الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


د-الطاهر مشي-الشاعر التونسي : - الشِّعرُ يحاولُ المرورَ بينَ مُتعاركاتِ الشَّيءِ وضدِّهِ مُنتصرًا للحريَّةِ والجمالِ والحبِّ وإِنسانيَّةِ الإِنسانِ -

محمد المحسن
كاتب

2022 / 5 / 16
الادب والفن


"الشّعر هو الإنسان حاملًا قلبه المشعّ في ظلام العالم."(الشاعر الطاهر مشي)


-صَاحَبَ فتنة اللغة الشعرية وهو في ريعان الشباب منتشيًا بالكلمة العميقة،منقبًا،جوالاً،منعزلاً،مندهشًا،منفجرًا،هادئًا،وديعًا،صاخبًا،ضاجًّا بالحياة،مشاكسًا، مستسلمًا لنداء الشعر وأقاصيه الرحبة والرحيبة..( المُحَاوِرُ م.م)



يقود هذا الحوارُ اللغة إلى سفر شيّق يَهَبُ خصوبته للمتلقي بوصفه شهادة حسن النية في مصاحبة القصيدة لأسرارها الخبيئة بطيبوبةٍ نادرةٍ،كما تحكمه الشساعة في طرح قضايا إبداعية وجمالية وتخيّلية متعلقة بالإبداع في اشراقاته الخلاقة..
في كل مرة كنت أظن أني أربكه أو أسيّجه بأسئلة عصيّة،فيخرج منتصرًا بأناقة لغته من شقوق سرية يعرف أبوابها وحده فقط،وكأنه يُضاعف اختراق متخيّله بفاعلية متوهجة بحنين لا يضل طريقه نحو الينابيع ارتواءً للمجهول واللايقين،وخصوبة ضد المحو والنسيان المكثف.
لا هدنة مع الحوار عندما تكون الأسئلة فِخَاخًا والأجوبة مكائد.
غنى في المتخيل والرؤية والحدس والذاكرة التي تتسم بها إجابات الشاعر والكاتب التونسي القدير د-طاهر مشي في هذا الحوار المقتضب والشيق،الذي ينفتح على أسئلة القصيدة بممكناتها التخيّلية وخياراتها الإبداعية والجمالية لتأسيس شروط وجودها في الذات كما في الكون،وهاجس انتسابها لحركية الإبداع أفقًا لتخصيب ملامح اللغة.إنه الذهاب إلى ضفاف القلب بيُتم المعنى،وتخوم الجسد بلغة تهيّجها الذاكرة الاسترجاعية من رحم زمن فَر سريعًا كبرق خاطفٍ.
هو حوار في اللغة وبها مع شاعر خبر أهوال المخاطرة في جُب القصيدة،متشردًا بأناقة هنا وهناك في فلوات المعنى،صَاحَبَ فتنة اللغة الشعرية وهو في ريعان الشباب منتشيًا بالكلمة العميقة،منقبًا،جوالاً،منعزلاً،مندهشًا،منفجرًا،هادئًا،وديعًا،صاخبًا،ضاجًّا بالحياة،مشاكسًا، مستسلمًا لنداء الشعر وأقاصيه الرحبة والرحيبة المتيمة بسؤال المحبة والإنصات والتواضع.
ملزم أنتَ باستثمار غني وذكي وعميق للأسئلة استعدادًا لِمَكْرِ الأجوبة،وخِبرتها في ترويض الألغام المدسوسة في خيمة اللغة.
المُحَاوِرُ يشحذ ذخيرته باستمرار للحرب القادمة،والمُحَاوَرُ يسترد أنفاسه كاملة تحسبًا لهجوم مبكر على مواقعه الآمنة دائمًا،بين الكرّ والفرّ تؤسس لغة الحوار خصوبتها غير عابئة بحروب تدور هنا،أوهناك،في غفلة من دهشة حلمها بتجديد علائقها بالوجود والذات والكون..
هوذا الشاعر التونسي الخلاّق الذي إخترقت كلماته سجوف الصمت والرداءة د-طاهر مشي -كما أراه-الآن..وهنا يرقص رقصة”زوربا اليوناني”..تلك الرقصة التي تعانق برمزيتها سماوات المجد والخلود..
سألته عن جدلية الإبداع وإستحقاقات المجتمع العربي..؟
فأجابني بتواضعه المعهود :
"هناك دائما جدل خلاّق بين الإبداع في تجلياته المشرقة،وحاجة المجتمع إلى ذلك الإبداع،هو جدل الإثارة والإستجابة الذي يربط بين طرفي العملية الإبداعية:المجتمع والمبدع..وبإنفصام عرى هذه العلاقة..يتدحرج الإثنان صوب مهاوي الضياع،حيث لا شيء غير الندم..وصرير الأسنان.."
ثم أردفت سؤالي بسؤال مغاير:
-من المحو نكتشف مجهول الكتابة،وعمق المخاطرة مع ضيافة القصيدة،من الذي يكون ضيفًا على الآخر القصيدة أم الشاعر؟ أم كلاهما في ضيافة متعة تفتك بتكهنات عرّافة؟
*هيَ مَن تأْتِي لِتحلَّ ضيفةً على الشَّاعرِ،وعليهِ أَن يكونَ حاضرًا وجاهزًا لها،لأَنَّها لا تحبُّ أَن تحضرَ دونَ أَن يكونَ شاعرُها في اسْتقبالِها،وعليهِ أَن يُحسنَ اسْتقبالَها،ويُتقِنَ ضيافتَها كي تقبلَ المكوثَ.بعدَ هذَا،يتماهيانِ معًا في حالةٍ منَ اللاَّشعورِ/ واللاَّوعي،حتَّى يَصِلا إِلى سؤالِ الشَّاعرِ (وليم بتلر ييتس) المُدهشِ/ المُذهلِ: "كيفَ نعرِفُ الرَّقصَ منَ الرَّاقصِ؟!"
-هل يزدهر الإبداع في أرض يباب جرداء؟!..
*قطعا..لا..ذلك أنّ الإبداع لا ينهض ولا يزدهر إلا في مناخ مناسب ومشجّع،وثمة الكثير من ضروب الإبداع تتقلّص وتندثر حين يكفّ المجتمع عن العناية بها ولا يبدي حاجته لها.."
سؤال أخير طرحته على ضيفي د-طاهر مشي-
-كيف يرسم الشاعر المبدع حدوده مع قارئه المفترض؟
فأجاب دون تردّد بأسلوب لا يخلو من إبداع :
"تلك الحدود تبدو دائما هشة وغير واضحة،لأن كل مبدع يتضمن في ذاته قارئا،وكل كاتب هو قارئ جيد يستطيع أن يكتشف معاني النص في قراءة جديدة.وهذا يعني أنّ المتلقي ندا له وليس ظلا،مختلفا عنه وليس تابعا،فبقدر ما ترسم تلك الحدود نوعا من التماس أو التلاقي،أو نوعا من التباعد،لتحقق ذلك "البين - بين" يستطيع الشاعر أن يفاجئ قارئه الذي يتابعه بأشياء مختلفة لم يعهدها فيه سلفا.."
-هل القصيدة قلعة الشاعر الدائمة يحتمي فيها وبها من عواصف الحزن والاغتراب والشجن، أم نافذة يطل منها على أشيائه السرية والحميمة؟
*هيَ هكذا عندَ شعراءَ، وهكذا عندَ شعراءَ آخرينَ، لكنَّها في كلا الحالتينِ ليستْ قلعةً، بل هيَ جَغرافيا إِنسانيَّةٌ بكلِّ شسَاعاتِها وفضاءاتِها. أَنا أَقربُ كثيرًا في قصيدتي من ذَاتي بما تُشرِقهُ الحواسُّ آناءَ الكتابةِ، فالقصيدةُ التي تنبعُ من قرارِ الذَّاتِ وتخطُّها الحواسُّ، هي الأَصدقُ، خصوصًا إِذا كانت حمولتُها الجماليَّةُ في أَقصَى حالاتِها.
-يقول مالارميه: "القصيدة سرّ، وعلى القارئ أن يبحث عن مفتاح". هل للقصيدة أسرارها الخاصة مثل عاشقة في منتصف الغواية؟وهل لا بدّ للقارئ العاشق أن يدخل أبوابها، ويبحث عن مفاتيح خاصة بها؟
*نعم.. هيَ القصيدةُ هكذَا،وهيَ سرٌّ شهيٌّ.. بهيٌّ.. نقيٌّ...لهُ مِفتاحٌ لاَ يتدلَّى من رقبتِها، لأَنَّها بعدَ الانتهاءِ مِنها، تَرميهِ فِيها، كما تُرمَى جوهرةٌ في إِناءٍ لاَ حدودَ لهُ، وعلى القارئِ العاشقِ (هيَ عاشقةٌ تُتقِنُ غَوايَتها) أَن يطيرَ في فضائهِ بجناحينِ من رفيفِ القلبِ، ويسبحَ في مائهِ بمجذافينِ من تعبِ الحبِّ، لأَنَّ الشِّعرَ لقاءُ عاشقَيْنِ في قصيدةٍ.
-يقول الشاعر المكسيكي الراحل أوكتافيو باث: "الحب موقف بطولي وأعظم ابتكار للحضارة الإنسانية." كيف توظف نِعمة الحب لخدمة متخيل القصيدة لديك؟
* الشُّعراءُ المبدِعونَ الأَنيقونَ شعرًا؛ يتواءَمونَ ويتَّحِدونَ في الأَفكارِ الإِنسانيَّة النَّبيلةِ، مَهْما كانت جغرافيَّاتُهم، ومشاربُهم الثَّقافيَّةُ، ولونُ دمِ مِدادِهم.
لا شكَّ أَنَّ الحبَّ،بأَشكالهِ ومضامينهِ المختلفةِ العُليا، نِعمةٌ إِلهيَّةٌ تجعلُ القلبَ جنَّةً مُشعَّةً بذاتِها، للآخرينَ ولها، وفضاءً ورديًّا فسيحًا، وفصلاً أَخضرَ دائمًا. دونَهُ؛لا يكونُ الإنسانُ إِنسانًا، ولا الأَرضُ قادرةً على احتمالهِ، ولا حتَّى كلُّ شيءٍ فيها وعَليها وعالِيها.
يقولُ الشَّاعرُ (لوركا): "لا يحتاجُ الشِّعرُ إِلى مهنيِّينَ مَهرةٍ، بل إِلى عشَّاق".بالنِّسبةِ إِليَّ؛ تعوَّدَ شِعري أَنْ ينطلقَ،منذُ بواكيرهِ،من مُرتقَى القلبِ،حَبْوًا وحُبًّا،نحوَ الحياةِ كما أَشتهِيها أَن تكونَ لنَا، نحنُ الإِنسانَ،وظلَّتْ هذهِ الحالةُ انطلاقَ كلِّ قصيدةٍ دائمًا."
-من هو الشّاعر النّاجح من وجهة نظرك؟
*الشّاعر النّاجح هو الذي يذهب إليه الشّعر لا الذي يذهب إلى الشّعر مستجديًا بنات الخيال،وهو الذي يكون على اطّلاع واسع على الشّعر العربيّ قديما وحديثا،وكذلك على الشّعر العالميّ،فشاعر اليوم غير شاعر الأمس،إنّه يحتاج إلى تنمية ثقافته،ليكون قادرًا أن يصبح ناقد نفسه،فالشّاعر الناجح ناقد عليم بشعره وشعر غيره..الشاعر النّاجح هو الذي يكون الشّعر من صميم دمه وخلاياه، فهو يتنفّس الشّعر،ويخلص له من خلال تطويره أساليبه من لغة وصورة وحدس...الشّعر هو الإنسان حاملًا قلبه المشعّ في ظلام العالم."
-كثيرون كتبوا الشّعر ونظموا القوافي،لكن هذا ليس بأمر كافٍ لولادة شاعر،من هو الشّاعر برأيك؟ وهل يولد الإنسان شاعرًا؟ أم أنّ المثابرة على النّهل من بحر الشّعر تصنع شاعرًا؟
*ذكرتِني بقول عميق لمحمود درويش " لا أعرف ما هو الشّعر،لكنّي أعرف ما ليس شعرًا،ما ليس شعرًا هو ما لا يؤثّر بي،لا يهزّني.
طبعًا الشّعر موهبة قبل كلّ شيء،ثمّ تمرّن هذه الموهبة حتى تصقل،وتظلّ على قيد الحياة ، فكثير من المواهب ضحلة أو خلّبيّة،وما استمرارها في الكتابة إلّا عزف نشاز،وإزعاج للذائقة السليمة.
الشّاعر الموهوب نفسه قد يقع في مطبّات،فيتراجع عن مستواه العالي،ونادرون من يستمرّون حتى النهاية،كما هو الحال لدى محمود درويش الذي لم يكرّر نفسه،ولن يتكرّر."
– يقول الشاعر لويس أَراغون "لولا الشعر لأُصبنا جميعًا..بالسكتة القلبية." أَليس العالم بدون شعر خراب وخواء؟
– إِنَّها مقولةٌ في غايةِ الصَّوابِ والأَهميَّةِ،ليسَ لأَنَّني شاعرٌ أَنحازُ إِليها،بل لأَنَّ الشِّعرَ الإِبداعيَّ ضرورةٌ إِنسانيَّةٌ،يُضفِي على الحياةِ،بكلِّ مكوَّناتِها ومكنوناتِها،عَبَقًا من لذيذِ الضَّوءِ على عتمتِها المُؤلمةِ بفعلِ أَيدينا البشريِّةِ.إِنَّهُ يصبغُ العالمَ بأَلوانِ الحبِّ والعذوبةِ والرِّقَّةِ،وبكلِّ مفرداتِ معجمِ الجمالِ.كمْ أَتمنَّى أَن يَغدو الشِّعرُ وجبةَ حبٍّ يوميَّةً للإِنسانِ،لأَنَّهُ كما قالَ الشاعر والناقد الأدبي الفرنسي (إِيف بونفوا): "الشِّعُر فعلٌ تتجدَّدُ بهِ العَلاقةُ بينَ الكلماتِ والواقعِ"، لعلَّها تنجحُ بتغييرهِ نحوَ الأَحلى، والأَشهى،والأَعلى.

***
قد لا أجانب الصواب إذا قلت أنّ الحوار مع الشاعر التونسي الخلاق د-طاهر مشي يمثّل فرصة للاقتراب من العوالم الشعرية لواحد من أصفى وأعمق الأصوات في تونس وفي البلدان العربية بشكل عام،على مستوى الإبداع الشعري،وسبيلا لطرح الأسئلة العميقة للشعر بما هو تخييل ولغة وتجربة ومخزون صور وتمثيلات وجسور موصولة بين خبرات جمالية متباينة من حيث تاريخيتها وجغرافياتها.
راهن -الشاعر المتميز تونسيا وعربيا د-طاهر مشي على الاحتفاظ للقصيدة بمتعة الدهشة وتحفيز الذوات القارئة على التفاعل الإيجابي مع النص بإعتباره محصلة -زواج- سعيد بين وهج التجربة الحياتية والإستدعاء الواعي والذكي لصور وتمثيلات تجد أساسها في الموروث الشعري العربي القديم أو التجارب الشعرية الغربية.وهو يرى أنّ الشاعرَ الحقيقي دائم القلق،وأكثر قرباً من واقعه،وملتزم بما يدور في فلكه،يحاول دائماً أن ينبش في الأشياء،ويحفر في الأرض ويمضي حاملاً أوجاع الحياة ومرارة الواقع،ليرسم لوحةً من الكلام الشاهق،ويلُّم ما تناثر في الكوكب من رخاوة في المشهد المعاش،ويتعارك مع الكائنات ليعود لنا رافعاً تلويحة أملٍ في غبش الحياة المحاصرة بالدياجير والمواجع.
وفي ختام حواري معه سألته :
-أما من قصيدة صدأت في درج مكتبك بعد أن صدأت في دواخلك؟
*"سأبحثُ في الدرج،لأجدَ بعض النصوص التي مال لونها إلى الأصفر المحروق،رائحتها تُسعدني،وتُعيدني إلى لحظات كتابتها،وما قبل الكتابة،أبحث فيها عن جزء منّي،أتذكّرهُ ولكن يُصيبني الحنين إلى مشاركة الآخر بهذه الذاكرة.. بهذا الشّعر.."

في حضرة عينيك

قد بات قلبي في مداها واستقرْ
يهمى دروبي في روابيها انتشرْ
في مقلتي قد صابني سهم النوى
إذ ثار بركاني وبالنار استعَرْ
فتردد الأوصال من عزفي شذا
والشوق تؤويه الضلوع لمستقَرْ
يا بسمة الثغر الذي نطق الهوى
في حضنك الأيام تلهو والقدرْ
ومسافرٌ شوقي على طول المدى
أذروه دمعًا من عيوني ما انهمَرْ
في وصلك المشتاق ما رام الجفا
والنبض مبتور وأشقاه السهرْ
يا موطني فالزهر يسقيه الندى
تعلوه أشواق الغرام فما انكسَرْ
جئت المجير لحبنا أبغي الرضا
جئت السلام لعشقنا طول السفَرْ
ردي إلى قلبي السلام وصافحي
يكفي جفاءً فالهوى نبضي بترْ
(طاهر مشي)

الشّاعر طاهر مشي،لك كلّ الشّكر على هذا اللقاء القيّم الماتع..نتمنّى لك كلّ التوفيق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث