الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
المطلوب برنامج عملي علمي جدلي يعتمد على النضال الشعبي المقاوم
خليل اندراوس
2022 / 5 / 21مواضيع وابحاث سياسية
عالمنا المعاصر يتجه بخطى متسارعة نحو المزيد من توظيف الأعمال الذهنية، والمتراكمات المعرفية والمعلوماتية، في الحياة الاقتصادية المادية للمجتمع، مما يؤدي إلى تغيير الكثير الكثير في البناء الفوقي للمجتمع، من ثقافة، وسياسة، وأدب وفن، بل مجمل الوعي الجماعي للمجتمع، وهذا بدوره يؤدي إلى تغيير الكثير الكثير من أنماط الحياة المختلفة. فالتطور العلمي التكنولوجي والمعلوماتي يحتل يوما بعد يوم مجالات وأرضا بكرا لم توطأ من قبل.
ولذلك كشعوب عربية عانت من الاستعمار على مدى مئات السنين، وبعد ذلك عانت وتعاني من أنظمة الاستبداد القبلي، والديني والوراثي، والبعيدة كل البعد عن الدمقراطية والمشاركة الجماهيرية في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية، من خلال تهميش المؤسسات المختلفة المختصة في إدارة شؤون الدولة، تفرض على الشعوب العربية، ومؤسساتها وأحزابها، تغيير الكثير الكثير من رؤيتها لأرض الواقع، وطريقة التعامل مع الكثير من المعطيات والمستجدات وتفاصيل ومفردات الوجود الانساني.
فعالمنا المعاصر يموج ويمور بالمفاهيم والأفكار والتطور العلمي والمعلوماتي، والتي بالمطلق لا تنبع من الأرض العربية، إلا نادرا، ولذلك نجد أنفسنا، ننشغل بمشاريع سخيفة وسطحية، بينما الشعوب الأخرى تصنع الحاسوب والأقمار الاصطناعية والطائرات والصواريخ العابرة للقارات، وغيرها وغيرها.
فما نحن بحاجة إليه هو التركيز على التطور الاقتصادي المادي، والتربية العقلية والعلمية، وإثراء عالمنا السياسي والثقافي والفني، من أجل خلق عقلية جديدة ترى العالم المعاصر على حقيقته والتعامل معه من منطلق جدلي، من خلال عملية الابداع والتلقي الايجابي، لأن هذا العصر فيه الغث والسمين، الإيجاب والسلب، فلذلك نحن بحاجة إلى عملية فرز دقيقة وشفافة على أساس عقلاني علمي جدلي، وهذا لا يمكن أن يحدث من خلال انسلاخنا عن عصرنا، وتقوقع عقولنا والعودة السلفية الرجعية إلى الوراء.
فقط من خلال امتلاك فكر عقلاني علماني جدلي متحرر، نتمكن من فهم التغييرات الأساسية التي تطرأ على عصرنا كل دقيقة وكل ساعة وكل يوم، وبالتالي تحدث التغييرات السريعة على ملامح عصرنا، وأوضاعه السياسية والاقتصادية والثقافية، خصوصا وأن عالمنا العربي يتعرض لغزو ثقافة الخواء والفراغ والابتذال، والمظاهر والشكليات، ثقافة تخلو من المضامين الانسانية التي تحصّن الذات وتعمّق الهوية وتبني الجسور مع الآخر.
فالمجتمع المتطور وصاحب القوة في عصرنا الحالي هو ذلك المجتمع الذي يمتلك القوة الاقتصادية القائمة على التطور العلمي والتكنولوجي والمعلوماتي كبنية تحتية للمجتمع، ومن خلال ذلك وبعلاقة جدلية يمتلك القوة في البناء الفوقي للمجتمع، ونعني بذلك القوة السياسية والثقافية والحضارية والقوة العسكرية، وهذه القوة وخاصة في امريكا تستغل استراتيجيا من اجل فرض الهيمنة الامريكية على العالم وخاصة على المجتمعات الفقيرة في امريكا اللاتينية، افريقيا وآسيا وبما في ذلك المجتمعات الاسلامية وغير الاسلامية فاقدة القوة الاقتصادية، وكنتيجة لذلك فاقدة قدرتها على التأثير السياسي والحضاري والثقافي المؤثر على الساحة الدولية او في منطقة الشرق الاوسط، حيث خلت الساحة لاسرائيل وامريكا لكي تلعبا الدور الاساسي والحاسم في علاج قضايا المنطقة من منطلق الحفاظ على المصالح الامريكية والاسرائيلية، وفرض الهيمنة الامريكية على المنطقة. وابرز شاهد على ذلك، اقامة قواعد للصواريخ الامريكية في عدة دول عربية في الخليج العربي "لا بل الامريكي" حماية لسياسات اسرائيل الرافضة لاستحقاقات السلام العادل والدائم في المنطقة، والرافضة للقرارات الدولية بخصوص القضية الفلسطينية منذ قرار التقسيم والذي اشترط الاعتراف باسرائيل، بقيام الدولة الفلسطينية ورفض اسرائيل لقرار 194 من عام 1949، والذي طالب اسرائيل بالسماح بعودة اللاجئين.
وباعتقادنا اذا استمرت السياسة الاسرائيلية، وبدعم امريكي باقامة المستوطنات ستكون النتيجة اقامة دولة فلسطينية، اشبه بكنتونات الهنود الحمر في امريكا نفسها تحيطها اسرائيل من الغرب، ومن الشرق انظمة الاستبداد العربي والتي تأتمر وتنفذ السياسة الامريكية الاسرائيلية في المنطقة.
لا شك بان هذا الواقع المأساوي لعالمنا العربي عامة والفلسطيني خاصة بعد الانقسام، وفي ظل غياب القوة العربية، ومع استمرار سياسات العدوان والغطرسة والقوة الاسرائيلية، خلقت حركات ترفع مختلف الشعارات والمزايدات بكل اصنافها، وهذه المفاهيم تغذي وتؤدي وخاصة في اجواء اليأس والاحباط وعدم المقدرة على تحليل الوضع القائم، ووضع برنامج عملي علمي جدلي يعتمد على تبني مشروع النضال الجماهيري الشعبي الواسع والمثابر والمقاوم، وطرح ويطرح اهدافا واضحة يمكن تحقيقها، الى انتاج مفاهيم العنف الفردي والذي هو تعبير واقعي وموضوعي، الذي هو غير القوة. خصوصا وان هذه الاعمال الفردية ومنها اطلاق صواريخ طائشة هنا وهناك تُتخذ ذريعة للاقوياء وخاصة اسرائيل وامريكا لمزيد من العدوان والتوسع الكولونيالي، ورفض شروط السلام العادل واضعاف فاقدي القوة الحقيقية كما يحدث في المناطق الفلسطينية المحتلة من خلال استمرار الحصار، من جانب اسرائيل، وبناء الجدار الفولاذي من قبل مصر "العروبة".
ومن الملاحظ ان كل الاطراف وخاصة الطرف الامريكي الاسرائيلي لم تلتزم بمبادئ الحوار الحضاري، ونهج ولغة السلام، وبناء جسور التواصل مع الآخر، وكأننا اصبحنا في الواقع كما كتب "نيتشه" في كتابه: هكذا قال زرادشت: "كل شعب يتحدث لغته في الخير والشر التي يفهمها جيرانه" لا يكفي ان نرفع شعار معاداة الغرب، بل يجب ان نؤكد ونطرح شعارا واضحا جدليا موضوعيا علميا حضاريا باننا نعادي سياسات الطبقة الحاكمة الرأسمالية المهيمنة في الغرب وفي اسرائيل، ولكننا لا نعادي شعوب الغرب والشعب الاسرائيلي كشعب، بل يجب ان نقولها وبصوت عال ٍ بأننا مع التعايش مع الشعوب الاخرى، من منطلق الاحترام المتبادل والحوار الحضاري وبناء جسور التواصل، ومن خلال طرح القضايا العادلة للشعوب المضطهدة وخاصة الشعب العربي الفلسطيني، فلا يعقل ان اطالب اوروبا بقبول المهاجرين واللاجئين العرب وغير العرب المسلمين وغير المسلمين، وامارس الفتنة الطائفية ان كان في العراق او مصر او لبنان اوهنا في داخل اسرائيل نطالب بالمساواة في الحقوق في اوروبا ونرفع شعار ومفاهيم "اهل الذمة" في بلادنا، تقام مراكز الدعوة في اوروبا ونقيم الدنيا ونقعدها اذا سمعنا بمبشر بديانات اخرى، زرادشتية، بوذية، مسيحية في بلادنا. نطالب ببناء المساجد في اوروبا ونرفض بناء اماكن العبادة لابناء الديانات الاخرى في بلادنا كما يحدث في مصر الآن.
نطالب باحترام حقوق الاقليات ونمارس شتى اساليب تضييق الخناق تجاه الاقليات في بلادنا، وخاصة "المسيحية" مما خلق ارضية واسبابا ادت الى ازدياد نسبة هجرة المسيحيين من الشرق، ومثال على ذلك العراق ومصر وفلسطين.
وبرأيي ما يبتغيه الغرب الرسمي والطبقة الرأسمالية المسيطرة في الغرب هو تفكيك مجتمعاتنا الى طوائف وقبائل وحمائل وافخاذ وبطون، وفي هذه الجريمة هناك شركاء مضللون او مرتزقة من ابناء جلدتنا، وهذا الواقع المأساوي المرضي الممزق لمجتمعاتنا الضعيفة والمستضعفة يستغلها الغرب الامبريالي من اجل تمرير سياسات الهيمنة والسيطرة على المنطقة.
نحن على يقين بان الغرب الامبريالي وخاصة امريكا واسرائيل يمارس سياسة الكيل بمكيالين، ولكن ان نمارس نحن هذه السياسة سياسة الكيل بمكيالين تجاه انفسنا وشعوبنا وقضايانا ومصيرنا المشترك، فهذا امر لا يعقل بل جريمة ترتكب تجاه شعوبنا وقضاياها العادلة ومستقبلها.
علينا ان نحصن هويتنا الجماعية، من خلال رفض كل تصنيف قبلي او طائفي او عائلي ومن خلال تقبل الآخر وبناء جسور التواصل والحوار الحضاري مع الشعوب الاخرى، وهذا يخلق الارضية المناسبة لافشال سياسات معاداة العرب والسياسات العنصرية.
فحياتنا الاجتماعية تتعرض للكثير من التسميم، من خلال سلوكيات وعلاقات الاستهلاك، والانتهازية والفردانية والمظهرية والكذب والنفاق والخداع، وتقلب المواقف، والسطحية، وبعيدا عن المساءلة وعن مراجعة الذات، وبعيدا عن تحصين الذات والمجموع، وبعيدا عن وضع رؤيا مستقبلية لغدٍ أفضل.
لذلك نحن بحاجة إلى نماذج ومؤسسات وحركات تسعى من أجل المشاركة الشعبية الواسعة والمتجددة والفاعلة وخلق أدوات للنمو والانجاز، وتحديد الأهداف ووضع أساليب وممارسات تحقيقها، والتطور العقلاني الجدلي المثابر، لكي نتغلب على مفاهيم اليأس والإحباط والغيبيات والأوهام والعودة السلفية إلى سراب الماضي.
وبرأيي، هذه الرسالة، أي نشر الفكر الماركسي المادي الجدلي، يجب أن يكون مهمة أساسية أمام الأحزاب الشيوعية هنا وفي عالمنا العربي، من أجل حماية شعوبنا من ديكتاتوريات "الكهنة" والفكر السلفي الأصولي الرجعي ومن الفكر البرجوازي الرجعي، ومن انتهازية البرجوازية الصغيرة.
وفي النهاية، فالثقافة السائدة في الغرب وفي اسرائيل والتي تعكس مصالح طبقة رأس المال العسكري والمالي، لا تتعامل مع وقائع عالمنا المعاصر، الا من منظور مصلحة هذه الطبقة وعلى حساب شعوب الدول النامية والفقيرة وعلى رأسها الشعوب العربية.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الدبلوماسية الأمريكية: أي أمل لغزة ولبنان؟ • فرانس 24
.. هاريس - ترامب: أيهما أفضل للعالم العربي والمنطقة؟
.. تونس: ماذا وراء حبس -صنّاع محتوى- بتهم أخلاقية؟ • فرانس 24 /
.. ما أسباب توقيف طالب فرنسي في تونس بقرار من القضاء العسكري؟
.. تونس: السجن أربع سنوات ونصفا لناشطة تونسية على إنستغرام بتهم