الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


و رحل طائر النورس الحزين

ياسر إلياس
شاعر

2022 / 5 / 22
الادب والفن


تصدق عليه مقولة " بقي طفلاً فبقي شاعراً "

تعرفت عليه من خلال كتاب " مظفر النواب شاعر المعارضة السياسية" الذين أعارنيه صديق حين كنت في الصف العاشر ، إلى أن أقمتُ في دمشق " زورڤا " وادي المشاريع الغربية رفقة العائلة في بيتٍ مستأجر ككل دراويش تلك الحقبة البائسة ، و كثيراً ما كنت أتناوب العمل و الدراسة الجامعية لإعانة نفسي على مصاريفها اليومية الكثيرة و في يوم أياري / أيار/ صيف سنة1998
بينما كنت أُؤدي عملي في استقطاب الزبائن أمام باب فندق إقامة الصالحية وقع نظري عليه خارجاً من مقهى هاڤانا الذي اعتاد على ارتياده ، اعترضته نصف اعتراض فكأنه لاحظني و أحس بموجة حب تتحرك نحوه و كان خبيراً في التقاط ذبذبات المحبة و المودة ، سلمتُ عليه بحرارة ،قال: بعيونك ود ، قلتُ : نعم ، و تبادلنا حديثاً قصيراً كان كافياً لصداقة دامت إلى حين مغادرتي و مغادرته لدمشق و سوريا للأبد و انقطاع ما بيننا بعد الحرب و أهوالها، جمعتني به لقاءات كثيرة في منزله الكائن في مشروع دمر ، في إحدى المرات زرته و في يدي كتاب في النحو لابن عقيل ، لم ينس بعد السهرة حين مغادرتي أن يعيرني رواية للكاتب الألماني هرمان هسه( ذئب البراري) قائلاً : اقرأه إنه أكثر فائدة من كتب النحو ، و في إحدى المرات كنا في طريقنا إلى بيته الجديد في الصالحية إذ طالعتنا شجيرات قصيرات لا تتجاوز متراً في طولها كانت تزين المنصف على طول الطرقات ، قال: هذه نسميها عندنا في العراق ( الجعفري) و بعد هنيهة طالعتنا شجرة ضخمة وارفة تتجاوز في ارتفاعها سبعة أمتار فوقف في ظل الشجرة و كأنه يسمعها أو يخاطبها أو ينشد في حضرتها رافعاً يديه الاثنتين يحاكي بها ارتفاع شموخ الشجرة و علوها قائلاً :

"و هذا المام جلال الطالباني " و مطها كأنه يجرها إلى قمة الشجرة ،ثم شرع يضحك ضحكته الجميلة النادرة ، كنت أبطئ عليه و أتغيب لشهرٍ أو شهرين لدواعيي الكثيرة ، ثم أزوره فيفتح الباب ، تتوهج عتبة الباب من أشواق عينيه الصافيتين ، "معاتباً : هاي وين تغط ، لا تغيب هالشكل " لاحقاً جارنا في السكن أشركنا في خطه الهاتفي ، كان يدق : يسلم بكلماته العذبة الطفولية الفرحة و أشواقه الصافية الصادقة " يا الله ، تعال ،الشاي عالنار لا تتأخر " .

كنتُ عنده في بيته حين أمسكوا بصدام حسين ، تلقى هاتفاً من صديق يعلمه بالخبر ، أوشك أن يطير فرحاً ، قائلاً : الحمدلله إلي عشنا و شفنا نهايته..
اعتقد أنها نهاية سكة الآلام و طريق المآسي !
لقد كان مخطئاً ، ما حدث بعدها كان أنكى و أدهى!
مظفر النواب مثلنا ، صدمته الحياة ، و أوجعه واقعها المؤلم ، أطلق كل ما في جعبته من الشتائم ، الأطفال شديدو الحساسية حين يغضبون ينفجرون بالشتائم.

كان مثلنا لم يحلم سوى بوطن قابل للعيش ، وسط أهله و أصدقائه ، رحل و لم يكحل عينيه بذلك الوطن ..!

مظفر النواب
أبا عادل الكبير الجميل
العالم أقل جمالاً برحيلك يا سيدي
و داعاً …








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس