الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسار والحجاب: كيف خُلقت “مشكلة المسلمين”

فيرونيكا زاراتشوفيتش

2022 / 5 / 13
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


Port Leucate, le 25 août 2016, manifestation du NPA contre les arrêtés interdisant le port du burkini, contre l’islamophobie. | Photothèque Rouge /Photothèque Rouge/JMB
الكاتبة فيرونيكا زاراتشوفيتش، نشر المقال في موقع تيليراما Télérama، بتاريخ 20 آذار/مارس 2022

اليسار ومناهضة العنصرية (2/4) شكّلت قضية الحجاب، في كريل Creil عام 1989، نقطة تحوّل للعلمانية في فرنسا. ثم بدأت تستعمل كوسيلة للإقصاء، كما يقدر بعض المثقفين. من الآن فصاعداً، بات النقاش حول الحجاب حامياً.



كريل، محطة RER D، شمالي باريس. كريل، باتت معقل “قضية الحجاب”، منذ 32 عاماً. يوم 18 أيلول/سبتمبر 1989 أرسل مدير مدرسة كابريال-هافيز Gabriel-Havez رسالة إلى أهالي 3 طالبات. الطالبات سيطردن، حذر إرنست شينير Ernest Chénière من طرد الفتيات الصغيرات ما لم يخلعن الحجاب. كان من الممكن أن ينتهي الأمر عند هذا الحد: نزاع محلي، مع ثلاث طالبات ممثلات والديكور قاعة مدرسية في منطقة محرومة؛ خبر عادي عن المدارس، في وقت لم يكن هناك من مانع قانوني من ارتداء الحجاب. وقد بتنا اليوم نعلم التتمة: في 18 أيلول/سبتمبر دشن ما سماه الأنثروبولوجي إيمانويل تيراي Emmanuel Terray “الهيستيريا السياسية”، وهي معركة وطنية شهدت تغطية إعلامية مكثفة شملت كل الطيف السياسي، ولكن على نحو خاص أحزاب اليسار. كريل كشفت التناقضات والخلافات والتصدعات التي كانت حتى وقتها بالكاد غير مرئية، قد باتت الآن واضحة بسبب “مسائل الحجاب”، وقد نسفت الهوية المناهضة للعنصرية لليسار الفرنسي من جذورها وساهمت في تعميق الهوة بين وبين الطبقات الشعبية الآتية من هجرة ما بعد الاستعمار.


“كما حدد عالم الاجتماع مروان محمد Marwan Mohammed، والمسؤول عن الأبحاث في المركز الوطني للبحث العلمي CNRS وأحد مؤلفي كتاب (1) بهذا المعنى، كريل لم تكن سنة افتتاح الجدال حول الإسلام بالنسبة لليسار، ولم يحصل “التغيير” بسبب ارتداء الفتيات الحجاب. يجب ألا ننسى أن الحكومة الاشتراكية هي التي أطلقت استعمال سردية “المشكلة الإسلامية” أو “مؤامرة المتطرفين” من أجل تهميش نضال العمال المهاجرين في سيتروين-أولناي Citroën-Aulnay وتالبوت بواسي Talbot-Poissy عامي 1982-1984، في لحظة حاسمة من التحول النيوليبرالي لليسار في الحكومة (راجع/ي المقال الأول من هذه السلسلة). بعد 7 سنوات، ستجعل كريل من التحول مرئياً”. وتتحفز بذلك التغيرات التي كانت تتخمر داخل اليسار… بدءاً من قلب أراضي الطبقة العاملة، في واحدة من المعاقل الاشتراكية في البلاد- التي كانت بقيادة رئيس بلدية اشتراكي بين عامي 1919 حتى 2014.

“يتذكر الأستاذ في كلية باريس-نانتير، وأحد مؤلفي كتاب (2)، اسماعيل فرحات: أنها كانت مثالاً نموذجياً لبلدية صناعية في ظل أزمة إقفال المصانع الأساسية، إضافة إلى كونها منطقة هجرة قوية للغاية من خارج أوروبا، مثلت كريل مختبراً. واجه هذا اليسار التحدي: كيفية التأقلم مع اختفاء الشخصية “الأسطورية للعامل في المصانع الكبرى، والمنتسب إلى نقابات اليسار، مع بروز بروليتاري جديد، “العامل المهاجر”، المنتمي إلى واحدة من الفئات الأقلّ تأهيلاً، والأكثر هشاشة؟ مع ذلك، هذا العامل تتراجع صفته كـ”مهاجر”، لأنه في كثير من الأحيان يحمل الجنسية الفرنسية، لكنه لم يعد بالضرورة “عاملاً”، لأنه في كثير من الأوقات عاطل عن العمل…” كيف يمكن تأهيله؟ “مع الوقت، ستحل الصفة الدينية مكان الصفة الاجتماعية. في هذا السياق، وفي فرنسا المعتبرة الأكثر إلحاداً في العالم ولكنها تواجه تغيرات في العلاقة بالإيمان (انخفاض في الممارسة الدينية بين السكان، وتزايد في التدين المتطرف عند البعض الآخر)، الأمر الذي سيشكل عقدة غوردية [صعبة للغاية] بين الإسلام، وحقوق النساء والعلمانية”.

في خريف العام 1989، لا يبدو الدفاع عن علمانية “منفتحة” ووفية لروح 1905- دولة محايدة، ضامنة المساواة في إطار ممارسة حرية المعتقد- المتجسد في صلب هوية اليسار منذ عقود، أمراً ينبغي استحضاره ونقاشه. اتخذ الأعضاء الاشتراكيون المنتخبون في البلدية موقفاً ضد الإبعاد من المدرسة. ودعت منظمة SOS Racisme إلى إعادة الفتيات إلى صفوفهن، واعتبر نائب رئيس المنظمة، مالك بوطيح Malek Boutih أن “المسألة مخزية بحيث باسم العلمانية يمكننا التدخل في حياة الناس الخاصة؛ وإساءة استخدام المعتقدات الشخصية”. الوحدة الظاهرة في قمة السلطة: الدفاع عن العلمانية ورفض الطرد، وبالتالي يمكننا تلخيص الخط الدقيق الذي تبناه رئيس الحكومة، ميشال روكار Michel Rocard، ووزير التربية، ليونيل جوسبان Lionel Jospin، الحريصين على “التوقف عن إشعال الجدالات، ومعاينة كل مشكلة بمفردها”. في هذا الوقت، في مونفرميل Montfermeil (سينن-سان-دوني) قرر رئيس البلدية بيار برنار Pierre Bernard (يمين متنوع) في ظل هذه المعمعة طرد الأطفال المهاجرين من روضات المنطقة (الذين اعتبرهم غير قادرين على الاندماج في “حضارتنا اليهو-مسيحية”)، بات الاحتجاج عاماً داخل الجمعيات المناهضة للعنصرية والحكومة.


نتيجة الفتوى ضد رشدي

لكن، في الواقع، كان الضيق والخلاف واضحاً بالفعل، خاصة في وسط مشهد أيديولوجي عكر. شكلت نهاية الـ 1980ات قطيعة في تطور تصور الوجود الإسلامي في فرنسا، لم ينجُ اليسار منها. “مسألة “الشادور” في كريل، يتذكر توماس ديلتومب Thomas Deltombe في كتابه(3)، هي نتيجة مباشرة لقضية رشدي“، الكاتب البريطاني لكتاب آيات شيطانية، والمهدد بالقتل بواسطة فتوى أعلنها في شباط/فبراير 1989 الخميني.

“المجتمع المسلم”، بات فجأة موضوعاً له أهمية خاصة، ويوصف بأنه كتلة منقسمة بين قطبين اثنين: “المعتدلون” و”المتطرفون” (“الإسلاميون” أو “الأصوليون”)؛ “المندمجون” من جهة، وأولئك الذين يرفضون اعتناق قيم الجمهورية من جهة ثانية. كما أن عالم المفكّرين، وخاصة وسط المعسكر التقدمي، الذي بات الآن يدقق بالمواجهة بين الإسلام والغرب، في تلك السنة الرمزية على نحو خاص في وقت كنا نحتفل بالذكرى المئوية الثانية للثورة عندما انهار جدار برلين (يوم 9 تشرين الثاني/نوفمبر) تفجرت كل المرتكزات التقليدية لليسار.

يحلل اسماعيل فرحات: “إن المسألة الإسلامية تزداد قوة في الوقت الذي تنحسر فيه الماركسية، وظهور رؤية دينية جديدة، وخاصة بما خص الملابس، ستهز بعمق كل هذه القوى. لم تكن المشكلة فقط بعدم تأقلم نزعتهم الكونية مع القضايا الإثنو-ثقافية. ولكن خاصة، ضربَ الحجاب القاعدة المشتركة لقسم كبير من اليسار، أساسهم الأيديولوجي والدلالي، أي مرجعيتهم العلمانية، المعبَّر عنها عادة بمناهضة عنيفة للإكليروس. دعونا لا ننسى أنه عام 1989 لم يستوعب اليسار الفشل العلماني الكبير عام 1984″، عندما أجبر مؤيدو المدارس الخاصة الحكومة على سحب مشروع قانون سافاري Savary، والذي دافع عنه اليسار لسنوات طويلة، والمتمثل بإنشاء “خدمة عامة علمانية وموحدة في التربية الوطنية”. “فاعتبر الحجاب تخلياً جديداً: بعد أن ابتلع “الثعابين” قبل 5 سنوات، لا جدل بأنه سيبتلع الآن البواء boa…” أضيف إليه عامل تعقيد جديد: “التعامل مع أقلية دينية هي مسألة صعبة، طالما أن ذلك يبعده عن التحليل الاقتصادي-الاجتماعي من ناحية الطبقات، الذي يفضله تقليدياً جزء من اليسار…”

بذلك، وطوال أسابيع، ستتحول القضية إلى معركة فكرية إعلامية شاملة، تغيرت فيها نغمة الخطابات، في صفوف اليسار، كاشفة مدى الازدواجية تجاه المسلمين. على خط المواجهة، أصبحت المراهقة المحجبة، الآتية من الأحياء الشعبية، “موضوع الفوبيا”، بحسب تعبير الفيلسوف بيار تيفانيان Pierre Tevanian. وجرى لصق الحجاب رويداً رويداً بكيان سياسي رجعي، يرمز في وقت واحد إلى التطرف الديني وإلى خضوع النساء. الحزب الشيوعي الفرنسي، الذي دافع عن العلمانية المتسامحة بوجه علمانية مدير مدرسة كريل “المغلقة”، بدّل موقفه. “باتت الأصولية الإسلامية هي الخطر الأساسي، إذاً، يجب إدانة كل من يشتبه بأنهم علمانيون متسامحون حياله، يلخّص الكاتب آلان فليكوتو Alan Flicoteaux في كتابه(2). رسم الحزب الشيوعي خطاً فاصلاً: هو يمثل الجانب الجيد من التاريخ، بحيث يطرح نفسه كحامٍ للعلمانيين والنسويات والمهاجرين “المندمجين”؛ من جهة ثانية، الآخرين، الذين يتسامحون مع الأصولية الإسلامية”.



داخل كل أطياف اليسار، لم تكن واضحة الاختلافات حتى وقتها، جرى تأكيدها وتعزيزها.”بالنسبة للبعض، مثل مسيحيي اليسار وجزء من اليسار الجذري، يجب الأخذ بعين الاعتبار أن المسلمين يشكلون جزءاً من الطبقات الشعبية، يفسّر إسماعيل فرحات. في حين أن البعض الآخر، المتميزين بمواقفهم من الثورة الإيرانية والاجتياح السوفياتي لأفغانستان، يعادون بشدة مراعاة البعد الديني بشكل عام، والإسلامي على نحو خاص. اتخذت منظمة النضال العمالي (Lutte ouvrière)، واللامبيرتيون [نسبة إلى التروتسكي بيار لامبرت- Pierre Lambert]، والتيارات العلمانية في الحزب الاشتراكي هذا الموقف [الأخير]. وقد حددت قضية كريل معالم النقاش بشكل دائم، وهذا ما يفسر الاتحاد ضد الحجاب، بعد عدة سنوات بين منظمة اليسار العمالي والاتحاد من أجل حركة شعبية [UMP] والحزب الاشتراكي وملحقاته مثل حركة “لا عاهرات ولا خاضعات- Ni putes ni soumises””. عام 1989، لخصت إيفيت رودي وجهة نظر الفابيوسية [نسبة إلى الاشتراكي لوران فابيوس]، الحجج التي استعملها الاشتراكيون ضد الحجاب: العلمانية، تحرر النساء، الخشية من الأصولية. كل ذلك على خلفية الخلاف المتزايد بين الفابيوسيين والجوسبانيين [نسبة إلى الاشتراكي ليونيل جوسبان] الذي طبع الولاية الثانية لفرنسوا ميتران.

نتيجة لذلك، كلما جرى التعبير عن التناقضات، زادت ضبابية هوية اليسار. في وقت دعم فيليب دو فيليه الحق بالحجاب، اقترحت إيفيت رودي، بحجة معارضته، عودة ارتداء المراويل المدرسية، كبرنار أنطوني، النائب عن الجبهة الوطنية [يمين متطرف] في البرلمان الأوروبي. تزايدت هذه التوترات مع نشر دعوة ضد الحجاب بعنوان: “أيها الأساتذة دعونا لا نستسلم!”، على الصفحة الأولى من مجلة النوفيل أوبسرفاتور يوم 2 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1989 والموقعة من 5 شخصيات أساسية في صفوف اليسار. “المستقبل سيحدد إذا كان عام الذكرى المئوية الثانية سنشهد فيه على مدرسة جمهورية ميونيخية [في إشارة إلى اتفاقية التنازل في ميونيخ مع ألمانيا النازية]، كتب كل من إليزابيث بادينتر- Élisabeth Badinter، وإليزابيث دو فونتاني- Élisabeth de Fontenay، ورجيس دوبريه- Régis Debray، وآلان فينكيلكروت- Alain Finkielkraut، وكاثرين كينتزلر- Catherine Kintzler. التفاوض كما تفعلونه، والإعلان عن أننا سوف نستسلم، له اسم واحد: الخضوع”. بعد ثلاثة أيام، كان جان-ماري لوبين [والد الفاشية الشمطاء مارين لوبين] هو من استعمل الاستعارة: “هل يكفي للألمان تغيير خوذهم المثبتة بمسامير وبنادقهم للحصول على حقيبة وقبعة حتى نسمح لهم بالدخول بيننا؟”.

في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 1989، سيكون مجلس شورى الدولة، بقيادة ليونيل جوسبان، هو الذي سيتولى البت بهذه المسألة، من الجميل التأكيد على أن التعبير عن المعتقدات الدينية لا يمكن منعه في المدرسة ولا يمكن استبعاد التلميذ من المدرسة إلا لأسباب سلوكية، بذلك كان الزلزال قد بدأ. “كانت واحدة من كبرى التمزقات الحاصل عام 1989: لم يعد اليسار يحتكر العلمانية، والتي باتت مرجعية كذلك عند اليمين، وخاصة حيال العلاقات مع الإسلام، يفسر إسماعيل فرحات. من هنا جاءت أهمية أن يستثمر اليسار في المعركة العلمانية في سياق تتلاشى فيه كل التناقضات بين السياسات الاقتصادية…”. وخوفاً من الخسارة، وزيادة الهوة الاجتماعية مع جزء من الطبقات الشعبية، بدءاً من النساء، ومواكبة مع صعود موجة “العنصرية المحترمة”، بحسب تعبير عالم الاجتماع سعيد بوعمامة (4). بالنسبة لمروان محمد، فتحت كريل تقارباً أيديولوجياً حول “علمانية جديدة”، تُستخدم على نحو متزايد لاستهداف دين معين، الإسلام، ومقولبة فكرياً، وجزئياً، من اليسار. “منذ الـ 1980ات، ساهم جزء من اليسار بنشر فكرة تقول إنه لكي نكون فرنسيين بشكل كامل، وبالتالي مواطنين بشكل تام، علينا ألا نكون مسلمين على نحو “مرئي”، يجب إزالة الحجاب. من وسيلة للاعتراف بكل الثقافات وتحرر الأفراد، أصبحت العلمانية تدريجياً علامة للهوية وأداة للإقصاء. وأصبحت أوامر الإدماج عنيفة أكثر فأكثر”.


من هنا فإن ما يسميه عالم الاجتماع “التقاطع السياسي” عند “مشكلة المسلمين”، قد تبلور حول الحجاب على نحو خاص: “هذا التقاطع لا يأتي من مصدر واحد بالنسبة لليسار واليمين. ولكن إلى جانب الحركات العنصرية والمعادية للأجانب بشكل علني، فإن المنظمات السياسية بدءاً من أقصى اليسار إلى يمين الوسط قد عاشت النقاشات وإعادة التشكيل، وحتى الإنقسام، حول معاداة الإكليروس، والنضال ضد الإسلام السياسي، ومناهضة التمييز الجنسي، والتي مهدت الطريق أمام أشكال متنوعة للإسلاموفوبيا والتي لا يمكن اختزالها بمصطلح معاداة الأجانب. وما يبدو لافتاً، في إضرابات عام 1982 كما في كريل: هذا الرفض، وهذا العجز في تصور مستقبل وخيال مشترك يشمل الجزء المسلم من فرنسا”.

في نص نشره تشرين الثاني/نوفمبر، لم يكتب عالم الاجتماع بيار بورديو شيئاً مختلفاً: “من خلال الإسقاط على حدث صغير، والذي نسي فوراً، حجاب المبادئ العظيمة، الحرية والعلمانية وتحرر النساء… ألقى المدعون الأبديون بأنهم مفكرين أساسيين، كما في الاختبار الإسقاطي، مواقفهم المخزية حول مشكلة الهجرة: من واقع أن السؤال الواضح- هل يجب قبول ارتداء الحجاب المسمى إسلامي في المدرسة أم لا؟- يُخفي السؤال الكامن- هل يجب تقبّل المهاجرين من شمالي أفريقيا أم لا؟-، يمكن أن تكون الإجابة على السؤال الأخير مخزية كذلك”.

سيستغرق الأمر عقداً من الزمن، تخلله اعتداءات قاتلة في باريس عامي 1995-1996، ومن ثم نيويورك وواشنطن عام 2001، كلها ارتكبت باسم الإسلام، وبذلك حصل تحول كريليّ كامل. عام 2003، انتشرت أخبار “مسألة الحجاب” (خاصة طرد التلميذتين، ليلى وألما ليفي، من مدرسة أوبرفيليه Aubervilliers، عند بداية السنة الدراسية عام 2003) وصولاً إلى قانون عام 2004، الذي طرحه جاك شيراك وحظي بتأييد أغلبية ساحقة من قبل نواب كل الأحزاب السياسية من اليمين إلى اليسار، ما عدا حزب الخضر. فجرى منع الرموز الدينية الظاهرة من المدارس. باتت التلميذات أمام خيار مستحيل، لخصه الفيلسوف برونو لاتور: “أو أن تكوني ظاهرة للعيان من خلال الحجاب، وبالتالي ستصبحين غير مرئية حتى نستطيع طردك كما قبل… أو لن نشعر بالحرج من وجودك”. وفي وقت كان الشعور هو تزايد الخوف من الإسلام، بات النقاش العام حول العلمانية مشعاً، واليسار وجد نفسه لوحده “على تقاطع شديد، بمعنى التأثر، بمسألة الحجاب”، بحسب تعبير الفيلسوف بيار تيفانيان في كتابه (5): “كان النواب الاشتراكيون وأعضاء مجلس الشيوخ (وخاصة جاك لانغ ولوران فابيوس) من أعلن نيتهم عن طرح اقتراح قانون لمنع الحجاب في المدرسة. في حين كان المسؤولون الوطنيون عن منظمة النضال العمالي والعصبة الشيوعية الثورية (LCR)، وهم من المدرسين في ثانوية هنري-والون في أوبرفيليه، وراء الحملة التي أدت إلى طرد ألما وليلى ليفي. في الوقت عينه، كان النواب الذين تحدثوا أكثر من غيرهم ضد قانون منع الحجاب ينتمون إلى أحزاب اليسار […] كما انتشرت داخل المنظمات اليسارية النقاشات الداخلية بشكل حصري حول هذه المسألة (ما عدا منظمة النضال العمالي) […] وقد شارك المناضلون بنشاط سواء في تأييد أو رفض حظر الحجاب”. في مواجهة الحجاب، وهو رمز مرئي للتدين ولكن أيضاً لتاريخ معقد، ونزاعي بين المجتمع الفرنسي وجزء من شعبه، باتت الانقسامات الفكرية والسياسية داخل اليسار دائمة ولا سابق لها من قبل.

المقال الأول من هذه السلسلة: اليسار ومناهضة العنصرية: جذور القطيعة


Port Leucate, le 25 août 2016, manifestation du NPA contre les arrêtés interdisant le port du burkini, contre l’islamophobie. | Photothèque Rouge /Photothèque Rouge/JMB
لقراءة المزيد حول الموضوع:

(1) Islamophobie. Comment les élites françaises fabriquent le problème musulman, Abdellali Hajjat & Marwan Mohammed, éd. La Découverte, 2013

(2) Les foulards de la discorde. Retours sur l’affaire de Creil, -dir-igé par Ismaïl Ferhat , éd. de l’Aube/Fondation Jean-Jaurès, 2019

(3) L’islam imaginaire. La construction médiatique de l’islamophobie en France, 1975-2005, Thomas Deltombe, éd. La Découverte, 2005

(4) L’Affaire du foulard islamique. La production d’un racisme respectable, Saïd Bouamama, éd. Geai bleu éditions, 2004

(5) Le voile médiatique. Un faux débat : « l’affaire du foulard islamique », Pierre Tévanian, éd. Raisons d’agir, 2005

La gauche, les Noirs et les Arabes, Laurent Lévy, éd. La Fabrique, 2010


Le foulard islamique en questions, -dir-igé par Charlotte Nordmann, éd. Amsterdam, 2004

La politique du voile, Françoise Lorcerie, L’Harmattan, 2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي


.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ


.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا




.. ما المطلوب لانتزاع قانون أسرة ديموقراطي في المغرب؟