الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سعد الله ونوس يعود للذاكرة الدمشقية ..

حيان نيوف

2003 / 5 / 22
الادب والفن


 

     .." كانت تلك هي الاستراحة الوحيدة قبل شوط جديد من الإعياء والأرق . مرت ليلة وليلة أمضيتها كلها مؤرقا وهاذيا . كانت الدمامل تتكون في حلقي ، وتتهيأ لاجتياح فمي وأنفي وشفتي . وكنت أتساءل ، كلما هاجت قروحي ، وزاد وهني ، إن كانت الحياة حقا مجيدة ، وإن كان الإنسان فعلا تلك الأعجوبة التي تحدث عنها سوفوكليس ".
     هذه هي أخر كلمات سعد الله ونوس قبيل وفاته بعام واحد ، وقد غادر أبو ديمة هذا العالم في 15 -5 –1997 .غادرنا ، وترك المسرح السوري مهجورا لا تسكنه سوى ذكريات سعد الله ونوس ملفوفة بالأحزان ، وباتت المقاعد الأمامية أو الخلفية تعانق خيوط العنكبوت وإذ بها الأشباح تأتي كل يوم محاولة تطهير المسرح من ذكرياته ، ولكن عبثا ، كانت كلماته تلتصق على كل بقعة من أركان المسرح كما يلتصق دخان التبغ البلدي على زجاج النوافذ .
      حمل أبو ديمة خشبة المسرح على كتفه ، وارتحل من مكان لآخر ليقول ما عجز الآخرون عن قوله . قدم لنا الكوميديا على خشبة مسرح الكوميديا كما قدم التراجيديا على خشبة مسرح التراجيديا –لكنه- لم يكن في الأيام واحدا من الذين يقدمون الكوميديا على خشبة المسرح التراجيدي ! لم يضحك علينا . أعطانا الحقيقة منذ البداية عندما تحدث عن حكم أمل لا نعرفه علينا .
      وأسفاه .. لم نعرفك تماما إلا عندما رحلت .فالمقاهي الدمشقية لم تعد تبكي وتذكر سوى الذين يرحلون . يبقون طوال حياتهم يشتهون فنجان قهوة أو " كأس زهورات " على مقاعدها ، ولكنها ترفض تقديمها إلا عندما يرحلون مع الحلم !.
     وأسفاه.. سقط المسرح شهيدا في غابة من الوجوه والأقدام والكلمات المجهولة . كلمات تأتي وتذهب هكذا ، مثل شربة "زيت الخروع" تمر على عقولنا وأفئدتنا !.
     مسرحك كان قناة لتصريف قروح تراكمت على قصبات المفكرين وأقلام تراكم الغبار عليها .حتى يوم قريب،كنا نخشى قراءة أي كتاب لك ؛ وإذا فعلنا ، نوصد الأبواب والمتاريس خلفنا ، ونجلس تحت الأسرة خوفا من يأتي سوفوكليس ويلتهمنا مع نصوصك . تهاجر الطيور خوفا من الأقفاص المطلية بالذهب ،وتذهب للعيش بين أشجار : الكينا والتين والعرعور والبلوط البري ، حيث تكون الحكاية جميلة ودافئة ، حيث يمكن أن نحب ونغني ونكتب قصصنا ومسرحنا ومستقبلنا بعبارات تبقى دائما .اجتمعنا سوية أنا والحلم والأمل ثم بكينا ، تحت أغصان الكينا ، وتذكرنا : "بلاد أضيق من الحب" ، "رحلة في مجاهل موت عابر" "والورم" ،وتساءلنا عما إذا كنت قد رحلت وقد قلت كل ما لديك ! . لقد جعلتنا نعيش بحرية ولو كانت عبر السطور،لقد خلقت المأساة التي تنجبنا في كل لحظة وترمي بنا إلى هذا الشرق الحزين .
    نذكرك والحزن يلعب بنا لأننا لم نعرفك باكرا . نذكرك ونحن نجمع الأعشاب في الوديان البعيدة خلف الحلم حيث يمكن لنا أن نحبك أكثر . سنكتب دوما أن المسرح انطلق من قلبك وحط مثل العصفور على غصن أوجاعنا ، وتنهدات أم عجوز تصنع الخبز على " التنّور " لابنها الذي قد لا يعود .
حيان نيوف
كاتب سوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الموزع الموسيقى أسامة الهندى: فخور بتعاونى مع الهضبة في 60 أ


.. الفنان محمد التاجى يتعرض لأزمة صحية ما القصة؟




.. موريتانيا.. جدل حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البلا


.. جدل في موريتانيا حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البل




.. أون سيت - لقاء مع أبطال فيلم -عالماشي- في العرض الخاص بالفيل