الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعترافات الجسد وكوابيس الكلمة عند -أن سكستون-

محمد احمد الغريب عبدربه

2022 / 5 / 15
الادب والفن


لم تكن الشاعرة الامريكية "أن سكتسون" الحاصلة علي جائزة "بوليترز" في الشعر سوي ومضة خفية في ثنايا الوجود، فقد اكتسب شعرها ودواوينها الكابوسية ميزة جمالية حالمة ومتدفقة لمدخل الاعتراف ومنحي حياة الفرد البائسة في عالم لا معني له، فحاولت كثيرا الهروب من سرب وجودها القسري في العالم بمحاولات انتحار ولم تجد سوي الشعر معني يبقيها في الحياة، فكان وجودا شعرياً محيراً ومتدفق بالابعاد الانطولوجية القاسية. فكانت معظم قصائدها حول وجودها المأسوي الحزين.
مراسم خزف
في دفاترها التي اقصيت للتوعن عيون عمال المصانع وأصحاب الياقات البيضاء وحاملي شعارات التغيير والثورة الجديدة والباعة الجائلين، سطع في نهار اليوم سماءا ملبدة بمصطلح جديد وأجساد تلهب لنفسها تفسيرا جديداً مثل اليوم الجديد، في هذه اللوحة الشعرية نمضي افقا نحو نيتشة وقارئ جديد نحو عملا جديدا ولد للتو من رحم ماديات الواقع ومسرح البالون واقاويل العازف وأحباب السيدة زينب، المنادي يقول ولا احد يرد، الاعتراف يسير بخطي علي لحاف الخطر، ودعوة عامة للبقاء، نعترف في الليل وبين حواري المدينة. لكن تجميل المعني وخزف المحبة ينفرطون سدي .
أيتها السيدة كفي؟
في بدايات النسوية، تقف المرأة، حقوقها ملتبسة وعناوين الصحف تؤكد أحقية وأهمية الدعوة، والجالس حول الشرفات يستمع لعل الامر خيراً، مدام سكستون متي تتوقفي عن النحيب اين دفاترك في خطط الحياة ومشروعاتك المستقبلية؟ وأرصدتك في البنوك؟ يسائلها عاملاً في قسم الاشراف والنظافة في فندق منخفض القيمة، عم خالد لم يقرأ مدام "سكستون" ولا حتي دفاترها ولكنه حاكمها ولكنه لم يحاكم نفسه، في صقيع البرد، وبهو الفندق يعترف أمام نفسه أن الاشراف عملاً جلياً وأن المعني بداخله سيشرق غداً وذاهب لمنزله، يداه متورمة وشعره غير منظم ولا يرتدي شيئا قويا في قدميه، وملابسه تعبر عن ماضي سحيق، ونظرات اعيونه بها اسرار دفينة غير معترف بها، هل يوما ما سيعترف أمام المارة ويسرد كوابيسه الليلية وحطامه الشره بصورة جيدة، ويقدم اعلانا عنها في الصحف القومية اليومية.


علي الجانب الاخر
في قصيدة "صورة رضيع"، "أن سكستون" ترسم بورترية لحياة جديدة بائسة تولد دائما مع كل يوم جديد لا جدوي منه، ولا يوجد به خطط تثير النفس نحو الحياة، في قلب العنب، في الصورة الفوتوغرافية تبتسم مدام "أن سكستون"، وهي تكتب وهي تستنشق، كلماتها الشعرية ما بين الابتسامة ونظرات السنة السابعة، وجماليات الفيونكة، ترقد المحبة ويطير المعني الشعري معترفاً عن حاله، نثراً مباشرا واعترافاً عن زهو السنة السابعة الحزينة، السنة القادمة والسنة الماضية، أنها الصورة الفوتوغرافية وهي تنظر كل يوم بفخر عن ميعاد الرحيل وأزالته من علي الحائط، لوحات متكسرة وصور اترابها زادت وأعطت رونقا جديداًـ وابتسامة جديدة.
ابتسامة مخفية
تعبر "سكستون" بمحظية شعرية عن حلم طفلة تريد ترك العالم فكل شئ لا يمنحها الأمل، وأحلام طفولتها غير بارزة في العلن، صوت الرضيع يهمين علي القصيدة ومفردات الطبيعة وكلمات الحزن تعتبر بديلا شعريا للمعني، وتعبر عن بعض الأمل ولكن بخجل، فالابتسامة المرجوة ذليلة الاختفاء، وتهرب كلما اجادت "سكستون" الحياة فتهرب الابتسامة للتو في ثناء اشياء الوجود وتفاصيله، فأنطولوجيا الابتسامة مشكوك فيها، فهي انطولوجيا ساحرة لا وجود لها، كوابيس في شكل ابتسامة. المصور تأخر عن ميعاد مقابلة مدام "سكستون"، وفي يديه تقاليد توليد المعني، وملامح الابتسامة.

الأمتاعية الحزينة
تنتقل "سكستون" حرة منطقلة في بنية القصيدة بين التلاعب بالالفاظ الحر والمعني البلاغي الجمالي، فلا نفتح الطريق أمام شاعرية حرة مفتعلة فتتجه في لغتها الشعرية إلي الانتقال من الغائية إلي الامتاعية العفوية الحرة ضامنة في كلماتها قوة استيعابية لمختلف النزعات الأنشائية محتضنة كمون الهاجس الشعري باعتباره صنفا من اصناف النظام، وفي اركان لغتها الشعرية يظل خطاب الصورة الشعرية مكتسبا حضوراً فائقا فهي تخطاب العالم والوجود مباشرة برغبتها المستمرة بفقدان وجودها، فالعمر ذهب سدي والايام لا امل فيها سوي ابتسامة مخفية.
الجمالية الحسية
صور وراء صور بمفاهيم شعرية مختلفة ومفتوحة، تمتاز اللغة الشعرية لدي سكستون بالجمالية الحسية، وأباطرة القوة تنحني أمام كلماتها الشعرية والصادمة، فما بين الطفولة والشيخوخة والصورة الفوتوغرافية تخرج الروح الحسية لتجتذب القارئ في امتاع جمالي مستمر، فتنحي قصيدة صورة رضيع الي معاني الفطرية الصافية للشعر وتوظف اسلوب ابداعي مزخرف للكلمات فتجمع "أن" بين الاسلوبية الحرة للغة وبين الجمالية الشعرية للكلمة، فتصبح القصيدة لديها حرة منطقلة عفوية، وتظهر الشاعرة "أن" في روح >ات شاعرة مؤسلبة معا في شكل افراطي لتحسس العناصر اللغوية ملسونة او مسموعة.
المرحاض- الطفلة- الحقن الشرجية- مثلجات- الحلوي- الثلاجة- الخضروات- سرطانات- ظلام- العنب- الفيونكةـ كلمات أن الشاعرة تمتلئ بالصعقة او الهزة التي تعتري القارئ، فالهدوء الشاعري، فالهدوء الشاعري يختفي، ويصبح القارئ أمام اهتزازية حسية وجماليات خالبة للروح وعنصر المفاجأة في كلمات أن صام وحاضز بقوة, فـ "سكستون" لا تريد قارئ هادئ الطباع، أنما قارئ منفعل، عاطفي، جياش، فهناك اسلوبية شاعرية اهتزازية في قصيدتها.
سيمولوجيا كاذبة
في القصيدة مرحاض بلا رمز، الشاعرة لا تعطي علامة، تفكك السيمولوجيا، تباشر الكلمة بذاتها الانفعالية، النص الشعري لديها لا يقف علي مسرح "رولان بارت" الفرنسي العلاماتي ولا في اتجاه لذاته النصية المفككة المعهودة ابداعيا ونقديا، لدي سكستون اسلوبية شاعرية صريحة بلا علامات، النص مجروح وبه دماء غزيرة، وابوب حسية لا تنقطع من الأثارة الجمالية، شخوص سفينة الحمقي، وعمال فنادق الوردية الليلية البائسين يدعمون كلماتها، نصها قد يحتاج إلي قراءات تأويلية متعددة، فالوقاحة تنضج بنفسها والاعيب المرحاض والحقن الشرجية ترسم نفسها بإعتزاز.
ويلاحظ ان الوقاحة والتوحش في نص سكستون ليس مفرط ومتكرر بغزارة مثل النصوص الشعرية الأخري التي تكون القصيدة الشعرية مجال مفتوح من كلام التوحش والبؤس والسوداوية، فدائما تضع بريقا للأمل، الشاعرة ارادت ان تخفف وتنمق اولا من رغبتها الدائمة والسودواية في الانتهاء وترك الوجود بجماليات الوقاحة والقبح ثم خففت هذه الجماليات الحزينة بكلمات الابتسامة وبعض المرح.
الجسد العاري
الجنسانية وأشياء أخري، تعري الجسد في منطلقه الحر، تتفوق القصيدة علي نفسها في التعبير عن مشاركة الجسد للأشارة إلي مأساة النهاية وبؤس الجسد، فصوت الجسد ظاهر، فالدماء ترثي، والاسنان ترمز نحو الغضب والتعبير الانفعالي، والعيون في حالة مرضية، التصريح بالجسد يعنف احوال البشر، يصبح الوجود منفتحاً علي أسرار الذات وملامح الجسد المخبئة، فالحقن الشرجية تتحول إلي مثلجات، والجسد يطيق ولا يطيق الفستان، الزي والملابس تتحول إلي أسئلة حول الهوية وطريق مشارك نحو الحزن والانكسار، فزهو الفستان الجديد في نهاية اليوم يصبح رماد، الجسد لدي الشاعرة يهرب من اعتيادياته السابقة يصبح مسرحا لجماليات الشعر القبيح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل