الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحوار الوطني.. لماذا الآن؟

حسام الحملاوي

2022 / 5 / 16
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان



دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي أثناء “إفطار الأسرة المصرية” في نهاية الشهر الماضي إلى إجراء “حوار وطني” في حضور عدد من رموز المعارضة “المدنية”، مثل حمدين صباحي وخالد داوود. وتبع ذلك الإعلان عن “إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي”. فعن ماذا سيتحاور المتحاورون؟ وأي فصيل معارض سيتم دعوته؟ ولماذا الآن؟ ومتى حلت لجنة العفو الرئاسي ليتم إعادة تفعيلها؟ ومن سيتم العفو عنه؟ هذه بعض من عشرات الأسئلة التي دارت ولا تزال تدور في ذهن المعارضين والمواطنين ولا توجد إجابات شافية عنها حتى وقت كتابة هذه السطور.

لجنة العفو
تضم اللجنة حتى الآن طارق الخولي، ومحمد عبد العزيز، وكريم السقا، وطارق العوضي، وكمال أبو عيطة. وأعلنت على لسان بعض أعضائها إنها ستتلقى أسماء شباب القوى السياسية المحبوسين من خلال المجلس القومي لحقوق الإنسان ولجنة حقوق الإنسان بالبرلمان ومن الأحزاب والقوى السياسية. ووعدت اللجنة بإعداد قائمة تقدمها للرئاسة. وسارع جميع أعضاء اللجنة بالتأكيد على أن الأسماء لن تضم “من تورطوا في العنف” و”أعضاء المنظمات الإرهابية”. وقد يبدو هذا الشرط غير منطقي، إذ أن كل معتقلي الرأي حاليًا تُوجَّه لهم تهم فضفاضة ومفبركة تتعلق بالإرهاب، ولكن يُفهَم من سياق التصريحات إنها مفصلة لاستبعاد المنتمين لتيار الإسلام السياسي.

الحوار الوطني
من غير الواضح حتى الآن من سيشارك في الحوار الوطني المقترح. فمن جانب، أعلن ما يسمى بـ تحالف الأحزاب المصرية -أو بالأدق الأحزاب الورقية التابعة للأجهزة الأمنية- ترحيبه بمبادرة السيسي وأكد ضرورة “دعم القوات المسلحة والشرطة المصرية وتوجيه الشكر والثناء لهم على ما يقدمونه من تضحيات لاستقرار الأمن والأمان”.

ومن جانب آخر، اجتمعت قيادات أحزاب معارضة في مقر حزب المحافظين، وضمت المصرى الديمقراطى الاجتماعى، والدستور، والكرامة، والمحافظين، والاشتراكي المصري، والتحالف الشعبي الاشتراكي، والعربي الناصري، والعيش والحرية، والشيوعي المصري، والعدل، والوفاق القومي.. معلنين ترحيبهم بالحوار مع التأكيد على ضرورة إجراءات سريعة للإصلاح السياسي وفتح المجال العام، وذلك للمساعدة على حوار مجتمعي يقدم بدائل للخروج من الأزمة الاقتصادية والسياسية الراهنة.

وتشكك معارضون حول جدوى الحوار. فمثلًا وصف الحقوقي بهي الدين حسن من منفاه بفرنسا مبادرة الحوار بـ”مسرحية تبحث عن كومبارس”. وهو نفس الشعور العام عند فصائل وشخصيات معارضة أخرى.

لماذا الآن؟
تراوحت محاولات تفسير توقيت مبادرة السيسي بين محاولة تحسين صورة النظام في الخارج في محافل الدول الغربية، إلى إلهاء الساحة السياسية بمسرحيات في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة.

وباختصار تلك التفسيرات تحتمل الوجاهة وجزء كبير من الحقيقة، ولكن المبادرة تعكس أزمة أعمق في أسلوب إدارة عبد الفتاح السيسي للحكم.

منذ قرن مضى، حاول الماركسي الإيطالي أنطونيو جرامشي من محبسه تفسير سبب نجاح الثورة في روسيا وفشلها في الدول الغربية الصناعية المتقدمة، واستخلص عدة أسباب، أهمها وجود “مجتمع سياسي” في الدول المتقدمة يحيط بقلب الدولة الصلب يلعب دور العازل الذي يحمي الدولة في حالة انفجارات الغضب الجماهيري، مجتمع مشكل من أحزاب سياسية إصلاحية ونقابات وبرلمانات وجمعيات إلخ. ذلك المجتمع السياسي من جهة يلعب دورًا مهمًا في تنظيم الجماهير ويعد من مكتسبات النضال الديمقراطي لتوسيع هامش حرية الرأي والتعبير. ولكن من جهة أخرى يعزز ذلك المجتمع السياسي من هيمنة وقدرة الدولة على امتصاص غضب الشعب وتوجيهه في منحى إصلاحي لا يهدد أسس الدولة ومصالحها وتكوينها. أما في روسيا القيصرية فغاب ذلك المجتمع السياسي أو على وجه الدقة كان ضعيفًا للغاية، فما أن هبت الجماهير غاضبة للمطالبة بتحسين ظروفها المعيشية كان الهدف واضح وصريح: الدولة ذاتها.

بالطبع مصر ليست ولم تكن يومًا دولة صناعية متقدمة، ولكن في عهد مبارك كان هناك “مجتمع سياسي” يتيح هامشًا للمناورة السياسية ويوفر قنوات للتنفيس عن الغضب الشعبي تجاه القضايا المختلفة، مجتمعا ضم قوى يسارية إصلاحية ومنظمات مجتمع مدني والأهم قوى إسلامية منظمة ضخمة مثل الإخوان المسلمين كانت على استعداد للتفاهم مع النظام وعدم التصعيد إلا بخطوات محسوبة واتفاقات مسبقة. كان إذا غضب الناس حول الأوضاع الاقتصادية يوجهون غضبهم تجاه رئيس الوزراء أو وزير المالية أو غيره. وإذا غضبوا من ممارسات الشرطة يصبون جام غضبهم على حبيب العادلي. وإذا هب العمال في مصانع عدة كان هناك حزب التجمع بعضوية واسعة في وقت ما بين صفوف القيادات التاريخية العمالية يستطيع النظام التفاهم معهم وإنهاء الحراك. وإذا ساد الغضب ساحات الجامعات كان الأمن قادرًا على الوصول لتفاهمات مع قيادات الإخوان الطلابية لمحاصرة هذا الغضب. أين هذا المجتمع السياسي الآن؟!

حرص السيسي منذ وصوله الحكم على تدمير أي هامش ولو ضئيل للعمل السياسي المستقل، فحطم الأحزاب والحركات الشبابية والقوى الإسلامية والنقابات واتحادات الطلبة ومنظمات المجتمع المدني. تعيش مصر منذ ولاية السيسي الأولى لليوم حالة “تصحر” أو “تجريف” سياسي لم تشهدها في عصرها الحديث. أكاد أجزم أن المواطن المصري لا يعرف أسماء الوزراء ولا نواب البرلمان في مدينته. ولا توجد “رموز” سياسية كما كان العهد في الماضي. لقد حطم السيسي كل قنوات العمل السياسي والاجتماعي. ورغم وجود تحالف سياسي واسع خلقته 30 يونيو 2013 لدعم انقلابه وثورته المضادة، فسرعان ما فكك هذا التحالف ودمر مكوناته. ولم يؤسس أي تحالف جديد لإدارة الحكم سوى تحالف مؤسسات الأمن (الجيش، الشرطة، المخابرات) ويضاف إليهم القضاء.

اليوم، حين ترتفع الأسعار أو تنهار قيمة الجنيه أو أو أو.. إلى من تتوجه سهام الغضب؟ لا تتوجه سوى إلى السيسي نفسه والمؤسسة العسكرية.

لقد أدرك السيسي خطورة وضعه. فمن فشل اقتصادي للآخر تستمر رحلة التخبط والعبث في بناء “جمهورية جديدة” بدون دراسات جدوى. ويحتاج السيسي الآن أكثر من أي وقت مضى “مجتمعًا سياسيًا” يعزل قلب الدولة عن السخط الشعبي المتصاعد والذي قد يولد انفجارات عفوية لا يملك وسيلة لتحجيمها سوى الأجهزة الأمنية والقمع المتواصل. وهذا هو السياق الأهم والسبب الرئيسي لمحاولاته (المتأخرة جدًا) الآن لبناء هذا المجتمع السياسي.

الأفق
يتعامل السيسي مع ملف المعتقلين بأسلوب الرهائن. فلديه مخزون من عشرات الآلاف من أبناء مصر في سجونه التي لا يكل من توسيعها وبناء الجديد منها. فيفرج عن حفنة قبل لقائه بمسئول أجنبي، ويفرج عن البعض إذا أراد دعم مرشحه ضياء رشوان في معركة انتخابات نقابة الصحفيين، ويفرج عن حسام مؤنس إذا أراد إقناع حمدين بحضور “إفطار الأسرة المصرية”. أسلوب يليق بعصابة، أو “شبه دولة” حسب وصفه هو شخصيًا.

بالنظر لعضوية لجنة العفو نجد أنها ليس لها دور على الإطلاق غير دور ساعي البريد الذي يوصل طلبات العفو للأجهزة الأمنية. ومع الوضع في الاعتبار إن ليس لها سلطة أو سلطان، فخروج أي شخص عبرها من محرقة سجون السيسي يظل مكسبًا، ومن المهم ممارسة أي نوع متاح من الضغوط سواء عليها أو عبرها لخروج عدد من “الرهائن”. وقد تفاعلت بعض المنظمات الحقوقية مع دعوة لجنة العفو ووضعت اقتراحات بمعايير وضوابط للإفراج عن السجناء السياسيين. ورغم أننا مع الحرية للمعتقلين السياسيين كافة، ولكن مرة أخرى نحن في وضع بائس سياسيًا للغاية في الوقت الحالي وخروج أي “رهينة” لهو مكسب إنساني وسياسي.

أما عن الحوار الوطني، والذي سيقام حسب التصريحات الإعلامية تحت مظلة “الأكاديمية الوطنية للتدريب” التابعة للرئاسة، فلا جدوى كبيرة تُنتظَر منه. لا توجد لدى الأحزاب السياسية المصرية حاليًا أي ورقة ضغط تتفاوض وتملي شروطها من خلالها. ويعلم النظام قبل الجميع ما هو مطلوب لحدوث انفراجة في العمل السياسي والمجال العام. ورغم حاجة النظام الشديدة لـ”مجتمع سياسي” لا توجد حتى الآن أي قوة سياسية تستطيع لعب هذا الدور بعد تحطيم المنظمات وتصحر المشهد السياسي بسبب القمع. ومع ذلك لا أرى ضرورة للهجوم والتشهير بالقوى السياسية التي قد ترغب بالمشاركة في هذا الحوار. فظروف الهزيمة الساحقة تملي ضرورة التشبث بأي محاولة لخلق هامش بسيط لفتح المجال العام.. حتى تتغير ظروف المعادلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السفينة -بيليم- حاملة الشعلة الأولمبية تقترب من شواطئ مرسيلي


.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية ردا على احتمال إرسال -جنود م




.. السيارات الكهربائية : حرب تجارية بين الصين و أوروبا.. لكن هل


.. ماذا رشح عن اجتماع رئيسة المفوضية الأوروبية مع الرئيسين الصي




.. جاءه الرد سريعًا.. شاهد رجلا يصوب مسدسه تجاه قس داخل كنيسة و