الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انقلاب الرياض كانقلاب صنعاء، صناعةٌ خارجية: 4/2

منذر علي

2022 / 5 / 15
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لقد أشرتُ في الحلقة السابقة إلى أنَّ الانقلاب على الرئيس عبد ربه منصور في الرياض في 7 أبريل 2022، كان شبيهًا بالانقلاب عليه في صنعاء في 21 سبتمبر 2014. الانقلابان فعلان خارجيان مدروسان بإتقان، ومصممان بإحكام للسيطرة على اليمن. الانقلاب القديم حاكته إيران، والانقلاب الجديد دبرته السُّعُودية والإمارات. عقب الانقلاب الأول، تمكَّن الرئيس عبد ربه منصور، بمساعدة السُّعُودية، من الفِرَار من صنعاء إلى الرياض، وفي الرياض استعاد رئاسته، ولكنه بقيَ تحت الوصاية السُّعُودية. وبعد أكثر من سبع سنوات من إقامته في الرياض تم الانقلاب عليه وأُجْبِرَ على نقل صلاحياته الكاملة إلى مجلس القيادة الرئاسي الذي نصبته السُّعُودية والإمارات. واليوم الرئيس السابق يُقِيمُ في الرياض، وربما يكون تحت الإقامة الجبرية كما تشير بعض المصادر الصحفية، ولن يتمكن من الهروب من الرياض، كما هرب من صنعاء، وبذلك لن يتمكن من استعادة رئاسته كما استعادها في الماضي. وعليه تكون مسيرة الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي قد انتهت نهاية مأساوية. وأنا إلى ذلك كنتُ قد أشرتُ إلى أنَّ عزل الرئيس منصور في الرياض كان مخالفًا للدستور، وإهانة كبرى للشعب اليمني. وخَلَصْتُ إلى نتيجة مُفادها أنَّ إيران والسعودية والإمارات أحكمت قبضتها على اليمن بواسطة سيطرتها على المجلسين المشكلين في صنعاء والرياض اللذين يكرسان الهيمنة الإيرانية والخليجية على اليمن.
***
تذكروا، أيها الأصدقاء والصديقات، أنَّ الحكام الإيرانيين والسعوديين والإماراتيين ليسوا مصدر السلطات في اليمن، ولكن الشعب اليمني وحده هو مصدر السلطات في اليمن، وعلينا أن نساعد شعبنا لكي يستعيد السلطات المستلبة منه، ويستعيد استقلال وسيادة وطنه المغدور. لا تنشغلوا بالتقاسم الوظيفي والجغرافي والقبلي والسياسي في إطار المجلس السياسي الأعلى في صنعاء، ومجلس القيادة الرئاسي في الرياض، وكَمْ كَسَبَ هذا الطرف وكَمْ خَسِرَ ذاك الطرف، فهذه شكليات لا معنى لها. إذْ لا ينبغي أن تعنينا قبيلة الحاكم الجديد، أو مكان ولادته، أو طائفته الدينية، أو انتمائه السياسي، أو لونه، أو جنسه، ذلك أنَّ ما يجب أن يعنينا، في هذا السياق، هو كفاءته السياسية وإخلاصه للوطن والشعب، وإيمانه بالمواطنة المتساوية، وتمثله لقيم الحرية والعدالة والتقدم. حتى وإنْ بدت العناوين مختلفة ومُربكة، فالحقيقة هي أنَّ الرابحين من الانقلاب الجديد والرابحين من الانقلاب القديم، هم الأوباش الإقليميون وأتباعهم المحليون، أمَّا الخاسرون، من جرّاءِ الفعلينِ الانْقِلابِيِّنِ المشؤومينِ، فهم اليمنيون الطيبون والشرفاء الذين يتطلعون إلى العيش في سلام وكرامة في وطنٍ مستقل وآمن وناهض، وطنٌ يحكمه القانون، وتسوده المواطنة المتساوية، وتظلله رايات الحرية والعدالة والتقدم.
إذَنْ لا تتركوا الأوباش، المتاجرين بالوطن، يضحكون عليكم ويقولون لكم: إنَّ هناك إنجازًا عظيمًا تحقق في الرياض في فجر السابع من أبريل 2022 أو أن كارثة وقعت لا يمكن تلافيها. إنَّ علينا أنْ نتحلى باليقظة ونتمسك بالأمل، والتحلي باليقظة والتمسك بالأمل لا يعني أنْ تتفاءلوا بسذاجة، وترقصون طربًا إزاء ما جرى، وبالمقابل، ليس المطلوبُ منكم أنْ تتشاءموا ببلاهة وتلطموا خدودكم كمدًا، بل عليكم أنْ تُفَكِّرُوا برصانة ومسؤولية تجاه ما يجري في الوطن وتبحثون، بصبرٍ وتأنٍ، عن السُبل المثلى لإنقاذ وطنكم وشعبكم.
***
لقد ضاع الوطن الذي أيقظه من سباته وقاده إلى التحرير والاستقلال رواد الحركة الوطنية اليمنية والرجالٌ العظام، أمثال: عبد الله باذيب، وعلى عبد المُغْنِي، وعبد الله السلال، راجح بن غالب لبوزة، وقحطان الشعبي، وفيصل عبد اللطيف الشعبي، وعبد الفتاح إسماعيل، وسالم ربيع علي، وعلي صالح عباد مقبل، وعبد القدر سعيد، وإبراهيم الحمدي، وعلي عنتر، وصالح مصلح، وعلي شائع هادي، وثابت عبد حسين، وحسين قماطة وغيرهم. اليوم، اليمن هو الخاسر من جرّاءِ هيمنة الأوباش على مصيره.
في الوقت الحاضر، ما يُنَفَذُ في صنعاء يُقَرَرُ في طِهران ولصالح إيران ومشروعها التوسعي، وليس لمصلحة اليمن، وما يُنَفَذُ في عدن يُقَرَرُ في الرياض وأبو ظبي، لمصلحة هاتين الدولتين، وليس لمصلحة اليمن، فالمجلس السياسي الأعلى في صنعاء ومجلس القيادة الرئاسي في الرياض عنوانان خادعان للسيطرة الأجنبية على اليمن، وتحت هاتين القوتين المتخلفتين والمختلفتين والمتناقضتين، زُرعَ، في اليمن، لغمٌ كبير لتفجير المجتمع من الداخل: جهويًا وطائفيًا وقبليًا، وبذلك فَقدَ اليمن استقلاله وغدا مُرتهنًا للقوى الإقليمية. ذلك أنَّ مَنْ هندس للخراب لا يمكنه أن يهندس للبناء، ومن هدَّمَ الدولة اليمنية وبنى جيوشًا ومليشيات متنافرة لا يمكنه بناء دولة وطنية حديثة، ومن يضع القوى المتنافرة في صندوقٍ أو مجلسٍ رئاسي، ويطلب منها تحقيق السلام وبناء الدولة هو ماكر كبير. ولذلك، فأنَّ الحلَّ لا يمكن أن يأتي إلاَّ بإبطال مفعول اللغم الداخلي الجديد الذي صنعته السعودية والإمارات وإيران، ومنعه من الانفجار، والاستقلال عن العامل الخارجي المتربص بالوطن، ونيْل الاستقلال، والبحث المُشترك بين اليمنيين عن السُبل العقلانية الكفيلة لإدارة المجتمع بإرادة وطنية يمنية مُستنيرة، وصيانة الاستقلال، وتعميم الاستقرار، وتوطين فكرة المواطنة المتساوية في الوعي وفي القانون، وتحقيق العدالة، والحرية، والتقدم.
***
هناك، بالطبع، من سيعترض على ما قلته للتو، وربما يتهمني بالتسرُّعِ وعدم النضج لأنني لم أعطِ أعضاء مجلس القيادة الجديد فرصة كافية لكي أحكم عليهم. والحقيقة هي أنني أميْلُ إلى التريَّث من التسرَّع، وكثيرًا ما قلت لنفسي: لماذا لا نعطي مجلس القيادة الرئاسي الجديد فرصة كافية، كما أعطينا الرئيس السابق والرئيس الأسبق؟ ولكنني سرعان رددتُ على تساؤلاتي المرتبكة بسؤال آخر، وهو: ما الذي نجم عن تمهلنا وصبرنا وتحملنا لحماقات الرئيس السابق والرئيس الأسبق؟ هل كسبنا شيئًا أم أننا صرنا أكثر تمزقًا وهوانا؟ من الواضح أننا صرنا أكثر تمزقًا وهوانا. وأنا هنا لا أدعو إلى المغامرات الصبيانية، واتخاذ قرارات سياسية اعتباطية متسرعة، ولكنني أدعو إلى اليقظة السياسية والانطلاق من مصالح الوطن والشعب، وليس من المصالح الفئوية الضيقة لهذه الجماعة أو تلك. ومن هذه الزاوية فأنني أرى أنَّ من واجبنا، كمواطن، أن نقرأ المعطيات السياسية بشكل موضوعي، وأن نُنبه إلى الأخطار المحدقة بوطننا قبل فوات الأوان.
وهنا قد ينبري شخص ولاسيما من الأبرياء الذين يصدقون كل شيء وبسرعة قياسية، أو من الاتباع المخلصين، أو من الذين يتقربون من مجلس القيادة الرئاسي الفريد، ويأملون في منصب جديد، ويقول، بغضب:
لماذا تعقِّد الأمور، وتعكر صفو السلام، وتشكك بكل شيء، وتخنقنا بتشاؤمك الذي لا مبرر له، وتحط من شأن مجلس القيادة الرئاسي، وتختلق الأخطار من خيالك، وتطلق أحكامك السريعة بناء على أوهام وفرضيات أيدلوجية مسبقة؟
وللإجابة على هذه الأسئلة وغيرها سيكون للحديث بقية.....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات القاهرة بين الموقف الاسرائيلي وضغط الشارع؟


.. محادثات القاهرة .. حديث عن ضمانات أميركية وتفاصيل عن مقترح ا




.. استمرار التصعيد على حدود لبنان رغم الحديث عن تقدم في المبادر


.. الحوثيون يوسعون رقعة أهدافهم لتطال سفنا متوجهة لموانئ إسرائي




.. تقرير: ارتفاع عوائد النفط الإيرانية يغذي الفوضى في الشرق الأ