الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقل الاستراتيجي المغربي والنهوض بالأمازيغية

عبد الله حتوس

2022 / 5 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


"عليك أن تقرأ الماضي قراءة جيدة ومن ثم أن تُحَكِّمَ عقلك في اختيار طريقك لأنه أساس المعرفة". ريني ديكارت

تسارع الحكومة المغربية الخطى لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وتدارك جزء مما ضاع من زمن ترسيمها خلال الولايتين الحكوميتين السابقتين؛ فمحاولات تبيئة الترجمة من وإلى الأمازيغية داخل بعض مؤسسات الدولة، وشروع بعض الوزارات في إدراج الأمازيغية بمصالحها المركزية والخارجية، كلها مؤشرات على أن الحكومة ماضية في عملها لتنزيل التزاماتها ذات الصلة بترسيم الأمازيغية.

ويبدو من خلال متابعتنا للنقاش العمومي حول الإجراءات والتدابير الحكومية لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، أن هذه الإجراءات والتدابير في حاجة إلى مواكبتها بمجهود تواصلي توعوي، يشرح لعموم المواطنين والمواطنات الدلالات العميقة لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، ويحيطهم علما بالطابع الاستراتيجي لهذا الورش الكبير، خصوصا وأن هناك جيوب مقاومة لم تستوعب بعد أن ترسيم الأمازيغية هو في اصله وفصله تتويج لِرُؤْيَة، متكاملة متبصرة، من طرف العقل الدستوري المغربي.

فقد تعالت مؤخرا، وللأسف الشديد، أصوات بعض جيوب مقاومة ترسيم الأمازيغية، للترويج لأفكارعدمية، تشكك في مضامين الدستور، أصوات نشاز يدعي أصحابها أن دستور 2011 كان دستورا توافقيا مهادنا حسب السياق التوتري الذي جاء فيه، وكل مضامينه قابلة لمعاودة النقاش والتأصيل وأولها لغة الدولة الرسمية وموضوع الأمازيغية. إضافة إلى هذه الجيوب، هناك جيوب أخرى تحاول توظيف ضعف التواصل الرسمي بشأن الدلالات العميقة لترسيم الأمازيغية، لإيهام الراي العام بأن ترسيم الأمازيغية لا يعني سوى المتحدثين بها دون غيرهم من المواطنين والمواطنات.

فالقاسم المشترك بين هؤلاء وأولئك هو تجاهل كل ما تحقق لفائدة الأمازيغية خلال العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين؛ يتجاهلون مكتسبات تاريخية ما كانت لترى النور لَوْ لَمْ يحسن العقل الاستراتيجي المغربي تدبير أمور ثلاثة: إدارة الصراع اللغوي والثقافي والهوياتي ببلادنا، وإدارة الفرصة التي أنضجتها دينامية بيان الاعتراف بأمازيغية المغرب سنة 2000، واستشراف المستقبل للتصدي لخطرالهويات القاتلة، التي تعصف الآن بالكثير من دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط.

من شأن العمل التواصلي التوعوي الذي ندعو إليه، تنوير المواطنين بأن ترسيم الأمازيغية هو تتويج لرؤية متكاملة مدروسة أنضجها العقل الاستراتيجي المغربي على نار هادئة، رؤية اتضحت معالمها الأولى في خطاب جلالة الملك بمناسبة ذكرى عيد العرش لسنة 2001، حيث أكد جلالته على أن الإحتفاء بعرش المغرب " ليعد وقفة سنوية للتأمل والتدبر، لا للتساؤل عمن نحن؟ وماذا نريد؟ فالمغرب دولة عريقة في حضارتها، متشبثة بهويتها ومقدساتها، دائمة الانفتاح على مستجدات عصرها، موحدة وراء عاهلها، رفيقة للتاريخ، تعرف من أين أتت، وإلى أين تسير" ؛ قبل أن يؤكد جلالته في ذات الخطاب على أنه "واعتبارا منا لضرورة إعطاء دفعة جديدة لثقافتنا الأمازيغية، التي تشكل ثروة وطنية، لتمكينها من وسائل المحافطة عليها والنهوض بها وتنميتها ؛ فقد قررنا أن نحدث، بجانب جلالتنا الشريفة، وفي ظل رعايتنا السامية، معهدا للثقافة الأمازيغية".

رؤية اكتملت معالمها بعد خطاب أجدير، يوم 17 أكتوبر سنة 2001 ، وأحيطت بكل ضمانات النجاح؛ فحضوركل من نخبة الحركة الأمازيغية وممثلي الأحزاب السياسية، جنبا إلى جنب، في مراسيم وضع الطابع الشريف على إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، كان مؤشرا قويا على أن ورش النهوض بالأمازيغية ورش استراتيجي يكتسي أهمية خاصة، كما أشار الملك إلى ذلك في خطاب أجدير حين قال: " ولأن الأمازيغية مُكوّن أساسي للثقافة الوطنية، وتراث ثقافي زاخر، شاهد على حضورها في كلّ معالم التاريخ والحضارة المغربية؛ فإننا نولي النهوض بها عناية خاصة في إنجاز مشروعنا المجتمعي الديمقراطي الحداثي، القائم على تأكيد الاعتبارللشخصية الوطنية ورموزها اللغوية والثقافية والحضارية ".

إن من شأن التواصل مع المواطنين حول الطابع الاستراتيجي لورش النهوض بالأمازيغية، ضمان سبل ومقومات النجاح لهذا الورش، حتى لا تبقى المقتضيات القانونية والتنظيمية ذات الصلة بالشأن الأمازيغي حبيسة الأدراج أو تسقط ضحية الإكراهات البيروقراطية والإرتجالية والحسابات السياسية، كما حصل خلال الولايتين الحكوميتين السابقتين. فترسيم الأمازيغية تتويج لحس استراتيجي ملكي أَعْلَنَ عن نفسه منذ الخطابين التاريخيين لسنة 2001، وتتويج أيضا لحكمة ملكية عبر عنها جلالته في نص خطابه السامي ليوم 9 مارس 2011.

لقد كرس العقل الاستراتيجي الطابع التعددي للهوية المغربية وفي صلبها الأمازيغية، وأكد العقل الدستوري على أن الأمازيغية رصيد مشترك للمغاربة دون استثناء، ووعدت الحكومة الحالية في برنامجها بالعمل على تحقيق العدالة اللغوية والثقافية، فعلى المجتمع المدني والأحزاب السياسية، أغلبية ومعارضة، أن تتحمل مسؤولياتها وتبدع كل ما من شأنه الإسهام في تملك المغاربة للغتيهم الرسميتين : العربية والأمازيغية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: المرشحون للانتخابات الرئاسية ينشطون آخر تجمعاتهم قبيل


.. رويترز: قطر تدرس مستقبل مكتب حماس في الدوحة




.. هيئة البث الإسرائيلية: تل أبيب لن ترسل وفدها للقاهرة قبل أن


.. حرب غزة.. صفقة حركة حماس وإسرائيل تقترب




.. حرب غزة.. مزيد من الضغوط على حماس عبر قطر | #ملف_اليوم