الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا تقفزُ فورا للأذهان العصبيات الطائفية في كلِّ حادثةٍ وواقعةٍ في سورية؟.

عبد الحميد فجر سلوم
كاتب ووزير مفوض دبلوماسي سابق/ نُشِرَ لي سابقا ما يقرب من ألف مقال في صحف عديدة

(Abdul-hamid Fajr Salloum)

2022 / 5 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


سوف أستطردُ بداية لأقول، ما إن انتهت حُقبة الخلافة الراشدية في العام 40 للهجرة، 661 للميلاد، حتى بدأت مراحل جديدة في تاريخ الإسلام لم يقُم أيٍّ منها على قيم ومبادئ الحُكم الرشيد، والتي يأتي في مقدمتها إجماعُ المسلمين واحترامُ إرادتهم ومشيئتهم وخدمتهم والتفاني لأجلهم، وعدم رؤية السُلطة أو الحُكم امتيازا وتكبُّرا ومَكاسبا، وإنما تكليفا وخدمة وتضحية.. وهذا ما جسّدهُ الخليفة أبو بكرٍ الصدِّيق(ر) بقولهِ: " يا أيها الناس وُلِّيتُ عليكم ولستُ بِخيرِكم" ..
وفي روايةٍ غيرُ مسنودةٍ عن الخليفة عُمر بن الخطاب(ر) أنه قال: أيها الناس من رأى منكم فيّ اعوجاجاً فليقوِّمهُ ـ فقام له رجلٌ وقال: والله لو رأينا فيك اعوجاجاً لقوّمناهُ بسيوفنا، فقال عُمر: الحمد لله الذي جعل في هذه الأمة من يقوِّم اعوجاج عمر بسيفه..
هذه الرواية، وكما يقولُ أهلُ الاختصاص من الشيوخ لم يجدوها في كتابٍ مُسندٍ، وإنما هناك ما يُشبهُ معانيها
في بعضِ كُتُب التاريخ الدينية..
**
بكلِّ الأحوال، في الإسلام، لا يأتي الخليفة أو الحاكمُ بالقوة والسيف، ولا لأنهُ سليلُ أسرةٍ أو عائلةٍ أو قبيلةٍ .. ولا يأتي بتأويلٍ قرآنيٍ غيبيٍ وتهميش إرادة عموم المُسلمين..
فكانت الحُقبَة الأموية كلها توريثُ للخلافة من الأب إلى الابن، أو أحد أبناء الأسرة.. وكذلك كانت الحُقبة العباسية في كلٍّ من بغداد والقاهرة(بعد سقوط بغداد بيد المغول) والحُقبة السلجوقية والفاطمية والأيوبية والمملوكية والعثمانية ..الخ..
كلها قامت على توريث الحُكم أو الخلافة أو السلطَنَة، بِخلافِ ما جاء به الإسلام، وما دعت إليه مبادئ الحُكم الرشيد، من احترام إرادة عموم المُسلمين، وتكافؤ الفُرص لاختيار الأفضل..
وترافقَ كل ذلك بصراعاتٍ وحروبٍ وقتالٍ ومجازرٍ لأجل السُلطة يندى لها جبين التاريخ في كافةِ الحُقب الإسلامية..
وبذات الوقت بات الإسلامُ فُرقا ونِحلا وطوائفا ومذاهبا مُتناحرةً، وكلٍّ منها يدّعي أنه هو الأصح وعلى الآخرين أن يتّبعوا نهجهُ ومِلّتهُ وطريقتهُ وعقيدتهُ وقناعتهُ.. حتى اختلط الحابل بالنابل وتشتّت الشمل وتفرقت الأمة..
ويُروى عن الرسول(ص) قولهُ (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيلَ: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثلِ ما أنا)..
والسؤال: هل في هذه الأمة اليوم على مِثلِ ما كان عليه الرسول (ص)؟. لا أعتقدُ أن هناك أحدا، مهما طالت لحيتهُ أو كبُرت عمامتهُ، أو ازدانت عباءتهُ، أو اتسعت رُقعةُ زبيبتهُ من كثرة السجود والقعود..
**
المُسلمون جميعا متّفقون على هذا الحديث، ولكن ليسوا متّفقون على من هي هذه الفرقة الناجية؟.
فأهلُ السُنة يعتبرون أنفسهم الفرقة الناجية ويعتقدون أن أهل الشيعة على ضلال.. وأهل الشيعة يعتبرون أنفسهم الفُرقةُ الناجية ويعتقدون أن أهل السُنة على ضلال..
وكلاهما، السُنّة والشيعة، يُكفِّرون الطائفة الأحمدية التي يبلغُ تعدادُ أتباعها بالملايين في الباكستان والهند، وأرجاء العالم..
بل داخل الشيعة يُكفِّرون بعض الفُرق الدينية المحسوبة على الشيعة نفسها..
وهناك المذاهب الفرعية المتعددة داخل المذهب الواحد الرئيس.. فداخلِ أهل السُنّة هناك العديد من المذاهب الفرعية.. وداخل أهل الشيعة هناك العديد من المذاهب الفرعية.. وحتى داخل المذهب الفرعي تجدُ العديد من الاتجاهات والتفسيرات والجماعات بأسماء متعددة..
**
إذا علينا أن نعترف أولا أن هناك مشكلة مستعصية داخل الإسلام نفسهِ، في التفسير والتأويل وشرحِ النصوص، وفي النظرة للآخر، وفي العلاقة مع باقي أتباع الأديان الأخرى، سواء السماوية، كما اليهودية والمسيحية، أو الوضعية كما الهندوسية والبوذية.. وإلا لماذا كل هذا الذي نراه؟.
ومن هنا يمكن القول أن مشكلة الإسلام هي أولا مع المسلمين أنفسهم، قبل أن تكون مع غيرهِم.. وهي في داخلهِ قبل أن تكون في خارجهِ..
فلم يكُن أي " أعداء" للإسلام (إن صحَّ هذا التعبير) أشدُّ عداوةً على المسلمين من عداوةِ المُسلمين لبعضهم البعض، وكراهيتهم لبعضهم البعض.. وإن كان هناك متطرفون في الغرب يُعبِّرون عن تطرفهم بين الحين والآخر في بعض الرسوم الكاريكاتورية ضد نبي الإسلام، أو بِحرقِ كتاب المسلمين (وكل هذا بالتأكيد مرفوضٌ ومُدانٌ ولا يجوز) فهناك بين المسلمين من أكلوا أكباد وقلوب بعضٍ وحرقوا أجساد بعضٍ، وبقَروا بطون بعضٍ، ومثّلوا بجُثثِ بعضٍ، وارتكبوا بحقِّ بعضٍ أبشع اشكال الوحشية والعنف في التاريخ، وكتُب التاريخ مليئة بذلك.. وليس المجال الآن للتعرُّض إليها..
ممارسات المسلمين بحقِّ بعضهم البعض، وما نبتَ بينهم من متطرفين ومتعصبين وتكفيريين وإرهابيين، وصلَ إرهابهم إلى الغرب ذاتهِ، هو من جعل هذا الغرب يعيش حالة ( الاسلاموفوبيا) أو الخوف من الإسلام.. بينما نرى في الغرب آلاف الجوامع وملايين المسلمين يمارسون حرية العبادة بشكلٍ كاملٍ.. ونرى قادةُ الغرب يُهنِّئون المسلمين بأعيادهم، ويُقيمون لهم مآدب الإفطار الرمضانية في شهر رمضان..
**
قامت في سورية مظاهرات في أواسط آذار 2011، متأثرة بما حصل قبلها في تونس ومصر وليبيا، وللأسف الشديد سرعان ما نحَتْ الأمور نحو السلاح على الضفتين (ولسنا الآن في وارد التحليل على من تقعُ المسؤولية فهذا أمرٌ جدليٌ جدّا) ولكن انزلقَ الجميع نحو السلاح، وحينما تعلو لغةُ السلاح تغيبُ لغة العقل.. ومن ثمَّ كلٍّ لجأ نحو الاستعانة بالقوى الخارجية.. فوصلت سورية إلى ما وصلت إليه من مآسٍ وويلاتٍ مسّت كل مواطن سوري، وكل أسرة سورية، وستتركُ اثرا بعيدا على مدى الزمن..
اختلفَ الجميعُ على تفسيرِ ما جرى.. فهناك من اعتبرها ثورة.. وهناك من اعتبرها فِتنة.. وهناك من رأى في جبهة النصرة تنظيما إرهابيا، وهناك من رأى فيها مُعارَضة ونصرةً للثورة.. حتى أن (الفيلد مارشال جورج صبرة، وحينما دخلت جبهة النصرة إلى مُخيّم اليرموك قال عنها أنها مُعارَضة تُناصرُ الثورة، وأن مُخيم اليرموك هو أرضٌ سورية وسوف ندخلُ إلى كل بقعة على أرض سورية) ..
هكذا كان الموقف في البداية، قبل أن ينقلبوا عليها ويقولون أنها اساءت لهم في أذهان الغرب ولدى الرأي العام الغربي، بممارساتها الإرهابية، وتصنيف الأمم المتحدة لها كتنظيم إرهابي..
**
لم تخلو تفاصيل الأحداث من نِزْعَات وممارسات واستهدافات طائفية هنا أو هناك.. بل التنظيمات التكفيرية المتطرفة كانت تتربّصُ علنا بأبناءٍ طائفةٍ بالكامل، وهذا لم يخفيهِ شيوخهم، كما المفتي الشرعي لجبهة النصرة السعودي (عبد الله المحيسني) .. وحصلت أعمال خطفٍ على خلفيةٍ طائفية ومذهبية، وكان ضحيتها بعضُ أقاربي، منهم محامٍ خطفهُ جيش الإسلام عن الطريق العام شمال دمشق وبقي عندهم مسجونا عدة سنوات حتى تاريخ خروجهم من الغوطة.. وابنُ أخٍ لي خطفهُ بعض المُسلحين عن الطريق العام في سهل الغاب بأواخر 2011 ولم تكُن لهُ علاقة بأي جهةٍ بالدولة، وحتى اليوم لا نعرفُ عنهُ شيئا..
**
بلا أدنى شك، كل جريمة موصوفةٍ ارتُكِبت في هذه الحرب، من أي طرفٍ كان، هي مُدانَة ومُستنكرَة بكل المعاني.. وأمرٌ يُدمي القلب قبل أن يُبكي العين، أن يحصل ما حصلَ بين أبناء الوطن الواحد والشعب الواحد..
**
اليوم نحنُ أمام واقعٍ مأساويٍ بكل ما تعنيهِ الكلمة، فما هو السبيل للخروج منه؟.
"الطائفيون" من بينِ أهل السُنة لا يمثلون هذه الطائفة العظيمة، بل أُدرِكُ تماما جهود الغالبية العُظمى منها لِوأدِ الفتنة الطائفية التي أرادَ البعضُ إشعالها.. وأُدرِكُ أنّ الغالبية العُظمى من أبنائها لا يقبلون حُكم هذه التنظيمات الدينية الإسلاموية.. وأُدرِكُ أن أكثر الوجوه التي كانت تدافعُ دفاعا شديدا عن سُلطة الدولة هُم من أبناء هذه الطائفة..
وحينما دخل جيش الإسلام إلى مدينة عدرا العُمالية شمال شرق دمشق في أواخر 2013، كانت العائلات السُنِّية تُخبِّئُ في بيوتها ما استطاعت من أبناء الطائفة العلوية المُستهدفين من طرفِ جيش الإسلام، وللأسف ارتكبوا جرائما يندى لها الجبين..
وبالمقابل، فإن المتطرفين من أبناء الطائفة العلوية، لا يُمثلون هذه الطائفة، وكل من ارتكبَ جريمة عن سابق عمدٍ وإصرار يجب أن يُحاسب.. فهذا ليس من الدين ولا من الأخلاق ولا من الإسلام، الذي لا يجوزُ فيه أخذُ أحدٍ بجريرةِ الآخر.. وكلٍّ مسؤولٍ عن أفعالهِ وارتكاباتهِ لِوحدهِ..
ولا يوجدُ مُبرِّرا في الكون ولا في الأخلاق ولا في الديانات يُبرِّرُ مقابلَة الجريمة بجريمةٍ أخرى..
وحتى لو تجاهلنا كافة مبادئ وقِيم القانون الدولي الإنساني، واتفاقات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية، فإنّ الشرع الإسلامي لا يسمحُ بذلك.. وفي الإسلام: ولا تَزِرُ وازرةٌ وِزْرَ أُخْرَى.. (فاطِر 18) ..
**
ما حصل في سورية كان بالأساس صراعٌ سياسيٌ قبل أي شيءٍ.. ثم اختلط الحابل بالنابلُ وضاعت الأمور والحقائق في وسطِ الفوضى والتدخلات الإقليمية والدولية، ووسطَ العقول الأنانية والمريضة من هنا وهناك..
ولذلك يجبُ الخروجُ من هذا الوضع المأساوي وإنقاذ سورية من هذا التقسيم الجغرافي، والتقسيم الطائفي، والعملُ بكلِّ جدِّيةٍ وإخلاصٍ على حلٍ سياسيٍ للخروج من هذا النفق المُظلم..
لا يخفى أنّ هناك اليوم في سورية عدّة مناطق جغرافية تُسيطرُ عليها عدّة جهات:
المناطق التي هي تحت سيادة الدولة.. والمناطق التي تسيطر عليها جماعة (قسد).. والمناطق التي تسيطرُ عليها تركيا.. والمناطق التي تسيطرُ عليها الجماعة الإسلامية المتشددة(إدلب).. فضلا عمّا تسيطرُ عليهِ الولايات المتحدة، وإسرائيل..
كل ذلك سيبقى مُعلّقا وبلا حلٍّ، ما لم يُبادر السوريون أنفسهم، وفيما بينهم أوّلا للجلوس مع بعض والتحاوُر لأجلِ إيجادِ حلٍّ مقبولٍ للجميع، ويُنقذُ سورية مِما قد يكون أسوأ .. وهو التقسيم..
والحلُ لا يُمكن أن يكون صحيحا ومقبولا، إلا بقيامِ دولةٍ مدنية ( أو علمانية) يتمُّ فيها إبعاد رجال الدين عن السياسة، وحصرُ نشاطهم في توعية المُجتمعات على مكارم الأخلاق التي تحدّث عنها الإسلام ورسول الإسلام.. والفصلُ بين الدين والدولة، إذ أن الدولة هي لكافةٍ أبنائها مهما تعدّدت أديانهم وطوائفهم ومذاهبهم وأعراقهم، وأحزابهم وتوجهاتهم.. ويجب أن تكون الدولة على مسافة واحدة من الجميع.
**
عدا عن التفكير بكيفية إدارة الدولة بطريقةٍ مُختلفةٍ تمنحُ المحافظات سُلطات وصلاحيات واسعة ومٌستقلة، ويكونُ مجلس المحافَظة مُنتخبا بشكلٍ ديمقراطيٍ وحرٍّ، وبمثابة برلمان محلي وهو من ينتخب المُحافظ، ويتابع عملهُ ويُحاسبهُ، ويتابع عمل كافة الجهات الإدارية والتنفيذية في المُحافظة.. وكل ذلك يكون في إطار الدولة الواحدة التي تشترك في مسألتين أساسيتين، الجيش الواحد، والسياسة الواحدة..
هذا نظامٌ معمولٌ به في غالبية دول العالم.. بل معمولٌ به في دولة الإمارات العربية المتحدة.. وهذا يُخفِّفُ من الأعباء عن العاصمة، ويُمكِّنُ من مكافحة الفساد بشكلٍ أسهلٍ، ويُمكِّنُ من التنمية والتطوير بسرعةٍ أكبر، حينما تكونُ لكل محافظة سُلطاتها المُستقلة، في قرارها وخططها التنموية..
**
فأدعو لِعدم النفخ في نيران الطائفية، لأن هذه تحرقُ الجميع، وطيلةَ حياتي، كإنسانٍ علمانيٍ وعروبي، أزدري الطائفية والطائفيين، أيٍّ يكونوا.. وكنتُ، وما زلتُ، اشعرُ أن أقرب الناس لي هُم العلمانيون والعروبيون، من أي طائفةٍ أو دينٍ أو مذهب.. فهذا لا يهمُّ إطلاقا..
ومن يرتكب جريمة موصوفة، كما اشرتُ، يجب أن يُحاسَب.. ويُصبِح عبرة لمن يعتبر.. فالطائفية هي أكبر تهديدٍ لأي بلدٍ ومجتمعٍ بالعالم.. إنها النار التي تقضي أخيرا على البشر والشجر والحجر..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر