الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تهويمات في السياسة

وليد الحلبي

2022 / 5 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


صحيح القول بأنك إذا أردت الحديث في السياسة فضع أمامك خارطة، وصحيح كذلك أن الوضع بعد أية حرب لا يمكن أن يكون مشابهاً للوضع الذي كان قبلها، يشهد على ذلك ما نتج عن الحربين العالميتين الأولى والثانية، والحروب الإقليمية كالتي وقعت بين العرب والإسرائيليين، أو الثنائية كالحرب العراقية الإيرانية، والحرب الأذربيجانية الأرمينية، وحتى الحروب التي تحدث داخل إقليم الدولة، كالنضال لطرد الاستعمار أو لاقتلاع الدكتاتورية، فجميع هذه الحروب، حتى وإن نشبت لأسباب ربما تكون تافهة، غير أن نتائجها تكون في الغالب كارثية، تتمثل في الخسائر البشرية والاقتصادية والاجتماعية، وحتى قد تفقد بعض الأمم شخصيتها القومية أو الوطنية، ناهيك عن التغييرات في الحدود الدولية التي يترتب عليها خسائر أرضية كذلك، وعليه، ربما يكون صحيحاً القول – بل هو صحيح بالمطلق - أنه لا يحرك التاريخ سوى الحروب.
كل ذلك استحضرته الحرب الجارية بين روسيا وأوكرانيا، والتي أصبح بالبديهة أن ما سيكون بعدها بعيد جداً عما كان قبلها، فالخوف من الدب الروسي، والذي يشعر به الأوربيون الذين بقوا خارج الناتو، قد دفعهم إلى الانضمام إليه، مع ما يستتبعه ذلك من مسؤوليات ومهام أكبر من قدرة تلك الدول، والمقصود بها فنلندا والسويد، تلك التي كانت مضرب المثل في الاستقرار في جميع مناحي الحياة.
والآن، ماذا ستكون عليه المواقف الذي يمكن أن تتخذها روسيا وقد انقطع تماماً الحبل السري الذي كان يربطها بالغرب؟ واحد من هذه المواقف ما تم عقده اليوم 16/5 في موسكو من اجتماع لدول مجلس الأمن والتعاون الدولي (روسيا، بيلاروسيا، أرمينيا، قرغيزستان، تركمانستان، كازخستان) والذي هو رد فعل بديهي على الخطر الداهم من الغرب، الذي تستشعره روسيا وتأخذه على محمل الجد بعد غزوها أوكرانيا.
والسؤال الذي يمكن أن يوسع دائرة الحديث: هل ستقطع روسيا علاقتها بشكل مطلق مع الغرب فتتوجه شرقاً؟ هذا الشرق الذي ينتهي بالصين؟ لكن، مع أن روسيا بجغرافيتها الهائلة التي تصل في شرقها إلى مضيق ييرينج الذي يفصلها عن ألاسكا الأمريكية، شرقها هذا الذي يمكنّها من الوصول إلى الجهة الشمالية من الصين وفييتنام وكوريا الشمالية، لكن هذه المسافة الطويلة والمنطقة الشاسعة في روسيا تخلو من دولٍ ذات وزن سياسي كتركيا وسوريا وإيران ودول حوض بحر قزوين وباكستان والهند وصولاً إلى الصين، خاصة وأن دول حوض قزوين ارتبطت بالروس خلال الحقبة السوفييتية من جهة اللغة الرسمية والاقتصاد والدفاع، علاوة على أن خمسٍ منها متحالفة حالياً مع روسيا، ونفس هذه الدول، دول آسيا الوسطى، تشترك مع تركيا في اللغة الوطنية والأصل العرقي. هنا لا بد من الوقوف برهة أمام البوابة التي ستفتح طريق الشرق أمام روسيا، ألا وهي تركيا، فرغم أن تركيا عضو في الناتو، والذي حماها من غضب الدب الروسي زمن الاتحاد السوفييتي، إلا أن علاقتها بالغرب تكاد تكون هشة، خاصة لامتناع السوق الأوربية المشتركة عن قبولها في عضويته، وتتبدى هذه الهشاشة في تحدي تركيا سياسات زعيم الناتو، الولايات المتحدة - مستندة إلى عوامل قوتها الكامنة في الموقع والاقتصاد والقوة العسكرية – التحدي الذي تمثل في شرائها أسلحة روسية مثل S400 بديلاً عن صواريخ الباتروت، ووساطتها بين روسيا وأوكرانيا، واستمرار علاقاتها الاقتصادية الوثيقة مع روسيا رغم العقوبات الغربية عليها، فهل كان إعلان تركيا مؤخراً عن عزمها على إعادة اللاجئين السوريين، خاصة المقيمين في مدنها الكبرى، إلى الشمال السوري، وبناء مدن لاستيعابهم ومصانع ومزارع كي يعملوا فيها، هل كان ذلك بالتوافق مع روسيا وسيكون تحت حماية قاعدتيها في حميميم وطرطوص؟وهل سيستتبع ذلك التخلص من نظام دمشق، أو تأهيله عن طريق تقديمه تنازلات سياسية للمعارضة؟ وماذا سيكون موقف إيران من احتمال خسارة موقعها وامتيازاتها في سوريا والعراق؟ ربما سيتم استرضاء إيران عن طريق تجاهل العقوبات الغربية المفروضة عليها وضمها إلى مجلس التعاون والأمن الدولي المذكور. هل سيكون الناتو مرغما على قبول هذا السيناريو؟ نعم: ربما لسببين جوهريين: أولاً لمنع تركيا من التفكير بالانسحاب من الناتو، والذي يمكن أن يقصم ظهره، رغم أنها يمكن أن تكون عضواً في مجلس الأمن والتعاون الدولي تحت المظلة الروسية، وفي ذلك ازدواجية ربما يستفيد منها الناتو، وثانياً للتخلص من الخطر الروسي على شرق أوربا وصرف الأنظار الروسية إلى الشرق. في هذا السياق ربما يكون اللغم الذي يعترض هذا المشروع هو أفغانستان، التي يمكن للناتو أن يستخدمها كمسمار جحا للتدخل في غرب آسيا وإزعاج المشروع الروسي باتجاه الشرق، أما الوجود الأمريكي في شمال سوريا، فهو وجود هش يمكن أن تتنازل عنه الولايات المتحدة اتساقاً مع رغبتها في فتح الباب أمام روسيا باتجاه الشرق مع العمل على إزعاجها، وإلا بتنشيط حملة مقاومة محلية على شكل حرب عصابات تقلق خسائرها الأمريكيين وتجبرهم على الجلاء.
ربما تكون هذه جميعها تهويمات لا تمت إلى ما يمكن أن يحدث بأية صلة، لكن المتغيرات التي تفرضها نتائج الحروب، ومنها بالطبع الحرب الحالية على أوكرانيا، ربما ستكون مذهلة بأكثر مما ذكرت.
16 مايو 2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: الرجل الآلي الشهير -غريندايزر- يحل ضيفا على عاصمة


.. فيديو: وفاة -روح- في أسبوعها الثلاثين بعد إخراجها من رحم أم




.. وثقته كاميرا.. فيديو يُظهر إعصارًا عنيفًا يعبر الطريق السريع


.. جنوب لبنان.. الطائرات الإسرائيلية تشن غاراتها على بلدة شبعا




.. تمثال جورج واشنطن يحمل العلم الفلسطيني في حرم الجامعة