الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية راحلون رغما عن انوفهم - الجزاء الاول

صبيحة شبر

2022 / 5 / 17
الادب والفن


راحلون رغما عن انوفهم

(1)


يطول غيابي عن الأصدقاء في صوفيا ، تهاتفني الحبيبة شهد ، طالبة مني ان اعود الى الأحباب ، فقد طال بعادي عنهم ، تخبرني انها مشتاقة لي محتاجة لوجودي بينهم ، وتعلمني ان امها بحاجة لي في هذا الوقت العصيب ، وانه حرام علي ان اتركها بلا سبب تعاني الغربة ، وتذكرني شهد ان امها قد قدمت لي الكثير وانا قابلت معروفها بالهجران ، لأول مرة في حياتي تحدثني شهد لائمة اياي بشأن امها ، لم اخبر الحبيبة ان ما اعانيه من ضغف ومرض مبعثه الشعور بالاثم ، نعم انا آثم ، رجلا عض اليد الحانية التي اكرمته وحنت على ضعفه وقدمت له القلب العطوف والموقف الحاني ....
اراجع طبيبا يخبرني انني مصاب بعجز مؤقت ، مبعثه الشعور بالاثم ، وان هذا المرض يصيب بعض الرجال في وقت معين ، امرني الطبيب بالراحة من الجنس اللطيف والا ارهق بدني فوق ما هو متعب ، اصمم على العودة الى الأحبة الذين يرغبون بوجودي بينهم ، ولكن اين اذهب ، وجرمي كبير ، وذنبي لايغتفر ـ وجريرتي تكلفني شعورا بالهوان قد يستمر طويلا...
أصمم على الاستجابة لنداء الأحبة ، فلا احد لي غيرهم ، فقد منحوني عواطفهم النقية ينبوعا لاينضب عطاؤه ولا يعرف التوقف ، أيمم وجهي نحو صوفيا الرائعة الجمال ، وقدعزمت على نسيان من تسبب في تعاستي ، أزور الأمكنة التي طالما استمتعت بجمالها البديع ، واذهب لوداع الأصدقاء الذين قدموا لي قلوبهم على طبق من ذهب، واتوصل الى حقيقة ناصعة ان الحياة لاتستجيب للمتباكين على رحيل بعض النعم والناظرين الى الدنيا نظرة تشاؤمية عدمية ، واقرر انه بامكاني ان اتلقى الحب الصافي وان اتمتع بالصداقات النقية والتي تكون دائما بلا مقابل مالي او مصالح ، انما من يحبني بصدق يتطلع الى ان أبادله شعوره الجميل...
لاداعي لأن اترك شعوري بالاثم ينمو في داخلي ويتضخم ، انما جميل ان يكون لي ضمير صاح يحاسبني ان اجرمت بحق الأحبة ...
.... شهد الحبيبة لايمكن ان تحيا بدون الأب الذي تجد في احضانه الحب والرعاية ..هي وامها تحتاجان الى وجودي بينهما ، وهذا يكفيني من كنوز الدنيا ....

(2)
أصبحت تتعبين بسرعة ، ما ان تقومين بعمل بسيط حتى يصيبك الارهاق ، نصحتك الطبيبة ألا تكلفي نفسي فوق طاقتها ، وحين كنت في الشهر الثاني من الحمل ، نزفت ، لأنك ارهقت بدنك في الأعمار المنزلية التي لا تجدين أحدا يقوم بها سواك ، نصير رغم انه يردد الأقوال التي تدل على التقدمية ومناصرة المرأة ، وتأييد النساء في المطالبة بحقوقهن في المساواة وتكافؤ الفرص ، الا انه لايقوم بشيء لمساعدتك ، ما ان يصل الى المنزل ، يفتح التلفاز ويجلس واضعا ساقا على ساق ، متفرجا على برامج التلفاز ، يسألك :
- ماذا أعددت لنا لطعام الغداء ؟
- كباب مقلي وسلطة ...
- كل يوم نأكل الطعام نفسه ، ألا تملين ؟
يتناسى العريس انكما تزوجتما منذ فترة قصيرة ، ويطالبك ان تنهمكي بالأشغال المنزلية وان تحافظي على أعصابك من مضايقات العمل ، وهم يطالبونك ان تنتمي الى حزيهم ، والا فالويل والثبور ، وعظائم الأمور تنتظر عنادك ، ونصيحة الطبيبة ترن في أذنيك :
- اهتمي بنفسك ، لاترهقيها ، الاعمال المنزلية يمكن تأجيلها ، اما جنينك ان اصابه التعب وودعك ، فلا امل لك في حمل جديد ...
يمضك وضعك ، لايدرك زوجك انك تعبة وقد تفقدين حملك ان نزفت مرة أخرى ، فالجنين لايتحمل ان يفقد دماء جديدة ، يكفي ما فقدت في المرة السابقة ...
تخرجان لزيارة عائلة الزوج ، والازدحام شديد ، تقترحين :
- لنوقف سيارة أجرة ..
- هل عندك اجرتها ؟ انا نفذت نقودي ..
- ولكننا نشترك في الايجار والمصروفات !
- ليكن ، ليس عندي اجرة للتاكسي ، انت شابة ويمكن ان تسيري على قدميك ! ألا تحبين الرياضة ؟
تسيرين وانت تفوضين امرك الى خالقك ، اي تحكم هذا وانتما لم تكملا العام بعد ؟ تشعرين بالتعب الشديد ، وينقص في جسدك الكالسيوم والحديد ، تجدين ان الفاقة تلازمك رغم انك موظفة في دولة غنية ، لقد اعطيت راتبك للزوج ، وهو يقوم بما تحتاجين وما يحتاج المنزل والجنين !
- هل نفذ راتبي ؟
- نعم ، بقيت دنانير معدودة ، اعطيتها لاختي ، تريد ان تسافر الى فرنسا ..
تصمتين ، ماذا يمكنك ان تقولي ، تتوهمين انه يحبك كما تحبينه ....
في الشهر السابع من الحمل يعود نزيفك مرة ثانية ، انك لم تستمعي لنصائح الطبيبة ، تمنحك اختك بعض النقود وتدخلك الى المستشفى للعناية بك ورعاية الجنين ..
تزورك رئيستك في العمل وأنت في المستشفى :
- بقيت وحدك لم توقعي على ما يريدون !
- ماذا تعنين ؟
- يجب ان تنتمي لحزبهم ! كلنا وقعنا ! وبقيت انت ! كلنا غير مقتنعين ، ولكن يجب ان نحرص على حيواتنا ...



(3)
اتفق والداي ان يقيما احتفالا بعيد ميلادي ، غدا أبلغ الخامسة من عمري ، ولأني الصغير بين اخوتي وأخواتي ، فقد رحب جميع افراد الأسرة بان يشاركوا في حفلة عيد الميلاد، دعي للحفلة بعض الأصدقاء المقربين وبعض الأقارب ، هيأت اسرتي ما يلزم لهذا العيد ، وفي الساعة الخامسة من مساء الغد سوف نشهد الاحتفال ببلوغي السنة الثالثة من العمر ، جهز ابواي البالونات المناسبة ودعيا الأطفال ممن هم في مثل سني ، واشترت امي الأصناف التي احبها من الحلويات ، وجهزت شقيقتي بشرى انواع الكيكات ، كما رغبت اختي ماهرة ان تكون الكيكة التب سوف تقوم باعدادها مناسبة للاحتفال بعيد الميلاد ، اقترح اخي احمد ان يقوم هو يتوفير العصائر التي ترغب بها عائلتي ، اخي سمير قال انه مستعد لتهيئة انواع من الشيكولاته التي يعرف انها مرغوبة لدى الأطفال ، دعت امي جارتنا سامية وزوجها ، فهما جاران وصديقان لأسرتنا يقاسماننا الأفراح والأحزان كما يقول ابي.. يمر اليوم وانا فرح مسرور ، اخرج الملابس التي اشتريت لي لهذا العيد من ا خزانة الملابس ، وانا انظر اليها بمحبة ، بعد ساعات ستكون كل هذه الأشياء ملكا لي ، ذهب ابي بي الى الحلاق ليقص شعري الطويل :
- سوف يقص الحلاق المختص شعرك بهذه المناسبة ، وفي الأيام الأخر اقوم انا بالمهمة !
في الليل احلم باني سوف اكون في منتهى السعادة ، بملابسي الجديدة ، والأحباب كلهم يحيطون بي ، فقد كبيرت وبلغت الخامسة من العمر ، ولم اعد طفلا ، لايفقه مما يقول الكبار شيئا ...
في الصباح اصحو على نداء امي :
- ليث ولدي ، استيقظ .. حان وقت الفطور ، كلنا ننتظرك ، اليوم عيدك !
استيقظ ، اجد الوالدين والاخوين والاختين قد استيقظوا قبلي وجلسوا حول مائدة الطعام ، هيأت امي بمساعدة اختي اكواب الحليب والشاي والخبز والجبن ووضعوا طبق الفاكه على المائدة ، انتناولها بغد الفطور او قبله كما يحلو لنا ، فالتفاح مفيد اكله قبل الفطور ليقي من الأمراض كما تقول امي ..
ونحن على المائدة يطرق الباب بعنف ، تفتح نجد الجارة سامية تصرخ :
- في فجر هذا اليوم جاءوا واخذوا زوجي نصير ..
- لماذا اخذوه ؟
- قالوا يريدون ان يعرفوا بعض الامور الغامضة منه ، وسوف يعود بعد نصف ساعة !
- في اي ساعة اخذوه ؟
- في الرابعة صباحا ,,
- ولم يعد بعد ، يعني ان غيبته ستطول !
- سوف انتظر ...
- نحن معك يا ابنتي ...
- انتم اهلي ، فان والدي في الكويت ..
- نعرف يا ابنتي ان اباك هرب من بطشهم الى الكويت مصطحبا امك ..

(4)
التعب يمضك ، لاتستطيعين النوم ، ،تتشنج ساقاك ، ترفعينهما الى الأعلى ، تحاولين ان تدليكهما، في بعض المرات التي تستيقظين فزعة من النوم بسبب تشنج ساقيك ، كان نصير يحاول ان يجلب لك الراحة ، يقوم بتدليك الساقين حتى تشعري بالراحة ، وتعودين الى النوم ، يلازمك التعب كل لياليك :
- هل تشربين الحليب كل يوم ؟
- نعم اغلب الأيام اقوم بتناول كأس من الحليب ..
- لماذا لاتتناولين الحليب كل يوم ؟
- لأنني انسى احيانا .
- لاتنسي ، جسمك بحاجة الى الكالسيوم ، وجنينك يحتاج الكالسيوم ايضا ، اشربي كل يوم كأسين من الحليب ..
تصمتين ، كيف يمكنك ان تخبري الطبيب انك لاتستطيعين ان تشتري الحليب بكثرة ، فانك شبه معدمة ، راتبك يوزع بين اسرتك الصغيرة المتكونة منك ومن زوجك ، وبين اسرة زوجك الكبيرة واخواته ووالديه ، هذه الليلة استيقظت عددا من المرات بسبب الألم الذي يسببه تشنج الساقين ، تحاولين ان تصرخي ، ليسمع الزوج النائم صراخك ، فيهب لمعاونتك ، ولكن هذه الليلة ، ينام زوجك عميقا :
- تعب انا هذا المساء ، أرهقوني هذا النهار بالحاحهم ان انضم اليهم ..
- وانا اعاني الوضع نفسه !
وانت قي الليل تحاولين ان تريحي الساقين المتشنجتين ، وزوجك في نوم غميق ، يدق باب المنزل بعنف :
- من يمكن ان يدق علينا الباب في هذه الساعة ؟
- اننا قريبون من الفجر !
- هل يكون طارقو الباب من زوار الفجر ؟ افتحي الباب وانظري من الطارق ؟
لاتستطيعين القيام ، التشنج ما زال يؤلمك ، ويعتال راحتك ، يقوم نصير ، لينظر من القادم :
- لماذا تأخرتم في فتح الباب ؟
- كنا نائمين !
- طرقاتنا المتوالية لم تنجح في ايقاظكم ، كدنا ان نكسر الباب ! ، سمعنا انكم تخبئون الممنوعات قي منزلكم ..
- اية ممنوعات ؟
- انتم ديدان الكتب ... تحتفظون بالنشرات الصفراء
- ليس عندنا نشرات صفراء ...
يفتشون المنزل وينظرون الى قائمة الكتب في المكتبة :
- تعال معنا ، نطرح عليك بعض الأسئلة !


(5)
سامية حزينة ، لكنها لاتبكي ، يقول لها ابي :
- ابكي يا ابنتي ، الدموع تريح النفس وتجلو هموم القلب
- نشفت دموعي ايها العم ، منذ فترة وهم يلاحقون نصير ، حين يتأخر في العودة الى المنزل لسبب من الأسباب تتضخم مخاوفي ، اعرف انهم يلاحقونه منذ زمن ليس بالقصير ..
- يلاحقوننا كلنا ، لايميزون بين الشيخ والشاب والطفل ، كلنا جناة بنظرهم ..
لاتبتئسي يا ابنتي كلنها في الهم عراق .
- منذ ان كنا مخطوبين وفي فترة ما قبل الخطوبة ادركت انهم لايدعون نصيرا وشأنه !
- يزدادون شراسة بمرور الأيام ، يخافون من الشعب يا ابنتي العزيزة ، ابقي بيننا عزيزتي ، لاتكوني وحدك ، قد يعودون اليك وانت في مثل هذا الوضع من الحمل ..
- سوف اطل على بيتي بين فترة وأخرى ، عله يتخلص من الأزمة التي تحيط بنا جميعا ..
- قومي بما يحتاج اليه منزلك من اعمال وتعالي الى هنا وشاركينا طعام الغداء والعشاء يا ابنتي .
- انتم اهلي وناسي ، وليس لي من احد سواكم .
- احضري الاحتفال ..
- نعم .. ساكون بينكم ، جهزنا انا ونصير هدية لليث الحبيب ...
- افطري معنا ، نحن واثقون انك لم تذوقي الطعام منذ ذهاب نصير معهم !
تشرب سامية كاسا من الحليب قدمته لها امي ، وحين تنتهي من شربه تسرع الى منزلها ..
- كوني معنا وقت الغداء .
- ان شاء الله
تنهمر دموع امي واخواتي من الفاجعة التي حلت بجارتهم وزوجها ويقرران ان يقوما لتهيئة ما يلزم للاحتفال الساعة الخامسة مساء
(6)
تقومين بما يطلب المنزل من مهام ، فكرك مشغول ، ونفسك قلقة ، تنظفين المنزل ، فقد ثار الغبار ضحى هذا اليوم ، وجعل اثاث المنزل في حالة يرثى لها ، تمسحين الكراسي والمكتبة ، وتزيلين ما علق من غبار ، وتمسحين بالماء والصبون أرضية الصالة وغرفة النوم ، والمطبخ وتغسلين الحمام بالسوائل المطهرة ، بيتكم صغير متواضع ، استأحرتموه قبل زواجكما باسبوع واحد ، قمت انت باعداده كي يكون مكانا صالحا للاقامة والزواج بعد قصة حب ، استيقظت قبل شهر العسل القصير ، لتدركي ان العسل اضغاث أحلام ، ومرت الأيام وحياتك علقم ، تسائلين النفس ، متى تذوقي العسل ، وقد اخذتما اجازة من العمل ، لتسافرا الى بلد اوربي ، ولكن قبل البوم المحدد للزواج ، جاءك نصير :
- الشقة التي استأجرناها أصبحت جميلة ، صالحة كي نتزوج فيها !
- والسفر ؟ وقضاء شهر من العسل في بلد أوربي ؟
- نقودي نفدت ....
- انا اشتريت غرفة النوم وكراسي الصالة ...
- وانا شاركت في شراء الة الطبخ !
- طباخ بدون فرن !
- في الغد نتمكن من شراء الفرن !
دعاكما ابوك كي تقضيا شهرا من العسل في الكويت ، ولكن نصير لم يرض :
- النقود التي سوف يصرفها ابوك علينا في شهر عسل ليس ضروريا من الأجدر ان يعطيها لنا كي نستفيد منها ..
- ابي تحمل نفقات حفل الخطبة وعقد القران ، وعلينا ان نتحمل البقية .
- تفكرين كبرجوازية صغيرة !
تتذكرين ما مر بك في الأيام الأولى لزواجك ، وتنسين ما سببته لك من أحباط ، وحتى العيش البسيط والنكد الذي يهل عليك بين يوم وآخر تناسيته ، تفكرين برفيق العمر ، ماذا حل به ؟ اخبروك انه سوف توجه له بعض الأسئلة ، ثم يعود الى بيته ان تعاون معهم في الاجابة ، وانت ليست واثقة من وعودهم ، كثيرون من المعارف والأصدقاء طالت غيبتهم ، ولم يعرف مصيرهم ، فهل يكون نصير ضمن اؤلئك الأصدقاء الذين جاءهم زوار الفجر ، ومضوا بصحبتهم دون عودة ؟ تتضرعين الا يسببوا له الأذى ، انت وحدك ، وجميع اهلك اغتيل بعضهم ، وهاجر البعض الآخر ، حبيبك الغالي اباك ، هاجر من العراق الى بلد آمن ، وتركك وحيدة ، عندك بعض الأصدقاء ، تخافين ان تخبريهم عن مخاوفك ، الأسرة الوحيدة التي تتحدثين مع افرادها باطمئنان هم جيرانك الأعزاء ، وقد دعوك هذا المساء لاحتفال عيد ميلاد ابنهم الصغير ، سوف تليبين الدعوة ، عل شعورك بالوحدة يزول عنك ..
في الغد لعل غيوم الامس تنقشع ، ويهل النور ، ولكن من اين يأتي النور ؟ ونحن نعيش في ظلام دامس ، كيف نتمتع بالنور يشع على حياتنا ، التي تخلو من الأحباب ؟


(7)
جلس افراد أسرتي حول المائدة وقد وضعت عليها انواع الكيكات والحلويات واشعلت الشموع ونفخت البالونات الملونة ، مما اكسب المنزل بهجة وفرحا ، وهم يرددون لي :
- سنة حلوة يا جميل ..
- اطفيء الشموع يا ليث ..
ونحن في الظلام لأن امي اطفأت الكهرباء طرقت الباب بعنف :
- من بالباب ؟
- افتحوا !
قبل ان يتمكن احدنا من فتح الباب يكسرونه ، يدخلون ، نرى عددا من الرجال المسلحين امامنا :
- ماذا تفعلون ؟
- نحتفل بعيد ميلاد ولدنا الصغير ..
- لماذا ؟
- لأنه اكمل السنة الخامسة !
- وهل من عاداتنا ان نحتفل بعيد ميلاد الصغار ؟
- مناسبة سعيدة تستحق الاحتفال !
- هل حصلتم على ترخيص بهذه الحفلة ؟
- لم ندع احدا غريبا ، انهم من اقربائنا فقط !
- من قال هذا ؟ انتم تدعون بما ليس حقيقة ، عندكم اجتماع ممنوع ، الا تعرفون ان اجتماع اكثر من ثلاثة اشخاص ممنوع هنا ؟
- لكننا اسرة واحدة !
- وتقيمون احتفالا!
- وما الضير في هذا ؟
- اخرس ، والا اخرستك بالقوة !
يسكت ابي ، فيندفع الرجل المسلح قائلا :
- انكم وحوش لاتعرفون الرحمة ، تحتفلون وانتم تعلمون ان اجتماع اكثر من ثلاثة اشخاص ممنوع ، من قال انكم لستم في اجتماع حزبي ؟
- ..................
- اجبني ، هل اصابك الخرس ايها الخرف ؟
يصوب الرجل مسدسه نحو ابي وامي ويرديهما قتيلين ، ويقود احد الرجال المسلحين شقيقي الاثنين ، ويضع المسلح الثالث القيد في يدي شقيقتي الاثنتين ، يخرجون من باب المنزل بعد ان يلتفت الي كبيرهم :
- انت الصغير ستبقى شاهدا اننا نحب الأطفال!
يخلو البيت من جميع من كنت اجد سعادتي بقربهم ، تقول سامية :
- حبيبي سوف تعيش معي ، وستكون ابنا لنا انا ونصير

(8)

ما زال القلق يفترسك ، والحيرة تستبد بك ، لاتعرفين أين نصير ؟ وماذا حل به ، ومتى يعود الى المنزل ؟ وهل تظنين انهم صادقون في وعودهم ؟ وقد مر كثير من الناس بقصص مشابهة لقصتك ، وهل يشي نصير بالأصدقاء ويكشف عن أسرارهم وعن أحلامهم في تغيير الواقع المظلم الى حياة اجمل ، تشفقين على نصير . ومن المصير الذي سوف ينتظره ، لقد تبخر الحب الذي تشعرين به ، وكنت تأملين ان يظل مرافقا لحياتك ، وتدركين ان الأيام ان جف الحب فيها ، أضحت صحراء يابسة ، لاخضرة فيها تسر النفس وتمتع القلب ، حملت له الحب الكبير ، وفضلته على رجال آخرين ، تعرفينهم اكثر من معرفتك لنصير ، غاب الحب عن حياتكما في بدايتها ، تتذكرين تلك الجلسة في اول شهر العسل ، حين دعاكما صديقكما المشترك عماد الحلي في منزلكم ، واشترى كل ما يلزم كي تدون الحفلة بمناسبة العرس جميلة ، وشرب الصديقان ، وبالغ نصير في سرب انواع مختلفة من المشروبات الكحولية النبيذ والعرق والويسكي ، سأل عماد الحلي سؤالا استفزازيا:
- هل تتذكر زميلتنا في الجامغة ابتسام عزيز ؟
- نعم اتكرها جيدا ، بعض الأشخاص لايمكن ان تنساهم ومنهم ابتسام عزيز ...
- وهل كنت تحبها ؟
- لا
- وكيف ؟
- لااحب هذا النوع من النساء المغرور والمتعالي
- كاذب انت ! كيف تزهم انك لاتحبها ، والجميع احبوها ..
- لاشأن لي بالجميع ، الحب مسألة شخصية ، لاتقليد فيها ..
- هل تريد ان تقنعني انك لم تحب ابتسام ؟
- نعم وبالتأكيد
- كلنا احببناها ، وانا ما زلت احبها رغم انني تزوجت من امرأة اخرى تختلف عن ابتسام اختلافا كبيرا .
- ولماذا لم ترتبط بها ؟
- لو قبلت بي لما تزوجت من امرأة بعيدة عني
- سامية امرأة عظيمة تستحق التقدير والاحترام
- فعلا تستحق التقدير وليس الحب !
تشعرين ان الحب الذي كنت تكنينه لنصير قد زال عنك ، وانك حين يدركك الصباح سوف تطلبين منه الطلاق ، ولكن هذا الطلب لن تقومي به ، فان نصير صار في الصباح مجهول المصير ، فالى اين تتوجهين ؟ ومن يمكنه ان يضمد جراح النفس والروح التي سببها نصير ، واكملها القبض عليه ، اي مصير سوف تلاقين ايتها المخلوقة ؟ جيرانك الذين يحبونك يحصدهم سيف الموت ويخطف ارواحهم ، تعرضت الأسرة الى الابادة ولم يسلم من المصير الأسود الا ابنهم الصغير ....
-


(9)
يعود نصير الى منزله جثة هامدة ، سلبوا منه الروح ، واعدوه من حيث اخذوه ، وهم يقولون لسامية التي بقيت تنتظر عودته :
- نعيد اليك زوجك ، ويل لك ان تخبري احدا ان زوجك عاد !
تصمت سامية ، لم تعد تستطيع الكلام ، تزورها امرأتان من الجيران ، ام احمد وام غائب :
- كلنا نعاني من الظلم ..
- الى متى نصبر ؟
- ماذا نفعل ؟ ليس بمقدورنا ان نفعل شيئا ..
- وهؤلاء الضحايا ؟ لماذا يسرقون أرواحهم البريئة ؟
- نخشى على سامية ، سوف يعودون اليها وتلقى نفس مصير زوجها !
- وما العمل ؟
- ننصحها ان تغادر هذا المنزل بسرعة !
- اين تذهب ؟ وهي وحيدة في العراق ؟
- ليست وحيدة ، والداها في الكويت !
- وأشقاؤها معدومون !
- ان لم تغادر سوف يقضون عليها ...
- حرام ان يغتال كل هذا الشباب !
- هي عروس . لم يمض على زواجها سوى عشرة شهور !
- لتنجو بنفسها وتحافظ على من في بطنها ..
- كم بلغت من الحمل ؟
- ثمانية شهور ..
- النجاة موجودة ، لتطلب اجازة من عملها ÷، وتسافر الى الكويت لتلد قرب والديها.
- سمعت ان امها مريضة .
- بعد ان اعدم اولادها ، اقعدها الحزن عليهم !

(10)

ويلك ، أعادوا لك نصيرا ، وقد صدقوا بوعودهم ، ولكن ... ؟ لماذا تسرع نصير بفضح مكنونات قلبه لصديقه الزائر ، هل افقده السكر القدرة على لسانه الذي لايمكن ان يبقى بلا حركة ، الم يهتم يوما بما تحملينه من حب ، قد استوطن في ضلوعك / ظننت ان حبك لنصير قوة لك ، واذا بك تدركين ان ذلك الحب ضعف ومهانة ، لماذا اقدم على الزواج منك ؟ هل أنه رفض من جميع اللاتي احبهن وعشق جمالهن الخارق وفتنتهن الساحرة ، ورغم لوعتك وانهيار قصة حبك ، فأنت أرملة الآن ، فقدت النصير الذي يحنو على ألمك ويحاول التخفيف من أوجاعك ، الآخذة بالتضخم ، لماذا بقيت معهما وزوجك يبوح بالسر الذي لم يكشفه لك :
- احببت عددا من المرات ولا واحدة منهن بادلتني مشاعري ...
- انا احبك !
- احببت سميرة وسعاد ومهجة وابتسام ...
- وانا ايضا .
- انت احبك الآن ، لهذا سأتقدم لخطبتك بعد أيام ، ولكنهن جميعا ، غادرني حبي لهن بعد أن أدركت انهن لايحببن شخصي ..
- انا احبك .ز
- اعرف هذا حبيبتي ، واعجب لانسانة ناجحة مثلك ، ان تقع في غرام رجل فاشل مثلي !
- انت ناجح !
- القرد في عيون حبيبته غزال ...
كيف لم تستطيعي ان تكشفي دخيلة الانسان الذي اخترته زوجا ، يشاركك الأفراح والأحزان ، وكيف ارتضيت ان تهون نفسك ، وتستجدي الحب من شخص لايمكن ان يقدم لك ما ترغبين به ، ولماذا اباح نصير بما يسره في شهر عسلكما ؟ ألم يكن من المناسب لن يؤجل لحظة الاعتراف الى زمن آخر ؟ لماذا تسترجعين احزانك السابقة لتضيفبها الى احزانك الجديدة ؟ أنت ارملة الآن بعرف الناس والمجتمع ، من يمكن ان يضمد جراحك الفاغرة فاها ، ومن يقف بجانبك ، وكنت زوجة تتمتعين بحب زوجك بنظر الناس ، وبعضهم يغبطك على النعمة التي انت فيها ، لقد عاد نصير اليك وقد سلبوا روحه التي لم تكن لك في يوم من الأيام ، هل تنوحين كما تنوح الأرامل ؟ ام تلطمين على وجهك كما الثكالى النائحات ؟ ومن بقي معك في يم الأحزان الذي دخلته دون دلااية منك ، تفوضين امرك الى الله ، كم في هذه الدنيا من اناس مجروحين يحسبهم الناظرون اليهم في واقع مفرح ، الأسرة الوحيدة التي تستمع الى انينك وتحاول التخفيف من حدته رحلت جميعها ، نفس مصير نصير، من يمكن ان تلجئي اليه لتبثيه احزانك الجسام ؟


(11)
السيارة مسرعة تنهب الأرض ، يستولي الخوف علي ان تفقد السيارة اتجاهها وتنقلب ، لا أخر العزيزة سامية بمخاوفي ، ارى علامات الحزة واللوعة ظاهرة على محيا سامية ، يمضي السائق بسرعة متناهية :
- خفف السرعة رجاء !
- ان كنتم تريدون الوصول بأمان ، لابد ان أسرع !
- نعم ، افهم ، لكنك تسير بسرعة مائة وخمسين كيلومتر!
- الطرق البرية تحتاج الى هذه السرعة ، لسنا في المدينة سيدتي !
- خفف السرعة من فضلك ـ اريد مكانا آمنا !
- بعد قليل احقق لك طلبك ، اصبري سيدتي !
- انا أتالم ايها السائق !
يقف السائق في مكان تحت شجرة كبيرة الاغصان ، ويقول :
- هيا سيدتي ، اقضي حاجتك بسرعة ..
تذهب سامية لفترة قسيرة ثم تعود ، ينطلق السائق بقصى سرعته ، نرى من بعيد يدا تلوح آمرة بالتوقف :
- الى اين تمضون ؟
- الى الكويت ؟
- لماذا ؟
- حتى ألد قرب والديّ .
- ومن هذا الطفل ؟
- انه ابن اختي سوف اذهب به الى جدته !
- واين امه ؟
- ماتت !
- واين ابوه ؟
- في جبهات القتال ..
- هل حصلت على رخصة ؟
- حصلت على اجازة ولادة من عملي ..
- ومن الجهات الأمنية ؟.
- لم احصل ! .
- عودي من حيث أتيت !
يحاول السائق العودة ، لكنه يغير اتجاه السيارة ، يرى رجلا يشير له :
- الى اين انتم متوجهون ؟
- الى الكويت ..
- هل انتم عراقيون ؟
- نعم .ز
- مرحبا بكم ، نحن شعب طيب ، تتعرض دائما الى الصعاب ، وهل انت حبلى يا سيدتي ؟
- نعم
- انت تشبهين ابنتي ، ان سألك احد عن الرخصة في السفر ، اجيبي انك حصلت عليها ..

(12)

في ليلة ظلماء غاب عنها القمر، تهيئين نفسك للرحيل ـ لاتتوقعين ان سفرتك ستطول ، لهذا لاتأخذين معك جهاز التسجيل والكاميرا ، ولا كاسيتات الغناء لفيروز وام كلثوم ،كنت تشتغلين بالصحافة قبل اقدامك على الانتحار باختيارك زوج لايتناسب معك فكريا ولا عاطفيا ، وضعت الملابس القليلة التي ابتعتها في بغداد ، وبعد ان تضخم جسدك ولم تعد ملابسك الجميلة التي اتيت بها في سفراتك الكثيرة الى اوربا تصلح لك، ابوك ارسل لك حقيبتي سفر مملوئتين بملابس الأطفال ، من عاداتكم انتم اهل الجنوب ان تجهزوا ملابس الطفل الأول للابنة ، ظن نصير انه سوف يتكلف بملابس القادم الجديد وقال لك مرات عديدة :
- ليس بامكاننا ان نشتري ملابس لطفلنا ، وقد اقترحت اختي ان تعطيني ملابس ابنها محمد ، تقول انها ما زالت جديدة !
- ابي ارسل لنا حقيبتين كبيرتين لملابس الطفل القادم ..
- ولكن اختي تريد ان تكرمنا .ز
تصمتين ، ليس من عادتك ان تجرحي احدا ، تذهبين الى بيت شقيقة نصير ، تعطيك قماطا ما زالت اثار البراز ظاهرة عليه ، لاتقولين شيئا ، وحين تعودين الى المنزل وترى شقيقتك القماط تقول :
ما هذا حبيبتي ؟ ابي ارسل لكم كل ما تحتاجون لطفلكم .... هل يمكنك ان تشعري بالراحة وانت تضعين طفلك في قماط وسخ ، انتما الاثنين تعملان ولكما راتب كبير .
لم تخبري شقيقتك ان زوجك يكرم اسرته براتبك ولا يبقى لكما شيء ..
تخرجين قي الفجر في سيارة اجرة وحدك مع ليث الذي رحل احبابه وتركوه بعهدتك ، انت امه وابوه واخته وحبيبته ، سوف تذهبين الى ابويك العجوزين ، اللذين انهكهما الحزن والحنين على اولادهما ، لكنهما يحبانك ، ويقفان بجانبك مخففين عنك الآلام مزيلين الصعاب ..
السيارة مسرعة ، يكاد السائق ان يطير ، كلما رجوته ان يخفف من سرعته الفائقة ، كانت اجابته جاهزة:
- اخشى ان يعيدوك الى مكانك سيدتي !
- من هم ؟
- اؤلئك الذين هربت منهم في هذا الفجر !
تتضخم مخاوفك ، السائق ليس غراقيا ، كيف عرف بالرعب الذي تعبشونه كل ساعة ، وبالضحايا الأبرياء الذين سفكت دماؤهم الزكية ، ولم يرتكبوا اثما ، كلمة واحدة قد تودي بقائلها الى التهلكة ، وانت كم من المرات تلقيت التهديدات بانهم سوف يلقنونك درسا ان لم توافقي على الانتماء لهم ، وانت المستقلة التي لاترغب ان تكون منحازة الى جهة سياسية ..
السيارة تنهب الأرض ، وانت حامل في الشهر التاسع ، وتحتاجين الى راحة ، ماذا يمكن ان تفعلي ان اراد طفلك ان يخرج الى العالم الآن ؟ من يساعدك بالولادة وهذا طفلك الأول لاتعرفين كيف يكون الطلق ، وكيف تكون الولادة ، وماذا تفعل المرأة الحبلى كي تساعد طفلها على المجيء، وهل ستجدين الطبيبة التي تعينك على الام كثيرة ستكون امامك وعليك اجتيازها ، الطفل الصغير اليتيم الذي رحل معك وترك وطنا لايعرفه الى مكان اخر يجهل معالمه ، كيف تحافظين عليه لتريحي النفوس البريئة التي ازهقت ، وكانت اصحابا لك واحباب ، يقف السائق:
- هذا مكان مناسب لك سيدتي ، لا تتأخري!



(13)
قال الرجل :
- قفوا ، أنتم في ديارنا ، مرحبا بكم ، انت متعبة سيدتي ، سوف تستريحين في القسم الصحي للحدود هاتي رقم هاتف الوالد ، لنتصل به ...
يأخذون نقاط من دم سامية :
- هل تعرفين فصيلة دمك ؟
- نعم ......بي بوزتف ..
- سوف نجري لك بعض الاسعافات .. انت متعبة كثيرا ، كان يجب ان تعتني بصحتك وصحة الجنين ....
يقدمون لسامية عصيرا من الليبمون ويقترحون ان ترتاح قليلا حتى يأتي والدها ..
- اتصلنا بأبيك اخبرنا وكيله في العمل انه سينجز بعض الأعمال الضرورية ويتوجه اليكم ....
يدع الرجل سامية ترتاح من عناء السفر ويوميء لي ان يحدثني على انفراد :
- انتما وحيدان وانت صغير جدا ، لكن السيدة ليس معها احد ، توفيت امها وذهب ابوها للدفن ، لاتخبرها ، لئلا تزداد صحتها سوءا ، قلبي معكم أيها العراقيون ! كم تبلغ معاناتكم !
يصبني الفزع ، أتذكر ابي وامي و اخوتي والمصير الحزين الذي آل اليه افراد أسرتي ، اصمم الا اخبر سامية بالامر ، وان اكون لها نعم الابن والصديق ....
تأتي الممرضة وتقيس نبض سامية التي تعاني من ارتفاع بالضعط وبطء في نبض القلب ، وتعطيها كاسا من العصير ، تشربه سامية وتسترحي أعصابها المتوترة ، قلبي معك ايتها السيدة ، يساشهد زوجك ، ثم تموت امك وجنينك يعاني التعب وهو لم ير نور الحياة بعد..
يصل والد سامية وهو يرسم البسمة على محياه المتعب :
- سوف تنعم سامية بالراحة بعد ان يأتي طفلها ...
افكر انا بان اخا سيكون لي بعد ان حكم على اسرتي كلها بالفناء....

(14)

تتعرضين الى تعب شديد ، يستبد بك الخوف ويحيطك القلق ، وأنت تغادرين البلد الحبيب الى بلد آخر زرته مرات عديدة ، وتربطك وشائج قوية مع قوى هناك تؤمن بالعدالة والتقدم ، تشعرين ان الأرض تتحرك بك وتميل ، وانت الحائرة التي ووفقت كل قوى الظلم والطغيان ضد ارادتها ، وسلبتها حريتها وما استطاعت ان تتوصل البه بالنضال المتواصل ، جنينك الحبيب يجب ان تعتني به ، ليأتي الى العالم قويا ، رغم فقدانه المتكرر لدماء كثيرة ، لم يكن لك يد فيها ، لقد حرصت ان يكون طفلك بالقوة التي تطمحين اليها ، وحين ذهب الجميع ولم يبق معك الا القليلون ، اصبح من واجبك ان تعتني بالهدية التي جاءت مكافأة لصبرك وشدة تحملك للصعاب ، تشعرين بدوخة كبيرة ، ولا تعرفين مبعثها ، هل هو انخفاض بالضغط او هبوط ؟ في الأيام القليلة التي جاءت بعد فجيعتك بنصير ، كانت الدوخة تلازمك ، ويقيس الطبيب ضغطك :
- المصيبة التي تعرضت لها ، جعلت ضغطك يرتفع وينزل في نفس الوقت !
- كيف ذلك يا دكتور ؟
- في الكوارث يتعرض الانسان لمثل هذه الأمور ، ونحن في العراق كم من مصائب مرت بنا واجتزناها ولكنها تركت آثارها على الروح والبدن ...
الأيدي تتحرك ، تشعرين انها تنتشلك من مما ألم بك ، يضعون على انفك جهازا للتنفس ويربطون المغذي بيدك ، ويسألونك :
- هل تعرفين فصيلة دمك ؟ انت تعانين من فقر دم مرتفع !تحتاجين ان تمكثي هنا لاجراء بعض الفحوصات على صحتك وصحة الجنين ..
ترحبين بالأمر ، صحة الجنين تطلبينها ، وصحتك ضرورية جدا للمحافظة على الجنين بصحة جيدة .. تسمعين من يقول دون ان تتمكني من الرد :
- هل انت ابن المريضة ؟
- لا
- من انت ؟
- انها خالتي ..
- انتم في العراق تتعرضون باستمرار الى كوارث شديدة ، ظلم كبير وضحايا ابرياء يتساقطون ، وفقر وفاقة وحرمان رغم ثروات بلدكم الضخمة ، مازلت صغيرا ، ربما لاتفهم هذا الكلام !
- افهمه تماما ، لقد فقدت ابي وامي واخواتي واخوتي قبل ايام ..
- في نفس الوقت ؟
- نفس الوقت ..
- وماذا فعلوا ؟
- لاشيء ..
- في كل مكان لايقتل الانسان الا اذا كان مذنبا ، الا في العراق ، يذهب الأبرياء الطيبون قرابين لما يتطلعون اليه ، نخن نحب بلدكم وناسه ، فانتم طيبون



(15)
والد سامية طيب جدا وحنون ، تبدو الابتسامة على وجهه رغم تعبه الشديد ، والأحداث الحزينة التي مرت على أسرته ، يطلبه الطبيب للحديث معه ، يغيب لفترة قصيرة ثم يعود لي :
- جئتك بخيرين الأول حزين والثاني مفرح جدا ..
- ما هما جدي العزيز ؟
- الخبر الحزين ان جنين سامية متعب جدا ولن يستطيع ان يأتي الى عالمنا الا بعملية قيصرية !
- والخبر المفرح ؟
- ان سامية ستكون بخير، وتتمتع بالصحة والعافية ..
يسرني الخبر ، سامية حبيبتي سوف تسترد صحتها وستكون سعيدة معي ومع ابيها الحنون ، لقد عانت الكثير من المتاعب ، وآن لها ان تجد الراحة ، هي تحب وطنها ولن تستطيع الابتعاد عنه ، ولكن ماذا تفعل ؟ وحياتها كانت مهددة بالوأد ان بقيت هناك في الوطن الذي تعشقه ، حكامه ليسوا جيدين ، نصحها الأصدقاء ان تسارع بمغادرة الأرض الطيبة التي شهدت طفولتها وشبابها المقموع وحريتها المفقودة ، زوجها استشهد واغلب أصدقائها ومعارفها غيبهم الموت سريعا ، اختارت بلدا قريبا من العراق ، لأن اباها الحنون فيه ولأن الكويت قريبة من العراق ، وهي تطمح ان تتمكن من العودة قريبا الى ربوع بلادها ، تأمل ان يتغير النظام وان يعود اهله لبنائه من جديد ، سامية بعيدة عني الآن . صحبتها الممرضة الى غرفة الولادة ، لاجراء العملية القيصرية واستخراج الجنين الذي لم يتحمل مقدار الحزن والألم ،اللذين تجرعتهما سامية بكل اصرار وصبر ، وتصميم على مواصلة النضال ، لتشرق الشمس من جديد ، وتغسل بنورها ما علق بالعالم من شرور ، يغيب عني والد سامية لبعض الامور ، انتظر ان تعود سامية وهي باسمة الوجه كما عودتني ....
يعود ابو سامية :
- الأطباء يقولون ان سامية تحتاج الى عناية طبية مدة يومين ، سوف يكشف عليها الأطباء ..ز
- ونحن ؟ جدي .
- سنذهب الى منزلنا ونأتي لزيارتها مرتين كل يوم ..وفي اليوم الثالث يجرون لها عملية الولادة ..
اخرج مع الجد العزيز وانا اتطلع ان تكون سامية معي ، لكن سأصبر ، يومان وينتهيان ..

(16)

الناس هنا يعتنون بك، يا لتعبك القاسي وللمرارة التي تشعرين بها والأيام تسير بك من مصيبة الى اخرى ، لست من الذين يتساءلون :
- ماذا جنينا في هذه الدنيا ليكون مصيرنا الهم والحزن ؟
انت واثقة ان المباديء التي تسعين اليها لها اعداء كثيرون ، لايناسبهم ان يكون العالم بخير ، وان تتحقق المساواة بين بني البشر ، يصل ابوك الى المستشفى ، لاتستطيعين ان تقومي من فراشك لتعانقيه ، قيود نومك في السرير يفقدك القدرة على تحقيق ما تتطلعين اليه ، ابوك المحب الحنون كم ابتعدت عنه ، وكم حالت احوال البلاد عن اجتماعكما ، يعرف ابوك انك عاشقة للورد ، فياتي اليك بباقة من الورد الجوري الذي تفضلينه على كل الأنواع ، تظلين مدة يومين غير قادرة على الحركة كما تحبين ، امر الطبيب ان ترتاحي لبعض الوقت تكونين بعدها قد استردت عافيتك التي غابت عنك ، تنفذين تعليمات الطبيب وتمتثلين لها ، الضعف الذي تختنين منه ، يخبرك الطبيب انه خف عنك ، ليث الحبيب يراك بعيدة عنه لاتتمكنين من احتضانه ، ولا يدرك ان الضعف هذا وقتي سوف لن يدوم ، تشتاقين الى سماع الألحان التي تعشقينها وقد حرمت منها فترة طويلة ، قبل خروجك من الوطن الحبيب ، تقررين ان تستعيدي قوتك ، وان تتحرري من احزانك ، تاني حفرت لها اخاديدا في الروح والبدن ، تطلبين من ابيك ان يأتيك بجهاز صغير تتمكنين بواسطته ان تستمعي الى الألحان :
- اعرف يا ابنتي انك تحبين الأنغام ، فجئتك بالجهاز الصغير الذي تطلبين !
تفرحين بما اتاك به الوالد ، هو دائما يقرأ افكارك ، ويعرف ما تتطلع اليه نفسك ، وكم اهداك من الأشياء التي كنت تتطلعين ان تكون معك ، اشياء بسيطة تحمل الفرح الى النفوس وقد حرمك منها نصير ، رغم انها لاتكلف شيئا ، ماذا تفعلين يا سامية ؟ لماذا تتذكرين ما يحزن النفس ، ويسبب البؤس للروح ؟ ألم تقولي انك آليت على نفسك ان تحاربي الأفكار الحزينة ، والا تدعيها تستوطن القلب فتسبب له التعاسة والآلام ..
انت تحتاجين لبعض الراحة ، كي تستعيدي صحتك وينال طفلك ما يحتاج من شعور بالأمان ، فابتعدي عن الأحزان واجعليها تهرب من عالمك ، لتعيشي بسلام واطمئنان ، فان الارادة تصنع ما يسعى اليه الانسان ، فقوي ارادتك وعيشي كما تحبين ..


(17)
الجد يقوم من نومه الساعة الخامسة كل صباح ، يقوم بتنظيف المنزل واعداد طعام الغداء والقيام ببعض التمارين الرياضية التي ت حفظ شباب الروح والبدن ، ثم يغلي ثلاثة أكواب من الماء ، ويعصر عليه ليمونة حامضة ، وحين يبرد قليلا ، يشربه مع ملعقة من العسل ، يقول له الطبيب :
- الماء الساخن مع عصير الحامض والعسل يقيك من الأمراض
يتناول الجد تفاحة كل صباح ، ثم قطعة من الخبز الأسمر وقطعة من الجبن الأبيض او بيضة مسلوقة مع الشاي ، وبعد ساعة يشرب فناجانا من القهوة ، في ذلك الصباح هيأ لي اولا طعام افطاري قبل ان يتناول هو فطوره ، وذهبنا معا لنشتري باقة ورد لسامية ، التي تعشق الورود ..
نجد سامية في حالة نفسية جيدة ، لقد نالت قليلا من الراحة واستعادت صحتها بعد ايام قضتها في الخوف والرعب والحزن على فراق زوجها فراقا أبديا ...
قال الطبيب :
- سوف تمكث السيدة معنا يوما اخر ليتم شفاؤها ...
رحب الجد بقول الطبيب ، وتمنيت انا ان تخرج سامية من المستشفى ، فقد اشتاقت نفسي الى الانسانة التي انقذتني من اليتم والحرمان ...
تحدثنا مع سامية عن الورود التي تحبها وعن الباقة التي ابتاعها والدها فنالت اعجابها الشديد ، وطلبت من الممرضة ان تضع باقة الورد في مزهرية فاستجابت الممرضة للاقتراح ...
خرجنا من المستشفى ونحن مطمئنون ان سامية بخير ، وسوف تجتاز المحنة بقوة...
تناولنا طعام الغداء ثم ذهبنا الى احد الأسواق الكبيرة فاشترى الجد علبة شيكولاتا غامقة اللون من تلك التي تفضلها سامية ، وفتح لي التلفاز لاشاهد برامج الأطفال التي احبها ، وأمسك الجد بالجريدة ، ليطلع على اخبار العراق التي تتصدر الجرائد ، وانا اشاهد التلفاز رحت في نومة عميقة ، لم افق منها والجد يحملني وينقلني الى سريري ...
في الصباح قام الجد ببرنامجه اليومي ثم ذهبنا معا الى المستشفى لرؤية سامية ..

(18)

قبل ان تتزوجي ، وترتبطي بنصير ، كنت متأثرة بوالدك ، تفومين في الصباح لاداء التمارين الرياضية التي تقيك من المرض وتحفظك من السمنة ، وتجعلك متفائلة ، تستفبلين نهارك بابتسام ، وتحرصين على اداء واجباتك ، ليس لأنها واجبات مفروضة عليك ، انما تك تحبين اتقان الأعمال ومحبتها ، ومهما كانت صعبة ، فانك تبذلين الجهود كي تجعليها تتيسر امامك وتخف صعوبتها ، لم تستطيعي ان تحافظي على البرنامج الذي يسعدك ، مضت الأيام دون ان تنجحي في الوصول الى فرح حفيقي ، يقول ابوك :
- الفرح يكون حين ننجح في اتقان امر كان صعبا علينا في البداية ...
وكم وجدت هذه الحكمة صائبة ، وقمت بتنفيذها ، اي عمل يوكل اليك ، تتمرنين عليه ، فتجدين الصعوبة قد زالت ، تمارينك الصباحية كانت تضع البسمة على محياك ، ومهما اشتدت الخطوب امامك ، فان الابتسامة تخففها ، ولا تعرفيبن ماذا اصابك بعد الزواج ؟ هل زادت مهامك ام انعدمت فرص التشجيع لك ،لم يكن نصير ميالا الى زرع الثقة في نفسك ، وكثيرا ما كان يستهزيء بقدراتك ، يضحك باستصغار حين تصممين على امر ، اراد ان يغتال الثقة التي زرعها ابوك في نفسك ، فأصبح التردد صديقك ، و زاد وزنك وتضخم بدنك ، ولم تعد الرشاقة تشغلك ، وأنت تدركين ان الرشاقة تعني الصحة ، ملابسك الأنيقة لم تعد تناسبك ، حين كبر بطنك ، واحتجت الى ملابس للحمل ، اخذ نصير يصرخ :
- حزانة ملابسك ملآى بملابس جديدة / لماذا تصرين على شراء اخرى ؟
- لأنني زدت وزنا ..
- ولماذا يزداد وزنك ؟
- لأني حبلى ..
- اعرف نساء كثيرات ، لايسمحن للحمل ان يضخم اجسادهن . ألا تخشين ان يتحول حبي الى امرأة رشيقة ؟
تحاولين ان تبعدي الأفكار الحزينة عن رأسك ، تبحثين عن ذكريات سعيدة لك مع نصير ، فلا تحظين بها ، ولكنك تترحمين على الراحل ، الذي خدعك بحبه المزعوم ، ترسمين الابتسامة على وجهك ، تحاولين ان تتبتعدي عن الآلام ، ابوك لك الرجل القوي كما يسميه اصدقاؤه جاءك اليوم ، وهو يحمل لك ما تحبين ، باقة ورد عطرة ، وعلبة من الشيكولاتا السوداء التي تحبين ، وطفلك الحبيب سوف تستقبليه بفرح ، يليق بمن سوف يأتي الى هذا العالم ، ويساهم في خلق فرص السعادة للناس، فلتفرحي ايتها الانسانة المتعطشة للفرح ، فقد ابتسمت الدنيا بعد عبوس استمر اشهر معدودات ، والعمر كله امامك ، ما زلت في ريعان شبابك ، سيأتي طفلك السعيد ويكون اخا للحبيب ليث ، الذي حكم عليه باليتم والحرمان ...


(19)
نصل مستشفى الولادة ، نجد ان سامية قد أجريت لها عملية قيصرية ، قبل ان أسأل عن الطفل توميء لي الممرضة :
- الطفل ولد ميتا ، لاتظهر حزنك امام المريضة ..
يسأل الجد :
- لماذا ولد الطفل ميتا ؟
- تعرضت امه لمتاعب نفسية شديدة ، وما يحصل للأم يؤثر على جنينها ، الذي لم يتحمل المصائب التي عرفتها امه ، فودع العالم مفضلا الابتعاد عن جحيمه ...
- وكيف صحة سامية ؟
- ابنتكم قوية لهذا سوف تتماثل للشفاء قريبا ...
- ما الذي تعانيه ؟
- ضعف عام وهزال شديد وكآبة ..
- لماذا اصيبت بكل هذه العلل ؟
- الوضع في بلادكم مأساوي ، ولكن بالحب يمكن ان تشفى المريضة ، فقدان زوجها وجنينها الذي كان ذكرا ، اصاب روحها بعلة ،وعليكم تعتمد لجعلها تحيا حياتها الطبيعية ، بلا احزان تسلب منها الصحة النفسية والبدنية ...
شعرت بالألم ، كنت ارجو ان تأتي لي سامية بالأخ الذي حرمني منه الطغاة ، ولكن ماذا افعل ؟ سوف احيا بصحة وسعادة مع مخلوقين رائعين سامية التي انقذتني من الهلاك مع اسرتي وابيها الحنون ..


(20)

يجعلونك تنامين على سرير مريح في مستشفى الولادة ، وقد شربت قليلا من المخدر ، كي لاتشعري بآلام مبرحة ، ما زلت تعانين منها ، تجهلين ما الذي جرى ، اجروا لك عملية قيصرية لاستخراج طفلك ، الذي كان من الضعف والهزال ، بحيث لايستطيع ان يخرج الى العالم بدون مساعدة ، وفتح بطن امه ، تتطلعين الى طفل صحيح الجسم والعقل ، لقد بذلت جهودك من اجل هذا الطفل ، تحملت اوجاع التي سببها ابوه بصراخه المتواصل بوجهك ، كل ساعة يصرخ بأعلى الصوت مهددا سلامتك الروحية ، وسالبا منك يقينك بان العالم المملوء قبحا ، يمكن ان يرى اشراق النور ، وان النفوس التي يسعدها ايلام اليشر يمكن لها ان تجد الراحة ، لماذا كان نصير دائم الصراخ ؟ وما الذي جعله بهذا العنف ؟ كل صرخة يقوم بها تخشين ان تسلب حياته ، فتسائلين نفسك :
- انا الغريبة هنا / ماذا يمكنني ان افعل ان ازهقت روحه بصراخه العنيف ؟
لم تعودي تشعرين بالأحداث من حولك ، النوم العميق بفعل المخدر يجعلك في راحة ، كنت تتطلعين اليها ، يزول تأثير المخدر على عقلك ، تفتحين عينيك ، ترين أحبابك حول السرسر يبتسمون لك بحب ، والدك الحنون وصديقك اليتيم ليث ، ولا تجدين طفلك :
- اين طفلي ؟
- نعم ؟ اه .. هناك ينام في سرسره الصغير ..
- اريد ان احضنه واطعمه حليبي !
- سوف نأتي به اليك بعد قليل .ز
يطول بك الانتظار ، اين يمكن ان يكون طفلك ؟ وكيف شكله ؟ وهل كسب صفاته منك او من ابيه ؟ وهل سيكون مثل ابيه ميالا الى العنف ؟ يتحدث ابوك بمختلف انواع الحديث ، ولا يأتي على ذكر الطفل الذي تشتاقين اليه كثيرا ، تحملت كل انواع القهر من اجل ان تكوني اما ! توجهين سؤالك الى أبيك :
- هل رأيت طفلي ؟

لايجيبك ابوك ، تسألين ليث :
- هل رأيت طفلي يا ليث ؟
ترين علامات الحيرة على وجه الصغير ، لماذا لايريحك ويجيب عن أسئلتك ؟ هل الطفل في صحة جيدة ؟ ولماذا وضعوه في مكان بعيد عن امه التي تحبه ؟ ولماذا يسكت الجميع ان وجهت لهم استفسارا عن طفلك ؟ اين هو وكيف شكله ؟ ومتى يأتون به الى حضن امه ؟
وأنت في شدة الحيرة تسمعين أباك :
- سامية حبيبتي ، اسمعي ما يخبرك به الطبيب ، وكوني قوية كما عهدناك !
- طفلك سيدتي لم يستطع القدوم الى دنيانا ..
- ماذا تعني يا دكتور ؟
- لقد ولد ميتا
الخبر يقع عليك كالصاعقة ، :
- لماذا ؟
- لأنك قد نزفت مرتين ، ومررت بأوجاع ومشاكل رهيبة !
- ولماذا لم امت انا ؟
- الطفل ضعيف لايتحمل كما الكبار سيدتي !



(21)
تشعر سامية بحزن وألم شديدين ، علمت سبب فقدانها للطفل الذي حلمت بوجوده ، ليذكرها بالحبيب الراحل الذي ابعد عن الحياة عنوة ، يقترح لها ابوها المسيرة التي يجب ان تنتهجها لتحظى بسلام الروح الحزينة الكئيبة ، يقترح عليها ان تنضم الى احد الأندية الرياضية التي تمارس رياضة اليوغا ، سامية لاعبة ماهرة لهذه الرياضة الجميلة ، توافق سامية على اقتراح ابيها ، وتتمكن من الخروج من الحالة المرضية التي كانت عليها ، تعود الى رسوماتها التي تخلت عنها بعد الزواج ، فهي رسامة ماهرة تخرجت من ان اكاديمية الفنون الجميلة ، وبدلا من ان تعين في وظيفة تتناسب مع ميولها وكفاءتها ، فقد عينت في الاستعلامات ، وكانوا يريدون بهذا التعيين ان يجعلوها لاتحب العمل ولا تبدع فيه ، ولكن اخلاصها جعلها تحب كل مهنة تنسب اليها ، فأحبت وظيفتها في الاستعلامات ، وكانت تفضل ان تكون مدرسة لفن الرسم في احدى ثانويات بغداد ، ولكن املها في الحصول على مهنة التدريس خاب ، فهي ليست من الحزب الخاكم ، وقد حاولوا كثيرا ان يجعلوها تنضم الى حزبهم لكنها رفضت باصرار ..
اخبرها ابوها :
- ساقدم اوراقك الى وزارة التربية الكويتية طالبا تعيينك مدرسة للرسم في احدى مدارس الكويت ...
تسعد سامية بالخبر ، منذ ان درست في الاكاديمية وهي تتمنى ان تكون مدرسة لمادة الرسم التي تحبها ، كانت متفوقة في دراستها ، يعجب بلوحاتها كل من اطلع عليها ، توقع لها اساتذتها ومعارفها والأصدقاء مستقبلا باهرا في الفن ، ولكنها ابعدت عن تحقيق حلمها بعنف وفظاظة ، والان وبعد هروبها القسري من وطن احبته بكل خلجة من خلجات قلبها ، يعود املها الى الحياة من جديد وقد ظن بعض المعارف ان الآمال الميتة لاتعود الى الحياة مرة اخرى ، تدرك سامية ان الآمال لن تموت ، وان خبت لظرف من الظروف ، فانها سرعان ما تشهد حياتها الحافلة مرات أخر .ز
تمضي الأيام وسامية تنشط في الحياة المدنية التي نجد لها فعالبات متعددة في بلاد الكويت ، وتأمل ان يتحقق حلمها في التدريس بسرعة ..
تمر ثلاثة ايام ويأتي ابوها حاملا لها البشرى :
- هيئي نفسك يا ابنتي !
- لأي شيء ؟
- في وزارة التربية يريدون مقابلتك ، ومعرفة اهليتك لوظيفة مدرسة لفن الرسم !
- مرحبا بهم يا ابي ..
- مرحبا بك وبهم ..
- متى ؟
- يوم الاثنين القادم ، اي بعد اربعة أيام ، جهزي بعض لوحاتك التي تتضمن معاني تربوية ..

(22)

تفرحين لسماعك الأخبار الجميلة ، ما زال في الدنا متسع لقلبك ان يفرح ، ويتطلع الى الحب والسعادة ، فلا يمكن ان تزول احلامك بانبثاق النور من ركام التعاسة الذي عشته مدة شهور ، ولكن ظلال تلك التعاسة تعود اليك بين ونة وأخرى ، كي تقول لك ان قدرات الانسان محدودة في تجاوز الآلام ، شتان بين قوة ابيك المتطلع الى الحياة بتفاؤل ، وزوجك الراحل المتشائم الذي لايرى اي بصيص للنور في دنيانا الجديبة ، تتطلعين ان يأتيك بوك بالخبر السعيد الذي اشتقت الى سماعه ، درست في اكاديمية الفنون كي تصبحي مدر سة للرسم في احدى ثانويات بغداد ، ولكن أحلامك البسيطة لم تتحقق ، ووضعوك في مكان لا تحبينه :
- احبي الناس يا ابنتي فغهم يحملون الكثير من الطيبة ...
النصائح التي يرددها ابوك بثقة كفيلة ان تبدد شعور القهر ، الذي تحيط بك حبائله ، ولا تدع لك مجالا للحركة ، تقررين ان تتخلصي من الآثار السلبية لزواجك ، الذي لم يدم طويلا ، وجعلك مقيدة تئنين من الوجع واندحار الآمال ، وعجز الانسان ان يحفر وجوده وتفوقه رغم العراقيل الكثيرة التي توضع في سبيله ، كنت تحلمين بطفل جميل ، وها ان الطبيب ينبئك ان الطفل كان من الضعف بحيث لم يستطع الصمود امام ويلات الدنيا ، ابوك قدم لك طلبا للعمل في احدى مدارس الكويت الثانوية ، قدم شهادتك الصادرة من رئاسة جامعة بغداد ، وصورا عن لوحاتك الكثيرة التي نالت اعجاب المشاهدين في الفترة التي كنت ترسمين فيها ، قبل زواجك ، انقطعت عن التمارين اثناء الزواج والحمل والاشغال المنزلية التي لاتنقضي ، والتنظيف وغسل الأواني والملابس والتسوق ، كل هذه الأعمال الشاقة ، لم تدع لك مجالا للاهتمام براحة طفلك ، هل كان السبب انك لم تكوني قوية لتطالبي بحقوق طفلك ؟ ام لأنك كثيرا ما أشفقت على نصير الكثير الشكوى من حالة الفقر التي يعيشها ، رغم انه يستلم راتبا كبيرا من دولة غنية ..
يأـي ابوك والبسمة تعلو وجهه الحبيب ، ليبلغك الخبر الذي ترومين سماعه :
- بشرة سارة يا ابنتي الحبيبة ..
- ماذا عندك يا ابي ؟
- يطلبون مقابلتك في التربية ، ليعرفوا اهليتك لتددريس مادة الرسم في احدى الثانويات وكما كنت تأملبن .ز
- خبر سعيد ابتي ، متى يريدون لقائي ؟
- في الاثنين القادم ، هيئي بعض الوحات التي تتضمن معاني تربوية ...
الفرح يملؤك يجعلك ترقصين ، تتمنين ان تقبلي جميع من تعرفين احتفالا بالنبأ السعيد ، تقبلين أباك وليث ، اللذين وجدتهما يشاركانك الفرح والسرور ، يسبقك ابوك في الاقتراح :
- هذا الخبر يستحق احتفالا ، سندعو كل الأصدقاء ، ليشاركونا الاحتفال بهذه المناسبة السعيدة ، وجهي الدعوة لأصدقائك يا ابنتي ..
تمتثلين لاقتراح ابيك ، تكتبين الرسائل داعية اصداءك للاحتفال ، بعضهم تتم دعوتهم على الهاتف ، في مقدمتهم الدكتور خليل العبيدي / المعروف بوقوفه الدائم مغك في كل المواقف ، تحضرين المواد اللازمة للاحتفال ، تدهين الفرقة الموسيفية التي تفرحين لسماع ألحانها وأعنياتها ، يقول ابوك :
- انا على يقين انك ستنجحين في المقابلة ، سوف نؤخر الاحتفال حتى تظهر نتيجة المقابلة ..


(23)
عادت سامية وهي في قمة السعادة :
- نجحت في الاختبار يا ابي !
- انت مجتهدة وحتما تنجحين ! ماذا سألوك وكيف كانت اجاباتك ؟
- شاهدوا الثلاث اللوحات التي اخذتها معي ، اعجبوا بطريقة رسمي ، والمعاني التي تضمها الرسوم ، سألوني عن الألوان الأساسية وعن الألوان التي نحصل عليها من دمج عدد من الألوان ،..
- وكانت اجاباتك رائعة !
- نالت اجابتي رضا اللجنة المختبرة لكفاءات الاساتذة الجدد ، ولكن الذي اسعدني ، انهم في الوزارة يريدون ان يجعلوا كل الطلاب يحبون مادة الرسم ويقبلون على الدرس بحب ..
- وهل هناك طلاب لايحبون الفنون ؟
- نعم يوجد كثيرون . مع الأسف الشديد ، يوجد طلاب متفوقون في كل الدروس العلمية والأدبية ، لكنهم لايهتمون بالدروس اللامنهجية ، وفي وزارة التربية يسعون لجعل الطلاب يقدمون على التعبير عن انفسهم بالرسم كما يفعلون بالتعبير الكتابي ..
- وهل سوف يتم تعيينك ؟
- اخذوا رقم هاتف المنزل وعنوانه ليرسلوا لنا قرارهم !
- سابارك لك يا ابنتي واقدم لك التهاني ، تعيينك يستحق الاحتفال !
احاط بي الفرح وانا ارى حبيبتي سامية بكل هذا السرور ، باصرارها على تخطي الصعاب سوف تحقق النجاح ، وتجعل طالباتها في الثانوية يقبلن على درس الرسم بحب ويصبحن في المستقبل رائدات في الحركة الفنية ...
سجلتني سامية في احدى المدارس الابتدائية التي اكتسبت شهرة في منطقة سكنانا في الكويت في السالمية ، لكفاءة معلماتها ومهارتهن في تعليم الصغار وتحبيب المواد لهم ، وجعلهم يقبلون على الدروس بفرح ويقومون بواجباتهم خير قيام ... ابتاعت لي الدفاتر والاقلام وقد رأت حرصي على الدراسة والتفوق فيها على اقراني ، فشجعتني على ذلك ، وبينت لي ما غمض علي فهمه من دروس...قامت سامية بمهام الأم والصديقة والأخت والمعلمة ، تطلب مني الاستيقاظ صباحا واداء التمارين الرياضية لتقوية البدن والروح ، اجلس معها ومع الجد لتناول طعام الافطار ونحن نستمع الى فيروز ونتحدث باخر الأخبار ونحرص على الابتسامة امام الصعاب الكثيرة التي يواجهها الناس في الوطن الحبيب ،
تشجعني سامية على مراجعة الدروس واداء التمارين في الحساب والعربية وفي الوقت المتبقي لي تعطيني سامية احد الكتب وتطلب مني قراءته وابداء رأيي فيما ورد فيه ، غلمتني كيف احكم على جودة الكتاب او سوءه بعد القراءة الواعية ، كانت تشرح لي ما غاب عني فهمه ، لهذا وجدتني أحرز التفوق في كل المواد ، حفظت جدول الضرب وكنت الأول دائما في الاختبارات التي تجريها المعلمة لتعرف مدى قدرتنا على معرفة جدول الضرب ، كنا نقف في دائرة ، تسأل المعلمة احدنا عن الجواب في ضرب العدد خمسة في احد عشر مثلا ، فان خاب التلميذ في الاجابة يعود الى مقعده في الصف ، وان نجح اي منا في الاجابة بقي في مكانه في الدائرة ، ومن يظل في نهاية الاختبار في الدائرة يكون الفائز .. كنت الفائز في هذه المسابقات ، تعطيني المعلمة جائزة على تفوقي علبة من الأقلام الملونة ، وحين اعود الى البيت واخبر سامية بالأمر تكافؤني بمنحي جائزة اكبر ..

(24)

كانت فرحتك كبيرة وانت تجتازين الاختبار بكفاء ة ، سألوك عن الألوان ومدلولاتها ، والتلاميذ الأذكياء المتفوقين في كل الدروس ، لكنهم لايحبون الرياضة ولا الرسم ، درجاتهم نهائية في العربية والرياضيات وفي التاريخ والجغرافية ، ويكونون الآوائل دائما على صفوفهم ، استفسر اعضاء اللجنة كيف نجعل الطلاب يقبلون على الرسم ويحبونه كما يحبون بقية المواد ، كانت اجاباتك من الدقة بحيث نالت استحسان المختبرين ، ابديت رأيك ان ادارات المدارس قليلا ما تبدي اهتماما برغبة الطلاب بالدروس اللامنهجية كما يصفونها ، وانهم غالبا ما يحولون الدروس الفنية الى رياضيات او قواعد لغة عربية ، وحتى انهم لايهتمون بدروس التعبير ، التي تتحول الى درس بالقواعد ، ابدت اللجنة الممتحنة اعجابها بأجوبتك ..ز
وانت كبيرة الفرح هذا اليوم ، تنجحين في مقابلتك مع اللجنة الممتحنة للكفاءات التدريسية ، ويخبرك حبيبك ليث انه متفوق بالمدرسة على أقرانه التلاميذ ، كنت متفوقة دائما ويسعدك ان ينال التفوق احبابك ، كل شيء مران ما ان نصمم على اجتياز الصعاب ونحن مبتسمون ، حتى نجد أنفسنا وقد وصلنا الى ما نريد ، ببذل جهود اقل مما لو كنا متشائمين عابسين ، لم يخبرك أعضاء اللجنة الممتحنة عن قرارهم ، لكنك قرأت هذا القرار وهم يمدحون اجاباتك ويثنون على ذكائك ، ويستبشرون خيرا انهم سوف يجعلون الأستاذ الكفوء في المكان المناسب ، لم يكم من عهاداتك ان تستعجلي بالفرح ، بل كنت تعودين النفس على التريث في الحكم على الأمور وغدم التسرع ،
ابوك فرح باجاباتك ، هو من غرس هذا الحب للعمل والاخلاص فيه في نفسك ، وعودك على بذل الجهود لاتقان العمل الذي نكلف به ، حتى لو كان بلا مردود مالي ، او كانت المكافأة المالية اقل من الجهد المبذول ، ابوك كان يقول :
- اتقان العمل يعتبر مكافأة للشخص العامل ..
أصدقاؤك يفرحون لفرحك ويشاركونك الاحتفال الذي سوف تقيمونه بهذه المناسبة السعيدة ، سوف تتهيئين للمباشرة بعملك الجديد ، ولا تعلمين الان هل يسالونك عن المدرسة التي تحبين ان تعملي فيها ؟ ام هم من يقرر ؟ سوف تفرحين حتما باي مدرسة ثانوية للبنات ، وتكون فرحتك اكبر ان تحققت امنيتك في العمل في ثانوية الأمل النموذجية لمستواها العلمي المتقدم وادارتها المتفهمة وطالباتها المجتهدات...
تشعرين بمسؤولية كبيرة تجاه ابنك الحبيب ليث، الذي يشعر بأمومتك ، اخبرك انه متفوق في دراسته ، أحببت ان تطلعي على رأي معلميه ، تراجعين مدرسته ، جميعهم يمدحون اجتاهده وحبه للمدرسة وحرصه على اداء التمارين ، استاذ الألعاب الرياضية الوحيد الذي اخبرك :
- ليث مجتهد في كل الدروس ولكنه خجول جدا ، ولا يميل كثيرا الى الاندماج مع زملائه واللعب معهم..
تعرفين ان ليثا قد مر بظروف صعبة ، لم تدعه يعيش طفولته كما هم الأطفال في مثل سنه ، وكنت حريصة على ان تساعديه في تجاوز الشعور ان حياته تعيسة وانه محروم من الأبوين وافراد الأسرة ، لقد احببته واحبه ابوك وقدمتما له كل الحب والرعاية



(25)
حصلت على التفوق على اقراني في عدد من المواد الحساب والعربية والرياضة التي كنت اعشقها ، وفي المواد الأخرى كانت درجاتي جيدة ، شجعتني سامية ان اكون الأول على تلاميذ صفي ـ ةحين استطعت ان انفذ طلبها رأيتها في قمة السعادة ، شعرت دائما انها امي وانها تبذل قصارى جهدها كي تسعدني وتنسيني المأساة التي استشهد على اثرها كل افراد أسرتي ، سامية تجاوزت شعورها بالألم والفقدان بعد استشهاد زوجها وموت طفلها قبل ان يرى نور الحياة وماتت امها بسبب الحزن ووجع فقدان الأحبة ..
جدي كان قويا دائما يحاول ان ينسى الفواجع التي مرت به وأنهكته ، وكثيرا ما اسمح الحوار بين جدي والحبيبة سامية :
- مضى العمر سريعا يا ابنتي !
- انت قدوتنا يا ابي ، من لي في الحياة سواك ؟
- انت فلذة كبدي وعمري الذي احرص على نصاعته ..
- أراك حزينا
- اتذكر اخوتك الذين اغتال الظلم شبابهم ، وامك التي لم تعد قادرة على تجاوز الم حرمانها من اولادها ...
- وجدي ايضا ..
- ابي ايضا ، لم يرحموا شيخوخته ـ واغتالوا كل اصدقائه واقربائه والمعارف ايضا ، اشعر بالاثم لأني لم استطع نجدته !
- كيف تنجده يا ابي وانت بعيد ؟ حتى لو كنت معه لاغتالك الظالمون معه ..
- أهذا قدرنا يا ابنتي ؟
- ليس قدرنا ، ان غابت الشمس اياما ، سوف تشرق من جديد ..
- يسعدني تفاؤلك ..
- لولا التفاؤل لما استطعت الحياة يا ابتي ..
- نعم معك حق ، لولا الامل لكانت الحياة شديدة الظلام !
- لهذا يضحي الناس ويناضلون من اجل حياة افضل ..
- وهل يمكن التخلص من الظلم ؟
- ليس نهائيا ، لكن درجات الظلم تحتلف بين حالة وأخرى .

(26)
تسعدين بوصولك الى النجاح الذي تتمنين ، انت وفية ، تتميزين بحب العمل والاجادة فيه ، تبدعين في الرسم ، وتجدين سعادتك في التعبير عن نفسك باللوحات التي تبدعين ، ولكن رغم تحقيقك للنجاح ÷، ما زال فقد الأحبة يضنيك / امك لم تستطع االبقاء في دنيا تخلو من الأبناء ، تعبت في تربيتهم وايصالهم الى سن الشباب ، وقبل ان تجد الفرحة طريقها الى قلبها الظاميء ، سارعت قوى الطعيان الى اغتيال زهرة الشباب ، وبدلا ان تحكل الحياة عيونها بنجاحاتهم ، افترس الموت حيةاتهم واغتال الردى عمرهم الغض ÷، تسارعين غي تسجيل ابنك ليث في المدرسة التي تطمحين ان تحقق له ولك الأحلام في غد سعيد ، افترس الموت جنيتك قبل ان يخرج الى تعاسة العالم ، وعوضك الله بابن آخر ، سوف تربينه على يديك ، وتنشيئنه وفق ما تحبين من مكارم الأخلاق وسمو المباديء ، ليشب شابا قويا حنونا ومقداما ، وليس ميالا للكلمة التي تفتل النفوس وتعتال القلوب ، لقد توهمت انك احببت نصيرا ، ولكنه بفلقه السيء قد عمل على قتل ما تحملين من حب له وانتما في الشهور الأولى من زواجكما التعيس ، تحاولين ان تنسي ما عشته من مرارة وما تذوقته من علقم ، ولكن الأيام ما فتأت تذكرك تلك الكلمات الجارجة التي بدرت عنه ، بما لم يشعر بفظاظتها وانها كفيلة بقتلك ، كيف يمكن لك ان تنسي وانتماا في الشهر الأول وقد اعتلاك :
- انت سهام الحبيبة !
- هل انا سهام ؟ هل نسيت اسمي ؟ ونحن في الشهر الأول من زواجنا ؟
- كم تحبين النكد ! ماذا يجري ان ناديتك باسم آخر ؟ ألا تدركين معنة انى اكون معك ولست مع سهام .. ماذا يضيرك ان لفظن اسمها وقد عشت معك بدلا عنها ؟
تصيبك الحيرة ، كيف تتصرفين ؟ هل تقومين من تحته ؟ ام تواصلين مشاركته في الفعل وهو يوجه لك طعنته النجلاء ، ويردي قلبك قتيلا ÷، انت تفكرين بغيرك دائما . تخشين ان قمت من تحته ان تتسبب في جرحي نفسه وتوجيه طعنة الى قلبه ، ولكن هل كان يملك قلبا وهو يوجه لك سهام العدر والخيانة ؟ لماذا جاءك انت ممثلا دور الحبيب ولم يذهب الى سهامه الطائشة ؟ هل اعترف بحبه لها و رفضته ؟ فهو الفقير المعدم والعصبي ذو العبارات الخشنة التي لاتحترم احدا . وهل كان يتلفظ بجارح الألفاظ مع صديقاته ايضا كما كان يفعل معك ؟ ف تطردين الأفكار اقاتلة ان تأتي اليك ، من حقك ان تفرحي بعد ان ابتسمت لك الدنيا بعد عبوس متواصل ، لقد حققت بعض ما تحبين . فلتجعلي ما يسيء للنفس بعيدا ، كوني قوية كما ينصحك ابوك المحب :
- ابنتي الحبيبة كوني قوية واطردي افكار السوء ..
تصممين ان تنفذي الحكمة التي يولها لك ابوك المحب :
- ان اردنا ان نصنع الافراح علينا ان نئد الاحزان !
تهتمين بليث وبدروسه ومدرسته والمعلمات اللاتي يحرصن على تعليمه ، تراجعين معه الدروس ، وتعلمينه ما غمض منها وتحاولين ان تذللي له الصعاب ، تقومين بشرح كيفية اداء التمارين الرياضية له وكيف يجب عن اشئبة القواعد في الغة العربية ، تجعلينه يحفظ جدول الضرب قبل ان تشرح له معلمة الرياضيات ذلك الجدول ، تساعدين ليث ان يكون الأول على صفه ، وتنجحين ..


(27)
أتعرف الى اصدقاء جدد ، يزورونني في منزل والد سامية وازورهم في بيوتهم ، اعرف انني اعيش في منزل ابي سامية رغم انهما يعاملانني وكأنني ابن لهما وحفيد ، لم اشعر معهما باليتم ولا اني افتقد بعض الأمور ، لأن ابي وامي قد قتلا بايد ناقمة عليهما لحبهما الجمال والحرية وكل شيء اثير وعزيز على نفس الانسان ..
انتمي الى فريق كرة القدم والى مجموعة الرسم في مدرستي ، لأنني تعلمت من سامية كيف يمكنني التعبير عن المعاني الجميلة بالرسم ، كما احسنت التعبير عن نفسي وعن الأفكار التي اقتنع بصحتها بواسطة القلم ..
تصل نتيجة المقابلة الى سامية في ظرف مغلق الى بريد الشقة التي يسكنونها في عمارة كبيرة في مدينة السالمية ، تذهب سامية الى وزارة التربية وتطلب تعيينها في مدرسة قريبة من مسكنها ، توافق الوزارة على طلبها ، ويصدر امر تعيينها مدرسة على ملاك المدارس الثانوية في مدرسة نموذجية من ثانويات الكويت للبنات ، تتميز بالمستوى العلمي المتميز وتنافس الطالبات للحصول على الدرجات التي تؤهلهن لأرقى الجامعات ....
أجد سامية تنظم وقتها بين اشغال المنزل والتعليم وبين هوايتها في فن الرسم ، تسامر في رسم اللوحات التي تنال اعجاب المتلقين في المعارض الشخصية والمشتركة التي تقام ، الجد يساعد سامية في الاهتمام بالمنزل واعداد بعض اصناف الطعام ، لكن صحته اخذت تزداد سوءا في الأيام الأخيرة ، ولم تعد سامية توافق على ان يتعب نفسه في اعمال البيت وتجهيز الطعام ...
ثلاثتنا اكتسبوا الصداقات المتعددة في دولة الكويت ، انا فزت بعدد من الأصدقاء في المدرسة ومن خارجها يشاركونني الاهتمامات نفسها في حب الدراسة والمطالعة وكرة القدم والرسم ، الجد حصل على صداقات كثيرة لرجال كبار في السن يهتمون بالسياسة والأدب ، سامية لديها صداقات من كلا الجنسين فنانين وأدباء ومهتمين بالاكتشافات العلمية التي تسعى لجعل حياة الناس اكثر راحة وسعادة ..
الدكتور خليل العبيدي من أصدقاء سامية منذ ان كانت في الجامعة ، تخصص في لندن في طب العيون ، جاء الى الكويت قبل مجيء سامية ، احب سامية منذ ان كانت طالبة في اكاديمية الفنون، وصرح لسامية بحبه ورغبته بالاقتران بها ، الا انها تزوجت من نصير ، ولم يغير زواجها من عاطفته الكبيرة نحوها ، بقي عاشقا لها وصديقا يقف بجانبها مؤازرا ان تعرضت لمكروه ، وكان قادرا على صده ، وبقي الدكتور خليل عازبا .. نجلاء محمد احدى صديقات سامية الحميمات ، ارادت ان تدرس للدكتوراه حين كانت في بغداد ، ولكنها لم تكن ضمن الحزب الوحيد الذي يسمح لأعضائه باكمال الدراسة ، فسافرت نجلاء محمد الى باريس لتحصل على الدكتوراه في فن الرسم، مجموعة من الصداقات المميزة ذكورا واناثا، تفخر سامية بالتعرف على افرادها الذين بقوا مخلصين لصداقاتهم مهما كلفتهم من تضحيات ..

(28)

ليث الحبيب يكسب وجودك معنى جميلا ، ترينه ينمو وتزداد معارفه ويمهر في دراسته وينتمي الى جمعيات يتبادل مع أعضائها الاهتمامات ، يشارك جمعية هواة الرسم انشكتها الفنية المتعددة ، يحاول ان ينمي لديه موهلة الرسم ، بعد ان لحظت عنده هذه الموهبة ، وحرصت على تقويتها ، بمواصلة التمارين على اجادة هذا الفن الجميل ، كما انك لاحظت وبفرح حب ليث للرياضة ، فجعلته يشارك فريق كرة القدم مهارتهم وتمراينهم ، تفرحين ان وجدت ليث سعيدا ، يزوره أصدقاؤه في البيت ، ويذهب الى اولئك الأصدقاء لزيارتهم في بيوتهم ، وجدته الابن الحبيب ، الذي عوضك الله بوجوده بجانبك كثيرا من انواع الحرمان التي منيت بها في حياتك القصيرة ..
أصدقاؤك كثيرون ذكورا واناثا تجدينهم قربهم ، يضيفون الدفء الى حياتك التي كانت جديبة ، ويبهجونك ، خليل العبيدي الدكتور الماهر ، الذي شعرت بنبضات قلبه قبل ان يحدثك بها ، فهل يمكن لنبضات القلب وخفقاته ان يخفيها المرء ؟ حتى وان جهد لذك الاخفاء ، اخترت نصيرا من بين عشرات العشاق ، وبعد ان فشلت في تجربة الحب ، وبدا من نصير ما كان مخبوءا ، تساءلت وانت تهمسين لنفسك :
- عجبي للحب ! لماذا لم تختاري يا سامية الرجل الذي احبك اكثر من اي رجل آخر ؟
وتجيبين نفسك عن استفساراتها :
- هل الحب طوعي ؟ وهل بامكننا ان نختار من نحب ؟ ام انه كالقدر يصطفي الناس ليعذب بعضا منهم ويسعد آخرين ؟ هل الحب مرض مزمن ؟ فلماذا تجدين نفسك تتذكرين من سبب لك الآلام وتنسين من يحب ملء القلب والروح ان تبادليه الشعور ليحيا ؟
- ابوك الحبيب الذي اثخن الدهر جراحاته ، وجعله وحيدا يعيش بين الأحبة الذين اعتالهم الطغيان دون ان يرتكبوا اثما يستحقون ان يعاقبوا ، اي منطق تعيشون به ، واي جريرة قامتم بها ؟ ليحكم عليكم ان تكونوا غرباء بعيدين عن الوطن الحبيب ؟
ستحمدين الله الف مرة ، انك لم تعودي وحيدة في هذا العالم ، قربك ابوك الحنون ذو الارادة القوية والرجل الرجل كما يسميه أعداؤه والأصدقاء / معك في دولة الكويت الشقيقة هدد من الأصدقاء ، وبعضهم بعيدون عنك جسدا ، قريبون منك روحا ، معك الدكتور خليل العبيدي ، الانسان الذي تجدينه يقف بقربك مدافعا عنك ضد من يفكر بك سوءا ، ومذللا لك الصعاب ، وقربك ليث المخلوق اليتيم الذي انقذته من الهلاك واتيت به الى هنا وانت تمنعين عن كل صنوف الحرمان ، لينشأ انسنا قويا واثقا ، يتطلع الى الدنيا بفرح وتفاؤل ...


(29)
يصدر قرار تعيين سامية في ثانوية ( الأمل) القريبة من منزلها ، تجد ان الثانوية رائعة جدا في مستواها العلمي والأدبي والفني ، تدرس الطالبات ثلاثت لغات ، يتفوقن في العربية والانجليزية والفرنسية ، ادارة المدرسة تجمع بين حنان الأم وحزم المربية الحريصة على بناتها ، تساهم الثانوية في المسابقات التي تقيمها الوزارة لتطوير مهارات الطالبات وجعلهن بارعات في التعبير عن انفسهن كتابيا وشفهيا ، ولم تحصل سامية على راتبها الشهري طيلة عام كامل ، كان ابوها يعطيها ما تحتاجه من نقود لشراء ما يلزم لي ولها ، كانت شهادة التخرج التي حصلت عليها من اكاديمية الفنون تحتاج الى توقيع وزارة الحارجية وسفارة بلادها في الكويت ، قال لها أبوها :
- سوف تستلمين راتبك اسوة بزميلاتك في نهاية العام الدراسي !
- كيف علمت يا أبي ؟
- انت استاذة للفنون ، وأصدقاؤك يجيدون الرسم !
- ماذا تعني يا أبي ؟
- ما اقصده واضح يا ابنتي !
تمر الأيام وسامية لاتستلم راتبها الشهري ، سألتها يوما :
- ماذا ستفعلين ؟
- شهادتي معترف بها من رئاسة الاكاديمية ، وانا قد درست مادة الرسم والنحت فترة طويلة تمتد اربع اعوام كاملة ، ودرجاتي مرتفعة !
- لم افهم ...
- سوف استشير اصدقائي الفنانين لنجد حلا !
- لم افهم ايضا !
تتحسن الحالة النفسية لسامية بعد هذه المحادثة ، اراها مستبشرة ان حرمانها من الراتب سوف لن يستمر طويلا ، وانها تحب عملها وتخلص في مهنتها ومن حقها ان تحصل على نتيجة التعب ومكافأة الاخلاص ..
قبل نهاية العام الدراسي بشهرين ، تصل سامية الى المنزل فرحة ، تكاد ان ترقص من شدة السرور :
- تعبي اثمر راتبا كبيرا !
- ماذا حصل ؟
- استلمت مبلغا كبيرا وهو راتبي للشهور السبعة التي لم اعط فيها راتبي !
- كيف ؟
- سأقيم احتفالا كبيرا ادعو اليه الأصدقاء ونستمع فيه الى اجمل الألحان بهذا الحدث السعيد !
- لم افهم !
- نحن فنانون يا حبيبي ليث ، ونجيد التواقيع !
تقيم سامية ويقف بجانبها والدها احتفالا كبيرا بمناسبة استلامها اول راتب لها ، تأخر طويلا استلامها نتيجة عملها الجاد والدؤوب ، تدعو اصدقاءها الكثيرين الموجودين في الكويت ، وتستمتع الى تهانيهم الجميلة وهي فرحة تكاد ترقص طربا وغبطة....

(30)

كنت تودين ان تشتغلي في ثانوية الأمل للبنات في دولة الكويت ، سمعت ان المدرسة رائعة جدا في كل الميادين ، وان طالباتها يحرزن اعلى الدرجات في المتحانات الشهادة الثانوية كل عام ، وام مديرتها كانت معروفة بكرم الخلق والمهارة في قيادة طالباتها نحو العلا ، حريصة ان ان تتبوأ الثانوية المكانة التي تستحقها ، سألوك حين تمت مقابلتك :
- اين تفضلين ان تشتغلي ؟ اعدادية للبنات ام ثانوية
- افضل الثانوية طالباتها قريبات من نفسي ، يعرفن ما يردن من الحياة ، ويقبلن على التدرب على ايات الأدب والفن برغبة وحماس ..ز
لم تطل بك الأيام ولم تجربي الصبر العسير ، بعد أيام من المقابلة كانت البشرى :
- مبارك لك التعيين في الثانوية التي ترغبين بها !
فرحتك كبيرة وشعورك بالفوز رائع الجمال ، كنت تسمعين اخبار ثانوية الأمل من صديقاتك ، مديرتها الأستاذة خديجة كانت صديقة للمدرسات اللاتي يحرصن على مستوى المدرسة العلمي والأدبي والفني ، طالما رأيت ان التفوق لايمكن ان يتجزأ ، وان من يسعى لنيل التفوق في المجال العلمي لايرضيه ان يتدنى مستواه في الآداب ، كل مجالات الدراسة حرصت عليها الست خديجة ، كما كانت تحب ان تتفوق طالباتها في اللغات الثلاث التي تقررها وزارة التربية ، طالباتها المجتهدات حريصات على اكتساب اللغة القوية والقدرة على الترجمة الفنية من لغة الى اخرى ..وانت تحبين الموسيقى ، وكثيرا ما تطلعت ان تتمكني من العزف على الآلة التي تحبينها ، سررت كثيرا حين سألت الأستاذة حديجة :
- هل يمكن للمدرسات ان يتدربن على العزف على البيانو الموجود في غرفة الموسيقى ؟
- في حصص الفراغ تستطيعين ان تتدربي على آلة البيانو ، كما ان لأستاذ الموسيقى عود ، يمكنك ان تطلبي منه ان يدربك على العزف عليه ..
- كيف عرفت انني احب تعلم العزف على العود ؟
- اعرف ان العود حبيب العراقيين !
فرحة التعيين تظل ناقصة لبعض الوقت ، راتبك الكبير نسبيا ، لم يسلموك اياه في الشهور الأولى من تعيينك ، بقيت تنتظرين ان تحصلي على بغيتك من النقود ، وكان ابوك كالعهد به ـ يضع النقود التي تحتاجينها في يدك / آخر كل شهر :
- سوف لن يتأخروا في دفع الراتب ..
- كيف عرفت يا ابي ؟
- انت فنانة يا ابنتي ، ومن حقك وواجبك ايضا ان تجدي الوسلة الناجعة لحصولك على نتيجة تعبك ...
- ماذا تعني يا والدي ؟
- انت فنانة تجيد الرسم ، وتعبر عن مشاعر الانسان وتطلعاته ، وتجيدين الخط ايضا !
ابوك مقتنع ان حرمانك من الراتب لن يطول ، يسألك أصدقاؤك بين فترة واخرى :
- هل وصلك راتبك ؟
- لا
- سوف نجد حلا / انت صديقتنا العزيزة
يجتمع الأصدقاء ويقررون مساعدتك في ان تستلمي راتبك / ويعد ان يطلبوا منك صورة من شهادة التخرج ، يسلمونك الوثيقة نفسها :
- اعطي هذه الوثيقة المصدفة الى وزارة التربية !
تفعلين ما يطلب منك ، وقبل ان تحل نهاية العام الدراسي بشهرين ، تستلمين مبلغا كبيرا هو راتب سبعة شهور كاملة :
- من حقي الآن ان احتفل بهذا الفوز المبين !

(31)
جواز السفر لسامية يحتاج الى تبديل ، لم تراجع سفارة العراق في الكويت منذ فترة طويلة ، تخشى ان فعلت لتجديد الجواز يسألونها ما علاقتها بالفنانين العراقيين الكبار الذين اضطروا الى مغادرة الوطن والعيش في الكويت والمشاركة في الأنشطة الثقافية التي تسعى لتغيير سياسة نظام الحكم في العراق نحو الجيران والأصدقاء ، سامية ليست سياسية ، ولكنها تحب وتصادق الأدباء والفنانين الذين لهم مواقف واضحة ضد الدكتواتورية وسياسة تكميم الأفواه التي تنتهجها الحكومة ، لاياتي لمعارض سامية الفنية الا القليلون من اقطاب السفارة ، اصابها القلق واستبدت بها الحيرة ، ماذا ستفعل ؟ نصحها الجد :
- راجعي يا ابنتي سفارة بلدك ،
- اخاف ان يوجه لي اتهام لأن اصدقائي خليل العبيدي وسمير الركابي وغيرهما من مناوئي النظام ..
- انت فنانة معروفة بحبها لبلادها ، ولست سياسية ، فلن تجدي منهم موقفا معاديا لك ..
تقتنع سامية برأي ابيها الذي جرب الحياة وتذهب الى السفارة ، يجعلونها تنتظر فترة بدت لها طويلة وهي نهب المخاوف ، ثم يسمح لها بمقابلة القنصل :
- مرحبا بك ايتها الفنانة القديرة ،
- اريد ان اجدد جواز سفري !
- من حقك سيدتي ولكني عاتب عليك !
- لماذا ؟
- لأنك لم تحضري اي احتفال في المناسبات التي تقوم بها سفارة بلدك لتعريف العالم عن بلادك !
- انا ادافع عن وطني العراق بفني ولوحاتي التي اعرضها بالمعارض الفنية المتعددة ، فيعرف الناس ما يجري في البلاد !
- ولكن بعضا من أصدقائك يقفون موقف المعادي !
- لا أعرف احدا يعادي العراق !
- انصحيهم الا يكونوا ضد حكومة بلادهم ..
- لااملك هذه القدرة !
- ستكونوين ضد بلدك ايضا ..
- كل رسوماتي توضح انني اعبر عن العراق !
- نعم سيدتي .
- وما الخطأ الذي ارتكبته ؟
- لم تقعي بالخطأ ، انا معجب بما تقومين به من اعمال فنية ، لن اسألك عن الأشخاص الذين لايحبوننا ، انت انسانة وفنانة ، وسوف نجدد لك الجواز ، كم يمكنك ان تدفعي للمجهود الحربي ؟
تدفع سامية ما تجده مناسبا ، تستلم جوازا صالحا للسفر مدة ثماني سنوات تمدد فترة الصلاحية بعد اربع سنوات ...

(32)

تستمر بك الأيام ، وانت تعملين في ثانوية الأمل للبنات ، حيث الادارة الحكيمة ، والمدرسات الصديقات لك ، ان وجدن شيئا يسيء لك كشفنه أمامك بصدق ، كان الموجهون الفنيون يترددون على ثانويتك الحبيبة ، ويطلعون على مرسمك ، يعجبون بالقدرة التي تملكينها ، حين حولت الطالبات الذكيات المجتهدات في الدروس العلمية والأدبية الى محبات للفن ، حريصات على الاجادة بالتعبير الفني عن كل شيء ، كما يبرعن في التعبير الكتابي عن مشاعرهن وأفكارهن ، مرسمك اشتهر في دولة الكويت ، الموجهون الفنيون اخبروك :
- بودما ان نخبرك ان مرسمك يعتبر من قبل نقاد الفن ومتقليه من افضل المراسم ..
- على صعيد التعليم العام ام الخاص ؟
- على صعيد التعليم الخاص ، لكل من التعليمين نقادع ومريدوه ومتلقوه ...
تفرحين لما ينقله لك الموجهون من اخبار المدارس الخاصة في المغرب وكيف يحرص الأساتذة ان يكون طلابهم من اوائل الطلاب في حب الفن واالابداع فيه ، مديرتك تعاملك بتقدير واحترام ، طلبت منك ان تكوني المدرسة الأولى في مادة الرسم في ثانوية الأمل لما شهدته منك من حرص على التدريس وجودة في تمرين الطالبات وحثهن على الاجادة ، تقومين بالمعارض الشخصية ، وتعرض لوحاتك ويقبل عليها عشاف فن الرسم من الكويتين والعرب ، ولكن يحز في نفسك ان من يشتغل في سفارة بلدك قليل حضورهم الى المعارض التي تقيمينها ، وحين تكون المعارض مشتركة بينك وبين فنان من احدى الدول العربية او الاجنبية ، يكون حضور اعضاء السفارة ملفتا وكثيفا ، امضك هذا الأمر وان لم تبوحي به لأحد الا والدك :
- امر طبيعي ما تجدينهيا ابنتي ..
- لماذا يا ابي ؟ وانا فنانة معروفة ، افخر ببلدي العراق وادافع عنه بفني ؟
- انهم اكرموك يا ابنتي ، زاروا معارضك وان لم تكن ز ياراتهم كما تأملين ..
تصمتين ، فانت تعرفين انهم لم يوجهوا لك نقدا ، لأنك فنانة ولا تعبر رسوماتك عن رأيك مباشرة ، فان اصدقاءك من الأدباء قد لايستطيعون ان يبتعدوا ان الصراحة كما تستطيعين انت ..
جواز سفرك انتهى مفعوله منذ فترة ، وتريدين أن تجدديه ، فأنت تحبين السفر ومشاهدة جمال العالم والتعرف على البلدان المختلفة ، تعرفت الى عدد من البلدان في كل القارات ، ولك اصدقاء عراقيون ، غعادروا العراق الى مختلف البدان ، وأقاموا حيث وجدوا الراحة والاطمئنان ، أصدقاؤك معروفون بمواقفهم السياسية المعارضة لنظام الخكم في العراق ، وان كانزا يحملون قلوبا ملأى بحب الوطن ، حلايصة على الدفاع عن كرامته وجماله، تخشين انة تذهبي الى السفارة ، ولا يجددون لك جواز السفر ، فقد اعدم شقيقاك ، والمسؤولون يعرفون ان شقيقيك اعدما وانت تحبينهما ، ولكن ماذا يمكنك ان تفعلي ؟ تقررين ان تئدي الخوف في داخلك وان تقمعي التردد ، تذهبين الى سفارة بلدك الحبيب :
- مرحبا بك ايتها الفنانة الكبيرة !
- شكرا لكم
- نحن نعتب عليك ..
- لماذا ؟
- نحن في ظل االحروب الجائرة ، وانت لم تقومي بزيارتنا !
- لكنكم تعلمون اني احب بلدي وادافع عنه ضد الظلم الذي اساء للشعب
- بامكانك ان تحثي العالم بمحاربة الظلم
- انا ابذل جهدي !
- سوف نمنحك جوازا جديدا صالحا لمدة ثماني سنوات ـ كم يمكنك ان تدفعي للمجهود الحربي ؟
تخرجين من السفارة حاملة جوازك الجديد ، وانت تتساءلين بصمت :
- كيف اكافح الظلم وأنتم تروجون للظالمين ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا