الشهيرة ، باتباع " الطريق الفرنسي" إليها بحوالي 1500 كلم ، و ما أن تجتاز بوابتها إذا جازالقول ، تقرأ على أديم الأرض هذه العبارة " لولا السّعي إلى كاتدرائية القديس سان جاك لم قامت أوروبا " .

من البديهي القول أن جميع السعاة إلى سان تياغو لا يأتون إليها لكي يبايعوا "الكيان الأوروبي " ، فالدوافع إلى هذا المسعى ، كثيرة وهي ليست بالضرورة ذات مرجعية دينية ، إلى حد أن الهيئة الكنسية المشرفة نفسها ، تصنف هذه الدوافع إلى ثلاثة : لا دينية ، روحانية و دينية .

مهما يكن فلا شك في أننا حيال إيحاء ضمني ، بوجود علاقة إنجابية إذا جاز التعبير ، بين المسيحية من جهة والشعوب الأوروبية من جهة ثانية ، المقصود هنا التكتل السياسي العصبي ذوالملامح البشعة الظاهرة بقوة منذ أربعة عقود على الأقل و الدور المستفحل خطرا ، على المستوى العالمي .

بكلام آخر ، يتلقى الزائر إلى مدينة سان تياغو ، الذي تعلم أثناء المسير إليها ، أن يفكر بقدميه ، العبارة المرسومة على عتباتها ، كما لو أنها رجع صدى لمَ تناهى إليه عن شارل مارتيل و معركة بواتييه و سقوط الأندلس و محاكم التفتيش ، وصولا إلى ملحمة هجرة الأفارقة إلى أوروبا و القرابين التي يقدمونها " و لائم لأعشاب البحر ".

تتكثف الغشاوة المحيطة بمعالم المدينة كلما تقدم المرء المولود في " منطقة الجليل " الفلسطينية ـ اللبنانية ، في شوارعها و أزقتها قاصدا " الساحة " ، ساحة الكاتدرائية ، فيستعصي عليه ، نهائيا ، تلمس الرابطة السلالية بين مسيحية الجليل السورية البسيطة من جهة و بين هذه " المسيحية الأوروبية " المتحصنة في قلاع متعالية .

كانت الجدة تقول لا ينضج الرمان ياولدي قبل حلول " الصليب " ، و هو ما يزال يذكر أن شكّ أوراق التبغ " الصليبي " ( المقطوفة إذا ما صلّب الوقت )في "الميبر " سهل ، كما و يذكر أيضا " خميس البيض " ، البيض المسلوق الملون بقشر البصل ، و هو من أيام الفصح .

فعلى الأرجح أن المسيحية ، بعد محاولات متكررة ، منها الحملات الصليبية ، و الهيمنة الإستعمارية بشكليها القديم و الحديث ، صارت مسيحية أوروبية ، هي في صلبها أقرب إلى النظام السياسي منها إلى النهج الإنساني الروحاني .

ليس مستبعدا في هذا السياق ،أن يفضي التحقق من صحة فرضية هذا الإستنتاج إلى تبيُّن الغايات و الآليات التي تحكّمت في المأساة المتكررة التي تعرض لها بشكل خاص المسيحيون في سورية و العراق .

و يمكننا في السياق نفسه أن نضع على بساط البحث فرضية ثانية تتعلق بالمسألة اليهودية . من المعروف ان المشروع الإستعماري الإستيطاني في فلسطين ،تضمن إخلاء البلدان العربية من سكانها اليهود ، عن طريق جلبهم طوعا أو كرها ، إلى فلسطين أو تهجيرهم إلى اوروبا و أميركا .

لا يخفى في هذا الصدد أن الوجود اليهودي في بلدان العرب مثله مثل الوجود المسيحي ، هو تاريخي و أساسي . فلا غرو في ذلك كون هذه البلدان هي مهد هاتين الديانتين ، اللتين هما على الأرجح مراحل لاحقة متتالية في إغناء و إنضاج معتقدات سابقة عنهما. و لا أظن أننا نجازف بالكلام أن كثيرين من العرب تهودوا ، و تنصروا وأسلموا ، على التوالي . و لكن هذا مبحث آخر.

مجمل القول في ختام هذه الملحوظات و الفرضيات من وحي رحلة إلى المدينة الأسبانية سان تياغو و زيارة كاتدرائية أريد لها في ظاهر الأمر، أن تكون رمزا "للكيان الأوروبي " في وجه المضطهدين و المجوعين المهاجرين من إفريقيا ، أن هذا "الكيان " الذي يُعرّف نفسه بما هو مكون " للحضارة الغربية اليهودية ـ المسيحية " بحسب المصطلح السائد ، صادر أيضا ، في أغلب الظن ، الديانة " اليهودية "، جاعلا كل يهودي ، حكما ، من رعايا دولة أسرائيل ، علما أن هذه الدولة في جوهرها ،لا تعدو كيانا أوروبيا ـ أميركيا . لا أعتقد أن هذه الخلاصة تحتاج إلى دلالات لمحلها من الوضوح .

من البديهي أننا لا نسنطيع إيفاء موضوع الدين و السياسة حقه في مقالة . فمن البديهي أن هناك معطيات كثيرة ، تتعلق بالديانة الإسلامية ، تصب في مجرى هذا البحث .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتصام لطلاب جامعة غنت غربي بلجيكا لمطالبة إدارة الجامعة بقط


.. كسيوس عن مصدرين: الجيش الإسرائيلي يعتزم السيطرة على معبر رفح




.. أهالي غزة ومسلسل النزوح المستمر


.. كاملا هاريس تتجاهل أسئلة الصحفيين حول قبول حماس لاتفاق وقف إ




.. قاض في نيويورك يحذر ترمب بحبسه إذا كرر انتقاداته العلنية للش