الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خَبَثُ خصخصة التعليم

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2022 / 5 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


حوار أجراه فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن مع مصعب قاسم عزاوي.

فريق دار الأكاديمية: لطالما ناديت بأن خصخصة التعليم تمثل أحد أهم مظاهر تهديد «الليبرالية المستحدثة بشكلها البربري المتوحش» لإمكانيات نهوض المجتمعات في عموم أرجاء الأرضين، وخاصة في المجتمعات المنهوبة المفقرة. فهل يمكن لك توضيح وجهة نظرك بذلك الخصوص؟

مصعب قاسم عزاوي: قد يكون شعار «خصخصة التعليم» أحد أهم المخالب التنفيذية التي تشرعها الليبرالية المستحدثة عبر تغولها على حقيقة أن التعليم بكل مستوياته يقوم بمهمة استثنائية في سياق حركية أي مجتمع جوهرها ضمان «تخليق أجيال المستقبل القادرة على إعادة إنتاج مجتمعها والحفاظ عليه»، وهي مهمة جمعية لا بد أن يقوم بالتشارك في تحمل أعبائها الاقتصادية والاجتماعية كل أفراد المجتمع، ومن كل حسب قدرته واستطاعته، إذ أنها الوسيلة الوحيدة لضمان عيوشية أي مجتمع وعدم اندثاره حينما لا يوجد في المستقبل جيل شاب يستطيع القيام بواجب العناية بشيوخه ومسنيه لعدم حظيانه بالقسط الطبيعي من التعليم الذي لا بد منه للقيام بتلك المهمة التي لا يمكن التقليل من حساسيتها ورهافتها وحيويتها في آن معاً.
وفي الواقع فإن نهج خصخصة التعليم هو رسالة إيديولوجية بربرية تئد في المهد الشروط التي لا بد من توفيرها لتنشئة جيل قادر على القيام بواجب الحفاظ على استمرارية ووجود مجتمعه في المستقبل غير البعيد، وذلك عبر ما تنطوي عليه الرسالة من حمولة إيديولوجية مرعبة مفادها أن «المجتمع عبارة عن غابة لا بقاء فيها إلا للفاتكين الجسورين الأقوياء الأثرياء»، وأن التعليم موطن فقط للقادرين على دفع تكاليفه الباهظة وفق شروط اقتصاد السوق البربري الذي لا بد من تسليع كل ما يمكن الوصول إليه في فضائه، وتحويله إلى سلعة تباع وتشرى حتى لو كان ذلك يرتبط بأسمى هدف بيولوجي يسعى له بنو البشر فطرياً وغريزياً ألا وهو حفظ النوع والذرية مشخصة بالمجتمع الموجودة فيه من الاندثار والانقراض.
وهو واقع مؤوف يمكن تلمس ملامحه الكارثية الأولية في المجتمعات التي تبنت نموذج اقتصاد السوق الوحشي في مرحلة صعود الليبرالية المستحدثة منذ مطلع ثمانينيات القرن المنصرم، خاصة في الولايات المتحدة وبريطانيا، والتي يستطيع أي مراقب تلمس تهالك منظومات الرعاية الاجتماعية فيها على امتداد العقود القليلة الأخيرة، وهو ما تم تلطيف حدته المهولة بالاعتماد على تقنية أخرى من تقنيات الرأسمالية العولمية المتوحشة ممثلة بأدوات وأقنية «استنزاف الطاقات البشرية والأدمغة» من الدول النامية، وترك مجتمعات تلك الدول لتحتضر جراء فقدانها للطاقات المؤهلة التي يناط بها العمل والاجتهاد لانتشالها من واقع هشاشة نظمها الاقتصادية والإنتاجية، ورفع مستوى حيوات أبناء المجتمع الذين يعيشون في كنف تلك النظم و مفاعيلها. وهو واقع يفصح عن نفسه مثلاً بالحقيقة الصارخة بأن جل أفراد عديد الكادر التمريضي والقابلات في دولة مثل بريطانيا هو من المهاجرين من دول نامية مثل الهند والباكستان ونيجيريا والفلبين وغيرها من الدول التي هي بأمس الحاجة إلى تلك الكوادر لاستنهاض نظمها الصحية المتهالكة.
وهناك هدف آخر مضمر من الجهود الخبيثة الدائبة التي تقوم بها الفئات المهيمنة على مفاصل الثروة والسلطة والإعلام في المجتمعات السائرة في درب الليبرالية المستحدثة المتوحشة لتوطيد «خصخصة التعليم» كأحد مرتكزات الحداثة والعصرنة في المجتمع، وذلك لتورية الهدف المستبطن في سياق ذلك السعي المخاتل والمتمثل في تعزيز هيمنة الأقوياء الأثرياء المتنفذين على مفاصل السلطة والثروة في المجتمع عبر إعادة إنتاج نفسها من خلال تعليم أبنائها «تعليماً خاصاً رفيعاً» يضمن تصعدهم بشكل «طبيعي»، وبالتزكية، للإمساك بنفس المقاليد التي كان يمسك بها أسلافهم من قبلهم، وذلك عبر حرمان أي من المستضعفين المفقرين من المطالبة بالتصعد إلى أي من مراكز صنع القرار في المجتمع لعدم امتلاكه لأوليات المعرفة الضرورية، والمستوى التعليمي الذي لا بد منه كمقدمة ضرورية لا بد من توافرها لدى أي من قد تسول له نفسه «المفقرة الأمارة بالانعتاق» التفكر بذلك، وهو ما يعني استدامة مفاعيل الهيمنة والتقاطب في المجتمع لصالح زيادة الأقوياء الأثرياء قوة وثراء وزيادة المستضعفين المفقرين ضعفاً وفقراً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين في معرض البندقية


.. الهجوم على رفح أم الرد على إيران.. ماذا ستفعل إسرائيل؟




.. قطر تعيد تقييم دورها كوسيط في المحادثات بين إسرائيل وحماس


.. إسرائيل تواصل قصف غزة -المدمرة- وتوقع المزيد من الضحايا




.. شريحة في دماغ مصاب بالشلل تمكّنه من التحكّم بهاتفه من خلال أ