الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكريات عن الحرب

هدى توفيق

2022 / 5 / 20
الادب والفن


ذكرى عن قصة ( أنا والحصاد الجنوني )
هذا الحديث بالطبع يخصني ،لا أتقن الكتابة عن المناسبات الوطنية ، أو بمعنى أدق التفاعل معها بقدر كبير إلى حد التعبير القصصي أو الإبداعي بشكل عام. ربما لأني أشعر أنه حدث كبير في حينه أو حتى بعد وقت مروره. من الصعب أن يستوعبه عقلي كاملًا ؛ لجلل هذا الحدث. فقصدية ترتيب الكلمات وتطويعها لصنع عمل أدبي شئ شديد الصعوبة علي. فالكتابة بالنسبة لي حالة نستلهمها بعد عناء وتأمل وتفكير ليس بالقصير، حتى تأتي بعفوية وشفافية بينما تكون مشاعري مفعمة بالفرح أو العكس، على حسب اختلاف المشهد الوطني ؛ الذي أستقبله ، وهذا ربما لشعور يملأني بالعجز في أحيان كثيرة للتعبير عنه ، رغم الصدق التام تجاهه ، وتباين المشاعر نحوه.
كل عام نحتفل بذكرى الحرب والإنتصار، كل عام يتأرخ فيه مجد الوطن ، ودماء الشهداء النبيلة. بإجازة رسمية ، واحتفال عسكري كبير، ونحن نستلقي على فراشنا في آمان وسلام وطمأنينة ، وندعو للجندي المجهول ، وفداءه الوطني بالرحمة والنور ؛ الذي وهبنا روحه ، وانطلقت إلى سر خالقها من أجلنا. أسترخي على فراشي بكسل ، وأنا أرتشف قهوتي الصباحية ، وأفكر فيه ، وأسأله كيف أنت أيها الجندي المجهول ؟! ما حال أمك الآن ، وهي لا زالت ترتدي السواد ، وتنظر إلى صورتك الموشاه بعلامة الحداد الأسود لإبنها الشهيد .... ثم تبكي ، ولو قطرات من كثرة مابكت ، وتوجع قلبها ؛ رغم إيمانها أنك شهيد وفدائي ، ومثواك جنة الخلد ، وكنت تُلبي أعظم واجب في الوجود. ما حال كل من أحبوك ؟ ، ويعانون فقدانك ؟ ، ورحيل كل الذكريات معك مهما مرت السنوات من حياتهم ؟! .. لا تغضب ، لا تخف ، مؤسسات الدولة الرسمية ، والتاريخ يكتبون حروف اسمك الموشاه بفخر في سجلات موتى الحرب الأبطال ، وأحبائك وأحفادك يمجدونك ، ويتعالون بين الجميع بفخر وشرف ، وكبرياء . بأنهم ينتمون لإسمك وجلال شرفك الوطني. نعم .. نعم .. لا تقلق أيها الجندي المجهول. يتذكروك بالإحتفال في ذات نفس اليوم الذي دفنت فيه سواء كان قبله أو بعده من ذكرى الحرب ؛ لترفع في النهاية علم الوطن منتصرًا ومتباهيًا بكل عنفوان. لأي غادر يمس جلال الأرض الذي هو من جلالك. وأتذكر معك أنا أيضًا أيها الجندي المجهول : الوطن ، الأرض ، الإنتماء. استشهادك كل تلك الإكليشيهات ؛ التي ترتجف لها روحي وجسدي بوخزات الحنين والشفقة عليك ، وعلى كل أمثالك الأبطال. وأريد أن أفصح لك بخجل عن هاجس شيطاني يأتيني أحيانًا : أنني أخاف كثيرًا أيها الجندي المجهول على وطني من خائنين الأوطان ، وأنت لم تعد موجود.
كيف أصفك ؟ كيف أتخيلك ؟ كيف أجد الكلمات. بل أقوى التعبيرات ، وأصدقها لأجسد كتابة لحظات قتالك ودفاعك عن الوطن كيف ؟! هل توجد كلمات تضاهي كل بسالة وتضحيات هؤلاء الجنود المجهولين. أظن أن : الكلمات ، وأنا ، وكل أجساد الآخرين المستلقاه الآن بكسل واسترخاء تام. بعد رحيلك عائدًا فقط بانتصارك . ولم يعد يتبقى من حضورك الحي ياصديقي الجندي المجهول غير ذراعاك ترفع علامة النصر ، وعلم الحرية في ذاكرة التارخ إلى أن يموت كل الكسالى مثلي ، وغيري ، ومن سيأتي بعدنا. بل إلى أن تفنى البشرية ، ولن يبق غيرك أنت أنت فقط ، بخلود المعركة والنصر.
في عام 1998م مثل كل عام من حياة الوطن تمر الذكرى ، ذكرى الحرب والإنتصار، وتحرير الأرض بفضل الجندي المجهول ، وتمر ونحن أمامها وخلفها وبجانبها كالعادة والمألوف ذكرى .. ذكرى ستمر ، وننتظرها العام القادم ، وأسعد مثل كل أبناء وطني ؛ بالنوم الممتد بإجازة رسمية ، دون الإستيقاظ مبكرًا للذهاب إلى العمل الروتيني ، لكني شعرت فجاة بتفاهة شعوري هذا ، وسألت نفسي لما لا أكتب عن هذا ؟ لما يا قلمي ؟ ولكني للأسف لم أعش هذا اللحظات بكاملها ؛ لأني كنت بعد طفلة لا تستوعب مدى أثمان الحروب ، وجسارة الجنود وفداحة الخسارة ؛ من أجل تحرير الأرض والعبور. ( وأنا أتحدث هنا بشكل خاص عن حرب العبور 1973م ). حتى قرأت إعلان يتكرر كل عام عن مسابقة أدب الحرب ، فتأملت رغبتي التي أسرها داخلي من وقت أثناء الاستلقاء الا مبالي عام بعد عام ، وأنا أتمتع بالإجازة الرسمية ؛ فأيقنت مدى تفاهة حالي ، وصورة الجندي المجهول في مخيلتي تسخر بتلك الا مبالاة أمام بطولاته من أجل الجميع ، فقررت أن أحسن صورتي الخجلى ، ولو بعض الشئ أمامه ، وهتفت بهمس أخاطب نفسي الشقية : الخيال أعظم محرك ، ودافع لكتابة ما نريده ، حتى لو كنا بعيدين عن المشهد التاريخي وقت حدوثه ، وكان هذا بمثابة اختبار لقدراتي الأدبية على استخدام ملكة التخييل لكتابة قصة عن أدب الحرب سواء فشلت أو نجحت التجربة ، والمحاولة هي افضل معلم لإنجاز المهام الصعبة ؛ رغم أني أعتقد ، ولازلت أن الكتابة الأدبية التي تخص أدب الحرب أو المناسبات الوطنية عامة ، من أصعب أنواع الكتابة لدي ، ولا أتقنها كما ذكرت في بدء حديثي اطلاقًا إلا في حالات نادرة ، وتلك القصة كانت من أروع حالاتي النادرة ؛ لأنها كانت بمثابة اختبار صعب ظل كامن في عقلي لسنوات. لا أعرف كيف أحققه ؟ بعناد وتحدي شخصي حتى تم سواء كان جيد أولا ، وأتمنى أن يتكرر مرة أخرى ، وأنا في انتظاره ؛ فالأرض خالدة والحرب ميثاق التاريخ باق لا يزول حتى لو فني جميع البشر ، ونحن نحاول ولو بجزء صغير أن ندخل ذاكرة الوطن والتاريخ ؛ بالكتابة عنه ، وهذا بالتأكيد على المستوى الشخصي البحت ، فاليوم 25/4/ 2017م. ذكرى تحرير سيناء الذي سبقه ذكرى العبور والإنتصار ، وسوف يتكرر كل عام بفضل الجندي المجهول ؛ هذا الخالد والباق دومًا وأبدًا دون الكسالي الآخرين مثلي.
25/ 4/ 2017م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: كان نفسي أقدم دور


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: -الحشاشين- من أعظم




.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: خالد النبوي نجم اس


.. كل يوم - -هنيدي وحلمي ومحمد سعد-..الفنانة دينا فؤاد نفسها تم




.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: -نجمة العمل الأولى