الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بصدد مؤتمر (الفلسفة والعيش المشترك) بحث قاسم جمعة نموذجا

قاسم علي فنجان

2022 / 5 / 21
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


عقد في الجامعة المستنصرية "كلية الآداب - قسم الفلسفة" المؤتمر السنوي للفلسفة، والذي جاء تحت عنوان "الفلسفة والعيش المشترك"؛ وفي الحقيقة فأن العنوان مثير جدا، وهو الذي حدا بي لاتصل بصديقي الدكتور قاسم جمعة، الذي أكد لي موعد افتتاح الجلسة الأولى، وبالفعل فقد حضرنا الجلسة الأولى لكي نستطيع تكوين فكرة عما يناقش داخل هذه المؤتمرات؛ وأيضا لمعرفة ما مدى التأثير الاجتماعي-خصوصا داخل الجامعة وبين أوساط الطلبة- لمؤتمرات كهذه.

أيضا كان ضمن برنامج الزيارة هذه هو إزالة بعض الرؤى السلبية لبعض من اساتذة قسم الفلسفة-خصوصا منهم الأصدقاء- التي تدور حول كاتب هذه السطور، بعد المقالة التي كتبناها عن مؤتمر الفلسفة للعام 2017
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=580658
والتي فهمت من البعض على انها "تهجم شخصي"؛ لكنني هذه المرة كنت قد اخذت "الاذن والسماح" من صديقي الدكتور قاسم جمعة، فقد قلت له انني سأكتب عن المؤتمر، وسأتناول بحثك بشكل خاص بسبب "الميانة" كما يقال في الدارج، فالظاهر ان النقد يعد ممارسة سيئة في العرف الجامعي الآني، لكن الدكتور قاسم قد رحب بالفكرة، الا انه قال: "بس صير مؤدب بالنقد"، ولا اعلم ما عليّ فعله ححتى أكون "مؤدبا".

البداية:
مثلما يقول عبد الحليم حافظ في احدى اغنياته "لو حكينا يا حبيبي نبتدي منين الحكاية"، حقا فأن البداية صعبة جدا في الحديث عن مثل هذه المؤتمرات، فعنوان المؤتمر "الفلسفة والعيش المشترك" كما قلنا مثير جدا، فهو يجعلك تسرح بالخيال انه من الممكن ان تساهم الفلسفة في طرد "روح" التفرقة في المجتمعات وتجعل بالإمكان العيش سويا، لكن الواقع شيء والطرح الطوباوي شيء آخر، فالذي يسيطر ويفرض هيمنته الايدولوجية والطبقية على المجتمعات هي قوى ظلامية بالنتيجة الأخيرة، همها الأساسي مراكمة أرباحها، حتى ولو كان على حساب الكوكب ذاته، والعراق هو أسوأ بقعة على هذا الكوكب من حيث واقعه السياسي، فقوى الإسلام السياسي الفاشية والقوميون الشوفينيون ومجموعة من قادة العشائر المتخلفين هم من يحكم هذا البلد، وقد اوصلوه الى الحضيض، وبالنتيجة النهائية فأن الإحباط سيصيبك من العنوان.

ما يحبطك أكثر هو ان القاعة التي انعقد فيها المؤتمر، وقبل دخولك اليها، ستواجهك صورة "رجل دين معمم" ليست لأبن سينا او الفارابي او ابن رشد، فالجامعات في العراق لا تضع صورا لهؤلاء؛ وبما اننا تحت رحمة حكم طائفي قومي ميليشياتي بامتياز، فان هذه الصور باتت من البديهيات داخل الحرم الجامعي؛ الغريب ان لا أحد يستطيع نقدها او المساس بها اوعدها إحدى ركائز تفكك المجتمع، بل انها تلغي تماما فكرة "العيش المشترك" وبالتأكيد فأنها تلغي كل فلسفة.

انها لحقيقة ماثلة امام الاعين ان الفلسفة كممارسة في الواقع لا وجود لها بتاتا، او لنقل بشكل اكثر دقة ان الفلسفة الرجعية والمتخلفة هي من تحكم الشارع، اما ما يٌطرح داخل الجامعة فهو وهم، فهي مقتصرة فقط على مجموعة قاعات اقسام الفلسفة في الجامعات، ولا تستطيع ان تخرج منها، بل ان اغلب طلبة قسم الفلسفة هم غير ميالين ولا مبالين تماما بالفلسفة، فقاعة المؤتمر كانت فقيرة الى درجة ما من حيث الحضور، والذي يدخل سرعان ما يصيبه الملل والسأم ويخرج منها، لهذا فأن الفلسفة المتداولة في هذه المؤتمرات لا تستطيع فعل شيء عن قضية "العيش المشترك".

كنا نتمنى ان نقرأ ورقة بحثية ما تنتقد ممارسة الطقوس الدينية داخل الحرم الجامعي، او رفع الصور والاعلام التي تدل على الممارسات الطائفية، او نقد الفكر الديني والقومي والطائفي بشكل جاد جدا، حتى نستطيع ان نحدث هزة داخل الوسط المثقف على الأقل، او نستطيع ادخال وعي او نظرة نقدية داخل صفوف الطلبة، وحتى نستطيع القول ان الفلسفة ممكن جدا ان تساهم –ولو بشكل نسبي- في قضية "العيش المشترك"؛ المشكلة ان الشبيبة الثائرة-الى اليوم- تحاول قول كلمتها رغم القمع والعنف اللامحدود من قبل السلطة وميليشياتها، والفلسفة والقيمين عليها يبدو عليهم الخوف والحذر من كل كلمة يريدون ان يقولوها، انهم يتركون انطباعا سيئا لدى الشبيبة.

على العموم فأنه لتقليد جيد دأبت عليه كلية الاداب قسم الفلسفة في الجامعة المستنصرية، بإقامتها مؤتمرا للفلسفة كل عام، مع انه يحتاج الى جرأة أكثر في الطرح، فالفلسفة يجب ان لا تكون "حبيسة، سجينة" في قاعة ما، فالمجتمع بحاجة الى مواجهة الحقائق عن واقعه الذي يعيش فيه، و "سيتبين بعد ذلك ان العالم يحلم منذ زمن طويل بشيء لا ينقصه سوى ان يدركه لكي يمتلكه في الواقع" ماركس.

نموذج بحث
كنت قد طلبت من صديقي الدكتور قاسم جمعه، أستاذ الفلسفة في الجامعة المستنصرية، ان يسمح لي بقراءة ورقته البحثية، وان اكتب عنها نقدا "مؤدبا" الى حد ما، وحسب فهمي لها، وقد لبى طلبي مشكورا؛ وقاسم جمعة دكتوراه في الفلسفة من الجامعة المستنصرية، ورسالته كانت عن "أريك فروم".

آلان دونو وفي كتابه "نظام التفاهة" يستشهد بجملة من مقالة "لماذا الأكاديميون سيئون في الكتابة" لأستاذ علم النفس في جامعة هارفرد ستيفن بنكر بالقول: "الكتابة الاكاديمية هي كتابة متعفنة"، ويعقب عليها دونو بالقول "محبطة، ولكنها صادقة"، وهذا صحيح الى حد ما، فأن الكتابات الاكاديمية تكون متكلفة جدا، ويلفها الغموض، وتجد صعوبة في تفكيك اوصالها، ووضعها تحت مشرط النقد، خصوصا ان اللغة المستخدمة تتصنع الصعوبة والتعقيد، فاللغة او "المخارج اللفظية تبقى آخر أسلحة البورجوازية" كما يشير الى ذلك انجلز.

(عنف يختتن العقل.. او درس في العنف الثقافي الغربي) هذا هو عنوان الورقة البحثية، والتي تكونت من 24 صفحة، انه يدرس العنف في الثقافة الغربية: "في البدء كان العنف ولم يكن نعيم ولم تكن كلمة" ف "الخلق اخراج للعنف" و "الحياة مسيرة للعنف" و "الحب عنف" و "العقل عنف"، العنف يصبح جوهرا قائما بذاته لا موضوعا "فالعنف لم يعد موضوعا ينبغي سبر غوره عقلانيا، بل أصبح المنطق والثقافة من ملحقاته، وصار له عقل خاص به".

اول شيء يلفت انتباهك هو العنوان "عنف يختتن العقل"، فمعروف ان الختن لغة واصطلاحا هو القطع "قطع جزء من العضو التناسلي"، واللغة الشعبية تسمي الختان ب "الطهور" عكس النجاسة، (هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك يختن منكم كل ذكر. فتختنون في لحم غرلتكم فيكون علامة عهد بيني وبينكم) الإصحاح السابع عشر من سفر التكوين، والختان يعد من طقوس العبور كما يشير الى ذلك الأنثربولوجيون، أي الانتقال من مرحلة الى أخرى؛ هنا فان العنوان يحمل إشكالية: فهل قصد منه ان "العنف يقطع-يستأصل- العقل او جزءا منه" او "يطهره من النجاسة" او ينقله الى "مرحلة أخرى"؟ ثم لماذا يدرس "خطاب العنف في الثقافة الغربية"؟ لم لا يدرس العنف في الخطاب العربي وتحديدا في العراق؟ ونحن نمر بموجة عنف غير مسبوقة، فقد أصبحنا نموذجا للتقارير والدراسات والبحوث العالمية.

في كل الورقة البحثية يغيب العامل الاقتصادي، "الصراع الحاصل تحكمه عوامل عدة، من بينها أصول ثقافية محايثة لأصل الحرب.. واهم مصادر الصراعات الكامنة في العالم المعاصر الزعم بان الناس يمكن تصنيفهم تصنيفا متفردا مؤسسا على الدين والثقافة" او "فالإرهاب لا ينتج عن وضع اقتصادي مثلما يرى الزواوي بغورة-الذي يوافقه ويتفق معه قاسم جمعة- انما من خيال ثقافي، ويستمد قوته من ثقافة الاعذار والتساهل التي يستفيد منها الارهابيون" لهذا "فأن العنف ظاهرة عصية على التجميد، مثلما يرى رينيه جيرار".

تغييب الاقتصادي هو منطق الفلسفة البورجوازية التام، فدائما ما يستبدل الاقتصادي بالعامل الديني او الفكري، "خيال ثقافي" او "أصول ثقافية"، انها جوهرة العرضي، فالثقافة والدين يبقيان ضمن البناء الفوقي، الذي يتأثر بالواقع الاقتصادي، وهذا ليس معناه ان لا يكون لهما تأثير، الا انه يبقى نسبيا؛ لكن هذا المنطق الذي يحكم هذه الورقة البحثية ليس جديدا ابدا، فمرد العنف الى "خيال، عقل، ثقافة" هو منطق يخدم الطبقة المسيطرة، انه يزيل عن كاهلها قضية الواقع المعيشي والحياتي؛ ما هو سبب الإرهاب في مجتمعنا؟ انها العقلية المتخلفة، انه الدين، انها الثقافة؛ لا يوجد ابسط من هذه الأجوبة الجاهزة، والتي انتشرت داخل صفوف "الانتلجانسيا" وباتت هي الخطاب الرسمي والسائد.

أيضا فان الورقة البحثية هذه جعلت العنف شيئا قائما بذاته "الشيء بذاته" الذي لا يمكن تفسيره، ولا يمكن إيقافه او "تجميده"، فالعنف يدخل في كل شيء، في "اللغة، العقل، الحياة، الحب"، ف "اين هو ذاك العقل اللاعنيف، مكانه زمانه؟" مرة أخرى قاسم جمعة يجوهر الظاهرة، وليس في هذا المنطق شيء مدهش او غريب، فهو المنطق الذي يحكم هذا البحث، لكن لماذا العنف هو الذي يحكم العالم؟ اكيد ليس لأن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية سيئة، وليس بسبب التفاوت الطبقي الصارخ، انما لأنه في "البدء كان العنف" ف "العنف يحتك بالعنف، وتصير حركة التاريخ الحضاري صراع بين عنفين يحاول كل منهما السيطرة والتمركز"، لقد انفصل العنف في الورقة البحثية عن الواقع، وبدأ هو من يشكل الواقع، صار جوهرا غير قابل للتفسير "فالعنف سيدا والعقل هو من يخدمه"، انه ليس ظاهرة اجتماعية لها بنية مادية محددة، انما الحياة ما هي الا صراع بين عنف وعنف آخر، انها أخر صيحة في عالم التفسيرات للإيديولوجية البورجوازية.

في السطور الأخيرة من هذا البحث يناقض قاسم جمعة ما قاله في كل ورقة البحث بالقول "لا يعني ما قلنا اعلاه ان رهان الثقافة عنف" وينسف كل الورقة، فبعد ان كان العنف "سيدا والعقل هو من يخدمه" تحول في الأخير الى ان "الثقافة ليس غريبا عليها الركون للعنف"؛ وبعدها يدعو الدكتور قاسم الى "التفاهم خارج منطق الرفض العنيف للثقافة"، اما سبل مواجهة بطش وسطوة العنف، فهو يحددها "بامتلاك أدوات التحليل التي تتيحها العلوم الإنسانية"، وهو هنا ينتهي من مشكلة عويصة، قال عنها فيما سبق انها -أي العنف- لا يمكن "تجميده" او انهاؤه، لكنه يتراجع عن هذا الفهم في اخر السطور، معبرا عن تهافت في المنطق الذي يحكم هذه الورقة.

لقد ساهم الدكتور العزيز قاسم جمعة بقراءة للعنف، الا انه وللأسف لم يخرج من منطق الإيديولوجيا البورجوازية، بل كان في صميم منطقها وفكرها، وذلك ليس غريبا او شاذا فهي الايدولوجيا السائدة في الجامعات، وهي التي تحكم وتتحكم في كل الكتابات التي تظهر على السطح، وهي المسيطرة والمهيمنة على الواقع الحالي، لهذا فأن اغلب الأوراق البحثية التي تقدم لمؤتمرات كهذه لا تخرج ابدا من هذه الأيديولوجيا.

في النهاية، فأن هناك أستاذا جامعيا، كان قد حضر المؤتمر، والطريف بالامر انه نام منذ دخوله القاعة الى ان أعلن مقرر الجلسة عن نهايتها، ولا اعلم هل يقتله السأم والملل من هذه المؤتمرات، ام انه يرى في لغة البحوث المقدمة ذات منطق التكرار الذي لا جديد فيه؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون يعلن البدء ببناء ميناء مؤقت في غزة لإستقبال المساع


.. أم تعثر على جثة نجلها في مقبرة جماعية بمجمع ناصر | إذاعة بي




.. جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ


.. ما تأثير حراك طلاب الجامعات الأمريكية المناهض لحرب غزة؟ | بي




.. ريادة الأعمال مغامرة محسوبة | #جلستنا