الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الذكرى الخامسة لزلزال أيلول : أي سبيل لمحاربة الإرهاب والتطرف؟

فيصل علوش

2006 / 9 / 15
ملف مفتوح بمناسبة الذكرى الخامسة لاحداث 11 سبتمبر 2001


قبل أيام اغتيل الصحافي السوداني محمد طه محمد أحمد، رئيس تحرير ومالك صحيفة > بعد أن اقتاده مجهولون بالقوة من منزله إلى جهة مجهولة، ثم عثر، بعد ساعات قليلة، على جثته ملقاة على قارعة الطريق، وقد فصل رأسه عن جسده.
وقبله، أختطف في غزة صحافيان يعملان في قناة > الأميركية، وكان يمكن أن يكون مصيرهما الذبح، لولا تدخل جهات فلسطينية ودولية عدة، أفلحت في إنقاذ حياتهما وإطلاقهما، بعد <<إشهار إسلامهما وتغيير اسميهما>>، وهو ما أكرها عليه، كما صرحا بعد إطلاقهما. وتوعد بيان لـ <<كتائب الجهاد المقدس>>، وهو اسم المنظمة المجهولة التي تبنت عملية الاختطاف، بقتل كل أجنبي <<ما لم يسلم قبل قدومه إلى فلسطين، فإما الإسلام أو القتل>>.
هذان الحدثان ليسا سوى حلقتين في سلسلة طويلة من عمليات الخطف والقتل التي حدثت في عالمنا العربي، لنتذكر مثلاً ما جرى في لبنان وفي مصر والجزائر، وسورية، وليبيا وخصوصاً في العراق حيث ثمة العشرات منها تحصل سنوياً، في مؤشر بارز إلى تصاعد ظاهرة العنف الدامي والمتنامي في منطقتنا، منذ سنوات طويلة قبل اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، وبعدها.
القاسم المشترك بين تلك العمليات والحوادث جميعها هو صدورها عن عقلية متطرفة تؤمن وتوقن يقيناً قاطعاً بصحة أفعالها التي تقوم بها وبأن أفعالها هذه تقربها إلى الله وتؤمن لها مكاناً مضموناً في الجنة. ثم إن الخطف والقتل بعلة الكفر لا يميز كثيراً بين أجنبي وعربي علماني أو شيعي (رافضي) وبين مسلم سني يوافق على الاشتراك في حكومة مرفوضة من قبل التيارات التكفيرية، أو يجهر بآراء مغايرة ومتعارضة مع آرائها ومواقفها. سواء في مجال العقيدة أو في حقل السياسية، فالصحافي محمد طه، محسوب على التيار الإسلامي في السودان وليس من خارجه، وهو ما يصح على الكثير من الحالات المشابهة، الفردية أو الجماعية، فعملية القتل بعلة الكفر يمكن أن يكون لها بداية ولكن ليس لها نهاية، وقد ترتد مسوغاتها إلى أسباب واهية وشكلية تغلف غالباً أسباباً وعوامل أخرى، سياسية ومصلحية مثلاً، هي التي تقف أساساً خلف فعل القتل… وليس أدل على ذلك من الصراعات الدامية التي نشبت بين قوى وفصائل <<الجهاد الأفغاني>> غداة سقوط النظام الشيوعي، بحثاً وتوسيعاً لمساحات النفوذ والسلطة، وليس سعياً للالتزام بالعقيدة أو التقرب من الله. وكانت حركة <<طالبان>> حسمت الصراع أخيراً لمصلحتها بقوة السلاح وليس بقوة الحجة والإقناع الديني!. قبل أن يسقط نظامها، أو إمارتها، عقب <<غزوتي>> مانهاتن، وبدء الحرب الأميركية على الإرهاب.
مثل هذه العقلية المتطرفة تعد أحد أهم العوامل التي تقف خلف أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001. وهو ما يميل كثير من الباحثين والمحللين العرب والمسلمين إلى طمسه أو تجاهله، وإعطاء الأولوية للأسباب المتعلقة بممارسات وسلوك الإدارات الأميركية المتعاقبة تجاه منطقتنا وقضاياها الكبرى المزمنة والمعلقة، وفي مقدمها القضية الفلسطينية طبعاً.
ولكن متى كانت القضية الفلسطينية شأناً رئيسياً في أجندة التيارات الأصولية التكفيرية؟
في السنوات التي كان يجري فيها حثيثاً ودؤوباً التمويل والتجنيد والتجهيز لصالح <<الجهاد>> في أفغانستان والوقوف بوجه <<التمدد الشيوعي>> أين كان الهم الفلسطيني لدى تلك التيارات؟ ومن هي الجهات الدولية والإقليمية والعربية التي كانت تحضنهم وتغذيهم وتوظفهم؟!.
لا ريب أن المناخات السياسية التي كانت، ولا زالت قائمة، في العالمين العربي والإسلامي، من انعدام الإنصاف والعدالة، وحتى الإرادة الدولية، في حل المشاكل المستعصية وأهمها الصراع العربي ـ الإسرائيلي، فضلاً عن المعايير المزدوجة في التعاطي مع تلك المشاكل، إلى فقدان الديمقراطية والضعف الشديد في وسائل التعبير والاحتجاج على المظالم، إلى انتشار الفقر والجهل والنقص الحاد في التنمية وشيوع البطالة والشح الكبير في فرص العمل والافتقاد العام لأدنى شروط الحياة الحرة والكريمة.. كلها أسباب تساهم وتؤدي إلى تنامي العنف وتفريخ الإرهاب والإرهابيين، على خلفية تفشي عوامل اليأس والإحباط وقلة الأمل، بيد أن السؤال الذي يمكن طرحه هو، لو افترضنا أن أهم المشاكل التي يشكو منها العرب والمسلمون قد حلت، أي لو حررت الأراضي التي احتلت عام 1967، وقامت الدولة الفلسطينية وحتى لو حررنا لواء اسكندرون وعربستان وانتفى أي شكل من أشكال الاحتلال في منطقتنا، فما الذي سيفعله العرب والمسلمون بحاضرهم ومستقبلهم؟ كيف سيتعاملون مع أنفسهم ومع العالم الخارجي؟ ثم هل العرب كلهم كتلة واحدة؟ وهل المسلمون كلهم شيئاً واحداً؟ هل الإسلام في ماليزيا وتركيا هو نفسه عند طالبان وابن لادن وعمر البشير؟!
ما أود قوله، إنه إضافة إلى كل العوامل المذكورة آنفاً، لا بد من التركيز أيضاً على العقلية والأفكار التي تنتج التطرف وتبيح القتل. لا يد من تسليط الضوء على تلك الرؤية البسيطة الساذجة للواقع والمجتمع في صراعاتهما الداخلية والخارجية. تلك العقلية والرؤية التي تقسم العالم إلى فسطاطين لا يجتمعان ولا يلتقيان، فسطاط للخير والإيمان، وآخر للشر والكفر، والعالم كله لديهما هو دار حرب، من دون وجود دار للإسلام. (فهذه كانت تمثلها إمارة طالبان فقط)
تلك العقلية المتطرفة التي ترى في الانتخابات كفراً، وفي الديمقراطية بدعة وضلالة وبضاعة مستوردة يجب ردها إلى أهلها، عقلية التكفير والتحريم وفتاوى الذبح وإهدار الدم لأوهى الأسباب وأقلها شأناً. عقلية احتكار الحقيقة الإلهية المطلقة، والحكم على الآخرين موتاً وإفناءً باسم الدين والله ونيابة عنهما.
ينقل هاشم صالح (في <<الشرق الأوسط>> 11/9/2006) عن المفكر الألماني يورغن هابرماس أن أحداث 11 أيلول (سبتمبر) نتجت عن عوامل متشابكة ومتضافرة عدة من أهمها <<عدم مرور العالم الإسلامي حتى الآن بالمرحلة التنويرية الفلسفية، كمرحلة ضرورية لتمايز اللاهوتي عن السياسي، وللخروج من مرحلة الحكم الثيوقراطي (حكم رجال الدين) إلى مرحلة الحكم الديمقراطي>>
وحسب هابرماس فإن العالم الإسلامي لم يستطع، ولن يستطيع قبل وقت طويل، <<الانتقال من الموقف التقليدي في فهم الدين (احتكار الحقيقة المقدسة وتكفير جميع الأديان والمذاهب الأخرى، وكل من هو خارج <<الفرقة الناجية>>)إلى الموقف الحديث>> الذي يعني (الاعتراف بمشروعية التعددية الدينية والمذهبية داخل المجتمع، وحتى الاعتراف بوجود أناس غير متدينين أصلاً، فالإيمان لا يفرض كرها وغصباً). وصولاً إلى الأخذ بمبدأ الحرية الدينية من منطلق أن الدين لله والوطن للجميع.
ويعتقد هابرماس أن هجمات أيلول جاءت كرد فعل عنيف ومذهل على هجمة الحداثة الغربية على المنطقة. فـ<<الحرية الدينية>> هي أشد ما تخشاه الحركات الأصولية الإسلاموية، ولذلك فإن هيجانها يزداد أكثر فأكثر كلما أحست باقتراب الحداثة والحرية من أبواب العالم الإسلامي. مفترضة أن ذلك يشكل اعتداءً على هويتها ومقدساتها ونمط حياتها.
لو أدركت إدارة البيت الأبيض ذلك كله لما اندفعت تضرب خبط عشواء، كما لو أنه لا يحركها سوى دافع الانتقام والثأر بعد ضرب برجي التجارة ومقر البنتاغون.
لو أدركت ذلك، كما نفترض، لعرفت أن العامل الثقافي والفكري هو الذي سيتكفل بحسم معركتها مع الإرهاب، وليس آلة الحرب والجيوش الجرارة.
نسمع بين الحين والآخر، وعلى لسان هذا المسؤول الأميركي أو ذاك، عن ضرورة اللجوء إلى <حرب الأفكار>> ضد الإرهاب، وليس الاعتماد على الخيار الأمني والعسكري فحسب، غير أن ذلك لم نجد له تجسيداً عملياً حتى الآن، هذا فضلاً عن أن مثل هذا الخيار بات أكثر صعوبة بعد خمس سنوات كانت حافلة بشتى صنوف الأخطاء والخطايا في ظل الحرب الأميركية على الإرهاب، وأفضت إلى مزيد من الانتعاش والازدهار في خندق الإرهاب، وليس إلى تقهقره. بل ثمة انحسار وتراجع ملموس على جبهة الحداثة والانفتاح والديمقراطية التي حوصرت جماهيرياً وخفت صوتها ولاذت بالصمت تقريباً أمام موجة المد الشعبي المتواصل الذي يلتحق بالحركات المتطرفة أو يتواطأ معها. وليس من شك في أن الحرب الأميركية في العراق والحرب الإسرائيلية الأميركية الأخيرة على لبنان لعبتا دوراً بارزاً في تراجع الأصوات المنادية بالإصلاح والانفتاح والمضادة للإرهاب والعنف الديني.
هنا تنتصب الاستحقاقات التي لا مندوحة من دفعها أو تلبيتها لنجاح الحرب الثقافية والفكرية ضد الإرهاب، وفي مقدمها إعادة الحقوق المشروعة للعرب والفلسطينيين، وإنهاء أي احتلال أو وجود عسكري أميركي أو غربي في المنطقة. وطرح مشاريع للنهوض بواقع مجتمعاتنا اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وسياسياً. بغير ذلك ستتنامى وتزداد أكثر فأكثر النزعات المعادية للغرب والولايات المتحدة، وستذهب في جريرتهما الدعوات المؤيدة للإصلاح والديمقراطية ويشتد معسكر الإرهاب قوة وبأساً.ش








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليمن.. حملة لإنقاذ سمعة -المانجو-! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. ردا على الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين: مجلس النواب الأمريكي




.. -العملاق الجديد-.. الصين تقتحم السوق العالمية للسيارات الكهر


.. عائلات الرهائن تمارس مزيدا من الضغط على نتنياهو وحكومته لإبر




.. أقمار صناعية تكشف.. الحوثيون يحفرون منشآت عسكرية جديدة وكبير