الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراع الأزمنة العراقية

جعفر المظفر

2022 / 5 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


لقد جاء تأسيس الدولة العراقية الجديدة عام 1921 وهو يحمل على كتفيه صراعاً لأزمنة متعددة أولهما الزمن المذهبي (شيعي سني) وثانيهما الزمن القومي (عربي كردي في الغالب), وقد كان مؤملاً لهذه الأزمنة أن تقترب من بعضها وأن تتداخل فيما بينها لإنتاج زمن عراقي وطني واحد, لكن تطور الدول والمجتمعات لا يسلك في العادة طرقاً تقليدية بل هو بحاجة إلى قادة تاريخيين وأفكار ثورية وتحولات بنيوية بإمكانها توسعة مساحة المشترك على حساب مساحة المختلف عليه.
وبشكل أكيد فقد ضاعت على العراق أحدى أهم فرصه التاريخية حينما توفرت له فور تاسيسه بعد عام 1921 قيادة حكيمة تتمثل في الملك فيصل الأول الذي لم يطل به العمر طويلاً فجنحت الدولة العراقية نحو المزيد من التبعية للإنكليز ونحو المزيد من تآكل هويتها الوطنية.
وحدث أيضاً في السبعينات من القرن الماضي أن توفرت للعراق قيادة سياسية إستطاعت أن تخطو خطوات حثيثة لإستكمال بناه التحتية وخاصة بعد نجاح خطوة تأميم النفط العراقي وحل المشكلة الكردية الذي توج بمنح الأكراد حكماً ذاتياً والتقدم بخطوات ملحوظة لبناء الجبهة الوطنية والقومية بمشاركة من الأكراد ممثلين بالحزب الديمقراطي الكردستاني إضافة إلى الحزب الشيوعي العراقي وتنظيمات قومية عدة. غير أن الأمور لم تواصل مسيرتها بالإتجاه الصحيح وذلك بعد أن تمكن صدام حسين عام 1979 من القضاء على القيادات البعثية, وتلك المتعاونة مع الحزب, بما سمح له ببناء مملكته الخاصة. وحتى مع صدام حسين فقد كان بوسع الرصيد الشعبي الذي حصل عليه في البداية أن يجعله رجل اللحظة الوطنية الفاعلة إلا أنه سلك سلوكاً مداناً حينما إتجه لبناء دولة الفرد والعشيرة بدلاً من التوجه الجاد لبناء دولة المشروع الوطني العراقي.
إن ساعي البريد لا يطرق الباب مرتين, لكنه فعلها في العراق, ومع ذلك فقد ضاعت على العراق فرصة إنجاز ذلك البناء الذي كان تأسس على الحد المطلوب من الوحدة السياسية والإجتماعية والإقتصادية والتربوية التي كانت ستمنحه فرصة بناء الزمن العراقي الواحد, فتراجعت بالتالي حكاية الوطن لصالح حكاية الفرد ولم يكتب بعدها للمشروع الوطني فرصة أن يستعيد عافيته.
الواقع إن علينا أن نولي إهتماماً كبيراً لمفهوم صراع الأزمنة الذي ورثته الدولة العراقية في بداية تأسيسها في العشرينات من القرن العشرين. لقد إجتمعت في مساحة سياسية واحدة ثلاثة أزمنة مختلفة وحتى متخاصمة مع بعضها نتيجة تطورها كل على حدة في أثناء الإحتلال العثماني للعراق. كان الزمن السياسي (السني) العراقي قد بدأ نضجه بإتجاه وطني بخطوات سريعة ومتصاعدة أهَّلت أصحابه للإلتحاق بثورة الشريف حسين ووضعته في صدارة القوة المؤهلة مع الإنكليز لتأسيس الدولة العراقية الجديدة. على خلاف ذلك كان هناك المشروعان الشيعي بشكل رئيس والكردي بدرجاتٍ ملحوظة اللذان تلكئا في الدخول إلى مساحة الزمن العراقي الجديد, وحينما أُضطرا على دخوله فقد حاولا الحفاظ كلٌ على زمنه الخاص, فظلت الدولة العراقية الجديدة عبارة عن دولة كيانات موازية بإنتظار المشروع والظرف التاريخي الذي بإمكانه أن يحقق وحدة الأزمنة الثلاثة في زمن عراقي واحد, أو ذلك الذي سيفجرها من جديد لكي يعيد العراق إلى مربع اللاعراق, وهو أمرٌ كان قد تكفل به كل من الخميني ومحمد باقر الصدر من خلال مشروعهما لبناء دولة الفقيه نائب الإمام الغائب وشارك به صدام حسين من خلال سلوك مغامراتي بعيد جداً عن رصانة القائد ذا المشروع الوطني التاريخي المتميز.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو