الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذكرى السنوية السابعة لرحيل البياتي

مهدي النجار

2006 / 9 / 16
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


جدلية الشعر واللغة..البياتي نموذجاً
تبدو اللغة كما الحصان الجامح، الصعب المراس، إذا لم يُحسن الفارس (الشاعر) امتطاءها، قيادتها، ترويضها، حبها، أسقطته أرضاً، جعلته يتعثر في مصائدها الكثيرة: "اللغة اخطر النعم" طبقاً لتوصيف هيلدرن. هذا هو السبب الذي نعتقد أدى إلى نجاح أو إخفاق الشعراء. العقل التقليدي القار يُعقر اللغة ويفسد عليها رشاقتها الخلاقة، المجددون في العقل ( الأفكار والمعرفة) هم وحدهم يتجددون في اللغة، لان "اللغة نظام من الإشارات يعبر عن الأفكار". المجددون يتكفلون بالنماذج الإبداعية بشكل يستحق التقدير والإعجاب، لفت نظرنا بدرجة مذهلة البياتي (عبد الوهاب) حين اقتحم شعر الآباء والأجداد، كان فيلاً عظيماً هشم زجاج نوافذ فترة كاملة من فترات تحجر اللغة كي يتسرب إليها هواء العالم:

لغة الأسطورة
تسكن في فأس الحطاب الموغل في الغابات
اللغة العذراء.
فلماذا رحل الملك الأسطوري الحطاب؟ مات مغني الأزهار البرية
مات مغني النار
مات مغني عربات الحرب الآشورية تحت
الأسوار


تجاوز البياتي بامتلائه المعرفي الإفراط الرومانسي (نازك الملائكة) والاهتزازات والدغدغات العاطفية (نزار قباني)، كذلك تجاوز الأناشيد البكائية والمفردات المُنهكة بالجراحات والآهات والأنات (بدر شاكر السياب) ليسير وحيداً، متفرداً، متميزاً، شامخاً، لان " ثمة نقطة بعد تجاوزها لا يعود في وسع المرء أن يتقدم إلا وحيدا" حسب تعبير اندريه جيد، خصوصيته الشعرية عبارة عن شظايا من الأسئلة، عبارة عن استفهامات شعرية حادة تتعلق بالوجود ومصائر البشرية، لذا نلاحظ أن القطيعة الكبرى بينه وبين مجايليه وأسلافه تكمن في مخيال التمرد والانتفاضة:
لماذا يا أبتِ أنفى في هذا الملكوت؟
لماذا تأكل لحمي قطط الليل الحجري الضارب

في هذا النصف المظلم من كوكبنا؟
ولماذا صمت البحر؟
هذا عصر شهود الزور، وهذا عصر مسلات
ملوك البدو الخصيان
لماذا يا أبتِ لم ترفع يدك السمحاء
بوجه الشر القادم من كل الأبواب؟
نتحدث عن البياتي بمثابة متذوقين، قراء، مُتلقين، وليس كنقاد أدبيين لان كفاءتنا في هذا المجال غير كافية وبالتالي فلا نستطيع أن نحكم بآلية نقدية على خصوصيته ولحظات تأسيسه. ما يمكن تلمسه هو مهارته الفائقة في امتطاء ناصية اللغة،


تطويعها، وقيادتها باتجاه صناعته المخيالية الفارهة، الفسيحة، لان الشعر هو نتاج الممارسة اللغوية، فهو يتطور ويتغير، انه يخضع للتاريخية مثله مثل أي شئ على وجه الأرض، وهذه – أي المهارة اللغوية- لا تتأتى إلا ساعة حيازة الشاعر على قدر واسع من المرجعيات والمتكآت الثقافية المفتوحة( فلسفة/تاريخ/تراث/لغة/نفس....)تؤهله على كيفية التفكر والتفطن بالأشياء ثم تشكيلها شعرياً، بمعنى أن الشاعر بحاجة إلى امتلاء معرفي متنوع ومتعمق (الامتلاء ابتلاء) تجعله قادراً على الغور في أعماق النفس البشرية لاستجلائها واستشرافها، وكذلك التعاطف مع صيحات المنفيين والمستلبين والفقراء "في كل بقاع الأرض المحكوم بها، بالموت على الإنسان"، على هذا الأساس تقوم جدلية الشعر والمعرفة، فالإملاق المعرفي والرخاوة الثقافية تنتجان شعراً هشاً وآفلاً، حتى لو امتلك صاحبه أدوات فنية عالية المستوى. لاحظنا البياتي يلعب بجودة ساحرة بمنجزات أشياخه الشعراء، خاصة شيخه المتنبي، يطوعها كراقص باليه في ملكوت شعره:
كان الروم أمامي وسوى الروم ورائي
وأنا كنت أميل على سيفي منتحراً تحت الثلج- وقبل أفول النجم القطبي
وراء الأبراج
. فلماذا سيف الدولة ولى الأدبار؟


يقتحم الدوائر الكونية ويوغل في الغابات، يتجول في أوربا وينام على بوابة"توليدو"، يستمع إلى موسيقى البحر الوحشية، يتلاقى مع زملائه المنفيين، خاصة أولئك المدريديين الكبار، البرتي، لوركا، ماشودو:
كل عذابات الأسبان تعود، لتولد منها:
هذي النار الزرقاء: الكتب- الموسيقى-الأشعار-اللوحات.


لكن ماذا أورثت القطيعة الكبرى، التمرد والثورة، هذا البياتي الاعجازي:
شعري أورثني: هذا الفقر القاتل: هذا الحب:اللهب: السيف القتال
سيحز به عنقي يوماً من اجل الفقراء.
على أي حال، يأخذنا الحديث طويلاً عن البياتي المدهش فلا نريد أن نطيل لأننا بين أساتذة أكفاء درسوا إبداعه وكلما اطلنا في الكلمات ازدادت أخطاؤنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الغوطة السورية .. قصة بحث عن العدالة لم تنته بعد ! • فرانس 2


.. ترشح 14 شخصية للانتخابات الرئاسية المرتقبة في إيران نهاية ال




.. الكويت.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصب


.. حماس ترحب بمقترح بايدن لإنهاء الحرب.. وحكومة نتنياهو تشترط|




.. الجبهة اللبنانية الإسرائيلية.. مزيد من التصعيد أو اتفاق دبلو