الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنك الطيب...

نصيرة أحمد

2022 / 5 / 19
الادب والفن


الى ناجح المعموري ...

قبل أشهر من الآن وفي صباحٍ متأخر والشمسُ لمّا تزل تطرق الشبابيك العالية كأنها تصارعُ مساءً قبلَ التحدي على مضض . دخلتُ المبنى الكبير الذي خلا تماماً الاّ من همهمات وهمسات لاأدري من أين تأتي .. اعتادت ضربات حذائي ان تهمس أيضا فلا جدوى من ارتداء الحذاء الأنيق الأسود في اليوم الأخير من أيام الدعوة لتسلم جوائز الاخشيدي وسيف الدولة في وقت واحد ..
وزارة الثقافة والقراءة والأرصفة الخاوية والحديقة البائسة والسلالم الثمانينية التي نكبت في حروب الجبابرة ، ...كل جبّار يدخلُ من الباب الرئيس ويخرج من الباب الجانبي والأرض المرصوفة تزداد انحسارا وتكسّرا تحت أقدامهم من دون ان يفعلوا شيئا .....أربعون عاما مضت والغبار ينتفضُ ليأكل زجاج النوافذ الجميلة ...
أيّ أخرقٍ كان يظنّ ان العمرَ يتمدّد ..ليرتادَ أقبية الحمقى في مدينتي التي تثملُ حدّ الأنتشاء ؟ بغ ...داد ...بقٌّ وداءٌ ... بقّ يعشعشُ في روحي ويشربُ دمي ، وداءٌ يمسحُ أصابعي التي تعبت من التخفّي. كانت الكمامة ترأفُ بحالي ألاّ يعرفني أحد ..انه اليوم الأخير في البناية المجهولة ..في الوزارة المثقلة ...مبلغٌ زهيد في العراق الذي تأكله حضارة الأشقياء والأتقياء ..
قاعة كبيرة .... والموظفون يتبادلون الابتسامات ..حاسبات وأسلاك وأوراق وسجلات ..لم يكن سوانا في القاعة الهادئة ..هو ورجلٌ يصحبه ُ..كانا يسيران أمامي بهدوء ، ويتبادلان كلمات لاأتبيّنها....ملابسه تنمّ عن شتاء قارص ٍ سيُطوقنا لاحقا ، تسرّبت عنها أناقة الدخلاء .......كم أحببتُ هذا الرجل ، وأحببتُ صوته وهدوءه ...الحياء أخافني أن أقترب وألقي التحية ...انه الأعلى مرتبة في بلدي....في مراتب الأدب والنقد والشعر ....كيف يسير هكذا لوحده ..لايعرفه أحد ...؟ ..من أنت ؟ أجاب. ماأسمك الكامل ؟ ..أين ولدت ؟.. أين هويتك ..؟ ..هات اوراقك ..انتظرْ ..اجلس هناك .... كان الدمع يحتضر في أجفاني ..ألا تعرفه ياأغبى الاغبياء ...الحمد لله انه اتخذ له مجلسا بعيدا عني في القاعة الكبيرة بصحبة رفيقه ....كدت اصرخ بقوة ...ألاتعرفه ...؟ الحلة الفيحاء ..الشعر والشعراء ..الادب والادباء ...كان يجلس بهدوء ..بانتظار الجائزة الحمقاء ..في اليوم الاخير ..أغمضت عينيّ طويلا.....انتبهتُ خلفي في القاعة الكبيرة الخالية ..فُتحتْ الأبواب كلها واشتعلت الجدران ضياء وزهورا وقناديل لم أرها بحياتي ..واذا بعربة عالية وكبيرة مصنوعة من الذهب تتدلّى منها زهورا من اللؤلؤ والفضة وكرات من المرمر الأبيض ... دُهشتُ لهذا المنظر البهي ..ماذا يحدث ..؟ ..وضعتُ كفي فوق كمامتي ، كان الشباب كأقمار سماوية يحفوّن بالعربة التي انشقت لها الجدران . لم يتبق في القاعة سواي والموظف الذي يرتب الأوراق ويسلم الأموال ...
تحركت العربة ببطء لم تكن الخيول من تجرّها استبدلوها بوزراء لم أتبين أشكالهم كان من بينهم رئيس الجند بشاربيه المعقوفين ..رئيس ديوان المال المركزي بصحبة امرأة تمسك بالخشبة البيضاء...نزل الرجل بملابسه الدافئة البسيطة وكان يحفّ به وزراء الثقافة الخمسة او الستة . هرول الموظف الشاب نحوه وهو يمسك بالظرف الرسمي وانحنى بلطف وسلّمه اليه ..كم المبلغ ؟ سأل الرجل... أجاب الشاب : ستمائة ..وضع الظرف في جيب سترته واعتلى العربة التي تشع اضواءً وزهورا واشجارا نقلوها من أرض بابل في الليلة الفائتة . تحرّكت العربة الى الامام وفُتح الجدار الكبير وخرجت نحو الشارع الاسطوري ..كان كلكامش يرفع يده تحية للرجل وسيف الدولة يصفق بحرارة وجمهور الأدباء يحفون بالموكب المهاب ...
أغمضت عينيّ ، سمعت صوتا ينادي باسمي ومضيت نحو الموظف الشاب ، أخذ اوراقي وسلمني الظرف وانطلقتُ خارج الوزراة . تعثّرت بالسلالم المهدمة ...أريد ان أخرج بسرعة لأتنفس شيئا جديدا .....
مسح الشرطي شاربيه وهو يبتسم ، كتمتُ بكائي ساعة الصفر ، وعبرت الشارع الذي يتوسط الكائنات المريبة ثم التفت خلفي ...
كانت البناية تحدّق باندهاش فريد بوزرائها ، ..لم أجد أحدا يعرفني وأنا في طريقي الى فناء مجهول ....رفعت كمامتي وأخذتُ نفساً باردا ، وانطلقت نحو السوق القريب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ


.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع




.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي


.. الأسطى عزيز عجينة المخرج العبقري????




.. الفنانة الجميلة رانيا يوسف في لقاء حصري مع #ON_Set وأسرار لأ