الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمهورية المستريحين !

محمد حمادى
كاتب رأى حر مصرى

2022 / 5 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


نرى الآن من انتشار عدة ظواهر غير سليمة كظاهرة المستريح والجشع والنصب، وازدواج المعايير، ووقوع البعض ضحية الطمع، وأوهام الكسب والثراء السريع، يؤكد أن هناك أزمة ضمير هى سبب كل هذه السلبيات والمشكلات، ويؤكد أيضا أنه بات الكثير الآن لا يفرق بين التجارة والنصب ولا بين الشطارة والنهب ولا بين الكسب والسلب، لذلك أعتقد أن ذلك كله هو نتاج لما يحدث فى المجتمعات من تدهور منظومة القيم وغياب الإنسانية التى نتج عنها تشريد وقتل وظلم واحتلال، لتصبح الإنسانية جمعاء مهددة لغياب الضمير والقيم عن تصرفات وأفعال البشر وسط تحديات وأخطار جسام، رغم أنه من المفترض انه فى ظل الأزمات دائما ما تبحث المجتمعات عن الضمير لتستقيم الحياة، ويتحقق العدل الإنسانى.
وهنا نتعرف أولا ماهو " المستريح " هو لقب انتشر مثل انتشار النار فى الهشيم، ليحل محل "شركات توظيف الأموال" فى كيفية تنفيض جيوب الناس، وكأنه يمتلك عصا سحرية ، أو يمتلك قدرات خاصة فى كيفية التنويم المغناطيسي لضحاياه وإغراقهم فى وهم الغنى السريع ، الذين يصل عددهم الآلاف، ليحصل منهم على تحويشة عمرهم، بإرادة حرة، واقتناع تام، تحت زعم استثمارها، مقابل عائد مادى عالى الربح شهريًا.

و كلما سمعت عن قصة "مستريح" تساءلت: أين ذهب العقل؟ أليس من رجل رشيد يأخذ على أيدى هؤلاء، يمنعهم من حماقتهم؟ وأحاول دائما أن أتخيل الحيلة التي يسوقها النصاب وكيف يحيكها، لكن الغريب أن هذا النصاب عادة لا يملك الذكاء الكافى، إنه أحمق مثلهم، فكيف ينخدعون بحيلته المعادة المكررة ، والعجيب فى الامر أن هذا النصاب لم يكتف بتجنيد مندوبين، إنما يقوم بالاستعانة بنصابين معه فى لعب دور رجال دين، لإقناع الأهالى أن الاستثمار فى البنوك حرام شرعا، وأن تسعة أعشار الرزق فى التجارة، وبالتالى أرباحهم معه حلال، وفرصة لا تعوض، ومتخذا من الكذب شعار له في كافة أحاديثه ووسائله مختلقا قصص وهمية وحكايات ما أنزل الله بها من سلطان بحيث يكون همه اللعب على آلام البسطاء، وبيع أحلام وردية ومستقبلا مزيفا.
وكأن الناس لا تريد أن تتعلم الدرس، وكأن الطمع يسيطر على العقول، فيعطل التفكير، ويعمي القلوب، فتقع الكوارث والمصائب، ليندب الجميع حظهم بعد فوات الأوان، ويكتشفون أن أحلامهم في تحقيق الثراء السريع ذهبت مع مهب الريح، وأن الفوائد الضخمة التي حصلوا عليها في الأشهر الأولى لتعاملهم مع "المستريحين" كانت بمثابة "طُعم" لاستقطابهم، وجمع مزيد من الأموال.
"الغلابة" الذين استثمروا ملايينهم ووضعوا ثقتهم الغالية فى نصابين حين اكتشفوا النصب والاحتيال من قرر أن يخرج ساعيًا لاسترداد أمواله مسلحًا بسلاحه، وهو ما يطرح تساؤلات حول امتلاك أسلحة هى فى الأغلب غير مرخصة. ومنهم من عبّر عن غضبه عبر الهجوم على منشآت حكومية، ومنها مدارس تعلم أبناءهم، ووحدة صحية تعالج مرضاهم، ومكتب بريد يقدم خدماته المصرفية والبريدية لهم، فنهبوا محتوياتها لأن الحكومة لم تلتفت للنصاب وتركته يسرق أموالهم وفى واقعة أخرى، انتقم الأهالى بإضرام النيران فى سيارات فى بيت أحد المتهمين .
وما يزعج حقا ونحن نتحدث عن أزمة الضمير وآثارها على المجتمع، أن الأمر لم يتوقف عند غياب الضميرعن حياتنا المادية، إنما طال منظومة القيم والثوابت الأخلاقية خاصة فى ظل سيطرة عالم الحداثة والسوشيال ميديا، فرأينا انتهاكات للخصوصية، وتقطع للأرحام، وكثرة للجرائم العائلية، وعقوق للوالدين، وتزايد آفات الجحود والنكران.
وقد شاهدت دموع البعض تتساقط، وآخرين سكن المرض أجسادهم، وزوجات انفصلن عن الأزواج، ومشروعات زواج تعطلت، وأحلام تبددت، كل ذلك بسبب "الطمع" والسير في الطريق الخطأ، والعزوف عن وضع الأموال في البنوك بشكل سليم ورسمي، واللجوء" للمستريحين" أملا في الحصول على فوائد أكبر، لتكن المصيبة والكارثة كلمة النهاية.
ظاهرة المستريح ستظل موجودة مادامت ثقافة السعي والعمل متراجعة، على حساب المكسب السريع والفهلوة والحداقة والجشع واستغلال الأزمات، لذلك لا أتعاطف أبداً مع كل من تعرضوا للنصب من مستريح أسوان أو غيره من المنتشرين في أغلب محافظات الجمهورية، فقد كانوا على نفس درجة الطمع واستحلوا أموالا يعرفون جيداً أنها تمر بطريقة غير شرعية أو بها شبهات وشك، ومن هذا المنطلق أشجع على الاستزادة في النشر لهذه القضية، حتى يتعلم الناس ويعرفوا خطورة هذه الظاهرة، ويخرجوا منها بدروس مستفادة حقيقية.
مستريح أسوان، ومن قبله مستريح قنا، وما بينهما عشرات المستريحين في المحافظات المختلفة، استطاعوا أن يتفوقوا على كل المراكز والمؤسسات المتخصصة في علم الإحصاء والاقتصاد، بجانب خبراء الاقتصاد، في إعادة التعريف بنظريات الفقر في مصر، وتؤكد أن هناك فارقًا شاسعًا بين "النظريات على الورق" وبين "الواقع على الأرض" من حيث أرقام ونسب وتوصيف الفقر، بجانب وهو الأهم، حجم الاقتصاد الخفى وأشكاله المتعددة.
المستريحون الجدد، كشفوا "عوار" حقيقيًا يصل إلى حد التقصير والأمية المفرطة في معرفة وتحديد نشاط الاقتصاد الخفى، وأشكاله، في القرى والنجوع والمدن بمحافظات الجمهورية المختلفة، ومن ثم غياب الأرقام والتوصيف الصحيح للفقر والبطالة، على وجه التحديد ،المستريحون الجدد، كشفوا عن أن الأرقام المدونة في تقارير الفقر، بعيدة كل البعد عن الواقع الحقيقى، فهل يعقل أن عددًا من القرى المصنفة بأنها الأكثر فقرًا، يخرج من جيوب أبنائها المليارات وإلقاؤها بين أيادٍ "نصابين" ثم يُصنف هؤلاء بأنهم الأكثر فقرًا!
نحن لا ننفى وجود فقر، ولا يوجد دولة في العالم، بما فيها الدول الكبرى من عينة الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا واليابان والصين وغيرها، لا يوجد بين مواطنيها فقراء، ولكن نطالب فقط تصحيح مفاهيم وأرقام ونسب الفقر، من الواقع، بعيدًا عن النظريات المدشنة من خلف المكاتب، أو استطلاعات رأى نظرية بالتليفون، أو بطرح أسئلة ساذجة، لا تضمن مطلقًا الحصول على إجابات صحيحة.
المستريحون، تفوقوا على خبراء وجهابذة الاقتصاد في توصيف الفقر، وعدد الفقراء، وفى القرى الأكثر فقرًا، وأن هناك مشكلة خطيرة تتمثل في غياب فقه الأولويات، بأن قاطن القرية لا يهمه بناء منزل جيد بقدر أهمية "تحويش" الفلوس، ولا مانع من أن يضعها في "يد" مستريح نصاب، فلا يمكن الحكم عليه بعدم القدرة من خلال منزله البسيط المبنى من الطين.
لذلك فأعتقد، أن تنامى هذه الآفة يتحملها المواطن في المقام الأول، لأنه لو حكًم عقله والمنطق وخاصة في قضية ارتفاع الفوائد لعرف أن هذا نصب واحتيال، وأن هذه سوق سوداء تحكمها الغش والخداع، وأيضا تتحمل الدولة جزءا من المسئولية، فلابد من تغير فى التشريعات وتغليظ العقوبات في مثل هذه الجرائم، بحيث تصل إلى المؤبد، حتى يعرف من يرتكب هذه الجرائم أنه لن ينعم بهذه الأموال المحرمة التى نهبها.
وأخيرا فإن طرق المواجهة تبدأ الإعلام من خلال التوعية بكافة وسائله للعمل على زيادة التوعية، وحث المواطنين على الاستثمار الآمن فى أموالهم وتسليط الضوء على الظاهرة ليدرك الناس خطورتها، خلاف أنه من الضرورى إيفاد باحثين اجتماعيين يلتقون الناس ويتحدثون معهم بلغتهم عن خطورة هذا الأمر، ويكشفوا الأسباب لتتمكن الدولة من المواجهة، وكذلك على المؤسسات الدينية عدم السماح بتجار الدين من استغلال قضية الربا وفوائد البنوك، لنمنع جميعا فى النهاية انتشار مثل هذه الظواهر التى تخرب البيوت وتهدد سلامة المجتمع بسبب غياب الوعى في ظل ثقافة الطمع، إنها معركة الوعى ياسادة وأظن أن الملايين والمليارات التى تم جمعها مؤشر على أن الناس لا تحتاج إلى أموال بقدر ما تحتاج إلى العقل، وأعتقد أننا نريد إعادة تعريف الفقراء والغلابة فى مصر ولابد من تسجيل أسماء الذين دفعوا الملايين للمستريحين وإلغاء بطاقات التموين لهم، الحكاية بقت زيادة فعلا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. !ماسك يحذر من حرب أهلية


.. هل تمنح المحكمة العليا الأمريكية الحصانة القضائية لترامب؟




.. رصيف غزة العائم.. المواصفات والمهام | #الظهيرة


.. القوات الأميركية تبدأ تشييد رصيف بحري عائم قبالة ساحل غزة |




.. أمريكا.. ربط طلاب جامعة نورث وسترن أذرعهم لحماية خيامهم من ا