الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوروبا: التغيير أم الهلاك؟

مرزوق الحلالي
صحفي متقاعد وكاتب

(Marzouk Hallali)

2022 / 5 / 13
العولمة وتطورات العالم المعاصر


بعيدا عن لغة الخشب، هناك جملة من الأسئلة الملحة مطروحة على صناع القرار بأروبا وشعوبها . منها لماذا لم تعد أساسيات الاتحاد الأوروبي تتكيف مع عالم اليوم؟ وما هي عواقب الحرب في أوكرانيا على الاتحاد الأوروبي؟ ولماذا يعتبر تغيير الأساسيات الأوروبية أكثر إلحاح اليوم؟
من هنا كانت انطلاقة كتاب " نيكول جنيسوتو"- "أوروبا: التغيير أو الهلاك" (2021) .

في المقدمة، تعكس المؤلفة الموقف المتناقض الذي يجد الاتحاد الأوروبي نفسه فيه. في الواقع ، بينما كان الاتحاد الأوروبي يقر الإجماع في عمله والأزمات التي مر بها منذ نهاية الحرب الباردة ، فإنه يظهر أنه غير قادر على بناء مسار يسمح له بفرض نفسه على الساحة الدولية في سياق الأزمة الاقتصادية لسنة 2008 وأزمة اللاجئين لسنة 2015 وأزمة "كوقيد "لسنة 2020.

سعت " نيكول جنيسوتو" إلى فهم من أين يأتي عجز الاتحاد الأوروبي للاستجابة، بشكل بناء وبفعالية، للأزمات: فهي ترى أن المشكلة تكمن "في الحمض النووي للبناء الأوروبي ، الذي تتوافق مبادئه مع عالم 1950 ولكنها لم تعد كذلك في 2020". كما أنه اضطر إلى القيام بتحيين تفكيره فيما يتعلق باللحظة التاريخية التي تشكلت فيها الحرب في أوكرانيا منذ 24 فبراير 2022.

ولماذا لم تعد أساسيات الاتحاد الأوروبي المبدئية تتكيف مع عالم اليوم؟

حدد مبدآن أساسيان نهج عمل الاتحاد الأوروبي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. بادئ ذي بدء، أرادت الدول الأوروبية بناء السلام من خلال التجارة - من خلال التكامل الاقتصادي والتجاري بين العدوين السابقين، فرنسا وألمانيا. هذه هي الفكرة التأسيسية ، التي دافع عنها أول مهندسي إنشاء التجمع الأوروبي للفحم والصلب - (ECSC) - التي رأت النور في سنة 1951. واعتقد الكثيرون – وقتئذ- أن التجارة تلطف الأخلاق وتهدئ العالم.

لقد تم بناء التجمع الأوروبي من خلال تفويض قضايا الأمن والدفاع إلى الولايات المتحدة، التي - بعد تحديد النظام الشيوعي باعتباره التهديد الرئيسي منذ بداية الحرب الكورية في سنة 1950 – سعت إلى إعادة تسليح ألمانيا الفيدرالية. وهكذا ، في سنة 1954 ، انضمت ألمانيا الفيدرالية وإيطاليا - وهما دولتان مهزومان في الحرب العالمية الثانية - إلى الناتو (أنشئ عام 1949). لذلك تقبلت المجموعة الاقتصادية الأوروبية تقسيم العمل في إدارة ازدهار الدول الأعضاء وتكليف حلف الناتو بالأمن.

أدى هذا التقسيم للمهام إلى إرضاء الجهات الفاعلة المختلفة حتى سقوط الاتحاد السوفياتي في سنة 1991 ، حيث مكّن الاتحاد الأوروبي من أن يصبح قوة تجارية رائدة في العالم ، وقوة ديموغرافية ونقدية كبيرة. كما مكّنه من تخصيص جزء كبير من موارده للنمو الاقتصادي ، هذا النمو الذي يولد -هو نفسه- الحماية الاجتماعية. ومع ذلك، بدأ هذا النظام، الذي عمل خلال الحرب الباردة، في الانزلاق في نهاية الحرب الباردة. في الواقع ، لم تكن سنة 1991 بمثابة نهاية الحرب الباردة فحسب ، بل شهدت أيضًا بداية العولمة. وأيضا، قررت الكتلتان الشيوعيتان الرئيسيتان ، الصين واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية -لأسباب مختلفة - اعتماد اقتصاد السوق.

وتبين بجلاء أن النموذج المرجعي للاتحاد الأوروبي - المبني على السلام من خلال التجارة وضمان دفاعه من قبل الولايات المتحدة - فقد كفاءته.
لقد تم تقويض أركان أطروحة التهدئة من خلال التجارة العالمية خلال الأزمة الاقتصادية في 2008. وقد أظهرت هذه الأزمة ، التي تسببت في ركود الاقتصاد الأوروبي في 2011 و 2012 ، حدود تحرير الأسواق الاقتصادية. وعززت أزمة فيروس كورونا في 2020 أيضًا الطابع الطوبوي لنموذج الاعتماد على الترابط الاقتصادي المتبادل، لأن هذا الترابط لا يصمد في وجه التداعيات الجيوسياسية ليس ضمانًا ضد الجغرافيا السياسية ، بل على العكس من ذلك. في عصر العولمة ، التجارة هي جيوسياسية بالأساس. هكذا أظهرت الأزمة الصحية لـجائحة كورونا اعتماد الاتحاد الأوروبي على الصين على وجه الخصوص (مثال الأقنعة و دوليبران- doliprane إلخ).

لقد تأكد – أكثر من أي وقت مضى - محدودية الإيمان المطلق بالتميز في السوق الحر، وبالتالي ضرورة إعادة السيطرة السياسية على الأسواق وبناء سيادة أوروبية أكبر فيما يتعلق بالأمن.
كما أن فكرة الحماية الأمنية التي كفلتها الولايات المتحدة تعثرت في 2003 عندما غزا جورج دبليو بوش العراق دون تفويض من الأمم المتحدة. وأعتبر انتخاب "دونالد ترامب" لرئاسة الولايات المتحدة في 2016 نقطة تحول حقيقية فيما يتعلق بخوض الحرب ضد جميع الأساسيات الغربية. وزاد القلق الأوروبي عندما صرح " ترامب" بتقادم حلف الناتو ، وبدت الولايات المتحدة كأنها لا تفي بالتزاماتها الواردة في معاهدة الناتو. وتزايد الصدع في الاعتقاد الأعمى للأوروبيين بالحماية الأمريكية مع المغادرة السريعة للأمريكيين من أفغانستان في أغسطس 2021.
حسب " نيكول جنيسوتو" ، لم تعد أساسيات الاتحاد الأوروبي ذات فعالية لأن العالم الحالي لا علاقة له بالعالم الذي وُلد فيه الاتحاد الأوروبي. ولذلك ، تؤكد على الحاجة الملحة إلى تغيير المفاهيم الأساسية التي سادت إبان إنشاء الاتحاد الأوروبي ، لاسيما فيما يخص بناء وتوطيد سيادة أكبر. الأمن الأوروبي .

وما هي عواقب الحرب في أوكرانيا على الاتحاد الأوروبي؟ لماذا يعتبر تغيير الأساسيات الأوروبية أكثر إلحاحًا في هذا الوقت بالذات؟

يعتبر عدوان بوتين على أوكرانيا لحظة قطيعة وصدمة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، خاصة بالنسبة لألمانيا التي عاينت انهيار نموذجها القائم على فضائل التجارة والحوار و "القوة الناعمة" والاعتماد المتبادل كعامل سلام. يصر ن. تصر" نيكول جنيسوتو" على هذه الصدمة الثلاثية لألمانيا بقدر وعي هذه الأخيرة على اعتمادها على الصين في التجارة ، وعلى روسيا في بالغاز و على الولايات المتحدة في دفاعها. هكذا بدت ألمانيا - زعيمة الاتحاد الأوروبي - كالحلقة الأضعف في البناء الأوروبي.
فكيف كانت ردود أفعال الدول الأوروبية؟

لقد اختارت ألمانيا إعادة التسلح ، معلنة أنها ستخصص 100 مليار يورو للدفاع - وهو ما يمثل أكثر من ضعف ميزانية الدفاع الفرنسية. هذه الرغبة الألمانية في بناء قوة عسكرية راسخة تشكل ثورة نفسية أساسية.
كما قررت جميع دول الاتحاد الأوروبي أيضًا زيادة ميزانيتها الدفاعية لتصل إلى 2٪ على الأقل من ناتجها المحلي الإجمالي. وتجدر الإشارة أيضًا إلى الإجماع الاستثنائي للدول الغربية على العقوبات القاسية جدًا على المستوى الاقتصادي ، في حق روسيا و إبعادها عن شبكة "سويفت " SWIFT -المصرفية.

على حين غرة عاين العالم اليقظة الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي ، و اكتسب هذه اليقظة أهمية كبيرة بفعل الحرب في أوكرانيا. إنها بعلا لحظة يقظة في انتظار أن تؤكد أوروبا نفسها كقوة. أما الحديث عن الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي غير مطروح اليوم ، في وقت أضحى من الضروري الاعتماد على المجتمع الأطلسي في مواجهة روسيا المتنمرة على أوكرانيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط


.. ما رؤية الولايات المتحدة الأمريكية لوقف إطلاق النار في قطاع




.. الجيش الاسرائيلي يعلن عن مقتل ضابط برتبة رائد احتياط في غلاف