الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حريق الذكرى، و أي ذكرى ؟

خالد بوفريوا
صحفي

(Khalid Boufrayoua)

2022 / 5 / 26
حملات سياسية , حملات للدفاع عن حقوق الانسان والحرية لمعتقلي الرأي والضمير


منت أحمد موسى

_و رأيت الشهداء واقفين،كل على نجمته،سعداء بما قدموا للموتى الأحياء من أمل...

هكذا يارفيقي يغادرنا رجال الوطن،كأي شمعة ظلت تضيئ عمرا فلما انطفأت خلفت في القلب ظلمة حارقة، ينقشع بعدها الضباب الكاذب و تشخص الحقيقة على جسد الأرض و تصبح الجنائز محض مشاهد ننقلها إلى الذاكرة فتنفجر بركانا من الغضب.

العهد يارفيقي هو ألا نتمثل الصلح سوى في جملة واحدة: "نريد الشهيد حيا..نريد بضري حيا"، نريده سالما من طيش المجازر و غدر الخناجر و سكتة النهاية،نريده عائدا من برزخه البعيد،يبلغنا السلام و البطولة و يمضي إلى طريق اختارته حين قل السالكون. كيف ننصفه إذن؟؟ أ حين نستودع له في القلب حيز الحزن الذي يشتد عند ذكراه؟؟ أم حين لا نجد كيف نقف على طابور التاريخ سوى هواة للرثاء؟؟ أم أننا حقا أبعد من أن ننصفه؟ إنه أكبر من أي قصيدة أو شعور،إنه بحجم معركة،بحجم حرب.

سيتسع السؤال و تتفتح حقول الرؤى، سيحيلنا الزمن إلى لحظة الشهادة، لحظة أصبحنا فيها جميعا أصحاب ثأر،تناثرت على الخارطة آثار الدم المسفوك،و توغلت فينا خطى الشهيد المفتدى. أبدا لن تكون لحظة نطويها،لن ننزع عنها بشاعتها و لن نرميها كعظام جمجمة،سننشر على حبل الغسيل أكاذيبهم و نرميهم بالحقيقة، حقيقة من ماتوا فباتوا أخلد الأحياء.

إني أبحث في حريق هذه الذكرى عن لغة تحاور نفسها،عن شاهدة قبر تحمل جرحنا المكلوم، و عن أي إجابة تمحو الظلمة التي حولت الوطن سراديبا. أما آن يا رفيق أن نمسك بجدائل الثأر و بقوة الفعل حقا؟ أما آن أن ندرك حجم المأساة و كبر الفاجعة؟ بالله قلي يارفيق، متى نأتي، جميعنا، و قد علق كل منا على كتفيه عهد الشهيد و تحمل وزر الوطن دون أن يتثاقل القلب و الضمير؟

_عن أي ثأر تتحدثين؟ أقولها بنبرة راديكالية -غير مصطنعة- وما المعنى الحقيقي لهذا الأخير أصلا؟

هل تعلمين ما الثأر الذي تصدح به أضلع عبد الرحيم يوميا من تحت الثرى؟... دعيني أخبرك :

الشهيد يريد الاستمرار في باكورة الصراع مع من يبتغون طمر أحلامنا، الشهيد تفتح شهيته تجسيدنا اليومي للمبادئ والقيم و الاستقامة الحقة مع شعاراتنا، بضري الحي يريدنا بالقلم أولا ولا غير. وهذا هو الثأر الحقيقي الموسوم بالمعنى السياسي و العلمي الأكثر استقامة،هذا هو التمسك بجدائل الثأر وبقوة الفعل حقا.

بضري يريدنا أن نفكك بدون كلل أو ملل، على طريقة _المهدي عامل_ [ ضد الظاهر من الأمور، وضد الوعي المتسطح في البديهي، وضد التجريبي الخادع في كتابه "نقد الفكر اليومي" ]، أن نجتهد لبلورة مقاربات جديدة في دوامة الصراع مع جارنا الشمالي وكل أبنائه الذين استنسخهم. الشهيد يا رفيقة يحبنا أن نقوم بدحض أطروحات، مقدمات، توجهات عامة، نظريات، تصورات (...) أصبحت، بفعل براديغم التجهيل و التسطيح المبتذل، هي الممارسة المقدسة السليمة التي لا تعلوا فوقها ممارسة.

عبد الرحيم يريد اتحاد كل المواقع و الجبهات وتوضيح كل المواقف ولتكن _ المجابهة في الضوء _ على حد تعبير عامل المهدي .

صدقيني، هذا هو جلباب الثأر الذي تعزفه أضلع الشهيد الملتهبة منذ عشية 19 ماي | أيار من سنة 2018، وهنا أحيلك على ما كتبته على هامش ذكراه الثانية كي أذكر نفسي و أذكرك بعظمة الحمل الذي يكبر يوما بعد يوم ونحن عنه غافلون :

(... أخبرني أرجوك أي طُرق أسلك وأنا بجنب الثرى أحتضن مدمعي المُغرغر، يا من تركتنا نُجرجر سليل أفكارنا وسط دولاب الانحراف الأخلاقي والتذبذب السياسي والخواء الفكري وغوغائية الأنا، في انتظار غبش الصُبح الذي طال...)

لن أُحدثك عن قائمة الشحاذين على عتبات ممسوخ الرباط، ولا من يُهللون لمخططاته التخريبية، ولن أغدش صفوة مزاجك بأنباء الثوار الكتبة، من يضعون المواقف و الجوارب على عتبة التساوي، ولن أُصدع رأسك برعاع العِرق الآري (مومس الأكشاك الجامعية)، ولا بنو جلدتنا ؛وُعاظ ثرثرة السلام و بغاء الإصلاح (من تكرشوا حتى عادوا بلا رقبة)، لكن سأسرد لك باعا طويلا ممتدا لمن تركتهم خلفك :

مواقف الرفاق و درب المسير الدامي و مجد ذاكرة لا تشيخ، فمنذ أن حلت تلك السحابة الحلكاء وسط رمضانية ذلك النهار المُشمس، من تركت لهم نص أمانة الرسالة، لم ينم لهم جفن إلا و صانوا حق أحقية عهدها، و سوط النقد الذاتي و صفعه الحار لا يفارق أرصفة المسير. دمك لم (ولن) يذهب سدى، أما روحك صارت ’’قسما’’ بين فلول من ودعتهم بالأمس القريب، و بكاء من حملوا نعشك لن يكون من ملح و لن نترك اللذة الأخيرة تدب في خلايا من يقارعون الخمرة بجماجمنا، فخلف كل قيصر يموت قيصر جديد و نُباح الفاشستيين سيتحول لصمت مطبق.

إمنحني بهاء اللحظة الأخيرة : لأني لن أطقطق شفتاي بعبارة (لروحك سلام)، ولن أجيئك بما دَمْدَمَ به نيرودا بابلوا ( أبدا لن تستطعوا وقف زحف الربيع)، لكن كل ما في جعبتي، بعد أن ضاقت الغصة في حشرجة الأفئدة المكلومة، قول مُدوٍ للمشتبك أكرره على دفاتر موتك البهي :

"وظيفتنا أن لا نثأر فقط، وظيفتنا أن نحسن عمل الثأر."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: المؤسسة الأمنية تدفع باتجاه الموافقة


.. وزير خارجية فرنسا يسعى لمنع التصعيد بين إسرائيل وحزب الله في




.. بارزاني يبحث في بغداد تأجيل الانتخابات في إقليم كردستان العر


.. سكاي نيوز ترصد آراء عدد من نازحي رفح حول تطلعاتهم للتهدئة




.. اتساع رقعة التظاهرات الطلابية في الولايات المتحدة للمطالبة ب